هذا التحقيق هو الجزء الثالث من سلسلة تحقيقات "ثمن الماء العذب في الخليج العربي" والتي أنتجت بالشراكة مع شبكة التقارير المحيطية التابعة لمركز بوليتزر (ORN).
Video Thumbnail

“ارتباطي بالبحر هو ما يجعلني أكمل في مهنة الصيد". بهذه الكلمات يصف الصياد القطري الأربعيني "فيصل مبارك" حاله مع المهنة التي بدأها منذ ١٧ عامًا، والتي لم تعد تُدرّ عليه دخلاً كافيًا لإعاشته.

اعتاد مبارك الصيد في المنطقة الجنوبية، تحديدًا في "الوكرة" التي تبعد ٢٠ كيلومترًا عن العاصمة الدوحة، والتي قلّت فيها الأسماك عن السابق، حتى الأسماك المحلية المنتشرة مثل "الشعر"، التي اعتاد اصطيادها من أي شاطئ قطري وهو طفل، لم تعد موجودة.

يخسر مبارك من الصيد الذي يحبه أكثر مما يكسب، يصف علاقته مع المهنة لـ"مواطن" قائلًا:  "أحيانا ما تكلفني الطلعة الواحدة (رحلة الصيد) ١٠٠٠ ريال قطري (٢٧٥ دولارًا أمريكيًا)، موزعين على الزيت الذي يستخدم لتشغيل مركب الصيد وأجور العمالة وغيرها، ولكن السمك الذي أستطيع صيده لا أبيعه سوى بـ ٨٠٠ ريال (٢٢٠ دولارًا أمريكيًا)، بشكل عام، المكسب ضعيف وقد يكون منعدمًا في يوم عمل كامل.

يعزي الصياد الأربعيني سبب تراجع الثروة السمكية في قطر، وتحديدًا في الوكرة لأسباب متعددة مثل:
الارتفاع الشديد في درجات حرارة المياه خلال فصل الصيف
التيارات المائية الشديدة
محطات التحلية المقامة في المنطقة

يقول لـ"مواطن": "عمليات الحفر اللي صارت ناحية المحطات هذه أثّرت على مراعي الأسماك، يمكن كمان تصريف المياه المالحة قد غيرت من نسبة الملوحة وأثّرت على الأحياء البحرية".

يشير مبارك لدرجة الملوحة العالية؛ وهو ما أكده أيضًا صياد محترف اعتاد الغوص في مناطق مختلفة من الخليج العربي في حديثه لـ"مواطن"، بوصفه منطقة الوكرة كأكثر المناطق ملوحة في قطر، وأن جسده لا يحتمل درجة ملوحة المياه فيها.

ودولة قطر هي شبه جزيرة صغيرة تقع على الساحل الشمالي الشرقي لشبه الجزيرة العربية، وتحدها من جهة الجنوب المملكة العربية السعودية

منها 69 محطة قيد العمل، و13 من المفترض أنها تعمل كما تصفها قاعدة البيانات، والبقية موزعة بين محطات مخطط إنشاؤها، وأخرى متوقفة عن العمل أو ملغاة.

معظم المحطات العاملة في قطر

تعمل بتقنية التناضح العكسي (RO)، بإجمالي قدرة 575 مليون جالون يوميًا، تليها تقنية (الفلاش متعدد المراحل) بإجمالي قدرات 504 ملايين جالون يوميًا. ثم التقطير متعدد التأثيرات (MED) بإجمالي قدرات 201 مليون جالون يوميًا.

التناضح العكسي (RO)
الفلاش متعدد المراحل
التقطير متعدد التأثيرات (MED)
ضغط البخار (VC)
أخرى

(مليون جالون يوميًا)

قطر كما الدول الخليجية، تُخصص غالبية محطات التحلية لتوفير مياه الشرب بقدرة إجمالية تصل إلى 948 مليون جالون يوميًا، بينما تُستخدم 71 مليون جالون يوميًا لأغراض الصناعة.

وعند النظر إلى توزيع المحطات من حيث العدد، يتبين أن الأغراض الصناعية تستحوذ على النصيب الأكبر، إذ يبلغ عدد المحطات المخصصة للصناعة 50 محطة، تليها محطات الشرب بعدد 45 محطة. كما توجد 4 محطات مخصصة للري ومثلها لأغراض السياحة.

50 محطة (صناعية)

71.32

مليون جالون يوميا

45 محطة (مياه شرب)

948.35

مليون جالون يوميا

5 محطة (غير معروف)

258.09

مليون جالون يوميا

4 محطة (المنشآت السياحية)

0.38

مليون جالون يوميا

4 محطة (الري)

4.4

مليون جالون يوميا

1 محطة (الأغراض العسكرية)

0.06

مليون جالون يوميا

تضم الوكرة -حيث يصطاد "مبارك"- محطتي تحلية رئيستين،

محطة "أم الحول" ومحطة "رأس أبو فنطاس"، تبعدان عن بعضهما البعض 19 كيلو مترًا تقريبًا.

