على الرغم من حجم الجرائم التي ارتكبها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحق الفلسطينيين، لم ترتفع شعبيته في الداخل الإسرائيلي، كما تنظر التحليلات بأن نهايته السياسية باتت وشيكة، من بعد عملية طوفان الأقصى، والتي كشفت ضعفه وهشاشة نظام الأمن الإسرائيلي، كما حملت لجنة تحقيق حكومية، نتنياهو مسؤولية هجوم حركة المقاومة حماس.
واشتعلت المظاهرات في تل أبيب، تطالب بإقالة رئيس الوزراء، والإفراج عن الأسرى في غزة، وأظهر استطلاع رأي أجرته صحيفة معاريف الإسرائيلية أن 80% من الإسرائيليين ترى أن نتنياهو يتحمل مسؤولية الأحداث الأخيرة، كما أشارت الصحيفة إلى أنه لو جرت انتخابات سيحصل “المعسكر الوطني” بزعامة بيني غانتس على 40 مقعدًا، بينما لن يحصل حزب الليكود، بزعامة نتنياهو سوى على 18 مقعدًا فقط.
وكشف الاستطلاع أنّ نسبة 56% من المستطلعين، تعتقد أنّ رئيس الوزراء يجب أن يستقيل من منصبه بعد انتهاء الحرب، وتتوافق نتائج هذا الاستطلاع مع المزاج العام للنخب الإسرائيلية، وهناك حالة استياء شديدة وسخط على إدارته للحكومة؛ خاصة مع الاتهامات في قضايا فساد؛ ما يجعل الوضع الحالي يبدو بأنه بداية النهاية بالنسبة لنتنياهو.
نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، موقفه؟
ويعد بنيامين نتنياهو السياسي الأطول عمرًا في تقلد مناصب وزارية، تصل لـستة عشر عامًا متفرقة. كانت فترة ولايته الأولى عام 1996 بعد توليه منصب رئيس المعارضة كزعيم لكتلة الليكود، وفي عام 2002 عاد لحلبة السياسة وزيرًا للخارجية ثم المالية، وفي عام 2005 تولى زعامة المعارضة من جديد، وبعدها تم انتخابه عام 2009 رئيسًا للحكومة للمرة الثانية، وفي عام 2013 للمرة الثالثة، ثم انتخابه لرابع مرة عام 2015.
ويواجه تهمًا وقضايا بالفساد على خلفية تعاملات غير شرعية؛ فهو متهم بتلقي هدايا من رجال أعمال أثرياء، كما يُزعم أنه تلقى هدايا بقيمة عشرات آلاف الدولارات من أرنون ميلشان، وهو منتج هوليوودي إسرائيلي، وجيمس باكر، قطب كازينوهات استرالي، كما شملت الهدايا زجاجات شمبانيا والسيجار ورحلات وغرف فنادق، وقد اعترف نتنياهو بتلقيه الهدايا، لكنه نفى أنها كانت غير قانونية أو بمثابة رشاوى.
ولم تقتصر قضايا الفساد على نتنياهو، وإنما امتدت الفضائح إلى زوجته وابنه وأفراد من عائلته، منها القضيتان 3000 و4000، وتتعلقان برشاوي لإتمام صفقات بيع غواصات ألمانية لإسرائيل، والسماح لشركة الهاتف الوطنية بصورة غير مشروعة لشراء شركة للبث التلفزيوني، ووجه المدعي العام في إسرائيل إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تهم الفساد والاحتيال وخيانة الأمانة.
في حال الفشل في تحرير جميع الرهائن الإسرائيليين؛ فمن الممكن أن تحدث أزمة داخلية في الشارع الإسرائيلي وتشتعل مظاهرت خطيرة ضد حكومة اليمين.
وعلى الرغم من مشاكله السياسية؛ فقد استطاع نتنياهو الفوز في الانتخابات التشريعية الأخيرة في نوفمبر 2022، ونجح بعد مفاوضات صعبة استمرت أسابيع في الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة مع اليمين الإسرائيلي، وذلك قبل دقائق من انتهاء المهلة الممنوحة له لتشكيل ائتلاف حكومي، وهو الائتلاف الذي أثار جدلاً واسعًا ومخاوف من تداعيات توجهاته المتطرفة؛ بل وصف بأنه الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل، وهو ما أكدته ممارساته الفعلية منذ توليه وحتى اللحظة.
