أمام تحديات انتقال الحرب للجوار، تواجه مسقط الكثير من التهديدات طوال السنوات الثمان من الحرب في اليمن. هذه التحديات لم تخلُ أيضًا من المكاسب والفرص الاقتصادية التي حققتها السياسة العمانية في الملف اليمني. في هذا التقرير لمعهد الشرق الأوسط الذي تنقله مواطن للغة العربية يقدم الباحث اليمني ابراهيم جلال ملخصا للدور العماني وسياسته في التعامل مع الأزمة في حدوده الغربية.
نص التقرير
على مدار العقد الماضي المضطرب في اليمن بفعل الصراع الداخلي والتدخل العسكري الخارجي، ظهرت السياسة الخارجية العمانية كاستثناء خليجي؛ مدفوعةً بالاهتمام البراغماتي وقنص الفرص، حرصت مسقط على تأدية دور فريد، وخشية من امتداد الصراع والمنافسات الأيديولوجية وتدخلات الدول العربية وغير العربية الأخرى؛ وخاصة أعضاء مجلس التعاون الخليجي؛ فقد سعت عُمان إلى تأكيد استقلالها الذاتي وتطوير نفوذها واستغلال الفرص الاقتصادية للحفاظ على أمن حدودها الغربية مع اليمن.
استغلت مسقط علاقاتها مع معظم الأطراف الفاعلة في اليمن، بما في ذلك الجماعات المسلحة غير الحكومية، وسعت للاستفادة من الفرص الاقتصادية الجديدة كجزء من سياستها المتمثلة في التعامل الاستراتيجي والموازنة الشاملة والانحياز غير المعلن.
هذا المزيج من الدوافع مكّن عمان من تسهيل المحادثات بين مجموعة واسعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في السنوات الأولى من الصراع في اليمن، ولعب دور الوسيط عند الحاجة في الآونة الأخيرة، مع إدراك القيود المفروضة على الموارد وتأثيراتها على النفوذ والتأثير.
كما لعبت عمان دورًا رئيسًا في التفاوض على هدنة إبريل 2022، التي استمرت لمدة ستة أشهر قبل انهيارها في أكتوبر 2022 بسبب ضغوط الحوثيين ومطالبهم المتزايدة، ولولا مسقط، ربما لم تكن الهدنة لتكتمل على الاطلاق، كما رافق مسؤولون عمانيون أول وفد سعودي علني الى صنعاء في أبريل 2023، وأول وفد علني للحوثيين إلى الرياض في سبتمبر 2023.
مبادئ السياسة الخارجية العمانية
تعتمد السياسة الخارجية العمانية في سعيها لتحقيق مصالحها الوطنية، على مبادئ طويلة الأمد لعلاقات حسن الجوار والتسامح والاحترام المتبادل، وعدم التدخل والحوار والتفاهم، وقبل كل شئ البراغماتية مع التركيز على الواقع الجيوستراتيجي؛ فموقع عمان على طول طرق التجارة الرئيسية التي تمر عبر مضيق هرمز وبحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب؛ فضلاً عن علاقاتها الطويلة مع كل من الشرق والغرب وتاريخ شبه الجزيرة العربية، كلها ساهمت في تطوير نهج مسقط الفريد في السياسة الخارجية بحكم جغرافيتها وتاريخها؛ فضلاً عن العلاقات الشعبية والتجارية.
تعد “اليمن وإيران والهند وباكستان من بين أهم الجيران” حسبما تعترف وزارة الخارجية، واستنادًا إلى حسابات عملية، تتميز السياسة الخارجية العمانية تجاه هذه الدول الأربع بنهج فريد ومستقل؛ وخاصة في أوقات الأزمات والاضطراب. وعلى الرغم من هذه التعقيدات؛ فغالبا ماتوصف السياسة الخارجية العمانية ببساطة؛ أنها” محايدة”. ومع ذلك فإن الواقع هو أن الجغرافيا السياسية الإقليمية معقدة، ولاتوجد دولة محايدة؛ حيث تنظر جميعها إلى العالم من منظار مصالحها الوطنية.
العلاقات اليمنية العمانية في أوقات الأزمات
مع بدء تدهور المشهد الأمني في اليمن منذ انطلاق التمرد الحوثي المسلح في سبتمبر/أيلول 2014، والتدخل العسكري الإقليمي بقيادة السعودية في مارس/آذار 2015، كانت عمان في وضع يسمح لها -نتيجة النفوذ الدبلوماسي الذي راكمته- بلعب دور دولي مهم؛ فاستضافت بين عامي 2011 و2015 محادثات غير رسمية، وعملت كوسيط في المفاوضات بشأن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران.
