إما الموت، أو ملاحقة آثاره النفسية لهم.. جرائم الاحتلال بحق أطفال غزة
في داخل المنازل والكنائس والمساجد وساحات المدارس والمستشفيات، على طول المساحة الجغرافية لقطاع غزة، تواصل مقاتلات جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأطفال الفلسطينيين، وتمزيق أجسادهم إلى أشلاء، وتحول من تبقى منهم إلى مصابين في أسرة المستشفيات، أو ناجين في مأوى النزوح.
وإحدى هؤلاء الذين طاردهم قصف الاحتلال، فلة اللحام، 6 أعوام، والتي تتواجد مدرسة مخصصة، لإيواء النازحين الفارين من نيران القصف.
"جميع الأطفال الفلسطينيين دون استثناء، تحت نيران القصف الإسرائيلي، وهم أكثر الفئات العمرية تعرضًا للاستهداف، وأكثر الضحايا والشهداء والجرحى والمفقودين من بينهم".
“لم يعد هناك شيء يجب التمسك به، استشهدوا جميعًا؛ أبي وأمي واثنان من إخواني، الموت أهون عليّ”. تقول الطفلة فلة لمواطن، والتي كانت الناجية الوحيدة من القصف الجوي الذي طال منزل أسرتها، الواقع غرب مدينة خان يونس.
ولم يعلق في ذاكرتها أكثر من صور الضحايا من الأطفال من سنها، وألم أولئك الذين كانوا يتوافدون إلى المستشفى طول مدة بقائها فيها.
من جانب آخر تقول آية اللحام 33 عامًا، هي عمة الطفلة: “ما تزال فلة مذعورة من أثار القصف، لا تشعر بالأمان مطلقًا، على الرغم من شفاء إصابتها الجسدية التي تعرضت لها أثناء قصف منزل العائلة، والذي راح ضحيته 14 من أفراد الأسرة بين رجال ونساء وأطفال”.
وتضيف لمواطن: “إن جميع الأطفال الفلسطينيين دون استثناء، تحت نيران القصف الإسرائيلي، وهم أكثر الفئات العمرية تعرضًا للاستهداف، وأكثر الضحايا والشهداء والجرحى والمفقودين من بينهم”.
وهناك الكثير من الأطفال الفلسطينيين الذين يشكلون نصف السكان الفلسطينين، ما بين شهيد وجريح وفقيد، وبلغ عدد القتلى من الأطفال حتى اليوم الأربعاء 15 تشرين الثاني/نوفمبر، 4600 قتيل وأكثر من 9000 جريح، وفق بيان صحفي للمديرية التنفيذي لمنظمة الطفولة العالمية (اليونيسيف).
انتهاكات وجرائم، تحت مبرر الدفاع عن النفس
ما يتعرض له الأطفال الفلسطينيون من تشويه واختطاف وقتل؛ يعد انتهاكات جسيمة وخطيرة بحقهم، حسبما جاء في بيان المدير التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة اليونيسيف كاثرين راسل.
وهو ما يؤكد عليه رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، صلاح عبد العاطي، بأن ما يتعرض له الأطفال الفلسطينيون جريمة مركبة، وانتهاك للقوانين الدولية والإنسانية، والاتفاقات والمعاهدات المتعلقة بحماية حقوق الأطفال”.
"القصف على قطاع غزة استهداف مباشر للمدنيين والأطفال، وعملية إبادة عرقية تتناقض مع كل المعايير والقوانين الدولية والإنسانية".
ويستند عبد العاطي إلى قانون حماية الأطفال الدولي ومعاهدات واتفاقية اتفاقية جنيف لسنة 1949، وبروتوكولاتها الإضافية الموقعة عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير لمواطن، أنّ ما تقوم به السلطات الإسرائيلية، لا يندرج تحت مبادئ حق الدفاع، وأن مشروعية الدفاع عن النفس، لا تثبت إلا بقرار مجلس الأمن وتصويت على ذلك، ويشترط أن لا تكون الدولة محتلة، كما هو حال إسرائيل المحتلة.