وشهدت إسرائيل حالة استقطاب شديدة وتوترًا كبيرًا داخل المجتمع، وتفجر الوضع في مظاهرات مايو/آيار، والتي قدر حجمها بعشرات الآلاف ضد نتنياهو وسياساته الخاصة بالقضاء، وحدثت اشتباكات للمتظاهرين عنيفة مع الأمن. وكان سبب التظاهرات حالة الغضب من قانون التعديلات القضائية، لكونه يحد من صلاحيات المحكمة العليا في إسقاط قرارات الحكومة وتعييناتها، ووصل الأمر إلى تعهد جنود من الاحتياط بعدم التطوع في الخدمة العسكرية اعتراضًا على القانون.
ولم يكد الشارع الاسرائيلي يهدأ من أزمة المحكمة العليا، حتى انهالت الانتقادات من جديد على نتنياهو بعد عملية طوفان الأقصى، وما أحدثته من صدمة للشارع الإسرائيلي، بعد قيام حركة المقاومة حماس بالتوغل في جنوب إسرائيل بحرًا وبرًا وجوًا.
كما شهدت الأيام الأخيرة احتجاجات شعبية أمام بيت نتنياهو ومقر وزارة الدفاع الإسرائيلية، من قبل منتدى عائلات الرهائن والمفقودين، وطالب المتحدث باسمهم، حاييم روبنشتاين، الحكومة الإسرائيلية أن تشرح للعائلات معنى عملياتها على غزة، مستنكرًا دور الحكومة فيما يخص ملف الرهائن.
“في حال فشلت إسرائيل في تحقيق هدف الحرب المعلن على غزة، ألا وهو القضاء على حركة حماس ومنع استمرارها بالحكم؛ فمن المتوقع أن تتم إقالة نتنياهو، ويمكن أن تتم محاكمته بتهم متعلقة بالفساد، وربما يحدث سحب الثقة عن الحكومة الإسرائيلية، والدعوة لانتخابات جديدة”. ذلك ما أكدته الباحثة الفلسطينية والمتخصصة في شؤون الشرق الأوسط رهام عودة، لمواطن.
كما أضافت أنه، في حال الفشل في تحرير جميع الرهائن الإسرائيليين؛ فمن الممكن أن تحدث أزمة داخلية في الشارع الإسرائيلي وتشتعل مظاهرت خطيرة ضد حكومة اليمين.
على الرغم من الحرب، لم يستقر وضع نتنياهو
وفي محاولة لإنقاذ وجوده السياسي، بعد عملية طوفان الأقصى، دعا نتنياهو لتشكيل حكومة طوارئ، لتكون الأولى من نوعها منذ عام حرب 1967، وتوصل إلى اتفاق مع ممثل المعارضة بيني غانتس على تشكيل الحكومة، مع التأكيد على عدم تقديم أي مشاريع قوانين، أو اقتراحات ترعاها الحكومة لا علاقة لها بالحرب، إلى جانب الموافقة على تجميد قانون الإصلاح القضائي، الذي أحدث انقسامًا داخل الدولة واستدعى خروج احتجاجات كبيرة.
ومع ذلك فإن هذه الخطوة لم تفلح في إخماد نيران الغضب والاحتجاجات في الداخل الإسرائيلي، ليس على المستوى السياسي والشعبي؛ بل وداخل مجلس الحرب الذي يترأسه نتنياهو، وكشفت تقارير إعلامية عن علاقة متوترة داخل الحكومة الإسرائيلية التي تدير الحرب على غزة.
هناك 500 ألف يهودي نازح، من يهود الجنوب والشمال موجودون في أماكن غير أماكنهم الطبيعية.
كما ألمحت صحف إسرائيلية، ومنها يديعوت أحرونوت عن وجود خلاف يصل إلى درجة أزمة ثقة بين نتنياهو وجيشه، ووصفت الصحيفة الحكومة بأنها “الحلقة الأضعف”؛ إذ تواجه صعوبة في التوصل إلى قرارات متفق عليها بشأن القضايا الرئيسية المطروحة على جدول الأعمال.
