في العقد الأخير، زادت وتيرة عمليات "التكسير الهيدروليكي" على نطاق واسع في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما أثار احتجاجات من قبل المجتمعات المحلية المتضررة التي تسكن بالقرب من حقول النفط والغاز في الصحراء. يعارض السكان المحليون هذه العملية، لأنها تستنزف الموارد الطبيعية التي يعتمدون عليها في عيشهم؛ ما يهدد بشكل مباشر منازلهم وزراعتهم.
يتضمن التكسير حفر آبار على عمق آلاف الأقدام تحت السطح، ثم الحفر أفقيًا لمسافة تصل إلى ميلين، يجري بعدها ضخ خليط من الماء والرمل والمواد الكيميائية (بعضها سام ومسرطن) بضغط عالٍ لإحداث تشققات في الصخور، مما يتيح للمواد المحبوسة -النفط والغاز الطبيعي- بين مسامات الصخور التحرر والخروج من أماكن اختبائها بين الصخور. حظرت دول مثل فرنسا وألمانيا واسكتلندا التكسير الهيدروليكي، لما له من آثار بيئية مدمرة، والتي تشمل تلويث المياه الجوفية، ومخاطر صحية متعلقة بالمواد الكيميائية المستخدمة، والنشاط الزلزالي المحتمل المتعلق بكثافة وعمق الحفر.
تمت التجربة الأولى للتكسير الهيدروليكي المعروف أيضًا بالتصدع المائي؛ في حقل غاز هوجوتون في مقاطعة جرانت بجنوب غرب كانساس بالولايات المتحدة الأمريكية؛ في عام 1947، ونجح أول تطبيق تجاري له في عام 1950. منذ ذلك الحين وحتى عام 2012، تم تنفيذ 2.5 مليون عملية تكسير هيدروليكي حول العالم على آبار النفط والغاز، مع أكثر من مليون عملية في الولايات المتحدة الأمريكية.
ينبع الاهتمام المتواصل باستخدام التكسيرالهيدروليكي لاستخراج الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من عاملين رئيسين: التحول المتسارع في مجال الطاقة، والحاجة إلى أشكال جديدة أنظف من الوقود الأحفوري التقليدي، وحاجة أوروبا إلى تنويع إمدادات الغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالتالي تستخدم العديد من الشركات في المنطقة العربية تقنية التكسير الهيدروليكي من أجل زيادة الإنتاج ورفع كفاءة الآبار، دون الإلتفات لأثاره البيئية.
يمثل استخراج الغاز فرصة للدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، للحفاظ على عائدات صادراتها منه عبر توفير وقود أقل كثافة كربونية نسبيًا من الفحم أو النفط وهو "الغاز الطبيعي"، والذي يتم -غالبًا- اعتباره مصدرًا انتقاليًا للطاقة.
شهد العامان الماضيان قيام صناع السياسات الأوروبيين بتطوير سياسات تهدف إلى إحداث تغيير جذري في المورد الذي تستورد منه الدول احتياجاتها من الغاز، ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا، وحلت النرويج والولايات المتحدة محل روسيا كأكبر مورد للغاز للاتحاد الأوروبي؛ فقد زودت النرويج 30% من احتياجات الاتحاد من الغاز في عام 2023؛ في حين تضاعفت واردات الغاز الطبيعي الأمريكي المسال ثلاث مرات في عام 2023 مقارنة بعام 2021، وتلبي الولايات المتحدة الآن 50% من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز الطبيعي المسال.
تمثل هذه الديناميكيات المتغيرة فرصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضًا؛ لا سيما عبر خط أنابيب "ميدغاز" الذي يمتد من الجزائر إلى إسبانيا، وخط أنابيب "ترانس ميد" الذي يمتد من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس.
شهد العام الماضي ارتفاعًا كبيرًا في إنتاج الغاز الطبيعي في الجزائر، من 132.7 مليار متر مكعب في عام 2022 إلى 136 مليار متر مكعب في عام 2023. ويتوقع ميلود مجلّد، المدير العام للتنقيب في وزارة الطاقة الجزائرية، زيادة سنوية بنسبة 1.4٪ في إنتاج الغاز الطبيعي حتى عام 2028.
Source: Bruegel . Created with Datawrapper
تونس بلد آخر في شمال أفريقيا لديه طموحات للاستكشاف والتنقيب عن الهيدروكربون -النفط والغاز الطبيعي-؛ حيث يتراجع إنتاج الغاز في البلاد، وذلك منذ عدة سنوات: في العام حتى يونيو 2023، على سبيل المثال، تقلص الإنتاج في حقل "صدربعل" أول موقع تنقيب وأكبر حقل في البلاد بنسبة 4% منذ اكتشافه في عام 1975، وتقلص الغاز التجاري الجنوبي بنسبة 36%، وحقل "مسكار" تقلص بنسبة 10%. بسبب ذلك أشارت شركة الطاقة الحكومية (المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية) ETAP إلى أنها تبحث عن المزيد من الاستثمارات من الشركات الدولية في مجال الطاقة لتعزيز الإنتاج.
يبحث هذا التحقيق في استخدام التكسير الهيدروليكي لاستخراج الغاز الطبيعي والغاز الحبيس وأنواع أخرى من الطاقة، رغم تحذير الخبراء والمجتمعات في الخطوط الأمامية من أن إمدادات المياه الهشة في الصحراء مهددة بسبب عملية التكسير التي تتطلب كميات كبيرة من المياه. في هذا التحقيق، قمنا باستخدام صور الأقمار الإصطناعية، للوصول لأدلة حول استعمال التكسير الهيدروليكي في الصحراء في ثلاث دول عربية؛ وهي تونس والجزائر ومصر، ووجدنا أن الدول الثلاث لديها خطط قائمة لتوسيع أنشطة التكسير الهيدروليكي من أجل توسيع الإنتاج في مجال الطاقة.
تحقيق: إيمان منير ونيك فيريس
رسوم: أحمد بيكا
تصميم وبرمجة: مصطفى عثمان
دعم اضافي: رحاب عبد المحسن وفيليبا نوتال