بعد أشهر من الصراع الدائر في السودان، قرر رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، القيام بعدة زيارات خارجية، شملت دولًا عربية؛ مصر والسعودية وقطر، ودول الجوار مثل جنوب السودان وأوغندا، وكان ملاحظًا عدم ذهاب البرهان إلى الإمارات؛ في إشارة إلى غضب الحكومة السودانية من الدور الذي تلعبه الإمارات في الصراع السوداني.
ومنذ اندلاع الصراع، تم توجيه اتهامات عدة لأبوظبي بأنها الجهة الخفية التي دفعت قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس مجلس السيادة سابقًا محمد حمدان دقلو “حميدتي”، نحو الدخول في صراع مفتوح مع الجيش السوداني، تحت ذريعة أن قيادات الجيش يسيطر عليها أفراد يتبعون الإخوان المسلمين، أو ما يسمى شعبيًا بـ”الكيزان”.
وتحدثت عدة تقارير صحفية عن قيام دولة الإمارات، بتزويد قوات الدعم السريع بأسلحة تم نقلها من أبوظبي عبر عدة مسارات قادمة من دول الجوار؛ سواء من ليبيا أو أفريقيا الوسطى أو إريتريا، ولكن النشاط الأكبر والذي تم التركيز عليه هو استخدام أبوظبي لمساعداتها الإنسانية لــ “تشاد” لتهريب السلاح لقوات حيمدتي، بعدما قامت بإنشاء مستشفى ميداني في منطقة قرب الحدود السودانية، وتحويل مطار “أم جرس المجلي” إلى مطار شبه عسكري لتلقي المساعدات القادمة من أبوظبي، مستغلة علاقاتها القوية بالرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي.
لقاءات وزيارات
منذ اندلاع الأزمة في السودان، تعددت اللقاءات الرسمية بين قادة الدولتين، وفي 24 من يوليو، التقى الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان وزير دولة، مع محمد إدريس ديبي إتنو، الرئيس الانتقالي لجمهورية تشاد، وبحث الجانبان خلال اللقاء العلاقات التي تجمع دولة الإمارات وجمهورية تشاد، وفرص وإمكانيات تطويرها ودفعها إلى الأمام، لما فيه مصلحة البلدين.
كما التقى الوزير الإماراتي مع محمد النضيف وزير الشؤون الخارجية والتكامل الأفريقي والتشاديين في الخارج، واستعرض الجانبان خلال اللقاء مجالات التعاون بين دولة الإمارات وجمهورية تشاد، وسبل تطويرها ودعمها.
وعقب هذه الزيارة، قام محمد إدريس ديبي بزيارة أبوظبي مرتين خلال فترة زمنية قصيرة؛ الأولى كانت في 14 من يونيو الماضي؛ حيث التقى بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات، شملت عدة مذكرات تفاهم في المجال العسكري، وفي مجال الطاقة والتعدين، واتفاقية قرض بين تشاد، وصندوق أبوظبي للتنمية.
وعاود ديبي الابن، زيارة أبوظبي في 11 من سبتمبر، ولدى وصوله أرض المطار، استقبله وزير العدل الإماراتي معالي عبدالله النعيمي، وسفير البلاد لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، السيد كيدلا يونس حاميدي وعدد من أعضاء بعثة السفارة التشادية.
ويقول طاهر زيني، رئيس تحرير جريدة رفيق إنفو التشادية لـ”مواطن“: “إن زيارات ديبي الابن المتكررة إلى الإمارات مرتبطة بالاتفاقات ذات الصلة، ومع ذلك، يبدو أن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد ليس متحمسًا لأداء ديبي وفقًا للاتفاق المتفق عليه، وظهر هذا خلال الزيارة الثانية لأبوظبي؛ حيث لم يتمكن ديبي من رؤية “بن زايد” بعد مرور ثلاثة أيام، وعاد إلى تشاد كما ذهب”.
مساعدات عسكرية ومناورات
قدمت الإمارات، وفي 6 من أغسطس الماضي، آليات عسكرية ومعدات أمنية إلى تشاد، وذلك لتمكينها وتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الإرهاب، ودعم برامج حماية الحدود، حسب وكالة الأنباء الإماراتية. وقام سعادة راشد سعيد الشامسي، سفير دولة الإمارات لدى تشاد، بتسليم الآليات والمعدات إلى معالي الفريق ركن داوود يحيى إبراهيم، وزير الدفاع التشادي، بحضور رئيس الأركان العامة ورئيس الاحتياطي الاستراتيجي للجيش التشادي وكبار الجنرالات.
