القوانين هي قواعد عامة مجردة تطبق على جميع الأشخاص دون تمييز، تطبق على جميع الوقائع بلا استثناء، وأي تمييز في القوانين يخرجها من مسارها وهدفها القائم على العمومية والتجريد.
لكن لُوحِظ في المنظومة القانونية اليمنية وجود نصوص ومواد قانونية تمييزية ضد المرأة حرمتها من حقوقها وأخلّت بميزان العدالة، الذي يفترض أن القانون هو المنصة المتساوية التي يرتكز عليها ميزان العدالة والإنصاف.
تمييز قانوني
تتضمن المادة رقم (20) من قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لسنة 1992، والتي تنص على أنه “يصح أن يتولى عقد الزواج عن طرفيه شخص واحد ينطق بصيغة الإيجاب والقبول في مجلس العقد”؛ ففي هذا النص تغييّب لحق المرأة في حضور عقد قرانها، وبالتالي يمكن لوليها الذكر أن يزوجها دون علمها لمن يرغب وفقًا لمزاج ولي أمرها.
والمادة (156) من القانون نفسه تنص على أنه “لا يحكم للزوجة بأكثر من نفقة سنة سابقة على المطالبة القضائية ما لم يتفق الزوجان على خلاف ذلك”؛ فيترتب عليه حرمان المرأة من حقها في النفقة الشرعية من زوجها الذي يهجرها سنوات ويقصر حقها في المطالبة بنفقة سنة واحدة فقط، وحرمانها من حقها في النفقة للسنوات الماضية، وهذا نص تمييزي ضد المرأة يحرمها من حقها في النفقة الشرعية طوال سنوات الهجران وليس سنة فقط .
يرى الناشط الحقوقي والمحامي مختار الوافي أن هناك تمييزًا بيّنًا في حق المرأة اليمنية من المشرع؛ فمثلا المادة (71) في قانون الأحوال الشخصية رقم 20 لسنة 1992م، تم حذفها كاملاً في التعديل الجديد للقانون، والتي كانت تنص على أنه إذا طلق الرجل زوجته وتبين للقاضي أن الزوج متعسف في طلاقها دون سبب معقول، وأن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقة؛ جاز للقاضي أن يحكم لها على مطلقها بحسب حالة ودرجة تعسفه بتعويض لا يتجاوز مبلغ نفقة سنة لأمثالها فوق نفقة العدة، وللقاضي أن يجعل دفع هذا التعويض جملة أو شهريًا بحسب مقتضى الحال.
تعاني المرأة اليمنية جراء التمييز القانوني الذي يمارس ضدها، من العديد من الآثار السلبية، كتعرضها للزواج المبكر والقسري الذي يؤثر على حياتها الاجتماعية والصحية.
يرى “الوافي” في حديثه لـ “مواطن” أن هذه المادة تم الغاؤها في القانون المعدل، والذي اعتبره خطأ، حرم المرأة الذي يطلقها زوجها تعسفًا من حقها في التعويض. ويضيف “كنا نتوقع أن يتم رفع سقف التعويض، لكن فوجئنا بإلغاء المادة دون مبرر، وإلغاؤها هو تمييز ضد المرأة اليمنية وحرمانها من حقها في التعويض من الطلاق التعسفي”.
أما في قانون الجرائم والعقوبات المادة (42) والذي جاء في نصه “دية المرأة نصف دية الرجل، وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل وينصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقرير من طبيب مختص أو أهل الخبرة، وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى مالم يقدر أرشة؛ فيلزم حكمه بما تراه وتقدره المحكمة”؛ فهذا النص القانوني يخالف مبدأ المساواة الذي ينص عليه الدستور اليمني؛ حيث انتقص قانون العقوبات دية المرأة إلى نصف ديّة الرجل.
حقوق مهدورة نتيجة التمييز القانوني
تعاني المرأة اليمنية جراء التمييز القانوني الذي يمارس ضدها، من العديد من الآثار السلبية، كتعرضها للزواج المبكر والقسري الذي يؤثر على حياتها الاجتماعية والصحية.
تقول الناشطة الاجتماعية مها عون خلال حديثها لـ “مواطن“: “إن التمييز القانوني يعزز الصورة النمطية الجنسية الضارة، ويقود النساء إلى أدوار محدودة وتقليدية، مما يؤدي إلى تقليل مشاركتهن في الحياة العامة، وتقليل نفوذهن في المجتمع، كما يضع التمييز القانوني النساء في مواقف خطيرة من الناحية الصحية، على سبيل المثال، زواج القاصرات الذي يؤدي إلى مشكلات صحية وجسدية ونفسية خطيرة.
والبرهان على ذلك، ما جاء في المادة 15 من قانون الأحوال الشخصية، والتي تنص على أن “عقد ولي الصغيرة بها صحيح، ولا يمكن المعقود له من الدخول بها ولا تزف إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء، ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة، ولا يصح العقد الصحيح إلا لثبوت مصلحة”.
