يحيي العالم الذكرى السنوية لليوم العالمي لحقوق الإنسان، تزامنًا مع جريمة إبادة جماعية ترتكب من قوات الاحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني داخل قطاع غزة، على مرأى ومسمع الجميع.
فلا صوت يعلو فوق صوت القصف، منذ قرابة الشهرين، يقتل النساء والأطفال والخدج والمرضى، والطواقم الطبية، وممثلي المنظمات الحقوقية والإغاثية، في انتهاك لكافة القوانين والمواثيق الدولية، يضع مصداقية المجتمع الدولي، حيال مسائل الحريات والحقوق، في محل شك.
ووصل عدد ضحايا العدوان على القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 17 ألفًا وأكثر من 40 ألفًا مصابًا. من بينهم 6150 طفلًا و 4000 امرأة ، 73 صحفي 108 من موظفي وكالة الغوث الدولية، 230 من الأطقم الطبية والمسعفين والدفاع المدني، فيما لا يزال أكثر من ٧٠٠٠ مفقود تحت الأنقاض. وهو ما يعد استهدافًا صارخًـا للمدنيين، بدرجة تخالف القوانين والمواثيق الدولية.
وتحاصر إسرائيل أكثر من مليوني مواطن داخل قطاع غزة قطع عنهم الاتصال بالخارج، ولا تصلهم سوى مساعدات ضئيلة جدًا من المواد الغذائية والدوائية، ولا تتوافر لديهم أي رعاية صحية، فيما تواصل الغارات الإسرائيلية قصف القطاع دون هوادة، بحجة تدمير البنية التحتية لحركة المقاومة حماس والقضاء عليها.
وعلى الرغم من تكرار النداءات الإنسانية من المجتمع الدولي، إلا أن تل أبيب تضرب بها جميعًا عرض الحائط وتواصل حربها، التي توسعت مؤخرًا لتشمل وسط وجنوب القطاع فضلًا عن الشمال، الذي شهد حربًا ضروسًا ما قبل هدنة الأيام السبعة.
“لا يوجد حق من حقوق الإنسان المحمية بالشرعة الدولية والقانون الدولي الإنساني، إلا وانتهك على مرأى ومسمع العالم كافة بحكوماته ومنظماته الدولية. فمنذ أن بدأ العدوان الصهيوني، ونحن نشاهد يومياً وعلى الهواء مباشرة من خلال القنوات التلفزيونية حجم الدمار والجرائم التي ترتكب ضد الأطفال والنساء والشيوخ”. يقول الحقوقي البحريني، خليل بوهزاع، لمواطن.
ويضيف أن، حق الحياة منتهك من خلال القتل المستمر بأحدث وأكثر الأسلحة فتكًا، وحق العلاج منتهك بقصف المستشفيات والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، وحق الحصول على الأكل والشرب والطاقة مصادر بحصار قطاع غزة، كما أن حق حماية المدنيين في وقت الحروب منتهك، فأغلب من استهدفوا في الغارات الصهيونية هم من النساء والأطفال وطواقم الإنقاذ والصحفيين.
ويحذر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من أن قطاع غزة قد يواجه ما وصفه بـ تسونامي إنساني، مع انهيار الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس وعودة الهجوم الإسرائيلي على القطاع المحاصر.
ويرى لازاريني إن السكان في غزة باتوا في وضع هش للغاية، لدرجة أنه يتخوف من أن الكثيرين سينتهي بهم المطاف إلى الموت بسبب الأمراض، بالإضافة إلى القصف الإسرائيلي.
إسرائيل استهترت بشكل صادم بأرواح المدنيين، ودمرت البنية التحتية في القطاع، مؤكدة أنها لم تجد أدلة على ادعاء جيش الاحتلال أنه يهاجم أهدافًا عسكرية، حسب منظمة العفو الدولية.
“ويجب على المجتمع الدولي وفي مقدمته الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتهم تجاه القضية الفلسطينية والالتزام بوعودهم تجاه الشعب الفلسطيني المتمثلة في تأكيدهم على عدالة القضية، وحق الشعب في تقرير مصيره، وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، وحق العودة للاجئين إلى ديارهم وأراضيهم التي هجروا منها عام 1948م، وتعويضهم، بمقتضى القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة”. يقول لمواطن، صلاح عبد العاطي رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
مواثيق في خدمة الاستعمار
يمثل 10 كانون الأول/ديسمبر من كل عام، ذكرى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والذي اعتد به كيوم عالمي لحقوق الإنسان رسميًا في العام 1950، بعد أن أصدرت الجمعية العامة القرار رقم 423 (V).
