طالبت ثمان جمعيات سياسية بحرينية لطرد السفير الإسرائيلي من البلاد، وإلغاء التوقيع على الاتفاقيات الإبراهيمية التي وقعتها قبل ثلاث سنوات، بعد الجرائم المروعة ضد الإنسانية والانتهاك الصارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان، التي ارتكبها “الكيان اللقيط” -حسب البيان الصادر عنها- جراء العدوان الأخير على غزة.
وذلك تجاوبًا مع حالة الشارع البحريني والمظاهرات التي خرجت ضد إسرائيل والتطبيع، ودعت وزارة الخارجية البحرينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتهدئة والوقف الفوري للتصعيد، حفاظًا على الأرواح والممتلكات، إثر متابعة تطورات الأوضاع في قطاع غزة بين الفصائل الفلسطينية والقوات الإسرائيلية.
وحذرت من أن استمرار القتال سيكون له تأثيرات سلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة، والجهود الرامية إلى إحلال السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط، وطالبت المجتمع الدولي بالاضطلاع بمسؤولياته، والعمل على وقف الاقتتال بين الطرفين وحماية المدنيين وفقًا للقانون الدولي الإنساني، والدفع بجهود العملية السلمية، وإقامة الدولة الفلسطينية وفق حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية.
وعادت الوزارة في التاسع من الشهر ذاته لتؤكد على ضرورة الوقف الفوري للقتال “الدائر بين حركة المقاومة حماس والقوات الإسرائيلية، محذرةً من أن الهجمات التي شنتها حماس تشكل تصعيدًا خطيرًا يهدد حياة المدنيين، معبرةً عن أسفها البالغ للخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، وعن تعازيها لأسر الضحايا، وتمنياتها للمصابين بالشفاء العاجل”.
وفي اليوم التالي أصدر السفير الأمريكي في البحرين ستيفن غريغ بوندي بيانًا شمل فيه الموقفين الأمريكي والبحريني معًا، وقال: “تدين كلتا الدولتين الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس (…)”، وإن “نهج حماس للعنف والقتل والرعب والإرهاب، هو بمثابة طريق يؤدي إلى المجهول”.
مشيرًا إلى أن البحرين والولايات المتحدة ستواصلان جهودهما لـدعم حل الدولتين، الذي يضمن للفلسطينيين والإسرائيليين الديمقراطية والفرص والكرامة، مختتمًا البيان بالإشادة بتوقيع البحرين للاتفاقيات الإبراهيمية.
مطالبات وقف التطبيع
على المستوى الشعبي؛ خرجت عدد من التظاهرات في قرى البحرين ومدنها مؤيدة للعملية العسكرية التي نفذتها حركة المقاومة، وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، كما نظمت وقفتين تضامنيتين؛ إحداهما أمام السفارة الفلسطينية، وأخرى بعنوان “مع طوفان الأقصى”، نظمتها جمعية مناصرة فلسطين، شارك فيهما مئات المشاركين/ات، كما طالبت الشخصيات المشاركة في الوقفة الجماهيرية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني بتنظيم من تنسيقية الجمعيات السياسية البحرينية بوقف التطبيع مع إسرائيل.
وطالب النائب الأول لرئيس مجلس النواب البحريني عبد النبي سلمان “بوقف المجازر وحمامات الدم والتنكيل بالآمنين والأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، والإصرار على محاسبة قادة الكيان الصهيوني أمام محاكم دولية عادلة”.
كما طالب الحكومة وبقية الحكومات العربية التي وصفها بالـ “المندفعة نحو التطبيع مع العدو الصهيوني” بوقف كافة أشكال التطبيع مع “دولة الكيان الغاصب، وطرد ممثلي الكيان من أراضينا إلى غير رجعة”.
وسانده في هذا الطلب النائب ممدوح الصالح، والذي طالب في جلسة مجلس النواب بطرد السفير الإسرائيلي إثر المجازر، التي يرتكبها الصهاينة بحق الفلسطينيين، حد تعبيره.
وأضاف سلمان لمواطن: “هناك رفض تام من قبل أعضاء مجلس النواب للتطبيع مع الكيان الصهيوني؛ فهم في الأساس ممثلون للشعب، والشعب بكل فئاته يرفض التطبيع مع العدو الصهيوني؛ فالمجلس أدان العدوان على غزة، كما أعلن عن تبرع للحملة الوطنية لدعم غزة، ونساهم -كل من موقعه- في فضح ممارسات الاحتلال، وتأصيل الموقف الشعبي الداعم للقضية الفلسطينية”.