كما أعلنت، وفي 4 من أكتوبر، عن انطلاق التمرين المشترك “السيف القاطع”، بين وحدات من القوات البرية لدولة الإمارات مع الجيش التشادي؛ حيث يقام في الأراضي التشادية بهدف التطوير والتنسيق المشترك بين الجانبين، ورفع الجاهزية القتالية للوصول إلى الاحترافية، بحسب ما أوردته وزارة الدفاع الإماراتية. وقالت وزارة الدفاع الإماراتية: “يأتي التمرين ضمن التمارين العسكرية المشتركة متعددة الأطراف التي تجريها قواتنا المسلحة مع قوات الدول الشقيقة والصديقة، بهدف اكتساب المزيد من الخبرات الميدانية ورفع الكفاءة القتالية في بيئات مختلفة، وتطوير المفاهيم والعقائد العسكرية بين الأطراف المشاركة في التمرين”.
وعن هذا التعاون العسكرية يعلّق طاهر زيني: “إن المناورات العسكرية تتعلق بالاتفاق الدفاعي الذي تم التوصل إليه بين البلدين في يونيو الماضي، ومع ذلك؛ فإنها تأتي أيضًا في سياق تطورات الأوضاع في الإقليم والصراع الجيوسياسي”.
الواجهة؛ مستشفى ميداني
افتتحت الإمارات في يوليو الماضي مستشفى ميداني في “أم جرس” في تشاد، بحضور راشد سعيد الشامسي، سفير الإمارات، ووزير الصحة التشادي وعدد من المسؤولين الحكوميين التشاديين، وممثلين عن المؤسسات الإماراتية المشرفة على تنفيذ المشروع والفريق الطبي الإماراتي.
ويضم المستشفى خمسة عنابر بسعة كلية 50 سريرًا قابلة للزيادة؛ حيث تتم متابعة حالة المرضى بشكل دقيق وتقديم العلاج اللازم لهم. وأكد الشامسي، أن دولة الإمارات تراقب الأوضاع الإنسانية التي يمر بها الشعب السوداني الشقيق، وتأثيراتها على الدول المجاورة، وتسعى من خلال مؤسساتها الإنسانية إلى تقديم كافة أوجه الدعم للتخفيف من المعاناة الإنسانية، وتأمل أن يساهم المستشفى الميداني في تقديم أفضل الخدمات العلاجية للأشقاء السودانيين.
وقام محمد إدريس ديبي إنتو رئيس المجلس الانتقالي في تشاد، في أكتوبر الماضي، بزيارة للمستشفى الإماراتي الميداني في المدينة، وكان في استقباله الدكتور علي سلطان السناني القائم بأعمال مدير المستشفى والفريق الطبي العامل به. وتجول الرئيس التشادي في المستشفى، واستمع إلى شرح مفصل من الدكتور علي سلطان السناني عن سير عمل المستشفى والمهام والواجبات التي يضطلع بها، وطبيعة الخدمات الطبية والعلاجية التي يقدمها وما يحتويه من أقسام مختلفة.
اتهامات وشهادات
كشفت منصة التحقيقات “إيكاد”، في يونيو الماضي، عن أدلة، تشير إلى تورط أبوظبي في دعم قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية في السودان، بالطائرات المسيرة. وأشارت المنصة في تحقيق نشرت تفاصيله في حسابها على “إكس”، إلى استخدام قوات الدعم السريع لطائرات مسيّرة في 13 من يونيو، ونجاح الجيش السوداني في إسقاط مسيّرتين أثناء استهدافهم سلاح المدرعات. وأكدت المنصة، أنها تحققت من الهجمات المسيرة لقوات الدعم السريع، وتوصلت إلى دليلين أكدا صحة هذه الهجمات، أولهما صورتان صحيحتان نُشرتا في اليوم ذاته (الثلاثاء 13 من يونيو) لمسيّرات أسقطها الجيش في أماكن مختلفة بالخرطوم، والدليل الثاني كان انتشار تغريدات كتبها شهود عيان عصر الثلاثاء، أكدوا فيها رؤيتهم لمسيّرات حلقت صباحًا قرب سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة.
