“منذ قليل دفنت عددًا من أفراد أسرتي، وعدت الآن لمواصلة عملي، لأنه من الواجب أن نكون هنا لنقل الحقيقة، ولا تثنينا الجرائم الانتقامية مهما كانت عن تأدية واجبنا، الحمد لله رب العالمين، هذا هو جيش الاحتلال، وهذه هي الدموع الإنسانية، لا دموع الخوف والانهيار والجبن، وليخسأ جيش الاحتلال”.. هكذا تحدث وائل الدحدوح مراسل الجزيرة، صباح الخميس، عقب دفن زوجته وابناه إثر قصف جيش الاحتلال.
واعترفت إسرائيل بحسب مسؤول تحدث لشبكة (CNN) باستهداف منزل الدحدوح، الذي كان ضمن منطقة آمنة، تم نقل العائلة إليها للاحتماء بها من القصف الاسرائيلي المكثف على القطاع، زاعمًا ضرب البنى التحتية لحماس.
كما استنكر منتدى الإعلاميين الفلسطينيين ما أوردته القناة 13 العبرية، على لسان محلل الشؤون العربية، بأن عائلة مراسل الجزيرة في غزة كانت هدفًا للجيش الإسرائيلي في غزة، الأمر الذي يؤكد تعمد استهداف الإعلاميين.
وأعلنت قوات الاحتلال، مع بداية عملية برية واسعة داخل قطاع غزة مساء الجمعة 27 أكتوبر/تشرين أول، أنها لا تستطيع ضمان سلامة الصحفيين العاملين في قطاع غزة، وكتب جيش الاحتلال هذه الرسالة إلى وكالتي “رويترز وفرانس برس”، بعد أن طلبتا ضمانات بألا تستهدف الضربات الإسرائيلية الصحفيين التابعين لهما في غزة إثر بدء العمليات البرية.
"لم يرحم الاحتلال في فلسطين الشجر ولا الحجر، استهدفت الجرائم الجميع، لم نر في حياتنا جرمًا بهذه الوحشية"
ويقول نقيب الصحفيين في قطاع غزة، تحسين الأسطل، لـمواطن، “إن إسرائيل تعاقب الصحفيين الفلسطينيين وترهبهم من أجل التوقف عن كشف الحقائق، وفضح جرائم الاحتلال أمام العالم؛ فهي تقر وتعترف باستهداف منازل وعائلات الصحفيين، وسط صمت كامل من المجتمع الدولي، لكن أبناء فلسطين يصرون على نقل رسالتهم وتأدية واجبهم ومساندة أبناء شعبهم في هذا الظرف التاريخي، غير عابئين بتهديدات الاحتلال”.
ومن جهته يقول صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني لمواطن: “إن الاحتلال يمارس اليوم جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، ويضع النساء والأطفال والمرضى، وكذلك الصحفيين والطواقم الطبية في مقدمة أهدافه بهدف الضغط الإنساني على قطاع غزة”.
ويضيف، “نتحدث اليوم عن أكثر من 8000 قتيل حتى اللحظة، بينهم عشرات الصحفيين، وأفراد طواقم العمل الإنساني، بوكالة الغوث لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، كما أن أكثر من 70% من حصيلة الضحايا هم من النساء والأطفال؛ ما يعكس مدى البشاعة التي يمارسها الاحتلال”.
الموت مقابل الحقيقة
من داخل قطاع غزة تواصلت مواطن مع عدد من الصحفيين والمراسلين لاستيفاء شهاداتهم حول وقائع استهداف الاحتلال الإسرائيلي، وأكدوا جميعًا أنهم في مرمى الاستهداف، وأن الاحتلال يضعهم هدفًا انتقاميًا ثمنًا لنقل الحقيقة وكشف الجرائم.
يتحدث الصحفي باسل أبو حسان لمواطن: “كنا قبل يوم هدفًا من أهداف الاحتلال، منزلي كان بالقرب من منزل مدني تم قصفه الليلة الماضية من جانب قوات الاحتلال، ثلاثة طوابق تم تسويتها بالأرض”.
ويضيف: “الاحتلال الإسرائيلي يحاول إسكات الحقيقة، لا يريد لهذه الصورة، صورة الضحايا والإصابات، أن تصل إلى العالم، يريد فقط رواية واحدة، لا يريد أن يحاسب أمام المجتمع الدولي، لأنه لا يوجد عدالة أمام قوته التي تساندها القوى العظمى، لكن الفلسطيني هنا يدرك أن له حقًا في تقرير مصيره، ومهما كانت الصعوبات كبيرة، سوف نستمر في التغطية، وإيصال الرسالة الفلسطينية للعالم”.
