Getting your Trinity Audio player ready...
|
كشفت وكالة بلومبرغ الأمريكية في السابع من نوفمبر الماضي، عن وجود خطة صينية لبناء منشأة عسكرية في عمان، ضمن جهد أوسع تبذله بكين لتعميق العلاقات الدفاعية والدبلوماسية مع الشرق الأوسط. وقالت الوكالة إن المسؤولين العسكريين الصينيين ناقشوا الأمر أكتوبر الماضي مع نظرائهم العمانيين، الذين عبروا عن استعدادهم لمثل هذه الصفقة، حسبما قال الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم أثناء مناقشة المداولات الخاصة، واتفق الجانبان على إجراء مزيد من المحادثات في الأسابيع المقبلة.
وأشارت بلومبيرغ، إلى أن “الجانبين لديهما درجة عالية من التوافق بشأن مواصلة تطوير العلاقات الثنائية، وتعميق التعاون في مختلف المجالات، بهدف تعميق الصداقة الثنائية وإفادة الشعبين”. وترى أن إنشاء قاعدة عسكرية في عمان من شأنه أن يُكمل المنشأة العسكرية الخارجية الأخرى لبكين، الواقعة في دولة جيبوتي- شرق أفريقيا، قرب مضيق باب المندب، وفي عام 2019، وصفت وزارة الخارجية في بكين تلك المنشأة بأنها “مركز لوجستي” يدعم الجهود المبذولة لمكافحة القرصنة ومساعدة بعثات حفظ السلام والبعثات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.
ويتزامن الحديث عن قاعدة عسكرية مع الاحتفال بمرور 45 عامًا على بدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ حيث أقامت جمهورية الصين الشعبية وسلطنة عمان علاقاتهما الدبلوماسية على مستوى السفراء في 25 مايو عام 1978.
تعاون عسكري متزايد
نفذت البحرية العُمانية مع عدد من سفن الأسطول البحري الصيني التدريب البحري “العبور”، في منطقة الباطنة البحرية في 14 من أكتوبر الماضي، وأتى التدريب في إطار إدامة مستوى جاهزية الأسطول البحري للبحرية السلطانية العُمانية، ورفع كفاءة أطقمها والتدريب على العمليات البحرية وتبادل الخبرات. واشتملت فعاليات التدريبات على عدد من التطبيقات والفرضيات العسكرية وفقًا للخطة الموضوعة للتدريبات، وبما يحقق الأهداف التدريبية المتوخاة. وفي 3 من سبتمبر الماضي، استقبل الفريق الركن بحري عبدالله بن خميس الرئيسي رئيس أركان القوات المسلحة، بمعسكر المرتفعة، الفريق الركن خو جنج مينج رئيس الأركان للسلاح البحري الصيني والوفد العسكري المرافق له، وتمَّ خلال المقابلة مناقشة عدد من الموضوعات، وبحث عدد من الأمور ذات الاهتمام المشترك.
كما استقبل اللواء الركن بحري سيف بن ناصر الرحبي قائد البحرية العُمانية بمكتبه بمعسكر المرتفعة، الوفد العسكري الصيني، وجرى خلال المقابلة تبادل وجهات النظر، وبحث عدد من الأمور ذات الاهتمام المشترك؛ لا سيما في المجالات البحرية وسُبل تعزيزها. وزار رئيس الأركان للسلاح البحري الصيني والوفد العسكري المرافق له مركز الأمن البحري، واستمع إلى إيجاز عن أدوار المركز وجهوده المختلفة المعنية بالمحافظة على أمن وسلامة البيئة والملاحة في المنطقة البحرية العُمانية، كما اطلع الضيف على مرافق المركز وما جُهز به من تقنيات وأنظمة حديثة.
إن إقامة قاعدة عسكرية صينية في عمان، يأتي ضمن سياسة صينية مستحدثة لحماية مصالحها التجارية؛ فقد أقامت من قبل قاعدة عسكرية في جيبوتي لتأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب.