وهذا النص القانوني شرعن بشكل خطير زواج القاصرات؛ حيث حلل هذا النص القانوني زواج القاصرات، واعتبر عقد الزواج بالقاصرات صحيح وهذا خطأ قانوني معيب؛ إذ لم يحدد سنًّا محددة لصحة الزواج، وترك مسؤولية تحديده على الولي الذكر. وبالإضافة إلى ذلك؛ فإن التمييز القانوني يجعل النساء في اليمن عرضة للعنف والإساءة، ويؤثر على حياتهن الاجتماعية والنفسية، وهذا يؤدي بحسب مها عون إلى تدهور حالة النساء في المجتمع اليمني، مع تزايد مستوى الفقر والاستبداد.
وفي هذا الصدد تقول مدير اتحاد نساء اليمن بمحافظة تعز جنوب غرب البلاد، صباح أحمد، لـ “مواطن“: إن القانون لا يحمي المرأة من العنف الزوجي أو العنف الأسري، وإذا تم تطبيق عقوبات على الزوج المعتدي فإنها لا تكون كافية وغير رادعة بما يكفي لمعاقبة العنف الذي تعرضت له المرأة.
من جهتها تضيف عون أن القانون اليمني لا يعتبر العنف الأسري جريمة صريحة، وينظر إليه عادةً على أنه” مسألة خاصة”، مما يضع النساء المتضررات من العنف الأسري في موقف صعب. كما ينبغي أيضًا ذكر قضية الحضانة؛ حيث يتم منع الأمهات في كثير من الأحيان من الحصول على حضانة أطفالهن بعد الطلاق، أو يُمنحن حقوق زيارة محدودة، مما يؤثر على العلاقة بين الأم والطفل”.
موقف الدستور اليمني
أوضح الدستور اليمني والذي يعد أعلى المنظومة القانونية التي يفترض أن تخضع لها كافة درجات المنظومة وألا تعارضه، على المساواة وعدم التمييز ضد المرأة في نصوص متعددة.
تنص المادة41، على أن المواطنين جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة. والمادة 31 نصت على أن “النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة، وينص عليه القانون”. المادة (24): تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًا وثقافيًّا وتصدر القوانين لتحقيق ذلك.
مواجهة التمييز القانوني ضد المرأة في اليمن يتطلب مجموعة من الخطوات الاستراتيجية والتعاون على الصعيدين الوطني والدولي
كما أن الدستور لم يقتصر فقط على التأكيد على المساواة؛ بل طالب الدولة بضمان تحقيقها وجعل ذلك التزامًا قانونيًا. ولن يتحقق التكافؤ في الفرص بين جميع المواطنين ما لم يتم القضاء على التمييز ضد المرأة، وأن يتجاوز الجميع التمييز ويكونوا متساوين بدون استثناء.
وفي حال ظهور أي تمييز، يجب على الدولة إصدار قوانين تجرم التمييز وتعتبره عملًا مجرّمًا يعاقب عليه مرتكبه، بحسب المحامي الوافي. ووفقًا لهذا النص الدستوري؛ فإنه ليس كافيًا إصدار قوانين تضمن المساواة؛ بل يجب أيضًا تعديل القوانين المخالفة التي تمكن التمييز وتحول دون تحقيق المساواة.
حلول ومعالجات
إن تأثير القوانين التمييزية ضد المرأة يعكسها تحديات كبيرة تواجهها النساء في اليمن، ويتطلب الأمر تبني استراتيجيات وحلولاً فعالة للتغلب على هذا التمييز القانوني وتحقيق المساواة الجندرية الشاملة.
وفي هذا السياق تقول عون: “إن مواجهة التمييز القانوني ضد المرأة في اليمن يتطلب مجموعة من الخطوات الاستراتيجية والتعاون على الصعيدين الوطني والدولي، مشيرةً بذلك إلى بعض الحلول الممكنة التي يمكن العمل عليها للتغلب على التمييز القانوني ضد المرأة في اليمن ومنها:
إعادة النظر في التشريعات القائمة وإعادة صياغتها لتحقيق العدالة الاجتماعية والتوافق مع الشرع الحقيقي، كذلك التأكيد على الالتزامات الدولية وتطبيق الاتفاقيات التي تحمي حقوق المرأة، وأيضًا التركيز على التعليم والتوعية لتغيير العقليات وتحقيق التوازن في الحقوق والواجبات”.
وبحسب الوافي فإن مجمل الحلول والمعالجات السابقة، هو تنفيذ إجراءات متعلقة بالسياسات الوطنية للنهوض بالمساواة بين الجنسين في مجالات البرامج والسياسات الحكومية المراعية للاعتبارات الجنسانية.
كذلك وضع حد للعنف ضد المرأة من خلال سن قوانين تتصدى للعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وتنفيذها لحماية النساء، وفرض العقوبات المناسبة على مرتكبي العنف.