🔻 حللنا صور الذخيرة التي حملتها المسيّرات والتي انتشرت صورها على مواقع التواصل، ليتبيّن لنا أنها ذات نوعية الذخيرة التي ظهرت في أبريل الماضي، حينما استولى الجيش السوداني على أسلحة للدعم السريع. pic.twitter.com/q2whkpQUwe
— Eekad - إيكاد (@EekadFacts) June 19, 2023
ويوضح تقرير غير منشور أعده محققو الأمم المتحدة، وتم تقديمه إلى مجلس الأمن، وحصلت عليه صحيفة التايمز البريطانية، تفاصيل حصول اللواء “حمدان” على صواريخ أرض جو من قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة في أبريل ومايو، وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن فاغنر قدمت الصواريخ، وقال مسؤولان سودانيان إن هذه الطائرات استخدمت لإسقاط عدة طائرات مقاتلة سودانية.
وتتلاقى هذه الاتهامات، مع تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، نشرتها في 10 من أغسطس الماضي، تحت عنوان “حليف للولايات المتحدة وعد بإرسال مساعداتٍ إلى السودان، أُرسلت أسلحة بدلًا من ذلك“، اتهمت فيها الإمارات بنشر الأسلحة التي تُغذّي الصراع المُستمرّ في السودان. وأكّد مُعدّا التقرير، “نيكولاس باريو” و”بينوا فوكون”، أنّ الإمارات “تقوم بتغذية الحرب في السودان مِن خلال شحنات الأسلحة التي قتلت آلاف الأشخاص“.
وبحسب الصحيفة؛ فإنّ الإمارات تراهن على “دقلو” للمساعدة في “حماية المصالح الإماراتية في السودان”، بموقع البلاد الاستراتيجي على البحر الأحمر، وإمكانية الوصول إلى نهر النيل، إضافةً إلى احتياطيات الذهب الهائلة التي تحظى بها الدول الأفريقية.
كما أضاءت الصحيفة على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي الزراعية السودانية، وحصة في ميناء بقيمة 6 مليارات دولار على البحر الأحمر، تعتبرها الإمارات مصالح لها في السودان، ولكن الإمارات، نفت الاتهامات التي ذكرتها “وول ستريت جورنال”، وقالت عفراء محش الهاملي مديرة إدارة الاتصال الاستراتيجي بوزارة الخارجية، إن الإمارات ترفض بشكل قاطع وحاسم الادعاءات حول قيامها بتزويد أطراف الصراع في السودان الشقيق بالأسلحة والذخيرة.
لكن النفي الإماراتي لم يمنع جريدة “نيويورك تايمز” من التحقيق في الموضوع، ونشرت الجريدة في 29 من سبتمبر، تقريرًا أتى فيها أن الإمارات تدير تحت ستار إنقاذ اللاجئين، عملية سرية متقنة لدعم أحد الأطراف في الحرب المتصاعدة في السودان؛ حيث تقوم بتزويده بأسلحة قوية وطائرات بدون طيار، وعلاج المقاتلين المصابين، ونقل الحالات الأكثر خطورة جوًا إلى أحد مستشفياتها العسكرية.
وتتمركز العملية في مطار ومستشفى، في بلدة نائية عبر الحدود السودانية في تشاد “أم جرس”؛ حيث تهبط طائرات الشحن الإماراتية بشكل شبه يومي منذ يونيو، بحسب صور الأقمار الصناعية والمسؤولين الذين تحدثوا على أساس عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة المعلومات الاستخبارية الحساسة.
ويشير التقرير إلى أن الإمارات تستخدم المساعدات الخاصة بها لإخفاء دعمها العسكري لقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف بعلاقاته طويلة الأمد مع الإمارات.
ورصدت “مواطن”، قيام الإمارات بإرسال طائرات إلى مدينة أم جرس على الحدود بين السودان وتشاد في 23 يوليو و30 يوليو و5 أغسطس و11 أغسطس و16 أغسطس و20 أغسطس و30 أغسطس و3 سبتمبر، وأعلنت أنها تحتوي على مساعدات إنسانية للاجئين السودانيين الفارين من الحرب الأهلية، والمواطنين التشاديين الموجودين في المناطق الحدودية.
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أصبح الآن أكثر من 400 ألف شخص لاجئين في تشاد، منهم؛ 86% من النساء والأطفال.