فلسطين قضية البحرينيين الساكنة في القلب، لا تتزحزح منذ الطفولة وحتى الكهولة
وكانت البحرين وقعت في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، لتصبح واحدة من ست دول عربية في معسكر التطبيع الرسمي، وكان هناك نوع من العلاقات السرية السابقة لتدشين العلاقات الدبلوماسية، أشار لها ملك البحرين حمد آل خليفة، في فبراير/شباط 2005، خلال أحد لقاءاته بالسفير الأميركي في المنامة، والذي أكد في تصريحات سابقة على ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام عادل ودائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين قائم على حل الدولتين.
وعقب إعلان التطبيع منذ ثلاث سنوات، دشن هاشتاج #بحرينيون_ضد_التطبيع على موقع (X)، والذي لا يزال نشطًا حتى اليوم، وأعلنت في حينه القيادة الفلسطينية رفضها تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبحرين، واصفة ذلك بــ “خيانة للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية”، كما اعتبرت الخطوة “دعمًا لتشريع جرائم الاحتلال الإسرائيلي البشعة ضد أبناء الفلسطينيين”. وعزا محللون خطوة البحرين نحو التطبيع، هي خطوة أمنية بالأساس تتعلق بمخاوف إيرانية.
واعتبر عبدالهادي مرهون، النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأسبق أن “حكومة البحرين والحكومات العربية المطبعة، وضعوا أنفسهم ضد الإرادة الشعبية، إذ بينما هم ينادون بالتطبيع، يشاهد المجتمع والعالم أن إرادة المجتمع بكافة فئاته ضد التطبيع، ويعبرون عن هذا الموقف بشجاعة بكافة الوسائل المتاحة والتضامن الشعب الفلسطيني في محنته”.
ويضيف: “الشعب البحريني بمختلف مكوناته يقف إلى جانب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه، وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين، كما يتفق جميع أبناء البحرين على رفض جميع صور التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب”.
فلسطين، قضية رئيسية
وعلى عكس الموقف الرسمي آزر خمسة من كبار علماء الدين -الشيعة- في البحرين في بيان أثنى على الهبَّة البطولية الشجاعة لأبناء فلسطين المحتلة في عملية “طوفان الأقصى”، والتي أذلّت العدو الغاشم، وأثبتت أنّه كيان هشّ لا يقوى على الصمود أمام المواقف الإيمانية البطولية، كما أعلنوا مؤازرة الصمود الأسطوري لأبناء غزة الأبطال أمام الهجوم البربري على مدينة غزة، والذي استهدف الأبرياء من نساء وأطفال، في مشاهد تقشعر لها الأبدان، لتؤكد أنّ هذا الكيان البربري لا يمتلك وسيلة إلا قتل العزّل الأبرياء في بيوتهم ومساكنهم. حسبما جاء في البيان.
ما يحدث في فلسطين وغزة تحديدًا، ما هو إلا جريمة حرب بامتياز، تطهير عرقي، إصرار على إبادة جماعية، وحصار إجرامي على غزة، كارثة إنسانية وسط صمت عربي ودولي مطبق.
وترى الشاعرة والأديبة جميلة الوطني أن “القضية الفلسطينية هي قضيتنا الخارجية المركزية الأولى، وأن فلسطين قضية البحرينيين الساكنة في القلب، لا تتزحزح منذ الطفولة وحتى الكهولة، لكن ما يميز موقف شعب البحرين ثباته، كمواقف بقية البلدان العربية التي تطالب بوقف الحرب على غزة وإبادة الشعب؛ فموقفه تجاه حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس موقف لا يباريه أي موقف شعبي عربي”.
وتضيف: “أما الفعاليات التي ينظمها الشعب البحريني دعمًا للقضية الفلسطينية؛ فتعد من وجهة نظري أضعف الإيمان، وتعتبر أكثر الفعاليات تأثيرًا وتأثرًا؛ فهي دولة صغيرة المساحة، ولكن لشعبها مواقف كبيرة وجليلة تجاه دعم فلسطين أرضًا وإنسانًا ودعم مؤسساته”.