وتطور موقف عمان تجاه الشؤون اليمنية مع تنامي رغبتها في تعظيم مكاسبها الدبلوماسية من خلال لعب دورٍ مماثل لدور سويسرا في الغرب، لكن هذا الموقف لم يكن مدفوعًا بالرغبة في تحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية بقدر ما كان بسبب الخوف في البداية؛ فعدم الاستقرار والاضطرابات في محافظة المهرة في أقصى شرق اليمن، جعل من عمان واحدة من أفضل الخيارات لخطوط أنابيب النفط السعودية المتصلة ببحر العرب؛ علاوة على ذلك، أدى الاختلاف المتزايد بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى تعزيز مكاسب عمان كقناة ونافذة مستقبلية على المحيط الهندي للمملكة العربية السعودية ودول الخليج.
بالنسبة لعمان، لا يمكن فصل الحرب في اليمن عن الذاكرة التاريخية للتوترات والامتداد المحتمل للصراع، والتي تشتمل في ذاكرة العمانيين على التمرد المسلح (الثورة المسلحة) المدعوم من الماركسيين، والذي اندلع في محافظة ظفار الجنوبية الغربية بدعم من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة بين الفترة 1962- 1976، واتفاق أكتوبر 1992 الذي حل النزاع الحدودي بين اليمن وسلطنة عمان بعد إعادة توحيد اليمن في عام 1990، في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، واستضافة المحادثات بين الجماعات اليمنية المتنافسة؛ مثل تلك التي جرت بين صالح ونائبه علي سالم البيض في التسعينيات.
مع تغير مراحل الصراع في اليمن وتفاوت مستويات الوجود الإقليمي، أصبحت قضايا النزوح والهجرة الجماعية والأنشطة الحدودية غير المشروعة، وتنقل الجماعات المتطرفة والعنيفة وأنشطة دول مجلس التعاون الخليجي كلها تحت المراقبة.
في عام 2011، عندما اندلعت احتجاجات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، تعاملت عمان مع الوضع، إلى جانب بقية دول مجلس التعاون الخليجي، بعناية في ضوء التحديات الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية المتزايدة؛ فقد دعمت مبادرة مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في اليمن، لكن آمالها في أن تحتوي المبادرة حالة عدم الاستقرار بشكل كامل، مثل بقية دول مجلس التعاون الخليجي، لم تدم طويلًا.
في سبتمبر/ أيلول 2014، اقتحم الحوثيون، بالتعاون مع الرئيس اليمني السابق صالح، العاصمة اليمنية صنعاء، وبحلول مطلع عام 2015، وضعوا الحكومة المشكّلة حديثًا برئاسة رئيس الوزراء خالد بحاح والرئيس عبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية، وبحلول مارس 2015، بعد أن زحف الحوثيون إلى عدن واستولوا على مساحات واسعة من الجنوب، بعد نشر الميليشيات في العديد من المحافظات في الشمال الغربي، قامت السعودية بتشكيل تحالف عربي لاستعادة نظام الرئيس هادي، وكبح التأثير الإيراني في اليمن، وهزيمة الحوثيين.
موقف عمان من إطلاق التحالف العربي
على عكس بقية دول مجلس التعاون الخليجي، اتبعت عمان سياسة عدم التدخل العسكري في اليمن، واختارت عدم الانضمام إلى التحالف العربي مع الحفاظ على قنوات التواصل مع الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والرئيس الراحل صالح.
في الواقع، أصبحت عمان موطنًا ثانيًا للمفاوضين الحوثيين، ومركزًا رئيسيًا للدبلوماسيين الغربيين والعرب للالتقاء بهم، واضعةً نفسها كوسيط، وكما تقول وزارة الخارجية العمانية: “الجيران باقون للأبد، والسياسات والحكومات تأتي وتذهب”.
تتوافق هذه التحركات مع مواقف عمان من ملفات عربية أخرى. على سبيل المثال، لم تقطع عمان علاقاتها مع مصر بعد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، ولم تقطع علاقاتها مع سوريا بعد انتفاضة 2011 والحرب الأهلية التي تلت ذلك، على الرغم من التصويت لصالح تعليق عضويتها في جامعة الدول العربية في نوفمبر 2011. وفي عام 2017، عارضت حصار اللجنة الرباعية لقطر، خلال الأزمة الخليجية. اختارت مسقط باستمرار إبقاء القنوات مفتوحة والحفاظ على التواصل، وتجنب سياسات الإقصاء والمقاطعة، بما يتوافق مع مبادئ سياستها الخارجية.