وفقًا لقاعدة بيانات GWI، هناك محطتان تحملان اسم "أم الحول"، الأولى تعمل بتقنية التقطير متعدد المراحل (MSF) وتبلغ سعتها 91 مليون جالون يوميًا، وتم تشغيلها عام 2018، والثانية تعمل بتقنية التناضح العكسي RO، وتبلغ قدرتها حوالي 72 مليون جالون يوميًا، وتم تشغيلها أيضًا عام 2018، ولكن تم توسعتها لاحقًا بإضافة محطة آخرى عام 2021 تعمل بنفس التقنية، لتنتج وحدها حوالي 74 مليون جالون يوميًا.

أما محطة رأس أبو فنطاس فهناك - وفق قاعدة بيانات GWI- تسع محطات تحمل هذا الاسم، وتعمل معظمها بنظام تقنية التقطير متعدد المراحل (MSF) باستثناء واحدة تعمل بالتناضح العكسي، أكبر تلك المحطات تم تشغيلها عام 2009 وتنتج حوالي ٤٣ مليون جالون يوميًا، أما أصغرها فتنتج 12 مليون جالون يوميًا وتم تشغيلها عام 1977.

محطة أم الحول للطاقة، هي مشروع مشترك بين شركة الكهرباء والماء القطرية، والتي تملك ما نسبته 60٪ منها، وشركة K1 الأجنبية بنسبة 30٪، والـ 10% المتبقية ملك تحالف يضم (مستثمرين يابانيين، شركة ميتسوبيشي (20٪) وجيرا (10٪)، مؤسسة قطر (5٪)، وقطر للبترول (QP) -المعروفة الآن باسم قطر للطاقة (5٪)، أما  محطة رأس أبو فنطاس فهي مملوكة بالكامل  لشركة الكهرباء والماء القطرية.

علي الرغم من أن محطتي "رأس أبو فنطاس" و"أم الحول" قريبتان وتُصرّفان محلولهما الملحي في نفس المنطقة، لكن أثرهما البيئي مختلف، كما يؤكد أستاذ البيئة البحرية بجامعة قطر الدكتور رضوان بن حمادو في حواره مع  "مواطن"، ويعزي السبب لكيفية استخدام منافذ التفريغ.

نقاط التفريغ

بحسب  د. رضوان  فإن محطة "رأس أبو فنطاس"، والتي تعتبر الأقدم في قطر، يتم تصريف المحلول الملحي مباشرة على الشاطئ من خلال مخرج وحيد، مما يعظم من أثر المحلول الملحي على الحياة البحرية، أما في محطة "أم الحول" فيتم التصريف على بعد ٢.٦ كيلو مترات من الشاطئ، ومن خلال منافذ مختلفة؛ ما يقلل من أثر المحلول الملحي، والذي قد ينعدم نظرًا لحجم المياه الكبير الذي يتخلص فيه من المحلول الملحي، ولأن معدل تخفيف المحلول الملحي أعلى بكثير.

يستطرد رضوان قائلًا: "ما لا نستطيع تغييره هو كمية الملح المضافة إلى الخليج في كل عام، الكمية هي نفسها؛ سواء أكان التخفيف يتم باستخدام موزعات أو لا".

في أطروحة مقدمة من الباحثة هدى الحسيني، بعنوان "تقييم تأثير تصريف المياه المالحة من محطات تحلية المياه على التنوع البيولوجي الميكروبي البحري في قطر" عام ٢٠٢٢، وهي الدراسة العلمية الوحيدة التي أخذت محطة تحلية في قطر كدراسة حالة حتى تاريخ نشر هذا التحقيق، وجدت الباحثة أن الخصائص الفيزيائية والكيميائية لمياه البحر التي تتلقى تصريف المحلول الملحي من محطة تحلية "أم الحول" لم تتغير بشكل كبير. ظلت الخصائص المقاسة، مثل درجة الحرارة والملوحة ودرجة الحموضة والأكسجين المذاب، ضمن النطاقات المقبولة للبيئات البحرية.

أرجعت الباحثة أسباب ذلك إلى نقطة التفريغ بشكل أساسي؛ فمع تصريف المحلول الملحي في البحر يتم تخفيفه بسرعة بواسطة مياه البحر المحيطة،  وكلما تم الابتعاد عن نقطة التفريغ، أصبح المحلول الملحي أخفّ.

يقلل هذا التخفيف من تركيز المواد الضارة المحتملة في المحلول الملحي، مما يقلل من تأثيرها على الحياة البحرية. وأشارت الدراسة إلى أن الاختلافات في التنوع الميكروبي والخصائص الفيزيائية والكيميائية لم تظهر ارتباطًا واضحًا بالمسافة من مخرج المحلول الملحي، مما يشير إلى التخفيف الفعال.

