مرّت أيام على انتهاء انتخابات الفترة العاشرة لمجلس الشورى في عُمان، التي استُخدم فيها التصويت الإلكتروني بشكل كامل في الخارج والداخل، عبر تطبيق “انتخب”؛ في تجربة لاقت إعجاب الكثيرين، كما أثارت تساؤلات حول تأثيرها على العملية الانتخابية بشكل عام.
لكن علامَ صوت الناخبون؟ يبدو أنّ هذا السؤال هو أقل ما يشغل بال المتابعين، خصوصًا من خارج عُمان؛ في وقت لم تعد المطالبة بالإصلاحات السياسية تشغل بال الكثيرين المنهمكين بملاحقة مطالب العيش.
صلاحيات مجلس الشورى
مجلس الشورى هو مجلس مُنتخب ذو صلاحيات محدودة، لا تتجاوز كونها استشارية كما هو اسم المجلس، ويعمل بمثابة الغرفة الثانية لمجلس عُمان، الذي يشكل مجلس الدولة غرفته العليا، والأخير مجلس مُعين من قبل السلطان، يتشابه في مهامه مع الشورى.
يرى عضو مجلس الشورى العماني السابق، الأستاذ في جامعة صحار، طالب المعمري، “بأنّه في المرسوم (رقم 7 / 2021 بإصدار قانون مجلس عمان) تمّ فصل الجانب الرقابي عن الجانب التشريعي في صلاحيات مجلس الشورى، وأوكل الجانب الرقابي إلى جهاز الرقابة للدولة، ليكتفي مجلس الشورى في دورته الحالية بالجانب التشريعي، المتمثل في اقتراح القوانين أو تعديلها، أو اعتماد القوانين المرفوعة من قبل الدولة”.
وأنّ هذا التعديل قلص من صلاحية مجلس الشورى في مراقبة الأداء الحكومي وتفعيل الأدوات البرلمانية، على غرار البرلمانات الفاعلة في العالم، من مراقبة الأداء الحكومي واستجواب الوزراء المخالفين للقانون والمطالبة بإقالتهم أو المطالبة بتعديلات وزارية في الحكومة. ويصف عضو مجلس الشورى السابق لـ”مواطن“، واقع المجلس بأنّه “كهيئة اعتماد للقوانين فقط، أو ما يمكن أن نسميه مجلسًا استشاريًا، ليست له صلاحيات في مراقبة الأداء الحكومي ونقده والتعديل عليه”. بحسب المعمري.
وتجدر الإشارة إلى أن “اعتماد القوانين” من قبل المجلس هي مجرد موافقة على تلك القوانين أما الاعتماد النهائي والمصادقة على القوانين بيد السلطان.
أما الناشط، إسحق الأغبري صاحب الدور البارز في حراك 2011 ؛ فيعتقد أنّه بعد مرور عقود على إنشاء مجلس الشورى عام 1991، يمكن القول بأن المجلس يحتاج إلى دفعة جادة حتى يستطيع مواكبة آمال الشارع العماني وتطلعات النُخب، رغم أن المجلس مرّ بمراحل من التطور منذ إنشائه؛ فمن جانب الصلاحيات فقد حصل المجلس على مجموعة من الترقيات الدستورية إلا أنه لا يزال يواجه بعض التحديات.
يعدد الأغبري لـ”مواطن” تلك التحديات، وهي: الصلاحيات المحدودة، التي تجعل قراراته مجرد توصيات استشارية للحكومة؛ مما يقلل من تأثيره الفعلي على صنع السياسات والرقابة.
وثانيها، نقص الشفافية؛ فمن الصعب على المواطنين والمنظمات المدنية الوصول إلى المعلومات الحكومية ومتابعة أداء المجلس بشكل فعال.
وثالثها قلة التأثير نتيجة للقيود على صلاحيات المجلس والمشاكل في التنفيذ؛ ما يُشعر بعض المواطنين بأن مجلس الشورى لا يمتلك تأثيرًا كبيرًا على حياتهم اليومية أو على صنع القرار في البلاد.
