“لا تقول إسرائيل للمدنيين في غزة اذهبوا للبحر واغرقوا؛ بل يمكنهم الذهاب إلى صحراء سيناء؛ فهناك مكان كبير فارغ، سيقوم المجتمع الدولي بتأسيس البنية التحتية لهم، من خيام وماء وغذاء”. هكذا تحدث نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني إيالون، وهو قيادي في حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني، الذي انضم رئيسه أفيغدور ليبرمان لحكومة الحرب التي شكلتها إسرائيل بعد انطلاق عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر.
وعن سبب إصراره على نزوح سكان القطاع نحو سيناء، قال: “إنه لا يوجد أمامهم غير مصر، وإذا لم يدخلوها فإلى أين سيذهبون؟”.
توافقت هذه الدعوة مع مطالبة جيش الاحتلال، الذي دعا في بيان له، الجمعة “كافة سكان مدينة غزة إخلاء منازلهم والتوجه جنوبًا من أجل حماية أنفسهم، والتواجد جنوب وادي غزة”، مؤكدًا أنه “لن يُسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان يسمح بذلك”. في قرار؛ أكدت الأمم المتحدة أنه يطال 1,1 مليون شخص، وحذرت من تبعاته “المدمّرة”.
موقف عربي موحد
جاء الرد العربي على دعوات تهجير سكان قطاع غزة موحدًا على رفض البيان، وأكدت الدول العربية على أنها لن تقبل بأي عمليات تهجير، ومحذرين من مخطط إسرائيلي لتصفية من القضية الفلسطينية؛ حيث أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أن مصر: “لا ولن تتأخر عن مساعدة الفلسطينيين، لكن خروجهم من بلادهم يعني تصفية القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب جميعا”.
وقال خلال حفل تخريج طلاب الكليات العسكرية، يوم 12 من أكتوبر، أن بلاده تستضيف 9 ملايين نزحوا من بلادهم بسبب الاضطرابات الدائرة فيها، موضحًا أن “الوضع مختلف مع الفلسطينيين الذين يجب أن يبقوا في بلادهم، ومواصلة الصمود حفاظًا على قضيتهم وأرضهم، ويتحتم على مصر ألّا تتركهم”.
ظهرت خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لأول مرة عام 1956، وتأتي كجزء من مشروع "غيورا آيلاند"، والذي يتضمن ضم جزء من سيناء إلى قطاع غزة، مقابل منح مصر أراضي من صحراء النقب.
وعبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن “رفضه الكامل” لتهجير السكان من غزة، محذرًا من “نكبة ثانية”. وخلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عمّان، يوم 13 من أكتوبر، شدد “عباس” على “ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على سكان غزة بشكل فوري وحمايتهم، والرفض الكامل لتهجير سكان القطاع، لأن ذلك سيكون بمثابة نكبة ثانية للشعب الفلسطيني”.
من جهته، حذّر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال لقائه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في عمان، يوم 13 من أكتوبر، من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة. وحذّر الملك من “أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية، أو التسبب في نزوحهم”، مؤكدًا ضرورة “عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين”.
كما أعلنت السعودية، رفضها القاطع لدعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة، وإدانتها لاستمرار استهداف المدنيين العزّل هناك، وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان يوم 13 من أكتوبر، إن المملكة جددت مطالبتها للمجتمع الدولي بسرعة التحرك لوقف كافة أشكال التصعيد العسكري ضد المدنيين، ومنع حدوث كارثة إنسانية، وتوفير الاحتياجات الإغاثية والدوائية اللازمة لسكان غزة.
وجدت هذه المواقف العربية الرافضة لتهجير سكان قطاع غزة، أثرها في رفض وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بشكل قاطع فكرة طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، قائلا: ” إنه يجب أن يكونوا قادرين على البقاء في موطنهم بينما تقاتل إسرائيل حماس”. وأضاف: “نعتقد أن الناس يجب أن يكونوا قادرين على البقاء في غزة، موطنهم، ولكننا نريد أيضًا التأكد أنهم خارج دائرة الخطر، ويحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها”.
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، قال: “إن بيان مجلس الأمن القومي المصري بخصوص هذا الشأن حدد معالم الحركة خلال المرحلة الحالية؛ حيث تعمل القاهرة على التواصل مع كل الجهات الفاعلة من أجل التوصل لإدخال المساعدات ووقف إطلاق النار، وأن أمن مصر القومي هو خط أحمر، ولن يتم تحت أي ظرف الموافقة على خلق وطن بديل للفلسطينيين في سيناء”.
وأضاف حجازي، لـ“مواطن“، أن سكان قطاع غزة غير راغبين على الإطلاق في مغادرة أراضيهم لتيه جديد، وهم يعيشون بين أنقاض منازلهم ولن يهجروا الوطن، ولا يمكن السماح لليمين الإسرائيلي المتطرف من تحقيق هذه الأفكار الهدامة التي أدانها المجتمع الدولي. كما أشار إلى أن الموقف المصري هو التمسك بحل الدولتين، الذي يجب أن يكون دومًا هو الأساس لأي مفاوضات تقود لحل القضية.
