فجر الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني، وصلت ميسون موسى، عميدة الأسيرات الفلسطينيات، أقدم أسيرة داخل السجون الإسرائيلية إلى مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، ضمن الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة حماس، وسلطة الاحتلال الإسرائيلي، وسط احتفالات حاشدة من أسرتها، وأهالي المنطقة الذين رفعوا رايات النصر.
“فش فرح طالما فلسطين حزينة.. فش فرح طالما بلادنا محتلة.. لكن نقول الحمد لله على الحرية، أكيد الحياة خارج المعتقل أفضل، حتى لو بنعيش على الأنقاض، بكرة بتتعمر، الله ينصر غزة وأهلها”. تقول ميسون، لمواطن بعد ساعات من الإفراج عنها.
واعتقلت ميسون في 29 يونيو/ حزيران 2015، وحكم عليها بالسجن 15 عامًا. بعد أن قامت بطعن مجندة إسرائيلية، على حاجز قبة راحيل (مسجد بلال) قرب بيت لحم.
وحرمها السجن من استكمال دراستها الجامعية، بعد أن كانت في السنة الأولى بقسم الأدب الإنجليزي في جامعة القدس، إلا أنها استطاعت استكمال تعليمها فيما بعد، عن طريق التعليم عن بُعد، في قسم الخدمة الاجتماعية.
"الموت كان يحاصرنا من كافة الاتجاهات، الجنود كانوا يصرخون بنا ويضربوننا بعنف ووحشية، نقلونا إلى الزنازين، ومنعوا عنا الأكل، كانوا يقدمون طبق واحد لكل ٧ أفراد، وغطاء واحد لكل شخصين".
كيف عرف الأسرى الفلسطينيين بعملية طوفان الأقصى، وما يجري خارج سجون الاحتلال، وكيف استقبلوا الأخبار القادمة من الخارج؟ وهل اختلف تعامل سلطات الاحتلال معهم عقب السابع من أكتوبر/تشرين أول؟ وماذا كانت مشاعرهم بعد الخروج من المعتقلات، ورؤية ما حدث من دمار في غزة؟
زيادة القمع في سجون الاحتلال.. عقب طوفان الأقصى
لم تكن الزنازين وساحات السجون بعيدة عن قمع القمع من سلطات الاحتلال، والمقاومة من الأسرى الفلسطينيين، وتحكي لمواطن، الأسيرة المحررة حنان البرغوثي، (أم عناد) التي تلقب بأم وشقيقة الأسرى لأن ٦ من أبنائها وأشقائها، معتقلون داخل السجون الإسرائيلية، أن وتيرة العنف ضد الأسرى زادت بشكل مبالغ فيه بعد أحداث السابع من أكتوبر، إذ استباح جنود الاحتلال كافة أشكال القهر، وابلغوا المعتقلين أن لديهم ضوء أخضر لفعل كل شيء.
البرغوثي صاحبة الـ٥٩ عامًا، هي شقيقة الأسير الفلسطيني الشهير نائل البرغوثي الذي قضى ٤٤ عامًا داخل السجون الإسرائيلية، والذي دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية في 2019 باعتباره صاحب أطول مدة سجن سياسي في العالم، وهي ابنة بلدة كوبر في مدينة رام الله، تم القبض عليها منذ 4 أشهر بدون تهمة، وتم تحويلها إلى الاعتقال الإداري.
تعلق “هم يلفقون التهم ويعذبون الأسرى بكافة الأشكال، أخي و٤ من أبنائي داخل السجون ينفطر قلبي عليهم، الله يفك أسرهم، وبعد ٧ أكتوبر تم تعذيبنا ومنعنا من الدواء، والطعام وتفتيش بعض الأسيرات عاريات وضربهن”.
بينما يضيف الطفل الفلسطيني المحرر مؤخرًا، قصي هاني طقاقة: “الموت كان يحاصرنا من كافة الاتجاهات، الجنود كانوا يصرخون بنا ويضربونا بعنف ووحشية، نقلونا إلى الزنازين، ومنعوا عنا الأكل، كانوا يقدمون طبق واحد لكل ٧ أفراد، وغطاء واحد لكل شخصين”.
"في السابعة صباحًا عرفنا بالأخبار، وعملية ٧ أكتوبر، وبعدها تعمدت إدارة السجن فصلنا عن العالم، ومنعوا عنا جميع الأجهزة الكهربائية، حتى لا نعرف الأخبار".
ويكمل لمواطن، “سحبوا التنظيم المسؤول عن رعاية الأطفال داخل السجون، وبقينا مع الجنود وحدنا وسط حالة الهلع هذه، كنا نشعر أننا نموت في كل لحظة”
أما الأسيرة الفلسطينية المحررة أسيل الطيطي، تصف رحلتها داخل السجون الإسرائيلية بالمريرة والقاسية، وتحكي: “كانت رحلة صعبة رغم عمري وسني، إلا أني أول مرة بحياتي ببعد عن أهلي وناسي وأخوتي، وكنت أعرف إنه الأسر للرجال وليس للنساء”.
وتقول: “عندما اعتقلت كان عمري 21 عاما ونصف وحكم علي 15 عام ولكن لم ينفذ الحكم لما الحرب بدأت”.والتي كان سبب اعتقالها هو مشادة بينها وبين مجندة إسرائيلية، عندما كانت تزور شقيقها مع أمها داخل أحد السجون وطلبوا تفتيشهم، وحاولت المجندة إرغامها على خلع الحجاب، وقامت بالاعتداء عليها بشكل همجي. حد وصفها.