وطالبت في حديثها مع مواطن، بإنهاء التطبيع مع العدو الصهيوني المجرم قاتل الأطفال والنساء -حد وصفها-، وأكدت على أنه مع المجازر التي قام ويقوم بها العدو، فقد حان الوقت لقطع العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية معه، وغلق السفارة الصهيونية وطرد السفير من أراضي البحرين، وإعادة سفيرنا من عاصمة الكيان الصهيوني التي نؤمن أنها أراضٍ فلسطينية محتلة”.
واتفق معها النيابي السابق عبدالجليل خليل، مضيفًا لـمواطن: “فلسطين هي القضية الرئيسية، وعلى الجميع بمختلف توجهاتهم/ن و تياراتهم/ن وعقائدهم/ن أن يبتعدوا عن خلافاتهم/ن، وأن يقفوا مع أهلنا في فلسطين؛ فلا عذر عند من يتخلف عن الدفاع عن فلسطين كل فلسطين شبرًا شبرًا؛ فالقدس مازالت محاصرة، وغزة تحت القصف ليلًا ونهارًا، والعدو الصهيوني مازال يقتل النساء والأطفال، ويهدم البيوت والمساجد والكنائس والمستشفيات، المطلوب تقديم الدعم والمساندة بالموقف والكلمة والمال، وكل حسب قدرته وطاقته سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا”.
ويواصل خليل: “في نظري بعد قصف المستشفى المعمداني، وسقوط أكثر من 500 شهيد؛ فالعدو الصهيوني بلغ مبلغًا كبيرًا في القتل وسفك الدماء، وإذا مرت هذه الجريمة دون رد فعل فسيذهب الى أبعد مدى في القتل والبربرية والعنجهية، ولذلك فعلى الحكومة أن تطرد السفير الصهيوني وتغلق السفارة، وهذا ليس مطلبي فقط؛ بل مطلب الجميع؛ فقتلة الأطفال والمحتلون لا يجب أن يدنسوا أرض البحرين”.
وهو ما لم يختلف معه عبد الهادي مرهون قائلًا: “أثبتت الأحداث أن تطبيع عدد من الدول العربية والإسلامية مع هذا الكيان، لم يزده إلا غطرسة وطغيانًا وامعانًا في الظلم والقتل؛ فإن رد الفعل الطبيعي والمنطقي إزاء جريمته النكراء، هي المطالبة بتجميد جميع خطوات التطبيع، وطرد السفير الصهيوني واستعادة السفير البحريني، والعودة بقوة الى جميع قيم ومبادئ الوعي والتضامن مع القضية الفلسطينية، خصوصًا وأن خطوات التطبيع تمت بمعزل عن الإرادة الشعبية ودون الرجوع للسلطة التشريعية”.
وقالت النائبة في البرلمان البحريني عن كتلة “تقدم” إيمان شويطر لمواطن: “إن ما يحدث في فلسطين وغزة تحديدًا، ما هو إلا جريمة حرب بامتياز، تطهير عرقي، إصرار على إبادة جماعية، وحصار إجرامي على غزة، كارثة إنسانية وسط صمت عربي ودولي مطبق؛ بل مواقف مخزية. نحن ندعم المقاومة الفلسطينية، نقف معها في نضالها العادل ضد الكيان المحتل”.
وتكمل حديثها: “امتد القصف إلى المستشفيات ليودي بحياة المرضى والجرحى والمصابين؛ فعلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن وحقوق الإنسان، وعلى الأنظمة العربية المتخاذلة، أن تستجيب لنداءات واستغاثات أطفال ونساء وشيوخ وشعب فلسطين”، وتدعو ختامًا مثل سابقيها من ساسة بحرينيين، لإلغاء اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني وطرد السفير.
ويعلق عبد الهادي مرهون بأن: “إسرائيل تصفع الإنسانية على وجهها بتنفيذ جريمة إبادة وإطلاق آلة القتل الإسرائيلية التي لا تستهدف الشعب الفلسطيني فقط؛ إنما تستهدف البشرية والإنسانية على حد سواء؛ فهل يصحو ضمير العالم ويحول دون تنفيذ القتلة لجرائمهم الشنيعة”.
تعيش البحرين حالة من التناقض الشديد بين موقف رسمي دبلوماسي في التعامل مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقية التطبيع، وشارع يرفض وجود تمثيل دبلوماسي على أرضه، وينتظر كل فرصة ليعلن أنه لا يقبل بالتطبيع، ويناصر حق الفلسطينيين/ات بالكامل في مقاومة الاحتلال.