نظرًا لحدودها المشتركة مع اليمن التي يبلغ طولها 288 كيلومترا، “تخشى عمان عودة ظهور الفصائل المتطرفة في اليمن، بسبب فراغ السلطة الناجم عن عدم الاستقرار”، كما يشير عبد الله باعبود؛ فضلاً عن “التدخل الأجنبي المتزايد في المهرة”. ويدعم ذلك أيضًا العلاقات التاريخية بين الناس، بما في ذلك المحسوبية والعلاقات القبلية الواضحة في الجنسية المزدوجة لبعض سكان المنطقة، أو تقسيم القبائل بين اليمن الحديث وعمان.
منحت عمان الجنسية للعديد من السكان المهريين، بما في ذلك نجل آخر سلاطين المهرة، الشيخ عبد الله عيسى آل عفرار، ورجل القبيلة المؤثر الشيخ علي الحريزي، ودعمت المجلس العام لأهالي المهرة وسقطرى، الذي تم تأسيسه عام 2012، ومجلس الإنقاذ الوطني الذي تأسس في عام 2019.
وازداد الدعم العماني مع النشاط السعودي والإماراتي؛ خاصة بعد عام 2016، وذلك لمنع تنظيم القاعدة والصراع من التوسع في النطاق الجغرافي، وكذلك لمواجهة نفوذ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وقد تسبب ذلك في انقسامات داخل القبائل المهرية لأول مرة منذ فترة طويلة؛ مما أدى إلى زيادة عسكرة المحافظة والمنافسة الجيوسياسية على النفوذ والسيطرة والتأثير.
وأشار أحمد ناجي، أحد كبار المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، إلى أن “الحرب في اليمن فتحت موسمًا خفيًا، ولكنْ حادًا من السخط الشعبي والتنافس الإقليمي في المهرة، العالقة في لعبة ثلاثية بين السعوديين والإماراتيين والعمانيين”. وبالتالي؛ فإن عدم الانحياز له حدوده، وينتهي عندما تكون مخاوف الأمن القومي العماني على المحك.
ومع تغير مراحل الصراع في اليمن وتفاوت مستويات الوجود الإقليمي، أصبحت قضايا النزوح والهجرة الجماعية والأنشطة الحدودية غير المشروعة، وتنقل الجماعات المتطرفة والعنيفة وأنشطة دول مجلس التعاون الخليجي كلها تحت المراقبة.
محاور الدور العماني
صرحت أفراح ناصر، الباحثة غير المقيمة في المركز العربي بالعاصمة الأميركية واشنطن؛ في مارس 2023، بأن: “اليمن يمثل بالنسبة لعمان عبئًا إنسانيًا وتحديًا أمنيًا”. تشرح هذه النظرة الاختزالية جزءً من القصة. وبدافع من الفرص والاهتمام والقرب، والحاجة إلى المشاركة المستدامة؛ فإن الركيزة الأولى لدور عمان هي الدبلوماسية، وتتوافق جهود التيسير والوساطة الدبلوماسية التي تقوم بها مسقط مع دورها الأوسع في اليمن، ولها فوائد واسعة النطاق.
المجال الدبلوماسي والسياسي
أولًا، أدى رفض مسقط الانضمام إلى التحالف العربي، إلى جانب سياستها الخارجية المتمثلة في عدم التدخل، إلى وضع عمان في وضع فريد للعب دور المفاوض بين الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية والمحلية. وقد ظهر ذلك بوضوح في المحادثات التي استضافتها بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ودبلوماسيين غربيين آخرين. في أبريل 2015؛ اقترحت عمان خطة سلام مكونة من سبع نقاط تتضمن الخطوات التالية:
- انسحاب قوات الحوثي وصالح من جميع المدن اليمنية، وتسليم المعدات العسكرية الحكومية التي تم الاستيلاء عليها (بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216).
- إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة رئيس الوزراء خالد بحاح.
- إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.
- توقيع اتفاق من قبل جميع الأطراف اليمنية.
- تحويل الحوثيين إلى حزب سياسي.
- انضمام اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي.
- عقد مؤتمر دولي للمساعدات.