وعندما حاولت الطيطي الدفاع عن نفسها وجدت نفسها قيد الاعتقال، كما تم أسر والدتها وأخيها الثاني، ليتم الإفراج عنهما بعد ثمانية أيام، فيما بقيت أسيل بالسجن سنة وثلاثة أشهر، قبل أن تحرر وتخرج من سجون الاحتلال.
كيف عرفوا بما يحدث خارج سجون الاحتلال؟
تقول روضة: “في السابعة صباحًا عرفنا بالأخبار، وعملية ٧ أكتوبر، وبعدها تعمدت إدارة السجن فصلنا عن العالم، ومنعوا عنا جميع الأجهزة الكهربائية، حتى لا نعرف الأخبار، لكن ورغم القمع احتفلنا، لأنه صار لدينا أمل للنجاة”.
وتتابع: “كنا نعرف الأخبار عن طريق البنات الذين تم القبض عليهم، بعد ٧ أكتوبر وصدمنا من أعداد الشهداء في حرب غزة، شعور الحرية لا يوصف لكنه شعور مختلط بالحزن الشديد، لأن ثمن الحرية غالي جدًا، من دماء الشهداء، من نساء وأطفال”.
ووفقًا للمعطيات فإن عدد الأسرى في سجون الاحتلال نحو 7000 أسيرًا، من بينهم 62 أسيرة، فيما لا تتوفر أعداد دقيقة للمعتقلين الأطفال.
وتنوه أخيرًا، إلى أنها ما تزال تخشى على حياتها وسلامتها، خاص بعد إبلاغها أن أحد نواب الكنيست الإسرائيلي تقدم ببلاغ لمحاسبتها بادعاء التحريض ضد الإسرائيليين، ولا تعرف ما أصل هذه التهمة حتى الآن.
وكانت سلطات الاحتلال وجهت لروضة اتهامات تتعلق بما يطلق عليه “المساس بأمن إسرائيل”، وجرى اعتقالها في الرابع من نيسان/ أبريل الماضي، وقضت 7 أشهر و25 يومًا داخل سجون الاحتلال، قبل أن يتم الإفراج عنها قبل أيام.
لحظات الإفراج، كيف كانت؟
يحكي الطفل الفلسطيني المحرر يزن حسنات لمواطن :”لم يخبرونا بأنه سيتم الإفراج عنا، فقط تم اقتيادنا لسجن عوفر، وبقينا هناك لمدة ٣ أو ٤ ساعات ثم سلمونا للصليب الأحمر ولم نصدق، كنا نشعر أننا بحلم، لكن الحمد لله على الحرية،”.
ويوضح: “اعتقلتني إسرائيل مرتين، كنت بعمر ١٧ سنة، مرة لمدة سنة، ومؤخرًا لمدة ٤ شهور قبل أن يتم تحريري ضمن الصفقة الأخيرة”.
أيضًا تؤكد حنان البرغوثي رواية يزن، بأن الأسيرات لم يتم إبلاغهن بخبر إطلاق سراحهن، ولم يكن لديهن قدرة على متابعة أخبار العالم الخارجي، بسبب حجب كافة أنواع التواصل عنهن من جانب إدارة السجون، وتم نقلهم لسجن عوفر مكثوا به ساعات، قبل أن يتسلمهم الصليب الأحمر أيضًا.
وتضيف:”فرحنا بالخروج من المعتقلات الإسرائيلية لكن القلوب موجعة، عشرات الآلاف ماتوا، وأولادنا وأخواتنا ما زالوا في السجون، سأذهب لعائلات الشهداء وأواسيهم، وأعرف كيف أواسيهم لأني أخي شهيد وابن أخي شهيد، وأخي أقدم أسير في العالم”.
كما تؤكد إسراء الطيطي:”كانت فرحة الخروج من المعتقلات ناقصة بسبب الدمار الذي شهدناه في غزة، صدمنا لأننا كنا معزولين ولم نرى أي شيء من هذا أو نعلم أي شيء أو ما يجري بالخارج”.
انتصار جديد للمقاومة
قامت سلطات الاحتلال بـ 2070 حالة اعتقال في الضّفة، بما فيها القدس، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من بينها (145) طفلًا، وأكثر من (55) من النساء.كما 1034 أمر اعتقال إداريّ، يصدر دون توجيه تهمة معينة بناء على معلومات سرية أو استخبارية. وهو ما يشار إليه كإجراء قمعي، من قبل المنظمات الحقوقية.
ووفقًا للمعطيات فإن عدد الأسرى في سجون الاحتلال نحو 7000 أسيرًا، من بينهم 62 أسيرة، فيما لا تتوفر أعداد دقيقة للمعتقلين الأطفال.
وعلى الرغم من تغني إسرائيل ومؤيديها بأنها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن هذا لا يجمل وجه إسرائيل القمعي، في القيام باعتقالات دون توجيه لائحة اتهام، بالإضافة إلى الإساءة إلى الأسرى، وعدم معاملتهم وفق القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
وفي ظل إجماع الأسرى الفلسطينيين على سوء معاملة سلطات الاحتلال وممارسة القمع، يلاحق الكيان الأسرى الإسرائيليين، ويحاول منعهم من الظهور الإعلامي، بسبب تصريحات عما لقوه من حسن معاملة لدى فصائل المقاومة، ما يعكس هزيمة إعلامية جديدة للاحتلال، الذي تكشف حقيقته وتتساقط أكاذيبه عن نفسه في هذه الحرب يوم من بعد يوم.