واعتُبِر الإعلان بمثابة، المثل الأعلى المشترك، الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب والأمم، ويحدد مجموعة واسعة من الحقوق والحريات الأساسية للأفراد، كما يضمن حقوق كل فرد في كل مكان، دونما تمييز على أساس الجنسية، أو مكان الإقامة أو الجنس، أو الأصل الوطني أو العرقي أو الدين أو اللغة أو أي وضع آخر.
وتقول الناشطة الكويتية هديل بوقريص لمواطن، إن اليوم العالمي لحقوق الإنسان، هو اليوم الذي اجتمعت فيه الدول لإقرار وثيقة تلزم جميع الأطراف، بعدم الإقدام على أية انتهاكات مستقبلية، وتحميل الدول الأطراف كامل المسؤولية على ما حدث، وما سيحدث بعد الحرب العالمية الثانية، التي راح ضحيتها 60 مليون قتيل لأسباب كالحدود الجغرافية، والموارد الطبيعية، وفرض السلطة والهيبة لكل دولة، وهو التاريخ الذي ألزمونا بحفظه 10 ديسمبر 1948.
وتكمل، أي بعد 8 شهور من الحرب التي دارت بين العرب وجيش الاحتلال، عقب انتهاء الانتداب البريطاني وإصدار قرار رقم 181 لعام 1947 بتقسيم فلسطين، سقطت حقوق الإنسان قبل هذا التاريخ بعام كامل، قبل حتى أن تولد بتعزيز مفهوم الاحتلال عبر صبغة قانونية، من ذات اليد التي ادعت ولادة حقوق الإنسان في العام الذي يليه!
وتضيف: “منذ ذلك التاريخ الحقوقي المزيف، تم التلاعب بجميع البنود والاتفاقيات على جميع المستويات الدولية لخدمة الاحتلال والاستعمار فكانت -الأمم المتآمرة على الشعوب- (الأمم المتحدة) هي من تقود هذه المبادئ وتسيرها في كل ملعب يضيف إليها، وإلى حلفاءها المزيد من الازدهار على حساب الحكومات المستضعفة والمنقسمة أراضيها.
وتستطرد أنها، أصبحت تهيئ الظروف اللازمة لتعزيز الانقسامات عبر برامجها “التمييعية” وموظفوها الذين يتحدثون بمثالية عن ضرورة حماية حقوق الإنسان، والحيوان والنبات حين يتعلق الانتهاك بطرف لا يعد حليفا ً لهم، بينما في المواقف التي يتسبب بها حلفاؤهم بجرائم حرب، تجدهم كما الشواهد على قبور تلك الاتفاقيات .
وهذا ما حدث ومازال يحدث في فلسطين، بحسب بوقريص إذ أن الاحتلال منذ اليوم الأول كان ومازال وحتى هذه اللحظة، يرتكب جرائم حرب خارقًا اتفاقيات جنيف الأربعة بكامل بنودها.
وتستطرد، ومع ذلك معظم قرارات مجلس الأمن تكون صادرة لحماية هذا الكيان، والمضحك بشكل مقزز بالأمر بأن من يجلس على طاولة مجلس الأمن هم ذاتهم من يديرون مجلس حقوق الإنسان، الذي من المفترض أن يكون تأسيسه نابع عن رغبة صادقة بحماية الحقوق، التي تم إقرارها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الأساسية التابعة.
مأساة إنسانية
تشير التقديرات إلى أن نحو 1.8 مليون من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة فروا من منازلهم ونزحوا داخل القطاع، ويقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن قرابة مليون منهم يحتمون في مبان تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وعدد تلك الملاجئ 156 على الأقل، والملاجئ مكتظة للغاية بما يفوق طاقتها بأكثر من أربعة أمثال بعد أن فر عشرات الآلاف من المدنيين، إلى جنوب القطاع هربًا من وطأة القصف الإسرائيلي في الآونة الأخيرة.