مخطط قديم يعود للواجهة
ظهرت خطة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء لأول مرة عام 1956، وتأتي كجزء من مشروع “غيورا آيلاند“، والذي يتضمن ضم جزء من سيناء إلى قطاع غزة، مقابل منح مصر أراضي من صحراء النقب. ورغم فشل المخطط لسنوات، إلا أنه عاد وطُرح من جديد في الثمانينات، ثم عام 2019، ضمن ما يسمى “صفقة القرن”، التي حاولت أمريكا العمل عليها، والآن يطرح المشروع مجددًا مع العدوان الإسرائيلي على غزة.
ومخطط “غيورا آيلاند”، والذي استمد اسمه من واضعه، هو جنرال الاحتياط الشهير غيورا آيلاند، الذي شغل منصب رئيس قسم التخطيط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ورئيس مجلس الأمن القومي من 2003 إلى 2006. وتسربت ملامح المخطط لأول مرة في سنة 2000، وكانت مبنية على انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة والذي تحقق فعلاً سنة 2005.
وفق المخطط، تنقل مصر إلى قطاع غزة، أراضي من سيناء، تبلغ مساحتها 720 كيلومترًا مربعًا، عبارة عن مستطيل ضلعه الأول يمتد على طول 24 كيلومترًا على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط من رفح غربًا حتى العريش، وبعرض 20 كلم جنوبًا، إضافة إلى شريط يقع غرب كرم أبو سالم جنوبًا، ويمتد على طول الحدود بين إسرائيل ومصر. وتؤدي هذه الزيادة إلى مضاعفة حجم قطاع غزة نحو 3 مرات، ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12% من أراضي الضفة الغربية التي ستضمها إسرائيل إليها، شاملة الكتل الاستيطانية الكبرى، وغلاف مدينة القدس.
ومقابل هذا التنازل واقتطاع مساحة من سيناء، ستحصل مصر من إسرائيل على منطقة جنوب غربي النقب، توازي تقريبًا مساحة المنطقة التي ستتنازل عنها، وبعد ذلك تسمح إسرائيل لمصر بارتباط بري بينها وبين الأردن، من خلال حفر قناة بينهما، وستمر القناة التي يبلغ طولها نحو 10 كيلومترات من الشرق إلى الغرب، على بعد 5 كيلومترات من إيلات، وتكون خاضعة للسيادة المصرية. كما اقترح “آيلاند” أن تطرح أوروبا المشروع وتتبناه الولايات المتحدة ومصر والأردن، لكن الفلسطينيين رفضوه تمامًا.
قال مندوب فلسطين السابق لدى جامعة الدول العربية، السفير بركات الفرا: “إن سيناء هي أرض لمصر، أرض مصرية خالصة، ولا يمكن أن تفرط مصر في ذرة من تراب سيناء، بالإضافة إلى هذا أيضًا ففلسطين هي أرض الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أيضًا أن يفرط في ذرة منها، وبالتالي فالذين يتحدثون عن التهجير إلى سيناء أو غير سيناء، أو إلى أي مكان آخر في العالم؛ فكلامهم هراء، والشعب الفلسطيني ثابت على أرضه ولا يريد إلا أرضه، ولا يمكن أن يكون هناك أي تفكير في الهجرة خارج فلسطين”.
وأضاف “الفرا” لـمواطن: “اليمين المتطرف في إسرائيل يتمنى تهجير أهالي غزة نحو سيناء من أجل الخلاص من القضية الفلسطينية، وحل الدولتين والضغوط العالمية، وبالتالي هم يطرحون هذا الطرح على أساس أنه فيما لو تحقق -وهو لن يتحقق-، وبالتالي يكونون قد تخلصوا من القضية الفلسطينية، وبالتالي تصبح فلسطين كلها محتلة من قبل إسرائيل، وهم يعرفون أن هذه الأمنية لن تتحقق”.
وتابع “هم يعملون على تخويف سكان القطاع، ويمارسون الآن أقوى وأعنف حرب شهدتها المنطقة على قطاع غزة المكتظ بالسكان، ويطلبون منهم النزوح من الشمال للجنوب، ولكن قطاع غزة كله يبلغ طوله أربعين كيلو مترًا، والمساحة من الحدود إلى البحر يتراوح بين سبعة ونص إلى اثني عشر كيلومترًا؛ وبالتالي فكل المساحة 63 كيلومترًا مربعًا، يسكن فيها 2.5 مليون نسمو، ويعني هذا أنها ستكون أعلى كثافة سكانية في العالم”.