وفي مايو/ آيار2015، أفادت التقارير أن عمان استضافت محادثات بين الحوثيين ومسؤولين أمريكيين، ومنذ ذلك الحين أصبحت مسقط مركزًا للحوثين وصالح. بعد اغتيال صالح على يد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2017، ورد أن عمان حاولت التوسط لخفض التصعيد بين حزب المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، بتحرير العديد من مسؤولي المؤتمر الشعبي العام من سجون الحوثيين، وعرضت عليهم الإقامة في عمان إذا ما ظلوا محايدين، و/أو لم ينضموا للحكومة اليمنية (الشرعية).
ثانيًا، قامت عمان -نظرًا لعلاقاتها الواسعة النطاق- بتسهيل المحادثات المتعلقة بإطلاق سراح المواطنين الغربيين المحتجزين؛ بما في ذلك الذين اختطفوا للحصول على فدية من قبل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أو الحوثيين. في حين تمكنت العلاقات العمانية من تسهيل عمليات تبادل السجناء والرهائن؛ فإن دورها كمركز لممثلي الحوثيين كسر أيضًا عزلة الجماعة، وأصبحت مركزًا لأنشطة تتراوح بين السفر وإدارة الأعمال التجارية في زمن الحرب، بما في ذلك النقل غير المشروع للنفط والأسلحة من طهران.
ومن داخل عمان، يدير قادة الحوثيين، بما في ذلك رئيس فريق المفاوضين الحوثيين “محمد عبد السلام” شبكة من الأنشطة المربحة، بما في ذلك شحنات الأسلحة التي اكتشفها فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن.
في نهاية المطاف، اعترفت المملكة العربية السعودية بدور عمان في عام 2019، بعد زيارة خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع آنذاك والمسؤول عن ملف اليمن، خلال الأشهر الأخيرة من حكم السلطان قابوس. وفي الفترة 2021-2022، انضمت عمان إلى التحالف الرباعي +1 مع السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لحشد الدعم لليمن؛ لاسيما في المجال السياسي، ودعمت مفاوضات القنوات الخلفية، وفي عام 2023، رافق مسؤولون عمانيون أول وفد سعودي علني إلى صنعاء، وأول وفدٍ علني للحوثيين إلى الرياض بعد خمسة أشهر، بعد أيام قليلة من زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمسقط.
انعدام الأمن الناجم عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتوسيع انتشار قوات التحالف
ساهمت علاقة عمان الفريدة مع دول مجلس التعاون الخليجي واللاعبين الرئيسيين فيه؛ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في تعزيز موقعها في اليمن. على وجه الخصوص؛ فإن الذاكرة التاريخية للانتفاضة في عمان، والتوقعات السابقة لشركائها الخليجيين العرب بشأن إيران بعد تشكيل مجلس التعاون الخليجي، وعلاقات مسقط المتطورة مع طهران، ساهمت أيضًا في تشكيل حساباتها.
ذكرى التمرد (الثورة) في ظفار في الفترة من 1962 إلى 1976، دور إيران، والشعور بالتخلى عن عمان في ذلك الوقت؛ ما زال كل ذلك يؤثر على تفكير مسقط أيضًا. داخل المنطقة، كانت إيران بقيادة رضا شاه بهلوي، إلى جانب الوحدات الخاصة الجوية البريطانية، هما الجهة التي جاءت لمساعدة عمان في السبعينات؛ حيث قدمت تقديريًا 4000 جندي على الأرض خلال تمرد (ثورة) ظفار.
نتيجة لذلك، عندما نُشرت القوات العسكرية السعودية والإماراتية في حضرموت والمهرة بالقرب من الحدود العمانية، أثار ذلك شعور عمان بعدم الأمان، وازدادت مخاوفها بشأن احتمال انتقال التوتر من الصراع، والذي كانت متصاعدًا بالفعل بعد أن سيطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على حضرموت في عامي 2015 و2016، وتفاقمت هذه المخاوف بسبب زيادة التسلح وتوسع نطاق التأثير في المهرة لصالح الإمارات والمملكة العربية السعودية في عام 2017.
وكان توسع الرياض مدفوعًا بالتهديدات المتصورة والفرص الاستراتيجية؛ بما في ذلك الاستقرار والتجارة والاستثمار والهيمنة الاستراتيجية. وكما أشار أحمد ناجي، الذي كان حينها باحثًا غير مقيم في مركز مالكوم كير كارنيجي للشرق الاوسط؛ فإن “السعوديين سعوا الى الحد من تسليح الحوثيين، ومواجهة النفوذ العماني المتزايد في المحافظة، والحصول على وصول استراتيجي إلى بحر العرب”.