بدوره يقول المتحدث باسم قبيلة الزغاوة في مدينة أم جرس وضواحيها، عبد الرحمن موسى حقار: “إن دولة الإمارات لها تواجد في مدينة أم جرس في مطار المدينة، وقد عملوا على إنشاء مستشفى ميداني، ولكن هذه المستشفى هي ستار لدعم قوات الدعم السريع السودانية، عبر إمدادهم بالسلاح والدعم اللوجيستي”. وأضاف حقار، لـ “مواطن“: “نناشد العشائر بالوقوف سويًا من أجل العمل على طرد الإمارات من تشاد، بسبب موقفهم من قوات الدعم السريع، كما أن علاقتنا مع دولة السودان هي علاقات متجذرة وتاريخية، ونحن في أم جرس لا نقبل ما تقوم به الإمارات”، واتهم الإمارات بتحويل مطار أم جرس لخدمة أهدافها، وأنه لا يوجد له أهداف تجارية أو إنسانية.
تطوير مطار أم جرس
تظهر صور الأقمار الصناعية وبيانات تتبع الرحلات الجوية أن مطار أم جرس كان يتوسع ليصبح مطارًا صاخبًا على الطراز العسكري، يبدو أنه يتجاوز احتياجات المستشفى الصغير؛ حيث تم إنشاء ملجأين مؤقتين للطائرات، وحظيرة طائرات، وتم توسيع مجمع المستشفى وإنشاء مخزن للوقود.
ومن أم جرس، يتم نقل الأسلحة لمسافة 150 ميلًا شرقًا إلى زوروغ، مركز قوات الدعم السريع الرئيسي، وهي قاعدة في إقطاعية الجنرال حمدان في شمال دارفور، وفقًا لمسؤولين سودانيين وتشاديين والأمم المتحدة، بحسب ما ذكر تقرير نيويورك تايمز.
وبحسب موقع الرئاسة في تشاد، يتكون مطار أم جرس من مجموعة من أحد عشر مبنى، جميع هذه المباني مرتبطة بقنوات فنية ومساحة معبدة بالكامل، مع ثلاث مناطق مخصصة للركاب والمكاتب والجناح الرئاسي؛ حيث تفقد رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق محمد إدريس ديبي إتنو جميع هذه المرافق للتعرف عليها مستمعًا خلال جولته للشرح الذي يقدمه المدير العام للشركة المنفذة للمشروع.
وكانت عملية بناء المطار مقررة في الثاني والعشرين من أكتوبر 2015، غير أن الانطلاقة الفعلية كانت في العام 2016، وتوقف العمل بالمشروع مرتين بسبب الإمكانيات الفنية والمالية، وقد وصل المشروع حاليًا إلى مرحلته النهائية ويستقبل بعض الطائرات.
المحلل السياسي السوداني عبد الغفار المهدي، يقول لـ”مواطن“: “إن الإمارات مصرة على دعم قوات الدعم السريع لعدة أسباب استراتيجية؛ على رأسها سرقة الذهب السوادني، والاستفادة من الموارد السودانية، وأطماعها وتعاونها مع إسرائيل الخفي؛ مثل مسالة أراضي الفشقة وغيرها، كما أن دعم دقلو ومليشياته يجعل لديها جيشًا من المرتزقة يمكن أن تسيطر به على خيرات المنطقة ونهب ثروات أفريقيا”.
وترسل الإمارات السلاح إلى قوات الدعم السريع عن طريق نقله جوًا، متخفىًا في شحنات الإغاثة التي تنقلها تشاد من جهة، وأريتريا من جهة أخرى، كما تنقل السلاح إلى من إفريقيا الوسطى – دولة تتواجد قوات فاغنر-، وكذلك تسعى الإمارات للسيطرة على الموانئ السودانية على البحر الأحمر.
وحول وجود سلاح إماراتي على الأرض؛ يقول “المهدي”، إن الجيش السوداني وجد بالفعل أسلحة إماراتية مع قوات الدعم السريع، وهناك علامات استفهام حول موقف الجيش لأنه لم يتهم الإمارات بشكل واضح بأنها تقف خلف قوات دقلو، ليس هذا فقط؛ بل استخدمت أبوظبي نفوذها للتأثير على موقف دول جوار السودان، حتى لا تنحاز لموقف الجيش، ومن هذه المواقف التدريبات العسكرية التي أجراها سلاح المشاة الإماراتي مع نظيره التشادي على الأراضي التشادية.