وتقول الصحفية آلاء الهمص من داخل القطاع لمواطن: “يريد الاحتلال تغييب الحقيقة، نحن نعاني من صعوبة الاتصالات، والوصول للإنترنت، نعاني من صعوبة في التنقل، خاصة مع شح الوقود والغاز، من الصعب على الصحفي أو أي شخص في القطاع، التنقل من مكان لآخر، وكلها بالطبع محاولات من أجل التكتيم والتعتيم على الجرائم، التي تحدث في قطاع غزة”.
وتضيف، “يحاول الاحتلال إسكات أصوات الجميع ليمارس جرائمه ضد شعبنا في صمت، يريد أن يقتل الأطفال والنساء ويستهدف التجمعات السكنية والمدارس والمستشفيات دون أن يصل ذلك للعالم”.
وتكمل، “جرائم استهداف الصحفيين أمر معتاد بالنسبة لقوات الاحتلال، وعلى مدار التاريخ نفذت القوات الإسرائيلية المحتلة جرائم بشعة بحق الصحفيين، يقتل الاحتلال اليوم كل ما هو فلسطيني، نحن نغطي حربًا غير مسبوقة، يمارس فيها الاحتلال كافة الجرائم الوحشية، وهناك استهداف متعمد لعائلات وأسر الصحفيين كما ذكر مسؤول إسرائيلي، ما يؤكد أن الصحفي هو هدف لقوات الاحتلال الغاشمة”.
الصحفيون في مقدمة الأهداف
المرة الأخيرة التي واجه فيها الصحفيون مثل هذا الخطر المتزايد من جانب إسرائيل كانت خلال الانتفاضة الثانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما قتل أكثر من 4300 شخص على مدى أكثر من أربع سنوات من القتال، وقد وثقت لجنة حماية الصحفيين مقتل 13 صحفيًا خلال تلك الفترة، وهو رقم تجاوزته الانتهاكات الوحشية الأخيرة، وفق تقرير لموقع (NBR) الأمريكي.
على مدار تاريخ الاحتلال الإسرائيلي، كانت آلة القتل موجهة ناحية الصحافة لإسكات الحقيقة، ولعل مقتل شيرين أبو عاقلة، كان نقطة فارقة في تاريخ استهداف الصحفيين.
يحكي المصور الصحفي الفلسطيني أشرف أبو عمرة، إنه شارك بتغطية الأحداث من داخل فلسطين لمدة 20 عامًا، أصيب خلالها خمس مرات، آخرها خلال الأيام الماضية، بإصابة جزء من يده جراء قنبلة إسرائيلية أثناء تغطية مظاهرات العودة بمنطقة خانيونس.
ويصف أبو عمرة، في حديثه لمواطن، الحرب الدائرة اليوم بأنها (غير مسبوقة)؛ تستهدف قوات الاحتلال كل شيء، وتحاول تدمير أكبر قدر ممكن من الأحياء السكنية وهدم البنية التحتية بغرض تهجير السكان، كم ينفذ الاحتلال مخطط إبادة جماعية لعائلات بأكملها في قطاع غزة، من بينها عائلات الصحفيين!.
“حتى لو بيد واحدة وحتى لو بدون، سأوثق بكاميرتي جرائم هذا الاحتلال الإسرائيلي البشعة، وستصل إلى العالم رغم التهديدات والإرهاب الذي تمارسه قوات الاحتلال بحقنا، نعتبر أنفسنا جميعًا في مهمة تاريخية من أجل بلادنا، منذ بداية الحرب لم أعد لمنزلي، ولم أر أطفالي، وفي حال قلق كبير عليهم، لكن لدينا مهمة وجب علينا تأديتها”. يضيف أبو عميرة.
“لم يرحم الاحتلال في فلسطين الشجر ولا الحجر، استهدفت الجرائم الجميع، لم نر في حياتنا جرمًا بهذه الوحشية، ينتهك فيها القانون الدولي أمام صمت الجميع ورضا الدول الغربية وتأييدها لإسرائيل، في حرب الإبادة التي تمارسها ضد الفلسطينيين، نحن جزء من غزة، وجزء من شعب فلسطين الذي يفقد يوميًا ذويه وأرضه، ونحن هدف ضمن أول أهداف العدو، الذي يساوم الفلسطينيين على الموت مقابل الأرض، كذلك يساومنا على الموت مقابل الحقيقة”. يقول الصحفي ماجد دياب لمواطن.