سياسة عمان الخارجية وموقفها ليس مجردًا من غايات البحث عن الفرص الاستراتيجية؛ فتزايد عدم الاستقرار في اليمن، يزيد من جاذبية البنية التحتية العمانية، بما في ذلك الموانئ والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
تقول التقارير إن الحكومة اليمنية وقوات التحالف قد ألقت القبض على شحنات أسلحة متعددة؛ في الغالب على الأرض وفي المياه العمانية واليمنية، المتجهة إلى الحوثيين، في انتهاك لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2216. وكشفت تقارير عديدة صادرة عن الأمم المتحدة والحكومة اليمنية والحكومتين؛ الأمريكية والبريطانية في العام التالي أن إيران استخدمت المياه العمانية لتوريد الأسلحة بصورة غير قانونية إلى الحوثيين عبر نقل الشحنات من سفينة إلى أخرى، وقد نفت الحكومة العمانية ذلك مرارًا وتكرارًا.
ووفقًا لتقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة لعام 2022، تم حجز كميات كبيرة من بنادق الـ AK-47 والصواريخ الموجهة ضد الدبابات ومعدات الطائرات بدون طيار، من قبل البحريات البريطانية والأمريكية والفرنسية، وعلى الرغم من وجود تهريب عبر الحدود اليمنية السعودية واليمنية العمانية قبل الصراع، إلا أن شبكات التهريب توسعت بالتأكيد خلال الحرب وتتجاوز خطوط الصراع التقليدية. وذكر تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في عام 2021 أنها تجري تحقيقات مستمرة فيما يتعلق بتهريب ثلاثة أطنان من “المركبات الجوية غير المأهولة ومكونات أخرى“، والتي تم ضبطها في الجوف في يناير 2019.
ووفقًا للحكومة العمانية في ردها على لجنة الخبراء، تم إرسال الشحنة من الصين واستلامها من مطار مسقط الدولي في 2 من ديسمبر 2018، وتم “تصديرها” في “نفس اليوم” إلى منطقة صلالة الحرة لتمر عبر اليمن. وقد قدمت الكيانات والأفراد الموالون للحوثيين والمتواجدون في عمان معدات عسكرية واتصالات عبر الحدود إلى المناطق التي يسيطرون عليها باستخدام شبكات تهريب عابرة للصراع. كما تثير الكميات المحجوزة تساؤلات جدية حول ما إذا كان هناك أية جهات عمانية متورطة، بما في ذلك غضها الطرف عن هذه الأنشطة.
العلاقات الشعبية بين العُمانيين واليمنية
العلاقات الشعبية بين عمان واليمن لها تاريخ طويل، وتشمل القبائل المنقسمة بواسطة الحدود الدولية؛ حيث قامت عمان بتطوير نفوذها الناعم في المنطقة الشرقية من اليمن. وبعد اتفاقية الحدود مع اليمن في عام 1992، قامت مسقط بالاستثمار في تعزيز علاقاتها مع قبائل المهرة، بمنح جوازات سفر عمانية وتسهيل التجارة والحركة. وخلال الصراع، استمرت العلاقات الشعبية في التوسع، وذلك بفضل التهجير والهجرة والسعي إلى الأمان، بما في ذلك الأمن التجاري.
وعمان هي إحدى الدولتين التي يصل إليهما الآلاف من اليمنيين أثناء دخولهم ومغادرتهم البلاد عن طريق البر. على المستوى العام، وصل عشرات الآلاف من اليمنيين إلى عمان بتأشيرات العبور للسفر إلى حضرموت والمهرة وسقطرى وغيرها لأسباب أمنية.
على المستوى النخبوي، قامت عمان، التي كانت قد استقبلت في وقت سابق كبار المسؤولين الحكوميين، بنفس الشيء مع العديد من السياسيين، شريطة أن يلتزموا بشروط واضحة، بما في ذلك عدم النشاط السياسي. ليس واضحًا ما إذا تم تطبيق هذه المعايير على الحوثيين طوال الصراع، أو على بعض الجهات الأخرى خلال فترات الاضطراب في المهرة أو حصار قطر. على العكس من ذلك، لم تقم عمان فقط بكسر عزلة الحوثيين؛ بل أعطت لهم -سواء عن قصد أو بطريقة غير مقصودة- مركزًا لتعزيز روايتهم وإدارة الأعمال الحربية، كما استضافت عمان قادة حزب الإصلاح والحراك الجنوبي ومنطقة المهرة، بما في ذلك الشخصيات المعارضة للتحالف الذين عبّروا عن آرائهم وقاموا بالاستثمارات.
