عندما تضطر الظروف القاسية الغزّيين، للشرب من البحر، فهذا منتهى القهر، لأن مياه البحر بطبيعتها غير صالحة للشرب، لا للحيوان ولا حتى النبات. كما أن هذا البحر، المطل على غزة، ليس مالحًا فقط وإنما ملوثًا بمخلفات خطيرة جعلته غير صالح حتى للسباحة، وهذه واحدة من الكوارث والمخاطر التي يتعرض لها أهالي القطاع.
وأشارت تقارير إلى المستويات المقلقة من التلوث في البحر والأرض وطبقة المياه الجوفية، وارتفاع نسبة التلوث البيئي لدرجة أن 97% من مياه غزة غير صالحة للشرب. بعدما منعت قوات الاحتلال الماء عن القطاع، ودمرت خزانات المياه، كما حذرت منظمة الصحة العالمية من تردي الأوضاع الصحية إثر العدوان.
وخلال مشاركة البعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة، مؤخرا في نيروبي قدم السفير والمراقب الدائم لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة حازم شبات، بياناً أوضح فيه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق البيئة الفلسطينية.
ولفت إلى أن النفايات الناتجة عن المخلفات الطبية لا تزال دون معالجة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة. وأشار إلى حجم المتفجرات التي ألقاها الاحتلال الإسرائيلي وأثرها التدميري، وما تناولته حول احتمالية استخدام الفسفور الأبيض المحظور دولياً، وأضراره البالغة على حياة الإنسان والبيئة سواء.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنه تم تسجيل نحو 34 ألف حالة إسهال، منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، غالبيتها بين الأطفال تحت سن 5 سنوات، وهو معدل يزيد بمقدار 16 مرة، عما كان يُسجل شهريًا قبل الحرب.
وأكد لمواطن، الباحث البيئي بمركز بحوث الصحراء د.علاء سامي، خطورة الأوضاع البيئية في المناطق التي تشهد حروبًا، وأضاف أن “الحروب تسفر عن تداعيات بيئية خطيرة، تشمل هذه التأثيرات تلوث المياه والتربة بفعل المواد الكيميائية، والحطام الناجم عن القتال؛ ما يؤثر على الحياة البرية والزراعة،
ووضح أن نواتج الانفجارات تتسبب في إطلاق ملوثات جوية، تؤثر على جودة الهواء وصحة السكان المحليين. كما نوه إلى خطورة النفايات الحربية والمخلفات الناتجة عن التركيبات العسكرية، وتأثيراتها الخطيرة على البيئة. واستطرد بأن القصف والقنابل، تفضي إلى فقدان التنوع البيولوجي، وتدمير النظم البيئية الطبيعية.
بفعل الحروب.. غزة ستكون غير صالحة للعيش
وكانت جهات فلسطينية؛ منها وزارة الصحة قد حذرت من الانتشار الوشيك لأوبئة خطيرة في غزة، نتيجة تدمير البنية التحتية، وغياب مقومات الحياة الأساسية المتمثلة في الغذاء والماء والدواء، وذلك بعدما أعلنت عن وجود أكثر من ثلاث آلاف حالة إصابة بأمراض وبائية.
وحذرت لجنة من الصليب الأحمر من تلوث المياه، وطالبت إسرائيل بالسماح بدخول أقراص الكلور لتنقية مياه الشرب، التي يشربها الفلسطينيون، والتي لم يكن تلوثها أزمة ليست وليدة الحرب الحالية؛ إنما متراكمة من قبل، ومنذ أن عمدت إسرائيل إلى إحكام حصارها على غزة، منذ أكثر من 15 سنة.
ويعد استيلاء قوات الاحتلال على المياه الجوفية الفلسطينية سببًا في تعميق الأزمة، وزيادة معدل المخاطر التي تهدد أهل القطاع.
ولا يقتصر الأمر على مياه الشرب؛ بل يتجاوزه إلى عدم توافر البيئة الصحية، وحذرت منظمة الصحة العالمية من كارثة بيئية، وأشارت إلى وجود خطر انتشار وباء الكوليرا المدمر بين النازحين من الحرب، وفي مواقع القتال بسبب انتشار الجثث وعدم توفر طرق الدفن الصحي.
وعند هطول الأمطار الأيام الأخيرة في غزة، سارع الأهالي بتجميعها لاستخدامها في الشرب باعتبارها مياهًا عذبة، إلا أن منظمات دولية حذرت من مخاطر تلوث مياه هذه الأمطار.
وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنه تم تسجيل نحو 34 ألف حالة إسهال، منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، غالبيتها بين الأطفال تحت سن 5 سنوات، وهو معدل يزيد بمقدار 16 مرة، عما كان يُسجل شهريًا قبل الحرب.
وفي حديثه لمواطن، يحذر حمدي عوض خبير القياسات البيئية، من تسمم مياه الأمطار بسبب وجود مواد كيماوية خطيرة منتشرة في الهواء، ارتفعت كثافتها، نتيجة عمليات إطلاق النار المتبادل والقذائف والصواريخ بين إسرائيل وحماس، والتي أدت إلى زيادة نسبة المعادن الثقيلة كالرصاص، إلى جانب مخلفات الدمار الذي أحدثته الحرب، وأدى إلى تلويث خطير للبيئة.
وتعد المشكلات البيئية في غزة مزمنة، بسبب تعاقب الحروب على القطاع خلال فترات زمنية قصيرة، وما يصحبها من عمليات تدمير للبنية الأساسية، وتلويث لعناصر البيئة. وكشف معهد الأبحاث التطبيقية في القدس أريج عن مخاطر بيئية كبيرة في القطاع مرتبطة بالحروب الإسرائيلية منذ عام 2008.