المنظمات الحقوقية، أين؟
بسؤاله عن دور المنظمات الحقوقية المحلية والدولية في توثيق جرائم الاحتلال، يقول صلاح عبد العاطي: “تتعرض الهيئات الحقوقية أيضًا للعدوان المستمر من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ فجرى تدمير مقر الهيئة الدولية، وغيرها من المؤسسات الحقوقية، بهدف شل حركتها، ومنع الباحثين والمحامين من مواصلة عملهم في توثيق الحقائق، ويجري في الوقت الراهن التنسيق مع الهيئات الحقوقية الدولية، والأمم المتحدة لتوثيق جرائم الاحتلال بحق المنظمات الحقوقية”.
ويضيف: “جرى استهداف الصحفيين على وجه الخصوص، ومنذ بداية العدوان على غزة إصابة أكثر من 54 ومقتل العشرات؛ فضلًا عن تدمير المكاتب الإعلامية ومنصات البث وقطع الوقود والماء والكهرباء والإنترنت؛ الأمر الذي جعل عمل الصحافة غاية في الصعوبة، وكلها محاولات لطمس الحقيقة وتغييب العقول”.
وبحسب عبد العاطي، فالهدف الرئيسي من الاستهداف هو إخفاء الحقيقة، وذلك ليس اليوم، ولكن على مدار تاريخ الاحتلال الإسرائيلي كانت آلة القتل موجهة ناحية الصحافة لإسكات الحقيقة، ولعل مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة كان نقطة فارقة في تاريخ استهداف الصحفيين.
إدانات عربية ودولية
أدانت نقابة الصحفيين المصريين بأشد العبارات “الجريمة الإرهابية البشعة والمتواصلة التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الصحفيين الفلسطينيين.
يدفع الزملاء الصحفيون داخل قطاع غزة أرواحهم، وأرواح عائلاتهم ثمنًا لنقل الحقيقة.
كما أدانت النقابة الوطنية للصحافة المغربية؛ في بيان بشدة “استهداف المدنيين ومنهم الصحفيون المشمولون بالحماية الممنوحة بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين، شمولاً تامًا، والأهم من ذلك أن المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول تنص على أن الصحفيين يتمتعون بجميع الحقوق وأشكال الحماية الممنوحة للمدنيين في النزاعات المسلحة الدولية”.
وأطلق مجموعة من الصحافيين والحقوقيين بالكويت حملة تضامنية واسعة مع الصحفيين في قطاع غزة، لوقف الاعتداءات المتكررة من الجانب الإسرائيلي، ومن بين هؤلاء المتضامنين الكاتبة الكويتية شيخة بهاويد، والتي تقول لمواطن: “إن قتل الصحفيين وعائلتهم في غزة لم يحدث نتيجة قصف عشوائي، وتضع قوات الاحتلال الصحفيين ضمن أهدافها، لمعاقبتهم على كشف حقيقة جرائمها بحق الفلسطينيين”.
وترى بهاويد، أن إسرائيل تنتهج آلية لقتل الصحفيين حتى قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وقتل العشرات منهم في حروب سابقة، لكنه اليوم يمارس الاحتلال جرائم أكثر وحشية للتغطية على جرائمه؛ خاصة أنه فقد جزءً لا يستهان به من آلته الدعائية خلال الحرب الأخيرة، لذلك يمارس ضغطًا على الصحفيين لإرهابهم ومنعهم من ممارسة عملهم.
كذلك أصدرت جمعية الصحفيين العرب والشرق أوسطيين بيانًا هذا الأسبوع، أدانت فيه مقتل الصحفيين مؤخرًا في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل ولبنان.
وبالمثل، دعت رابطة الصحافة الأجنبية كلاً من إسرائيل وحماس إلى “ضمان سلامة وحرية نقل الأعضاء الفلسطينيين على الأرض في غزة، الذين ينقلون الأخبار على الرغم من الظروف الخطيرة للغاية”.
يدفع الزملاء الصحفيون داخل قطاع غزة أرواحهم، وأرواح عائلاتهم ثمنًا لنقل الحقيقة، وإن كنا لا نملك سوى تقديم الدعم والمساندة؛ فهذا واجب علينا، هم يقومون بنقل الرسالة كاملة لكشف جرائم الاحتلال، وهذه مهمة تاريخية، وواجبنا أن ننشر على أوسع نطاق جرائم الاحتلال، حتى لا تحقق آلة القتل الإسرائيلية هدفها بإخفاء الحقيقة.
التعليقات 1