الدعم الإنساني لليمن
على الرغم من مواردها المتواضعة مقارنة بالسعودية وقطر والإمارات؛ قدمت عمان المساعدة لليمن للحد من المعاناة الإنسانية وتعزيز العلاقات الشعبية والحكومية، تشمل الدعم الإنساني -والذي لم يتم الكشف عن نطاقه بالضبط- منحًا دراسية ومساعدة طبية ودعمًا ماليًا وتوفير مولدات، وتدفقًا للسلع الإنسانية الدولية، بما في ذلك عبر منظمة الخيرية العمانية. يجدر بالذكر أن عمان مثل الكويت؛ تعمل على الملف الإنساني بصمت ودون إثارة الشبهات، على عكس العديد من الجهات الإقليمية والدولية الأخرى.
المصالح الجيو اقتصادية
سياسة عمان الخارجية وموقفها ليس مجردًا من غايات البحث عن الفرص الاستراتيجية؛ فتزايد عدم الاستقرار في اليمن، وخاصة في المنطقة الشرقية، المنطقة التي يبدو أن السعودية مهتمة فيها بتطوير خط أنابيب للوصول إلى البحر العربي، يزيد من جاذبية البنية التحتية العمانية، بما في ذلك الموانئ والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يُثير عدم الاستقرار في اليمن مخاوف أمنية، ولكنه أيضًا يوفر فرصًا اقتصادية. ولفترة طويلة، سعت السعودية إلى الوصول المباشر إلى البحر العربي والمحيط الهندي للحد من اعتمادها على المرور عبر مضيق هرمز الذي يسيطر عليه الإيرانيون، أو للحماية من أي تحرش من قبل الحوثيين في البحر الأحمر، وبالتالي تقليل مخاطر اللوجستية الطاقوية وتنويع طرق التصدير. في عام 2018، عبّرت شخصيات مهرية -بما في ذلك رئيس لجنة الاحتجاجات في المنطقة علي الحريزي- عن استيائها من التقارير التي تفيد بجهود السعودية لإقامة خط أنابيب نفطي يمر عبر المهرة وتسليح مطار الغيضة، بعد نشر قوات أمنية في المحافظة.
إن عدم استقرار الأوضاع الأمنية في المهرة وعدم وجود مفاوضات مفتوحة بين الحكومتين السعودية واليمنية بشأن التجارة والاستثمار جعل التعاون الاستراتيجي القطاعي صعبًا. في عام 2021، وقعت السعودية وعمان ما لا يقل عن 13 مذكرة تفاهم، وأنشأت المجلس التنسيقي السعودي العماني لتعميق وتوسيع التجارة والاستثمار الثنائي، وكان خط أنابيب الدقم للنفط، بالاستثمارات في ميناء الدقم العماني، من بين القضايا الرئيسية المطروحة للنقاش.
الخطوة التالية
لا شك أن السياسة الخارجية العمانية في اليمن خلال الحرب قد تم تحريكها بمزيج من القلق العملي ورغبة اقتناص الفرص، في حين تشمل مخاوف مسقط احتمالية تأثر النزاع أو الأيديولوجيات المتطرفة وتوسع نطاق نفوذ الدول المجاورة على طول حدودها الغربية؛ فإن عمان لديها أيضًا فرص جغرافية وشراكات طويلة الأجل.
يثير نهج مسقط تجاه الحوثيين، الذين يمثلون أقلية مسلحة في اليمن، تساؤلات حول نواياها، بما في ذلك دور المصالح الأيديولوجية، وما إذا كان تمكين المزيد من الأقليات في المنطقة يتوافق مع الموقف الاستراتيجي طويل الأجل لعمان. ومع ذلك، ستدعم المواقف الاستراتيجية لعمان وجهودها الواسعة في بناء العلاقات دورها الدبلوماسي في البحث المستمر عن سلام دائم وعادل لليمن.
من المرجح أن يُمكّن التوازن الحساس لعمان بين علاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي، وعلاقتها الاستراتيجية مع إيران في ظل التهدئة الإقليمية، بالتعاون مع اللاعبين الإقليميين والدوليين، من أن تلعب مسقط دورًا رئيسيًا في مجموعة واسعة من الملفات، بما في ذلك اليمن، ومن المرجح أن تعزز التوترات المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المكاسب الاستراتيجية لعمان كممر مستقبلي للسعودية، ولتصبح أيضًا نافذتها إلى البحر العربي والمحيط الهندي.