وأشار إلى أن إسرائيل تعلم جيدًا أن هذا الحديث للاستهلاك المحلي، لن يكون ولا يمكن أن يتحقق، لأن هذا معناه انتهاء القضية؛ فاليوم ينقل سكان غزة إلى سيناء، وغدًا ينقل سكان الضفة إلى الأردن، وهم يتحدثون عن نظرية الوطن البديل منذ سنين، ولكن كل هذا هراء لا ينطلي على الشعب الفلسطيني.
ماذا حدث في النكبة؟
شهدت الأراضي الفلسطينية في 1948 تهجيرًا قسريًا لنحو 750 ألف فلسطيني، وتم محو قرى بأكملها، واقتلعت بساتين الزيتون، وانقطعت روابط الأجيال بالأرض.
وأكد تقرير صادر عن الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، في 14 مايو الماضي، أن عدد الفلسطينيين تضاعف نحو 10 مرات منذ النكبة عام 1948، ويُقدر اليوم بحوالي 14 مليونًا و300 ألف، بينهم حوالي 6 ملايين و400 ألف لاجئ.
وأضاف الجهاز أنه “رغم تهجير نحو مليون فلسطيني في 1948 وأكثر من 200 ألف فلسطيني بعد حرب يونيو/حزيران 1967؛ فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في العالم 14 مليونًا و300 ألف نسمة نهاية 2022؛ ما يشير إلى تضاعف عدد الفلسطينيين نحو 10 مرات منذ أحداث نكبة 1948”.
يحتاج الشعب الفلسطيني من العرب المساندة الحقيقية، من جميع النواحي؛ سواء إعلاميًا وسياسيًا وماديًا ومعنويًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وأن تقف الدول العربية وقفة رجل واحد، لأن هناك من يتحدث فقط عن القضية دون أي فعل حقيقي
وبشأن أماكن انتشار الفلسطينيين؛ أفاد المركز الفلسطيني بأن حوالي نصفهم (نحو 7 ملايين و100 ألف نسمة) موجودون في فلسطين التاريخية، بينهم نحو مليون و700 ألف في أراضي عام 48. وأوضح أن عدد السكان في الضفة الغربية، بما فيها القدس قد بلغ نهاية عام 2022 نحو 3 ملايين و200 ألف نسمة، وحوالي مليونين و200 ألف نسمة في قطاع غزة.
ووفقا للجهاز، فإن “الفلسطينيين يشكلون 50.1% من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، فيما يشكل اليهود 49.9%”. وكشف أن “حوالي 28.4% من اللاجئين المسجلين لدى الوكالة (أونروا) يعيشون في 58 مخيمًا رسميًا تابعًا لها” في فلسطين ودول الجوار.
تأثيرات الموقف العربي
الكاتبة والمحللة السياسية البحرينية سوسن الشاعر، تقول: “إن أهم ما في الموضوع أن الموقف العربي واحد وحازم، ووقف صفًا واحدًا، وكان الرفض بتهجير أهل غزة وإخراجهم من أراضيهم وبيوتهم صوتًا واحدًا وكلمة واحدة؛ سواء في جمهورية مصر أو في السعودية أو الإمارات والبحرين، وجولة بلينكن أكدت كما قال هو أيضًا في مؤتمره الصحفي، بأن تهجير الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم مسألة غير منطقية ولن تحدث، ولن يرضى بها أي من الحلفاء”.
وتضيف “الشاعر” لـمواطن: “تغيرت النبرة الأمريكية، وصرح الرئيس جو بايدن بأن قتال حماس أو إنهاء حماس أو أيًا كانت الخطة تجاه حماس، لا ينفي ضرورة وجود مسار آخر لدولة فلسطينية، هذا الخطاب الذي يختلف عن 7 أكتوبر و8 أكتوبر لم يأت من فراغ؛ بل أتى من الموقف العربي الموحد الذي وجده بلينكن في جولته في الدول العربية”.
وطلبت الكاتبة البحرينية من الفصائل الفلسطينية أن توحد موقفها وتنبذ خلافاتها الداخلية، وتتوافق على السعي نحو تأسيس الدولة الفلسطينية، وما لم تتحد الكلمة الفلسطينية، فإنه يعني أن أيًا من كان حليفًا فلهم لن يستطيع أن يخدمهم، لأن هذا التناقض يشكل خدمة لإسرائيل، كما يجب الثقة والتنسيق مع الدول المجاورة، والدول التي لها ثقل عربي.
بدوره يقول “الفرا”، إن الشعب الفلسطيني يحتاج من العرب المساندة الحقيقية، من جميع النواحي؛ سواء إعلاميًا وسياسيًا وماديًا ومعنويًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وأن تقف الدول العربية وقفة رجل واحد، لأن هناك من يتحدث فقط عن القضية دون أي فعل حقيقي، والمطلوب هو التزام بالقضية الوطنية الفلسطينية، وليس مطلوبًا منهم أن يحاربوا عن فلسطين، ليس مطلوبًا إطلاقًا من الدول العربية أن تحارب عن الشعب الفلسطيني.