كانت حصيلة الضحايا الفلسطينيين المدنيين الناتجة عن اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي 67% من الرجال، قبل أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت؛ ثم أصبحت هذه النسبة هي جملة الضحايا من النساء والأطفال، بعد عملية طوفان الأقصى.
وخلفت الضربات الإسرائيلية الأخيرة 14 ألفًا و532 قتيلًا، من بينهم 4000 امرأة و 6000 طفل، حتى الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، حسب بيان صدر عن المكتب الحكومي بغزة.
نساء غزة، هن أكثر المتضررات من الحرب، وعلى الرغم من أنهن يعشن دون طعام؛ فإنهن يواصلن رعاية أطفالهن والمرضى من حولهن والمسنين النازحين أيضًا.
ويصل إجمالي عدد المفقودين إلى 6800 مفقود، من بينهم 4500 امرأة وطفل، إما أن تكون جثامينهم متناثرة في الشوارع وعلى الطرقات وتمنع قوات جيش الاحتلال من الوصول إليها، أو أن جثثهم تحت الأنقاض.
بينما تقتل امرأتان كل ساعة داخل قطاع غزة، ونحو 7 نساء كل ساعتين، كما يبلغ عدد المصابين جراء القصف نحو 35 ألف مصاب، يمثل عدد النساء والأطفال نسبة 75% من إجمالي المصابين؛ فيما يظهر وكأنها معركة لإبادة النساء الفلسطينيات وإيقاف نسلهن، ويشكل بدوره عنفًا واضحًا ضد المرأة.
فما أشكال العنف الأخرى التي لحقت بالنساء عقب هجمات السابع من أكتوبر وحتى الآن؟ وما صور العنف التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد المرأة الفلسطينية؟
النساء الأكثر ضررًا، من الحرب على غزة
يمثل عدد النازحين إلى جنوب قطاع غزة من شماله، وصل إلى مليون نازح، موزعين بين عدد 156 مركزًا إغاثيًا. حسب تقارير صدرت مؤخرًا عن وكالة الأونروا.
بينما النساء النسبة الأكبر من هؤلاء النازحين التي تبلغ 800 ألف امرأة نازحة، بنسبة 80% من إجمالي عدد النازحين، حسبما ذكرت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
كما ذكرت أن هناك قرابة 180 امرأة تلد يوميًا دون إمدادات طبية، أو تخدير للعمليات الجراحية القيصرية وبدون مياه ومسكنات، وكهرباء لتشغيل حضانات للأطفال.
وأشارت إلى أن نساء غزة، هن أكثر المتضررات من الحرب، وعلى الرغم من أنهن يعشن دون طعام؛ فإنهن يواصلن رعاية أطفالهن والمرضى من حولهن والمسنين النازحين أيضًا.
"المجندة بكل بساطة تقول.. اشلحي.. اشلحي.. اشلحي..، وإذا ما شلحت بأيدي، هي بتشلحني لحد ما توصل لآخر قطعة، وتحط إيدها عليها كمان"
فيما تتحمل النساء النازحات المعاناة الصحية التي يتعرض لها صغارهن بسبب النوم في بيئة غير صالحة آدميًا، وتعرض الكثير منهم للإصابة بنزلات البرد والكوليرا وغيرها من الأمراض المعدية بسبب نقص المياه والطعام.
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول صورة لسيدة فلسطينية نازحة من شمال قطاع غزة إلى جنوبه وهي تسحب طفليها خلفها، وتحمل على ظهرها متاعهما وحدها، لتمثل صورة واقعية مؤلمة لحجم المعاناة التي تشهدها النساء الفلسطينيات الناجيات من القصف الإسرائيلي.
إلى جانب صور ما بين نساء من ذوات الاحتياجات الخاصة، ونساء أرامل فقدن أزواجهن في الحرب، ثم فررن بأطفالهن الصغار من تحت الركام، ونساء مسنات عاجزات عن السير على أقدامهن، هربًا من الموت بالرصاص والقنابل، ليقطعن مسافة قدرها 51 كيلو مترًا مربعًا من شمال قطاع غزة حتى جنوبه.
يبدو أن قدر بعض النساء معاناة مضاعفة، فالبرغم من أن بيداء معمر أم لطفلين جود ومجد، إلا أنها تعمل صحفية، وتذهب لتغطي الأحداث، مع كل يوم تتعالى فيه أصوات أطفالها، مطالبين إياها بعدم الذهاب، مع قلقها الشديد من ترك أطفالها، أو عدم عودتها مرة أخيرة، تحرص على أداء عملها وتحقيق رسالتها في نقل حقيقة ما يجري للعالم،” في كل مرة أودع أطفالي وأحضنهم بقوة أخشى أن يكون اللقاء الأخير”. تقول لمواطن.