مجلس دون صلاحيات
المتتبع لتاريخ مجلس الشورى العماني يجد أنّ السلطة كانت مُقصرة للغاية في منح الاستقلالية لهذا المجلس، بدايةً من عملية تشكيل هذا المجلس التي مرّت بمراحل من التعيين إلى الانتخاب غير المباشر، الذي قصر عملية التصويت على فئات محددة، توسعت مع الوقت حتى صار بالانتخاب العام المباشر لجميع الناخبين عام 2003، بعد حوالي 13 عامًا من إنشاء المجلس.
بالمثل مرّت صلاحيات هذا المجلس بمراحل متعددة، كان آخرها إصدار قانون مجلس عمان، لعام 2021 الذي حرم مجلس الشورى من أي أدوار رقابية، كانت محدودة في الأساس.
قلص التعديل من صلاحية مجلس الشورى في مراقبة الأداء الحكومي وتفعيل الأدوات البرلمانية، على غرار البرلمانات الفاعلة في العالم
يقول عضو مجلس الشورى العماني السابق طالب المعمري: “تقلص دور المجلس في هذه الدورة الانتخابية الجديدة إلى الدور التشريعي، وهو ليس مطلقًا”. تابع بقوله، بأنّه على سبيل المثال لو افترضنا بأن مجلس الشورى قام بإقرار قانون مقترح بالإجماع؛ فإن هذا القانون لا يمكن العمل به إلا إذا تم اعتماده من السلطان، وإن رأت الحكومة تهميشه فلها الحق في ذلك، ولذا فالجانب التشريعي في المجلس غير مكتمل، لأن المجلس لا يمتلك إصدار القوانين مستقلًا، ولا حتى مجلس عمان الذي يضم مجلس الدولة ومجلس الشورى، من دون صدور مرسوم سلطاني باعتماد القانون.
لا تكمن المشكلة في وجوب تصديق السلطان ليكون القانون نافذًا؛ في معظم النظم الديمقراطية لا يدخل القانون حيز النفاذ حتى يُصدق عليه رأس الدولة، وحال اختلاف الرئيس مع مجلس النواب؛ فهناك آلية دستورية لحلّ المجلس أو إقرار القانون؛ على سبيل المثال في الدستور المصري، تنصّ المادة (123) على “لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون أقره مجلس النواب، رده إليه خلال ثلاثين يومًا من إبلاغ المجلس إياه؛ فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتبر قانونًا وأصدر، وإذا رد في الميعاد المتقدم إلى المجلس، وأقره ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه، اعتبر قانونًا وأصدر”.
وحدد الدستور المصري حالات لحلّ الرئيس لمجلس النواب، والدعوة لانتخابات لمجلس جديد خلال وقت محدد، ومنها حال عدم نيل رئيس الحكومة الذي يكلفه الرئيس لتشكيل الحكومة للثقة للمرة الثانية في مجلس النواب.
أما الدستور الكويتي؛ فنصّ في مادته رقم (107) على أنّ للأمير أن “يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل، على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى، وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في موعد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل؛ فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورًا كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”.
أما قانون مجلس عمان؛ فيمنح السلطان الحقّ في رفض القوانين المُحالة من مجلس عمان، من خلال عدم نصّه على أي شيء بعد رفع المجلس للقوانين إلى السلطان، ما معناه أنّ دور مجلس عمان قد انتهى عند ذلك الحد، أما في موضوع حلّ المجلس؛ فينصّ على: “للسلطان؛ في الحالات التي يقدرها، حل مجلس الشورى والدعوة إلى انتخابات جديدة خلال أربعة أشهر من تاريخ الحل”.
موضوع آخر قابل للمقارنة، يتعلق بصلاحيات المجالس النيابية، مثل منح الثقة وسحبها من الحكومة أو أحد الوزراء. في الدستور الكويتي لا يجوز سحب الثقة من رئيس الحكومة، لكن للمجلس حقّ سحبها من الوزراء، بينما في قانون مجلس عمان ليس للمجلس مجتمعًا أو مجلس الشورى المُنتخب أي حق فيما يتعلق بسحب الثقة من أي وزير فضلًا عن الحكومة.