ولا يعني أن تترك منزلك وتترجل عشرات الكيلومترات بحثًا عن ملاذً آمن أنك قد نجوت من آلة القتل الإسرائيلية، فقد قصفت قوات الاحتلال مرارًا نازحين كانوا في طريقهم من الشمال إلى الجنوب، وطاردت الآلاف جنوبي القطاع لإجبارهم على التوجه قرابة الحدود مع مصر، الأمر الذي تناولته مصر على إنه مخطط لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، من أجل تصفية القضية الفلسطينية.
وصرحت مديرة الإعلام والتواصل لدى وكالة الأونروا، جولييت توما، إن الغالبية العظمى من سكان غزة لا يحصلون على المياه.
وأضافت: “المياه تنفذ، والمياه هي الحياة، والحياة تنفد من غزة”، مشددة على أن الوكالة تتابع هذا الملف عن كثب، وأعربت عن مخاوف جدية بشأن انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، خاصة وأن الناس بدأوا باللجوء إلى مصادر المياه غير النظيفة، بما في ذلك مياه الآبار.
وأكدت المتحدثة باسم الأونروا على أهمية توفير الوقود لضخ المياه وتشغيل محطة التحلية. كما أشارت أيضًا إلى انقطاع إمدادات مياه الشرب، التي كان يوفرها القطاع الخاص الإسرائيلي إلى غزة.
ويشير رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، إلى أن الطائرات الحربية والمدفعية والبوارج البحرية ألقت على غزة ما يزيد عن 40 ألف طن من المتفجرات والتي تعادل أربع قنابل ذرية، تسبب في تدمير 60%من الوحدات السكنية بواقع (50,000) وحدة سكنية دمرت بشكل كلي ، إضافة إلى (240,000) وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي.
ويؤكد لمواطن، على أن الدمار شمل الآلاف من المنشآت الحكومية والأهلية والمساجد والكنائس والمستشفيات، والمحلات التجارية والشركات الاقتصادية والمرافق السياحية، والتي تعد أعيانًا مدنية لا يحق ضربها من قبل قوات الاحتلال.
يقول لمواطن، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في غزة، هشام مهنا، “إن الوضع الإنساني قد تدهور بشكل متأزم داخل القطاع، خاصة بعد انهيار هدنة السبع أيام، التي شملت وقف إطلاق النار، وتوسع العملية البرية داخل القطاع لتشمل محافطة خانيونس جنوبًا، والتي شهدت حركة نزوح كبيرة قبل الهدنة”.
ويضيف: “نعمل الآن على دعم المنظومة الصحية داخل قطاع غزة، خاصة مستشفيات الجنوب استقبلت آلاف على مدار اليوم، نحاول تقديم المواد الطبية اللازمة للمرضى، خاصة الأدوات الجراحية ومواد التخدير والعديد من المواد الطبية العاجلة، وجميع المستشفيات في حاجة ماسة لكافة أشكال الدعم في الوقت الراهن”.
الوضع داخل المستشفيات كارثي، ليس فقط بسبب أعداد المصابين والجثث ولكن بسبب نزوح عشرات الآلاف إلى داخلها هربًا من القصف المستمر، الأمر الذي يعيق عمل الفرق الطبية ويزيد الضغوط عليهم، الوضع في مجمله كارثي، على حد قول مهنا.
ويطالب، بضرورة وقف القتال في قطاع غزة والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول للقطاع المنكوب، وتجنيب المدنيين ويلات الحروب لأنهم هم وحدهم من يدفعون ثمن ويلات الحرب، كما أكد على ضرورة تأمين عبور المساعدات الطبية والغذائية لأهالي غزة بأقرب وقت.
المستشفيات.. تحت القصف
سقط 280 قتيلًا من الكوادر الطبية، فضلًا عن اعتقال 31 عامل في المجال الطبي، بالإضافة إلى استهداف 130 مؤسسة صحية، وإخراج 20 مستشفى عن الخدمة، واستهداف وتدمير 56 سيارة إسعاف. بحسب إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية.
وما يقرب من ثلاثة أرباع المستشفيات في غزة، أو 26 من أصل 36 مستشفى، خرجت عن الخدمة تمامًا بسبب القصف أو نقص الوقود. وتوقفت معظم المستشفيات في شمال غزة عن العمل.