وتحكي إنها نزحت مثل باقي أهالي الشمال، خوفًا على ما نجى من أطفال، تاركة ذكرياتها وأحلامها، تحت الركام في تل الهوا”. وتوضح، “نزحت من منزلي ثلاث مرات من حي تل الهوا غرب مدينة غزة، ثم إلى خان يونس ثم إلى رفح”.
في الضفة، النساء لسنا بعيدات عن المعاناة
لم تكن نساء الضفة بعيدة عن معاناة نساء غزة، خاصة منذ عملية طوفان الأقصى، وتقابل النساء الفلسطينيات أشكالًا عديدة من العنف الممنهج من قبل قوات الاحتلال، والتي قامت بحملة اعتقالات إدارية دون لائحة اتهام.
وتحكي نزيهة (47 عامًا)، معلمة بإحدى المدارس، وتقيم بمنطقة الخليل:”أسوأ أيام نعيشها نحن النساء من الخوف والرعب هذه الأيام، لأننا نقابل عنفًا واعتداءً من جميع الإسرائيليين”.
وتؤكد، أن النساء الفلسطينيات يتعرضن للضرب المبرح من قبل أفراد الجيش الإسرائيلي، حالة حدوث مشادات كلامية بين الطرفين، أو لو رفعت المرأة صوتها على الجندي أثناء الحديث معه.
وتكمل: “لم أتعرض للضرب من قبل، لكن تعرضت لما أعتبره تحرشًا جسديًا، كان لي أخ معتقل وكان يسمح لنا بزيارته مرة واحدة بالشهر؛ حيث تقتصر الزيارة على فردين من الأقارب، وكان أكثر ما يؤذيني هو التفتيش الجسدي، كامرأة بتكون تخجل من أي شيء يمس جسدها”.
وتستطرد، لكن المجندة بكل بساطة تقول.. اشلحي.. اشلحي.. اشلحي..، وإذا ما شلحت بأيدي، هي بتشلحني لحد ما توصل لآخر قطعة وتحط إيدها عليها كمان، وهو ما تعبتره نزيهة، اعتداءً جسديًا.
"المرأة في غزة بشكل خاص، فقدت كل شيء، بداية من الأمان، مرورًا بالمسكن والذكريات والأبناء أو الزوج أو الأب، كما أنها فقدت عملها وأوراقها الرسمية،ولقمة الخبز اللي تسد جوعها".
بعد أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول حرمت الفلسطينيات، -عرب 48-من عملهن، وفرضت عليهن الإقامة الجبرية في المنازل، “النساء اللي انحرمت من الشغل فيه منهم دكاترة وصيادلة، ومنهن العاملات بالشركات وتم حرمانهن فقط لإعلان الحداد، بارتداء الملابس ذات اللون الأسود، كتعبير عن الحزن”. تحكي رقية، فلسطينية مقيمة في تونس، والتي كان من بين هؤلاء النساء، أقارب لها.
وتضيف لمواطن: “قبل أن أغادر إلى تونس، كنت أتلقى اتصالًا هاتفيًا من أحد الجنود الإسرائيليين، يقول لي اتركي المنزل، سوف نقصف البيت، وبعد أن أخرج لا يحدث شيء؛ لا قصف ولا ضرب، كان مجرد ترهيب وتهديد وتخويف وترويع امرأة نائمة، في منزلها لم تفعل له أي شيء”.
بينما تضيف نزيهة، إنه بخلاف التهديدات والفصل التعسفي من العمل، “النساء في الضفة الغربية والقدس يتعرضن للتحرش الجسدي؛ سواء داخل السجون الإسرائيلية أو بالخارج، ويتعرضن للضرب والاعتداء اللفظي، وتطلق عليهن الكلاب البوليسية المدربة”.
وتختم “كما يتم منع النساء من قطف الزيتون، ومن الصلاة في المسجد الأقصى خاصة في رمضان؛ حيث يتم الاعتداء على المصليات بالضرب باستخدام العصي، وإلقاء القنابل الغازية عليهن”.
تقول لمواطن، آمال أغا، رئيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، في مصر، “تمنع إسرائيل لم الشمل العائلي إذا كانت الزوجة من الضفة الغربية والزوج من القدس، ما يجعل الأسرة تنشأ في شتات وانفصال دائم، وإن كانت الزوجة من القدس يمنع تسجيل أبنائها على بطاقة الزوجة بحيث لا يصبح للأبناء الحق في دخول القدس، ويتم تسجيلهم على بطاقة الزوج”.