وفيما يتعلق بحقّ استجواب الحكومة والوزراء، تناولت سبع مواد تنظيم عملية استجواب الوزراء، وخلاصتها: أنه يجب تقديم طلب الاستجواب من طرف 15 عضوًا على الأقل، وإن انسحب أحدهم يسقط طلب الاستجواب ما لم يحلّ محله نائب جديد، ويقتصر على استجواب وزراء الخدمات، بعد ذلك يجب موافقة مكتب المجلس على طلب الاستجواب، ثم يُعرض لنيل الأغلبية في المجلس قبل توجيه الطلب إلى الحكومة، ويجب أن تكون جلسة الاستجواب سرية، وبعد الجلسة يرفع المجلس التوصيات إلى السلطان، حال حازت على تأييد ثلثي أعضاء المجلس.
الملاحظ مما سبق أنّه حتى أبسط صلاحيات المجالس النيابية غير متوفرة في مجلس الشورى العماني، كما أنّ عملية الاستجواب هي عبارة عن استهلاك شامل لوقت وجهود الأعضاء، للوصول فقط إلى مناقشة موجزة لنائب واحد يمثل مقدمي طلب الاستجواب، مقارنةً بذلك في الدستور المصري، تناولت مادتين موضوع الاستجواب، وتنص الأولى رقم (130) على:
يمنح قانون مجلس عمان السلطان الحقّ في رفض القوانين المُحالة من مجلس عمان، من خلال عدم نصّه على أي شيء بعد رفع المجلس للقوانين إلى السلطان
“لكل عضو في مجلس النواب توجيه استجواب لرئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم، لمحاسبتهم عن الشؤون التي تدخل في اختصاصاتهم، ويناقش المجلس الاستجواب بعد سبعة أيام على الأقل من تاريخ تقديمه، وبحد أقصى ستون يومًا، إلا في حالات الاستعجال التي يراها، وبعد موافقة الحكومة”. أما المادة (131) فمنحت الحقّ لعشرة أعضاء من مجلس النواب في تقديم طلب سحب الثقة عن رئيس الحكومة أو الوزراء، ويحدث ذلك بعد طلب الاستجواب، وفي نفس الجلسة بأغلبية الحاضرين. وحددت المادة (101) في الدستور الكويتي، حقّ مجلس النواب في سحق الثقة من أي وزير بعد جلسة استجواب، ويكون التصويت بأغلبية الحضور. أما رئيس الحكومة؛ فحددت المادة (102) بعدم جواز طرح الثقة عنه، لكن إذا وجد مجلس الأمة أنّ التواصل معه لم يعد ممكنًا، يرفع الأمر إلى الأمير، الذي إما يقيل رئيس الوزراء أو يحلّ المجلس، وإذا رفع المجلس الجديد طلب إقالة رئيس الوزراء للأمير، يقوم بإقالته.
انتقالًا إلى أهم صلاحيات المجالس النيابية، وهي إقرار الميزانية العامة للدولة؛ فجاء في دستوري مصر والكويت أنّ اعتماد الميزانية من صلاحيات المجلس، وكذا صلاحيات أخرى تتعلق بالإنفاق العام، بينما في قانون مجلس الدولة في عُمان؛ فتقتصر صلاحيات مجلس عمان -مجلس الدولة ومجلس الشورى-، على المناقشة ورفع توصيات، وللحكومة عدم الأخذ بها، مع إعلام المجلس بالأسباب فقط؛ ذلك وفق المادة (52)، التي فرضت أنّ تكون تلك الجلسات سرية. بينما لم يرد في دستوري مصر والكويت أي شيء بسرية أو علنية جلسات مناقشة واعتماد الموازنة العامة، لكن ما أدوات المجلس لتحقيق أهدافه؟
جاء في المادة (56) من قانون مجلس عمان لعام 2021، بعنوان “أدوات المتابعة المقررة لمجلس الشورى” ما يلي: “يجوز لمجلس الشورى ممارسة اختصاصه في المتابعة باستعمال الأدوات الآتية: البيان العاجل، طلب الإحاطة، إبداء الرغبة، السؤال، طلبات المناقشة، مناقشة البيانات الوزارية، والاستجواب“. تقدم تحليل طبيعة الاستجواب وفق قانون مجلس عمان، وبالتالي فبقية الأدوات التي هي أدنى في المرتبة لا تعبر بأي حال عن صلاحية حقيقية.