وحذرت الأمم المتحدة من تكرار الحرب، وأن الأمر يمكن أن ينتهي إلى نتيجة واحدة؛ وهي أن غزة لن تكون صالحة للعيش بعد ذلك.
وهو ما تؤكده مهندسة تكنولوجيا البيئة والباحثة في Land Research Centre ، صابرين الحسني، لمواطن: “إن البيئة الفلسطينية؛ وخاصة غزة، كانت تعاني قبل الحرب بسبب توابع الحروب السابقة والحصار الإسرائيلي، وتعنت الاحتلال في حرمان الشعب من أبسط الخدمات الإنسانية”.
وتضيف، هناك أكثر من 2 مليون فلسطيني محاصرين في 365 كم مربعًا، ولا تكفي المياه الجوفية حاجاتهم؛ ما يستدعي وجود محطات تحلية تعمل بالوقود، غير المتوفر بسبب الحصار، وهو ما يؤدي إلى أن المياه العادمة، تصب في البحر بعمليات معالجة أولية وثانوية، تؤثر على خصائص مياه البحر وطبيعة الكائنات الحية الموجودة في البيئة البحرية. وفقًا للخبيرة البيئية.
وتختم: “لنا أن نتخيل حال البيئة في غزة بعد سقوط القنابل الارتجاجية والفسفورية والفراغية، وما يترتب عليها من هدم للبيوت و انتشار الغبار من الردم إلى الهواء”. الوضع كارثي جدًا.
موت بطئ.. بفعل التلوث وتدمير البيئة
لقد تشبعت سماء غزة بالسحب والأدخنة الملوثة بمواد كيماوية سامة، جراء عمليات القصف الاسرائيلي المكثف في مناطق محدودة المساحة وكثيفة السكان؛ ما يؤدي إلى مخاطر صحية جسيمة؛ قريبة وبعيدة قد تطال عدة أجيال؛ خاصة مع استخدام مواد محرمة دوليًا كالفوسفور الأبيض.
"إسرائيل تقوم بتخريب البيئة الفلسطينية، وخاصة في غزة تحت دعاوى البحث عن أنفاق المقاومة تحت الأرض، كما أنها لاتتورع عن اقتلاع الأشجار وتجريد القطاع من غلافه الأخضر".
وعن هذه الملوثات يقول لمواطن خبير البيئة، حمدي عوض: “جميع القنابل والمتفجرات التي استخدمت تحتوي على مواد كيميائية خطيرة جدًا، تؤدي إلى انبعاثات غازية شديدة السمية كغازات أول أكسيد الكربون والفسفور وغيرها”.
ويضيف أن هناك تلوثًا بيولوجيًا واضحًا عن طريق المتفجرات، أو عن طريق أي أعضاء بشرية لم يتم دفنها كما يجب. كما يلفت إلى أن هناك تلوثًا سمعيًا خطيرًا، عن طريق أصوات الطائرات والمتفجرات، بالإضافة إلى التلوث الإشعاعي الناتج عن استخدام أسلحة محرمة دوليًا.
ويحذر من عدم وجود منظومة متكاملة لإدارة المخلفات الصلبة والسائلة الخطرة وغير الخطرة؛ خاصة النفايات الطبية، والأشد خطورة منها جميع مخلفات القنابل والمتفجرات، التي يحظر على الإنسان التعامل معها، لأنها تنذر بكوارث بيئية وصحية خطيرة بعد الحرب.
كما تستمر بعض الألغام ومخلفات الحرب غير المنفجرة، مثل القنابل والقذائف والقنابل العنقودية الصغيرة، في القتل والتشويه حتى بعد نهاية النزاعات، وهو ما يسمى التلوث الناجم عن السلاح.
ويحرم هذا النوع من التلوث مجموعات سكانية بأكملها من المياه والأراضي الزراعية والرعاية الصحية والتعليم. كما يعيق أعمال الإغاثة ويحرم السكان من المساعدات الإنسانية.
إن آثار هذه المخاطر تمتد ولا تعرف حدودًا جغرافية، ولذلك فلابد من المواجهة. كما يطالب خبراء بضرورة محاسبة إسرائيل على جرائمها البيئية في الأراضي الفلسطينية.
“إسرائيل تقوم بتخريب البيئة الفلسطينية، وخاصة في غزة تحت دعاوى البحث عن أنفاق المقاومة تحت الأرض، كما أنها لاتتورع عن اقتلاع الأشجار وتجريد القطاع من غلافه الأخضر، إلى جانب القيام بتلويث مياه البحر والشرب”، يقول د. محمود مهران أستاذ القانون الدولي لمواطن.
كما طالب بضرورة وجود عقاب رادع لوقف هذه الكوارث، وإلزام إسرائيل بدفع التعويضات الخاصة بإعادة إعمار وإصلاح البيئة في غزة، وذلك تأسيسًا على أن تعويض الدول الغنية، للبلدان الفقيرة عن أضرار تغير المناخ، وتلوث البيئة يعد من المفاهيم الراسخة في قواعد القانون الدولي.
ختامًا، ستبقى المهمة صعبة على المسؤولين في غزة لمواجهة حجم الكوارث البيئية، التي خلفتها الحرب الإسرائيلية مؤخرًا، وستكون عملية تقييم الوضع البيئي أيضًا صعبة للغاية. في ظل معاناة شعب محاصر ومقيد بأصفاد الاحتلال لسنوات طويلة، بشكل يعجزه عن التحرك الطبيعي لإنقاذ نفسه من الموت البطئ بفعل التلوث وتدمير البيئة.
التعليقات 2