وما الأثر البيئي الذي أحدثته جرعة المياه القليلة تلك على الحياة البحرية؟
جاوز معدّل استهلاك الفرد من المياه في بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة حدود الـ 500 لتر يوميًا وفق تقرير البنك الدولي، والمنشور في مارس 2024، نُدرك ضخامة الرقم إذا ما قارنّاه باستهلاك الفرد في دول ذات دخل مماثل مثل ألمانيا، التي يبلغ نصيب الفرد فيها من المياه حدود الـ 120 لترًا في اليوم.
وترجع تلك المعدلات العالية في الاستهلاك اليومي من المياه في دول المجلس لأسباب عدّة: كالنموّ المطرد في عدد السكان الذي تجاوز الـ 10% في العام 2022 مقارنة بالعام 2015، وما يستتبعه من توسع حضاري وعمراني، إضافة لزيادة الجذب السياحي بحسب تقرير إحصاءات المياه في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2022، وهو التقرير الأحدث حتى الآن.
500 متر مكعّب من المياه العذبة المتجددة سنويًا، هو المعيار المرجعي لـ"شحّ المياه المطلق" الذي حددته مؤسسات وهيئات دولية مثل الفاو والبنك الدولي؛ ويبلغ نصيب الفرد في دول مجلس التعاون من المياه العذبة المتجددة حوالي 567 لترًا يوميًا؛ ما يساوي تقريبًا 207 أمتار مكعبة للفرد سنويًا حسب إحصاءات العام 2021.
فماذا تفعل دول مجلس التعاون الخليجي لتعويض هذا النقص البالغ تقريبا 60% تحت معيار "الشحّ المائي المطلق"؟ اتجهت لإنشاء محطات تحلية المياه، مستغلّة مياهها المفتوحة كبحر العرب والخليج العربي والبحر الأحمر.
بعد عقود طويلة من الاعتماد على محطات التحلية والتوسع في إنشائها، تفخر دول مجلس التعاون الخليجي الآن بتحقيق الأمن المائي؛ ليصل نصيب الفرد من المياه العذبة المتاحة للاستخدام سنويًا؛ سواء كانت مياه متجددة أو مُحلّاة، إلى 1524 لترًا يوميًا؛ ما يساوي تقريبًا 557 مترًا مكعبًا للفرد سنويًّا، بزيادة تتجاوز الـ 10% عن المعيار المرجعي للشحً المائي.
ومع هذا الإنجاز، تجد العديد من الباحثين والخبراء البيئيين يجادلون حول أثره البيئي، وينبّهون على أن هذا التوسع الكبير في الاعتماد على محطات التحلية، يزيد ملوحة الخليج العربي نتيجة صرف المحلول الملحي الناجم عن عملية التحلية في مياه الخليج مرّة أخرى؛ ما يؤثر على الحياة البحرية والأشخاص المعتمدين عليها.
تنتج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حوالي 70٪ من حمولة المحلول الملحي العالمية، في مقابل 4% تقريبًا تنتجها أمريكا الشمالية، و 6% لأوروبا، و 10% من شرق آسيا والمحيط الهادئ.
ورغم كون الخليج بحرًا شبه استوائي، إلا أنه يشهد ظروفًا بيئية قاسية؛ فتصل درجات الحرارة فيه صيفًا إلى 36 درجة مئوية ( 96.8 درجة فهرنهايت)، والملوحة إلى 42 وحدة نموذجية في المياه الضحلة الجنوبية، وذلك وفق دراسة منشورة في دورية نيتشر.
كما تشير دراسة منشورة في مجلة التحلية بعنوان: "مخاطر البناء الكبير: استدامة تحلية المياه، وتنظيم المحلول الملحي في دول الخليج العربي"، أن تصريف المحلول الملحي بدرجة حرارة أعلى من مياه البحر الواردة، بمقدار 30-40 درجة مئوية (86-104 درجة فهرنهايت) عواقب مختلفة على الحياة البحرية.
في هذا التحقيق المكون من أربعة أجزاء، والذي استمر العمل عليه قرابة عام، نتعمق في تاريخ محطات التحلية في دول مجلس التعاون الخليجي، ونحاول تبيّن الفائزين من الخاسرين جرّاءها، والأثر البيئي لمحطات التحلية في دول المجلس على المجتمعات المحلية المعتمدة بشكل رئيس على الصيد، كما نسعى وراء الحلول الممكنة لتلك الأزمة.