وقصف جيش الاحتلال محيط مستشفى الشفاء المجمع الطبي الأكبر داخل قطاع غزة، وأيضًا مستشفيات الإندونيسي والأردني ومستشفى القدس جنوبي القطاع.
وسجلت منظمة الصحة العالمية وقوع 335 هجومًا على مرافق الرعاية الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، منها 164 هجومًا في قطاع غزة و171 هجومًا في الضفة الغربية.
ونتيجة لتلك الهجمات، ونقص الوقود والأدوية والمياه المأمونة وغيرها من الموارد الأساسية، انخفضت السعة السريرية للمستشفيات في غزة من 3500 سرير قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 1400 سرير، الأمر الذي خلَّف ثغرات بالغة الخطورة للمرضى الذين يعانون من إصابات، واعتلالات أخرى تقتضي إدخالهم إلى المستشفيات.
ويقول صلاح عبد العاطي، إن القطاع الصحي يعيش مرحلة بالغة الخطورة في ظل استهداف جيش الاحتلال للمستشفيات والمراكز الصحية وكل المؤسسات الطبية، حيث خرج عن الخدمة (28) مستشفى ًو(55) مركزًا صحيًا، والتي تعرضت للقصف والاقتحام والتدمير والمحاصرة والإجلاء القسري للجرحى و المرضى والأطقم الطبية.
ويذكر أن على رأس هذه المستشفيات، مستشفى الشفاء والقدس والنصر للأطفال والاندونيسى والوفاء لرعاية المسنين، ومستشفى الصحة النفسية والعيون والرنتيسي.
كما لم تسلم المنظمات الحقوقية أيًضا من الاستهداف، ونكست مكاتب الأمم المتحدة أعلامها إلى نصف السارية يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، بما في ذلك في الأونروا، ووقف الموظفون دقيقة صمت حدادًا على 101 زميلًا من الوكالة، الذين قتلوا في الحرب في قطاع غزة.
ولا حتى مرافق الأمم المتحدة، بما في ذلك تلك التي توفر المأوى، خلال الحرب في غزة، وحتى الآن، تضررت أكثر من 60 منشأة للأونروا، من بينها 10 مباني أصيبت بشكل مباشر. وكان ما لا يقل عن 70 بالمئة من المرافق، التي تعرضت للقصف في المناطق الوسطى والجنوبية الواقعة جنوبي وادي غزة.
الضفة الغربية، في مرمى النيران أيضًا
العام الحالي كان بالفعل الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث قُتل 200 شخص تقريبا حتى قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بحسب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك.
ومنذ بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ما لا يقل عن 176 فلسطينيًا، من بينهم 43 طفلًا وامرأة واحدة، معظمهم بنيران قوات الأمن الإسرائيلية، وثمانية منهم على الأقل من قبل مستوطنين. وأكثر من 2000 فلسطيني تم اعتقالهم واحتجازهم، ووثق مكتب حقوق الإنسان حالات مزعجة، من سوء معاملة بحق معتقلين وعائلاتهم.
أين القانون الدولي من انتهاكات غزة؟
وجدت منظمة العفو الدولية أدلة دامغة على أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب، وانتهاكات القانون الدولي الإنساني في حربها على قطاع غزة، وذلك في تقرير نشرته المنظمة وثّق هجمات إسرائيلية عشوائية غير قانونية على القطاع.
وقالت المنظمة إن إسرائيل لم تتخذ الاحتياطات الممكنة لتجنب قتل المدنيين في غزة، ولم تميّز بين الأهداف العسكرية والمدنيّة، ونفذت هجمات موجهة إلى أهداف مدنية، مما أدى إلى خسائر كبيرة بين المدنيين ومقتل عائلات بأكملها.
وأضافت أن إسرائيل استهترت بشكل صادم بأرواح المدنيين، ودمرت البنية التحتية في القطاع، مؤكدة أنها لم تجد أدلة على ادعاء جيش الاحتلال أنه يهاجم أهدافًا عسكرية فحسب.