معتبًرا ادعاءات السلطات الإسرائيلية وما تطلقها من أوصاف على الفلسطينيين (وحوش بشرية) وغيرها، ليست إلا شماعات، تهدف إسرائيل من خلالها لنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، بغرض تمرير عملية القتل، التي ترتكبها ضد المدنيين والأطفال داخل قطاع غزة.
الأطفال.. أهداف لقوات الاحتلال
وفي كل تصعيدٍ إسرائيلي يصبح المئات من الأطفال الفلسطينيين في القطاع ضمن الأهداف لجيش الاحتلال الإسرائيلي على مدى السنوات السابقة، وبحسب إحصائيات الحركة العالمية للدفاع عن حقوق الأطفال (حشد)؛ فإن القصف الإسرائيلي -لا سميا في الفترة ما بين أعوام 2008 و 2021- بلغ عدد القتلى من الأطفال 1283، وأكثر من 1373 جريجًا، منهم 417 قتيلًا، و222 جريحًا خلال 21 يومًا في 2008.
وفي 2014، وخلال العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي استمر 50 يومًا، من 8 يوليو/ تموز وحتى 26 أغسطس/آب، وصل عدد القتلى في القطاع 2322، منهم 576 من الأطفال و489 امرأة، وفق إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية.
ومن جانب آخر، يقول لمواطن مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن أطفال فلسطين، عايد أبو قطيش” “إن القصف على قطاع غزة استهداف مباشر للمدنيين والأطفال، وعملية إبادة عرقية تتناقض مع كل المعايير والقوانين الدولية والإنسانية”.
ويشير، إلى أن منع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية واستهداف العاملين في الجانب الإنساني، يوضح حقيقة ومدى انتهاك جيش الاحتلال الإسرائيلي للقوانين الإنسانية، وأيضًا تعمده قصف الأطفال، التي تعتبر جريمة ضد الإنسانية مكتملة الأركان.
وعلى الرغم من العنف المفرط والاستهداف المستمر الأطفال، لم توجد جهود دولية حقيقية، لإيقاف الحرب والحصار والتهجير القسري والانتهاكات، التي يتعرض لها الأطفال.
ويعد استهداف الأطفال الفلسطينيين؛ سواء قتلًا أو اعتقالًا أو إهمالًا في الرعاية الطبية، سياسة ممنهجة اتبعتها القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية منذ احتلال فلسطين، إلا أنها هذه المرة تختلف بشكل كبير.
إذ سجلت قوات الاحتلال أعلى معدل لعمليات استهداف الأطفال، وتجاوز عدد الأطفال الذين قتلوا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إجمالي عدد الأطفال الذين قتلوا في جميع أنحاء مناطق الصراع منذ 2019م، وفقًا لمنظمة أنقذوا الاطفال.
ووفق استطلاع سابق أعده فريق منظمة الأمم المتحدة اليونيسيف، بعد عدوان 2014 على قطاع غزة، قدر أن تغيير سلوك الأطفال تغير 100% نتيجة القلق الذي عاصروه وقت الحرب.
كما أشار التقرير إلى أن تزايد عمليات استهداف الأطفال، يعود لعدة عوامل؛ أهمها غياب قاعدة الدقة والتحوط في الأهداف لدى سلطات الاحتلال، بالإضافة إلى الخلفية الدينية المتطرفة، ووصول اليمين المتطرف، الذي يرى استباحة حياة الأطفال طريقًا الى سدة الحكم.
ويقول لمواطن الحقوقي البحريني، نبيل رجب أن “إسرائيل شنت حرب إبادة ومجازر دموية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، مستهدفة بشكل متعمد أطفاله وشيوخه ونسائه، وكذلك أماكنه المدنية، ومستخدمة اسلحة محرمة دولية. إنها جرائم حرب كاملة الأركان”.
ويضيف: “لقد فعلت اسرائيل ذلك بضوء أخضر غربي ودعم أمريكي لا يجوز الصمت عنه أو تركه يمر مرور الكرام، إنها حقيقة مرة لكنها تعبر عن أزمة اخلاقية تعيشها حكومات الغرب”.