يقول د. رضوان، وهو من ضمن المشرفين على الدراسة: "المقارنة بين رأس أبو فنطاس وأم الحول مهمة، لأن كلتا المحطتين تؤثران على نفس عشب البحر ونفس المحار ونفس الشعاب المرجانية، ونفس أشجار المانغروف ولكن تأثير المحطتين مختلف وملحوظ للغاية؛ ففي رأس أبو فنطاس يتم تصريف المحلول الملحي بدون ناشرات وبدون توقيت محدد مع المد والجزر، لذلك فالتأثير على الحياة البحرية واضح للجميع".

أما د. "جيني لولر"، مديرة الأبحاث العليا بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة؛ فتخبرنا في حديثها لـ"مواطن" بعدم وجود دراسات ميدانية كثيرة عن تأثير محطات تحلية المياه على البيئة البحرية في قطر. ويرجع ذلك -في جزء منه إلى صعوبة فصل التأثيرات العديدة لتغير المناخ وصناعة النفط والغاز والصيد التجاري، والشحن والنقل في الخليج، والبناء والأنشطة البشرية الأخرى، عن تأثيرات محطات تحلية المياه نفسها، ومع ذلك، أظهرت دراسات أخرى أن مخرجات محطات تحلية المياه يمكن أن تسبب تبييض المرجان وموته.

وتضيف: يغرق المحلول الملحي بشكل عام في عمود الماء، ويمكن أن يؤدي إلى نقص الأكسجين في العمق، مما قد يؤثر سلبًا على الحياة البحرية على مستوى الرواسب.

ووفقًا لورقة "مخاطر البناء الكبير؛ فاستدامة تحلية المياه وتنظيم المحلول الملحي في دول الخليج العربي"، تمتلك قطر 2٪ من قدرة تحلية المياه في العالم، ولكنها مسؤولة عن 5٪ من إنتاج المحلول الملحي.

وتشير الدراسة إلى أن تقنية التقطير متعدد المراحل تتطلب طاقة كثيفة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الطاقة الحرارية اللازمة لعملية التقطير، ويساهم هذا الطلب المرتفع على الطاقة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري؛ وخاصة ثاني أكسيد الكربون (CO₂) الذي له آثار سلبية قصيرة وطويلة الأجل على صحة الإنسان والبيئة. على سبيل المثال، يمكن لمحطات التبخير متعدد المراحل أن تطلق ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وتؤكد الدراسة أن عملية تحلية المياه بالطرق السريعة متعددة المراحل في قطر أطلقت 4.66 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2014.

ترى  د."لولر" أن محطات تحلية المياه الحرارية الحالية في قطر تساهم بشكل ضئيل في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري؛ ويرجع ذلك إلى أن الحرارة المستخدمة في عملية تحلية المياه الحرارية هي نتاج ثانوي لعملية توليد الكهرباء -عن طريق حرق الغاز في توربينات توليد الكهرباء للبلاد-، وحتى يتم التحول إلى توليد الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة، من المنطقي، علينا أن نتعامل مع المياه المحلاة كمنتج ثانوي نتج إلى جانب عملية توليد الكهرباء.

وتضيف: ومع ذلك، يمكن أن يكون تصريف المحلول الملحي من محطات تحلية المياه الحرارية بدرجة حرارة أعلى، ويحتوي على مواد كيميائية عند مقارنته بتصريف المحلول الملحي من محطات التناضح العكسي لمياه البحر (SWRO)، لذلك فإن استراتيجية قطر بشكل عام هي التحول بعيدًا عن تحلية المياه الحرارية والانتقال إلى التناضح العكسي.

ثغرة قانونية

وفقًا لورقة "مخاطر البناء الكبير: استدامة تحلية المياه وتنظيم المحلول الملحي في دول الخليج العربي" فلا توجد حتى الآن معايير محددة لإدارة المحلول الملحي في قطر، كما تعاني اللوائح البيئية في المنطقة الخليجية من عدم اليقين القانوني واللوائح المجزأة.

وتشير الدراسة إلى أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي ليس لديها خطط مراقبة بيئية، والتي تمثل عنصرًا أساسيًا في اللوائح البيئية المتعلقة بتحلية المياه. وتنبه لوجوب تناول خطط مراقبة البيئة لقضايا مثل اختيار الموقع، والتخفيف من التأثيرات البيئية أثناء البناء، وإجراءات المراقبة وتدابير الطوارئ.

ينص القانون القطري رقم 30 لسنة 2002 على قواعد حماية البيئة في أكثر من 80 مادة، ولكنه لا يتناول أزمة المحلول الملحي على وجه التحديد.

ويتناول في مادته 42، حماية البيئة من التلوث بهدف تطبيق "النهج الوقائي والاحتياطي لحماية سواحل الدولة وموانئها من جميع أنواع وأشكال ومصادر مخاطر التلوث"، و"تخفيف وتقليل الآثار الدنيا الممكنة".  بالإضافة إلى ذلك، تشير المادة 55 إلى المرسوم رقم 55 لسنة 1992 بشأن بروتوكول حماية البيئة البحرية من المصادر البرية، وتتناول قضية النفايات السائلة التي يتم تصريفها في البيئة البحرية -على الرغم من عدم وجود إشارة صريحة إلى المحلول الملحي"