هل مواثيق حقوق الإنسان من أجل حماية الرجل الأبيض الأوروبي وحسب؟
وتنظم سلسلة من المعاهدات معاملة المدنيين والجنود وأسرى الحرب في نظام يعرف إجمالًا باسم “قانون النزاعات المسلحة” أو “القانون الإنساني الدولي”، وبغض النظر عما إذا كانت هناك أسباب مشروعة لاستخدام القوة، أم لا، فلا يزال من المتوقع من جميع أطراف النزاع اتباع القوانين الإنسانية التي تحكم سير الحرب نفسها، والمعروفة باسم “قانون الحرب”، وهو القانون الذي ينظم سير الأعمال العدائية.
وتتمثل القاعدة الأساسيّة في القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات في أنّ جميع الأطراف ملزمة بالتمييز في كل الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. ولا يجوز أبدا استهداف المدنيين والأعيان المدنيّة بالهجمات؛ ويجوز للأطراف المتحاربة فقط استهداف المقاتلين والأعيان العسكريّة، ووفقا للقانون الإنساني الدولي، يجب على إسرائيل، باعتبارها سلطة الاحتلال، ضمان تلبية الاحتياجات الأساسيّة لسكّان غزّة، مثل الغذاء والماء.
لماذا تعجز المنظمات الدولية عن ردع إسرائيل؟
يرى الحقوقي البحريني خليل بوهزاع، إن هناك سببين لذلك، خاصة فيما يتعلق بالمنظمات التابعة للأمم المتحدة، الأول هو أن الدول الغربية هي المسيطرة على تلك المنظمات من حيث التمويل والنفوذ السياسي، الأمر الذي يجعل تلك المنظمات أداة في أيدي تلك الحكومات.
والثاني، هي ازدواجية المعايير لدى تلك المنظمات، فحين تحصل المآسي والجرائم في الدول العربية أو الأفريقية أو أي قارة أخرى غير القارة الأوروبية نجد أن التعاطي مختلف تماماً، وفي كثير من الأحيان يجعل المرء يصور بأن ردود فعل الوكالات مؤسس على مبدأ عنصري بأفضلية العنصر “الأبيض” وتفوقه، ولنا في العدوان على أوكرانيا مثال.
ويشير بوهزاع إلى عدة أمثلة أخرى للتدليل على ازدواجية المعايير، فحينما أصر أمين عام الأمم المتحدة الحالي أنطونيو غوتيرش على رفع تقرير أعدته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) يصف ممارسات الكيان الصهيوني بأنها فرض “نظام فصل عنصري” على الفلسطينيين وأدى ذلك إلى استقالة الأمين التنفيذي للأسكوا آنذاك.
المثال الثاني، هو الإدانة المتوارية التي تمارسها وكالات الأمم المتحدة تجاه الجرائم اليومية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، دون أن تحرك ساكناً، بل وصل الحال ببعضها إلى المساواة بين الضحية والجلاد.
أما المنظمات الحقوقية فحالها من حال وكالات الأمم المتحدة من خلال ارتهان بعضها للتمويل الغربي، أو أن أدواتها تقتصر على الرصد وإصدار التقارير، وهي لا تملك أدوات قانونية أو عملية تُمكنها من ممارسة دور فاعل في وقف آلة الحرب الصهيونية على غزة.
وبخصوص المنظمات الحقوقية العربية يقول، إنها تعيش بين المطرقة والسندان، فحرية العمل والفعل الحقوقي في الدول العربية غائبة ومصادرة وملاحقة، ولا تملك من الأدوات التي تمكنها من أن تكون فاعلة في أوطانها فما بالك على المستوى العالمي.
ولكن بالمقابل هناك نشاط على وسائل التواصل الاجتماعية والمساحات الافتراضية يمارسه ناشطين في حقوق الإنسان وخبراء قانون وسياسيين، يهدف إلى تسليط الضوء أكثر وأكثر على الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال في فلسطين، واستثمار علاقاتهم مع الشخصيات والمنظمات الحقوقية في العالم، بهدف تشكيل ضغط على المنظمات الدولية والحكومات العربية، وهذا الدور نتائجه محدودة في تقديري ولكن يمكن البناء عليه. وفق الحقوقي البحريني.
ازدواجية المعايير الغربية
منذ بدء الحرب على غزة قدمت الدول الغربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا دعمًا غير مشروط لإسرائيل، وحمل الدعم الغربي المطلق للاحتلال الإسرائيلي، في طياته معان واضحة بإعطاء الضوء الأخضر للاحتلال لارتكاب مجازر وحشية بحق الشعب المدني الأعزل.