ويرى أن ذلك يتطلب، بذل الجهود لنشر الوعي بين شعوب تلك الدول حول حقيقة ما يجري وفضح الإعلام المضلل ومموليه، والتأكد أن لا يفلت مجرمي الحرب وداعميهم من المسئولية الجنائية، بل توفير كل الظروف والإمكانيات لتقديمهم للمحاكم الدولية. ويختم بأنها “مسئولية تقع على الجميع”
انعكاسات الحرب، على حياة أطفال غزة
وفي المقابل، يشكل استخدام العنف وما فيه قصف واستهداف المدنين والأطفال من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، انعكاسات سلبية على حياة الأطفال بدرجة أساسية على المدى البعيد، ويخلف آثارًا كبيرة على الجوانب النفسية لهم، بما فيها الاضطرابات النفسية والسلوكية.
ووفق استطلاع سابق أعده فريق منظمة الأمم المتحدة اليونيسيف، بعد عدوان 2014 على قطاع غزة، نشرت نتائجه في تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قدر أن تغيير سلوك الأطفال تغير 100% نتيجة القلق الذي عاصروه وقت الحرب.
وكان الشعور بالقلق والخوف من الأصوات العالية المفاجئة، والطائرات والكوابيس المتكررة والتبول اللاإرادي، وكذلك الصراخ، والبكاء غير العادي، بالإضافة إلى الميول العدوانية؛ مثل الانخراط في أعمال تجاه الأقارب والأقران. أبرز التغيرات السلوكية على الأطفال جراء الحرب.
كما أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في أيلول/سبتمبر عام 2014 أن الصراع خلّف وراءه 373000 طفل فلسطيني، بحاجة لتدخل اجتماعي ونفسي مباشر، بناءً على أعداد الأطفال المتأثرين بانتهاكات جسيمة مثل الإصابة، ومقتل أو إصابة أحد الأقرباء، والمعاناة من الغارات الجوية والقصف المدفعي، والنزوح.
وتقول الحقوقية الكويتية، هديل بوقريص، لمواطن: “أثبت العدوان على غزة أن الاتفاقيات الحقوقية المعنية بحماية الأطفال، هزيلة وضعيفة، ولم تقم بواجبها حتى اللحظة، منذ قرابة خمسين يومًا على الاعتداءات، التي يتعرض لها الأطفال في غزة بطريقة وحشية.
وتشير إلى، أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، سلبت الأطفال الفلسطينيين طفولتهم وحقهم في الحياة منذ البداية، وحتى من هم في بطون أمهاتهم، لا يعيشون بأمان.
وتكمل، “ما يمر به الأطفال في غزة لا يمكن أن يحتمله حتى الكبار، هناك أطفال يتمنون القتل، وأنة يموتوا قطعة واحدة لا أشلاء، وهذه أمنية مرعبة حين نسمعها نحن الكبار، بمعنى أن الطفل تخلى عن جميع أحلامه، وأصبحت أمنيته أن يموت قطعة واحدة”.
وتضيف، الطفل في هذه المرحلة فقد أحلامه وحقوقه؛ حقه في التعليم، حقه بالأمان حقه بالتحرر من الخوف، وصل نفسيًا إلى العجز وأصبح يفكر كالبالغين.
مستطردة بأنه من المعيب والمخزي؛ الاحتفال بيوم الطفل العالمي، والإنجازات التي حققتها منظمات حقوق الإنسان للأطفال على المستوى العالمي، في ظل أنها وقفت عاجزة تجاه ما يحدث للأطفال في غزة، بل وقفت مكبلة وغير قادرة على حمايتهم.
وتؤكد “ما يقال عن حقوق الإنسان هو كذب بيّن، لاسيما بعد عجزها الفاضح عن حماية حقوق هؤلاء الأطفال، وتأمين حقوقهم الأساسية التي يجب أن يتمتعوا بها”.
ختامًا، ستبقى فلة كما غيرها من الأطفال، الذين لم يموتوا جراء القصف الإسرائيلي، محاصرين بذكريات يصعب محوها، بعد أن فقدوا أفراد أسرهم أو أسرهم كاملة، بالإضافة إلى أصدقائهم من الجيران وزملاء الدراسة، وعلى الرغم من أن قتل الأطفال جريمة بشعة، إلا أن ما يلاحق من بقى منهم على قيد الحياة، أكثر بشاعة.
التعليقات 1