مقارنةً بين المراسيم السلطانية في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، ومراسيم خلفه بشأن مجلس عمان، يتضح أنّ هناك تراجعًا كبيرًا عن القدر الضئيل الذي مُنح لمجلس الشورى من استقلالية، أهم الأمثلة على ذلك، هو إلغاء المادة رقم (107) من مرسوم رقم (88) لعام 1997، التي تنصّ على:
“يتولى المجلس حساباته بنفسه، وهو في ذلك غير خاضع لأية رقابة من جهة أخرى، ومع ذلك فلرئيس المجلس أن يستعين بالأمانة العامة للرقابة المالية للدولة لوضع تقرير يرفع إليه، عن حسابات المجلس وطريقة تنفيذ موازنته، أو عن أي شأن من الشؤون المالية الأخرى للمجلس”. بالمادة رقم (4) في مرسوم (7) لعام 2021 التي تقول: “تسري على كل من مجلسي الدولة والشورى، القوانين والمراسيم السلطانية المطبقة على وحدات الجهاز الإداري للدولة، وذلك فيما يتعلق باعتماد الهيكل التنظيمي، والرقابة المالية والإدارية، ونظام الموظفين فيه، ومعاملتهم التقاعدية، وإعداد مشروع الميزانية السنوية والحساب الختامي للمجلس.”
الحاجة إلى إصلاح سياسي
لدولة عمان وضع خاص مقارنة بدول الخليج؛ فهي لا تملك من التدفقات النقدية التي يمكنها من تنزيل عقد اجتماعي مثل السعودية، يقوم على احتكار السلطة من العائلة الحاكمة، مقابل المسؤولية الأبوية الكاملة للدولة، وبحسب مراجعة صندوق النقد الدولي للإصلاحات في عمان، انخفض الدين الحكومي إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ الاحتياطات النقدية نحو 17.6 مليار دولار. بشكل عام يخلص تقرير الصندوق إلى أنّ النهج الذي ستسير عليه الدولة لتحقيق استدامة في الميزانية العامة، سيشمل إجراءات اقتصادية لتعزيز القطاع الخاص، وكفاءة تحصيل الضرائب والمرونة في سوق العمل، وغير ذلك من التوصيات التي تتناقض مع فكرة الدولة الأبوية، كون عمان في المقام الأول وغير قادرة على تحقيق ذلك النموذج.
جانب آخر مرتبط بالإصلاحات؛ هو محاربة الفساد، وبحسب تقرير مؤشر مدركات الفساد لعام 2022 تراجع ترتيب عمان في قائمة الدول؛ إذ حصلت على 44 درجة في التقرير، واحتلت المرتبة الــ 69 على القائمة من بين 180 دولة؛ فضلًا عن أزمة البطالة التي خلقت احتجاجات سابقة، التي تقدر بنحو 2.3% لعام 2023. كما سجلت عُمان 24/100 نقطة في مؤشر حرية العالم للعام 2023 الصادر عن مؤسسة فريدوم هاوس، بواقع 6/40 للحقوق السياسية و 18/60 للحريات المدنية، لتحصل على تصنيف “انعدام للحرية”.
في ظل تركيز السلطة بشكل مطلق بيد السلطان؛ فإنّ أي حراك اجتماعي على وقع التحديات الاقتصادية، كما حدث في احتجاجات الأعوام 2011، 2018، 2019 سيُفسر على أنّه تحدٍ للسلطان؛ وهو ما يؤكده ردّ الفعل العنيف من قبل السلطات الأمنية. في السياق ذاته؛ فتركيز السلطات في يد السلطان يعني اختيار الموظفين الكبار لإدارة العمل الحكومي، بينما ما تطرحه الإصلاحات السياسية هو نقل تعيين بعض هؤلاء الموظفين ومحاسبتهم إلى مجلس نيابي مُنتخب، ليكون الشعب مشاركًا في صنع القرار، ومثل تلك المشاركة سيعني إيجاد منفذ للتعبير عن الموقف الشعبي من الأداء الحكومي عبر الانتخابات، والفصل بين السلطان والأداء الحكومي، ما يحقق الاستقرار السياسي بشكل عام؛ فضلًا عن الكفاءة الإدارية، حين يكون المسؤولون تحت رقابة جهة مُنتخبة لها حق محاسبتهم، وليست جهة رقابية تابعة للسلطة التي تختار هؤلاء الموظفين.