ما دفع جيش الاحتلال يقوم بكارثة إنسانية غير مسبوقة تعد إبادة جماعية، خلفت آلاف الضحايا وآلاف الإصابات الخطيرة بالإضافة إلي من هم تحت الأنقاض ودمر كافة المرافق والبنى التحتية بالقطاع عن بكرة أبيها، إضافة إلي محاولات التهجير القسري، بحسب دراسة نشرها مركز رع للدراسات الاستراتيجية للباحثة سارة أمين.
وتعلق الحقوقية الكويتية هديل بوقريص، على ازدواجية التعامل الغربي مع معايير حقوق الإنسان قائلة:” كان من المفترض أن تقر حقوق الإنسان على أسس كما علمونا أصحاب العيون الزرق والشعر الأشقر، بأن هذه الأسس لا يمكن المساس بها بل لا يجوز حتى تجاهلها وهي: “عدم التمييز، والمساواة، الحماية الفاعلة من انتهاكات حقوق الإنسان، الحماية الخاصة للفئات الغير قادرة على حماية نفسها وإشراك الأفراد والجماعات في صنع القرار” .
وتضيف: “أخبرونا بالحرف بأنه من أهم ميزات هذه الحقوق بأنها تكون مكتسبة بشكل إيجابي للأفراد لحمايتهم وتمكينهم من العيش بكرامة ليكونوا منتجين في مجتمعاتهم هذا حرفيًا ما أعلمه للأطفال حين ادربهم على حقوق الإنسان”.
وتكمل، بإنه لا يتمتع الطفل الفلسطيني بهذه الميزات، ويضرب الاحتلال عرض الحائط بجميع بنود اتفاقية حقوق الطفل، ويفلت بكل بساطة من المحاسبة والعقاب!”
وتؤكد أن هذا لم يحدث بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 فحسب، بل يحدث منذ اليوم الأول للاحتلال الأراضي الفلسطينية.
وتختم، من أقروا حقوق الإنسان، هم ذاتهم من سلبوا الأرض من سكانها الأصليين وقتلوهم بل أبادوهم بالاتفاقيات، والاعتراف بهذا الكيان الدخيل، ليوطنوا سكانًا غيرهم لأنهم فقط يهود، فكانت المفارقة هي قيامهم بالجريمة الختامية في ذات العام الذي أعلنوا فيه الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، لتدنيس قيمة ما اجتمعوا من أجله زورًا ودعاية ليس إلا .
دعوات لمحاكمة دولية
دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إلى تحقيق دولي في انتهاكات الحرب في قطاع غزة، محذرًا من وضع “متفجر” في الضفة الغربية، وتحدث تورك في إحاطة إلى الدول الأعضاء في المنظمة عن “مزاعم خطرة للغاية بشأن انتهاكات متعددة وعميقة للقانون الإنساني الدولي، أيا يكن مرتكبها، تتطلب تحقيقا معمقا ومحاسبة شاملة”.
وأكد على وجود حاجة إلى تحقيق دولي، معربًا عن قلق عميق بشأن تصاعد حدة العنف والتمييز الحاد بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما يشمل القدس الشرقية.
ومن جهتها، أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود غير الحكومية الأربعاء أنها رفعت دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية بشأن ارتكاب “جرائم حرب” بحق صحافيين خلال الحرب بين حركة حماس وإسرائيل.
وجاء في بيان للمنظمة “قدمت مراسلون بلا حدود شكوى تتعلق بجرائم حرب إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تتضمن تفاصيل حالات تسعة صحافيين قتلوا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، واثنين أصيبا أثناء ممارسة عملهم”.
ختامًا، وعلى الرغم من كل هذا التاريخ، من القمع وتجاوزات القانون الدولي، هل يأتي اليوم الذي يمكن أن تحاسب فيه القيادات الإسرائيلية عما ترتكب من جرائم، أما يبقى القانون الدولي خطًا أحمر على بعض الدول، ويستثنى من الالتزام به الكيان المحتل، وتبقى مواثيق حقوق الإنسان من أجل حماية الرجل الأبيض الأوروبي وحسب؟
التعليقات 1