كما لا يسمح لأي امرأة من مناطق عرب 48، والضفة الغربية دخول مدينة القدس إلا بإذن من السلطات الإسرائيلية، بهذه الكلمات افتتحت آمال أغا، رئيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بالقاهرة، حديثها لمواطن، متحدثة عن أشكال العنف التي تواجهها النساء الفلسطينيات من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وفق حديث أغا.
كما لفتت من جهة أخرى، إلى أن مصادرة الأراضي وهدم البيوت، للأسر التي يتهم أحد أبنائها في عمليات شغب، حسب اعتبار قوات الاحتلال، بالإضافة إلى تلفيق التهم لنساء العائلة للزج بهن في المعتقلات الإسرائيلية، كلها أمور تضاعفت بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وتضيف: “بتوصل مدة السجن للنساء الفلسطينيات لسنوات طويلة ويتم اعتقال النساء اعتقال إداري، وهو شكل من أشكال الاعتقال لا يوجد في قوانين أي دولة، حيث تعتقل المرأة بدون تهمة وبدون محاكمة، وتحرم الأسيرة من التعليم ولا يقدم لها الرعاية الطبية حالة المرض”.
ويتعرض النساء الفلسطينيات اللائي تحتجزهن إسرائيل تعرضن للانتهاكات الجسدية، بالإضافة إلى تعريضهن للإهمال الطبي، ومنع المريضات منهن من تلقي العلاج، والحرمان من التعليم، ووفق تصريحات صحفية لأماني سراحنة، المنسقة الإعلامية لنادي الأسير.
بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ فإن النساء يواجهن انتهاكات مستمرة من قبل سلطة الاحتلال الإسرائيلية، والمتمثلة في الاعتقالات المستمرة؛ حيث تم اعتقال ما يصل إلى 184 امرأة في عام 2021، كما قتل نحو 48 امرأة على يد قوات الجيش الإسرائيلي، في نفس العام. أما في 2022 اعتقلت 172، امرأة، بينما سجلت 55 حالة اعتقال للنساء، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ووصل عدد النساء اللائي اعتقلن في السجون الإسرائيلية، منذ 1967، قرابة 16 ألف امرأة فلسطينية، ويمثل احتجاز جثامين النساء أحد أبرز أشكال العنف ضد المرأة بعد جرائم القتل، واحتجزت قوات الاحتلال جثمان إسراء خزيمية البالغة من العمر 30 عامًا، لمدة 45 يومًا؛ في ثلاجة الموتى قبل الإفراج عن جثمانها عام 2021؛ فيما احتجزت أيضًا جثمان نايفة الكعابنة البالغة من العمر 50 عامًا، والتي سلم جثمانها في 2020، بعد احتجاز استمر لمدة عام ونصف.
قمع مضاعف
“المرأة في غزة بشكل خاص، فقدت كل شيء، بداية من الأمان، مرورًا بالمسكن والذكريات والأبناء أو الزوج أو الأب، كما أنها فقدت عملها وأوراقها الرسمية،ولقمة الخبز اللي تسد جوعها، لم يعد لديها إلا المياه ملوثة للشرب، وكسرة خبز مكسوة بالهم، تجدها أحيان وأحيان لا تجدها للطعام”. تعقب آمال أغا.
وتؤكد على أن “المرأة الفلسطينية عامة، فقدت الطمأنينة تعيش في رعب، وقلق دائم إثر الاعتقلات والترهيب والتخويف والقتل، الذي يمارسه الاحتلال”.
وترى أن هناك استهداف متعمد للمرأة الفلسطينية، وهو ما يتضح جدًا من الحرب الحالية، وترجع ذلك إلى أن المرأة الفلسطينية هي المسؤولة عن تربية هذا الجيل المؤمن بعدالة قضيته، والذي يتصدى للإحتلال لذلك يتم ابادتها وترهيبها، وإجبارها على التهجير”.
تعيش النساء الفلسطينيات، واحدة من أصعب الأوضاع في العالم، تحت سطوة قمع مضاعف، وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلطسيني، 58.2% من النساء المتزوجات حالياً أو اللواتي سبق لهن الزواج، تعرضن لوقائع عنف من أزواجهن، وهو ما يعد ظاهرة عالمية تعاني منها النساء لأسباب اجتماعية وثقافية، إلا أن الفلسطينيات فوق هذا العنف الشائع، يتحملن عنفًا خاصًا من قوات الاحتلال، يتنوع بين الاعتقال، أو الترويع أو القتل أو التجويع أو التهجير.
للأسف ظاهره فيه الرحمة وباطنه العذاب