وجود مجلس تشريعي رقابي مفعل بكل أدواته البرلمانية هو صمام أمان للمجتمع، من عناصر الترهل الإداري واستغلال الوظيفة أو المنصب في تحصيل المنافع الشخصية
يجيب عضو مجلس الشورى العماني السابق، طالب المعمري على سؤال كيف تستفيد عُمان من وجود مجلس نيابي حقيقي، بقوله لا شك بأن المجالس النيابية حول العالم تلعب دورًا مهمًا في مساندة الحكومات في أعمالها؛ لأنها أولًا خارجة من الوسط الشعبي، منتخبة منه وعالمة بمشكلاته واحتياجاته، مما يسهل على الحكومات وضع القوانين المناسبة التي تسهل عملها وتعود بأكبر فائدة على مواطنيها. وتابع بأنّ الدولة بتفعيلها لدور مجلس الشورى كمجلس تشريعي رقابي، سيساعد في تكريس مبدأ الحوكمة الإدارية لأكثر من أداة في الدولة، ويمنحها المعلومات اللازمة لمعرفة القصور في الأداء من جهة مستقلة، ليمكنها من تطوير نظامها الإداري باستمرار، وتلافي الأخطاء والوقوف على مواطن الضعف ومعرفة مكامن الفساد إن وجدت.
أضاف لـ”مواطن” بأنّ وجود مجلس تشريعي رقابي مفعل بكل أدواته البرلمانية هو صمام أمان للمجتمع، من عناصر الترهل الإداري واستغلال الوظيفة أو المنصب في تحصيل المنافع الشخصية، وتعطيل مصالح الوطن؛ لأن الإدارة التنفيذية تحت الرقابة الدائمة والمحاسبة المستمرة التي تضبط العمل وتحد من الوقوع في الأخطاء، وتعمل على تلافي الخلل والفساد والتقصير.
مكاسب أخرى يراها عضو مجلس الشورى السابق، ومنها أن الدولة بحاجة إلى سند داخلي في اتخاذ بعض القرارات؛ حيث تتشابك المصالح وتتنوع العلاقات، والذي قد يؤدي إلى وجود مشكلات متراكمة مع الدول بسبب اتخاذ الحكومات قرارات مصيرية صادرة عن الحكومة مباشرة. وبحسب رؤيته؛ فصدور مثل تلك القرارات عن مجالس نيابية مُنتخبة، يخفف الضغوط على الحكومات، ويمنحها قوة في مواجهتها بسند شعبي.
لتحقيق تلك الاستفادة، يرى الأغبري، ضرورة توافر عدّة شروط، وهي: تعزيز دور المجلس في صياغة ورصد السياسات الحكومية والمراقبة المالية، وتحقيق توازن دستوري لصالح المجلس لضمان فصل السلطات، وتفادي التدخل في العمل الحكومي، وتعزيز الحريات الأساسية مثل حرية التعبير وحرية التجمع وحرية الصحافة، وتشجيع المشاركة المجتمعية والتعاون بين المجلس والمواطنين.
الإصلاح الممكن
لتحقيق إصلاحات واقعية تقبلها السلطة في عُمان، يجب أنّ تكون المطالب واقعية، وكان ذلك الحال في الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، لكن استجابة السلطة كانت دون المستوى المأمول. يطرح الناشط والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، علوي المشهور، رؤية واقعية ممكنة التنفيذ في عُمان، يسميها مقترح “الوزير الأول”.
يقوم المقترح على وجود مجلس نيابي له الحقّ في تشكيل الحكومة، مع السماح بتأسيس جمعيات سياسية ذات رؤى اجتماعية واقتصادية وسياسية، تشارك في انتخابات المجلس النيابي، وتطرح برنامج عمل لشكل الحكومة التي تريد. وبحسب حديثه لـ”مواطن” يكون للكتلة الأكبر في المجلس النيابي أو ائتلاف نيابي الحقّ في اختيار الوزير الأول، الذي هو بمثابة رئيس الحكومة، مع تقسيم الوزارات إلى قسمين؛ السيادي والخدمي.