وكشفت الصحيفة العبرية أيضا عن أن 3 وزراء يفكرون في الاستقالة، وقام نتنياهو أول أمس بنشر تغريدة هاجم فيها جهاز المخابرات الإسرائيلية “الشاباك”، وحمله مسؤولية، هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلا أنه عاد وحذف التغريدة من حسابه في منصة إكس.
وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن استطلاعات الرأي تشير بأن 66 % من الناس هناك، ترى ضرورة استقالة نتنياهو في نهاية الحرب، ويؤيد أكثر من نصف ناخبي حزب الليكود فكرة حتمية هذه الاستقالة.
وتنعكس التوترات الداخلية على ممارسات نتنياهو وحكومته الحالية في الحرب على الفلسطينيين، بشكل يجعلها طويلة الأمد لتحقيق أكبر قدر ممكن من النصر العسكري، والمتمثل في مزيد من الجرائم ضد المدنيين العزل والقضاء على فصائل المقاومة.
ويرى المحلل السياسي عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات، أن الحرب مهمة للحكومة المتطرفة بقيادة نتنياهو، لأن موقفه الصعب سياسيًا يجعله بحاجة إلى انتصار عسكري، بأي شكل يُرفع فيه علم إسرائيل وبجواره الجنود “المنتصرون”، لمواجهة منتقديه بالداخل، وتحسين صورته أمام الرأي العام الإسرائيلي.
ويضيف لمواطن: “حتى مع الحرب البرية، لن تصدق أكاذيب نتنياهو داخل اسرائيل، ولن يحميه التحالف السياسي الهش من أجل الحرب، كما أن القلة القليلة من العقلاء في إسرائيل، ما عادوا يصبرون على كذب نتنياهو وحكومته، بالإضافة إلى أن المقاومة الفلسطينية لن تتوقف عن دورها في مواجهة غطرسة المحتل، وسيعاد إنتاج المزيد منها”. وهو ما يضعف صورة نتنياهو أكثر وأكثر.
وعن المزاج العام الإسرائيلي واتجاهات الرأي العام بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، يقول المحلل السياسي، المختص بالشؤون الإسرائيلية، إسماعيل مسلماني: “على الرغم من الحرب فلم يستقر الأمر لنتنياهو، بعد مرور أسبوع على السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بدأ الإسرائيليون يضجرون ويتذمرون بسبب ضغوط الأزمة الاقتصادية عليهم؛ فمعظم الإسرائيليين يتواجدون في الملاجئ، وأصحاب الشركات تأثرت مصالحهم وبدؤوا ينظرون إلى أنه لا يوجد مصالح مشتركة في ظل حكمه”.
ويتوقع مسلماني، أن العملية البرية التي يجهز لها نتنياهو في غزة، لن تكون سهلة عليه، وستعرضه لمزيد من المشاكل مع شعبه، وهي بالفعل تثير القلق والتوتر في الشارع الإسرائيلي؛ فهناك 500 ألف يهودي نازح من يهود الجنوب والشمال موجودون في أماكن غير أماكنهم الطبيعية.
وحول مصير نتنياهو يقول مسلماني: “أعتقد أنه قد يعزل نفسه بعد الحرب ويطلب الاستقالة، وإذا خرجت المعارضة في أزمة القضاء بأعداد وصلت إلى 200 ألف وأكثر؛ فإن هناك مليون فرد منهم سيخرجون لإسقاط نظام نتنياهو الذي انتهى سياسيًا؛ خاصة بعد اعتراف عدة وزراء في الائتلاف الحاكم بأنهم فشلوا في حماية المستوطنين ،وأنه لا يوجد أمن وأمان؛ لا في الضفة ولا القدس ولا في أي مكان”.
وقدر وزير المالية الإسرائيلي في وقت سابق، التكلفة المباشرة للحرب على قطاع غزة، بمليار شيكل (246 مليون دولار) يوميًا. وهو ما يشكل استنزافًا كبيرًا للاقتصاد، وإلى جانب التكلفة الاقتصادية، تبقى فاتورة الخسائر البشرية وملف الرهائن، بالإضافة إلى عدم القدرة على احتواء ضربات فصائل المقاومة، كل ذلك ينضم إلى رصيد كبير من الإخفاقات السياسية؛ ما ينذر بأننا نشهد آخر فصل في مسيرة نتنياهو السياسية، حسبما تجمع عديد من المؤشرات.