ثانيًا يحقّ للوزير الأول اختيار حاملي حقائبها، وكذا محاسبتهم في المجلس النيابي وسحب الثقة منهم، مثل الاقتصاد والمالية والتعليم والصحة والسياحة والزراعة والصناعة والشؤون الاجتماعية وغير ذلك. بينما القسم الثاني هو السيادي ويشمل وزارات الدفاع والأمن والخارجية والديوان، ويكون للسلطان حقّ تعيين وزرائها، ولا يسرى بحقهم الرقابة البرلمانية أو بقية صلاحيات المجلس النيابي.
هناك ضرورة لتعديل النظام الأساسي للدولة لينصّ على وجوب تنفيذ قرارات مجلس الشورى المصوت عليها، وإلا سيبقى المجلس دون سلطة حقيقية.
لتطبيق ذلك المقترح، يؤكد الباحث علوي المشهور، على ضرورة وجود حياة سياسية، مع السماح بتأسيس جمعيات أو قوائم سياسية، تتنافس في انتخابات المجلس النيابي، وتسعى لتشكيل حكومة الوزير الأول.
يتنبأ المشهور بأنّ هذه الفكرة لو تحققت ستشكل طفرةً في الحياة السياسية؛ ليس فقط في عمان؛ بل في المنطقة ككل، كتجربة جديدة تسمح بمساحة واسعة من الحياة السياسية والحريات والمشاركة المجتمعية. يقول لـ”مواطن” بأنّ “السياسة فن الممكن، ومن الصعب أن يتم رفع سقف التوقعات بما لا يتوافق مع معطيات الأمور على الأرض”. ينوه “المشهور” إلى أنّ أي مجلس نيابي لا ينبثق ليشكل ويؤثر على الأحداث عبر السلطة التنفيذية فلا معنى لوجوده.
يُذكر ذلك المقترح بالوضع السياسي في المملكة المغربية التي تتشابه مع عُمان في الحكم الوراثي لعائلة نبيلة، مع وجود اختلافات عديدة، منها وجود حياة سياسية نشطة في المغرب؛ فبعد احتجاجات 2011 في المغرب، أقدم الملك على تعديل دستوري كبير نسبيًا، منح خلاله حقّ تشكيل الحكومة لرئيس الكتلة الأكبر في مجلس النواب.
جاء في الفصل (47) من الدستور، ما يلي: “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وللملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوًا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم، ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة.”
تمنح تلك الصياغة العامة للملك الحقّ في تعيين وزراء الوزارات السيادية، وهو أمر يشبه العرف في المغرب.
بينما كان الدستور المصري صريحًا في موضوع الوزارات السيادية، جاء في المادة رقم (146) “يكون لرئيس الجمهورية، بالتشاور مع رئيس مجلس الوزراء، اختيار وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل.”
يوضح الأغبري، بأنّ المطلوب دراسة الحالة العمانية بشكل مستقل ومعمق، لبحث ما إذا كانت تحتاج لنظام الأحزاب السياسية لتحقيق الديمقراطية فيها، يؤكد على أنّه في جميع الأحوال لابد من تطوير منظومة انتخابية عادلة تسمح بتمثيل متوازن لمختلف شرائح المجتمع، وتعزيز مفهوم المساءلة والشفافية في الحكومة والبرلمان، وتقديم الدعم للمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام المستقلة.
وفي الإصلاحات الممكنة، يطالب عضو مجلس الشورى السابق، طالب المعمري، بإعادة تفعيل صلاحيات الرقابة لمجلس الشورى، حتى يتمكن من القيام بدوره المدني كاملًا، كمؤسسة أصيلة لها كلمة في مراقبة الأداء الحكومي ونقده، ومحاسبة المقصرين أو المتجاوزين للقانون، وفق أدوات رقابية عديدة؛ من أبرزها استجواب أفراد الحكومة والقدرة على اتخاذ قرار في شأنهم، ووجوب تنفيذ تلك القرارات المصوت عليها.
لكن لتحقيق ذلك، يرى “المعمري“ ضرورة تعديل النظام الأساسي للدولة لينصّ على وجوب تنفيذ قرارات مجلس الشورى المصوت عليها، وإلا سيبقى المجلس دون سلطة حقيقية في مساندة الحكومة في تطبيق نظام الحوكمة الإداري ومحاربة الفساد والخروج عن القانون لبعض منتسبي السلطة التنفيذية.
I like this blog very much, Its a rattling nice position to read and get information.Raise range