يرى الدكتور عماد الأزرق، مؤلف كتاب “الصين في العصر الجديد”، أن الصين ترتبط بعلاقات قوية مع دول الخليج؛ حيث توفر دول المنطقة احتياجات بكين من الطاقة بنسبة تفوق 70% من احتياجاتها، كما بدأت مؤخرًا في التوسع في الاستثمارات المتبادلة مع دول الخليج، والعلاقات الصينية العمانية تأتي في هذا السياق، وتشهد تطورًا كبيرًا للغاية على المناحي الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والعسكرية، كما تمتلك الصين استثمارات كبرى في سلطنة عمان، وهناك فرص واعدة للتعاون بين البلدين؛ خاصة فيما يتعلق بمعالجة التصحر والجفاف والزراعة والصناعة والتعاون التكنولوجي.
وأضاف الأزرق، لـ “مواطن”، أن إقامة قاعدة عسكرية صينية في عمان، يأتي ضمن سياسة صينية مستحدثة في هذا الإطار لحماية مصالحها التجارية؛ فقد أقامت القاعدة العسكرية في جيبوتي لتأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب بعد ظهور أعمال قرصنة بحرية، وتوتر الأوضاع الأمنية في اليمن وتعرض خطوط الملاحة للمخاطر. كما أشار إلى أن “الصين حريصة على تأمين خطوط الملاحة في منطقة الخليج، لضمان تواجدها الأمني في هذه المنطقة، لاسيما وهي ترتبط بعلاقات قوية بضفتي الخليج؛ سواء مع إيران أو دول الخليج العربي بشكل عام، وبالتالي وجود قاعدة صينية في عمان لن يثير مشاكل مع باقي دول الخليج، كما أن وجودها هو أمر مهم لتحقيق نوع من التوازن في المنطقة”.
مخاوف أمريكية من الوجود الصيني
كشفت “بلومبرغ”، أن وجود قاعدة في عمان سيكون بمثابة تحدٍ للولايات المتحدة، التي تشرف قيادتها المركزية على القوات المتمركزة في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الكويت والبحرين وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات، وفقًا لمشروع الأمن الأمريكي، وكانت عمان أول دولة في الخليج العربي تدخل في شراكة عسكرية مع الولايات المتحدة؛ حيث وقعت اتفاقية الوصول في عام 1980.
يعتقد سكوت مورغان، الخبير في شؤون الأمن القومي الأمريكي، أن واشنطن ترى هذه الجهود الصينية، في إطار سعي بكين لتوسيع نفوذها لضمان الوصول إلى الطاقة، كما أنها تقوم بعملية نشطة لمكافحة القرصنة في خليج عدن أيضًا. وأضاف مورغان في حديثه لـ ” “، أنه من المحتمل أن يمنح وجود هذه القاعدة البحرية الصينية القدرة على إغلاق مضيق هرمز في حالة حدوث نزاع ما، كما سيسمح للسفن المبحرة نحو الصين بالوصول الآمن وحتى الحماية.
كما ِأشار إلى أن أمريكا تمتلك قواعد رئيسية في قطر والبحرين، ويمكنها نشر قوات في المنطقة بسرعة إذا لزم الأمر، وعلى أقل تقدير، ينبغي لنا أن نتوقع زيادة في النشاط الاستخباراتي من جانب الولايات المتحدة، ومحاولات إجراء تفاعلات بين الولايات المتحدة والصين، وأن واشنطن ستتابع عن كثب تفاصيل هذه القاعدة. ويتفق معه الدكتور عماد الأزرق، الذي يقول: “إن وجود قاعدة عسكرية في عمان يمكن أن يثير المخاوف الأمريكية، وأن واشنطن لن تنظر بعين الرضا لهذه الخطوة؛ خاصة وهي تمتلك قواعد عسكرية متنوعة في المنطقة، ولن ترضى بوجود تنافس صيني لها”.
أما الدكتور ياسر جاد الله، مدير مركز البحوث والدراسات الصينية بجامعة حلوان المصرية فيقول: “إن الصين تعمل على إعادة طريق الحرير مرة أخرى، وهو يمر على عمان، وبالتالي فهي تسعى لتطوير علاقاتها مع دول المنطقة، لكن مسقط لن توافق بسهولة على إنشاء قاعدة صينية لديها، إلا بعد دراسة الأمر بشكل مستفيض وهادئ؛ خاصة في ظل الحرب التجارية الجارية بين الصين وأمريكا”. وأضاف جاد الله، لـ”مواطن“، “أن عمان لا تسعى لأن تحسب على أحد، وتحاول أن تبقى علاقاتها مفتوحة مع الجميع، وربما يكون هناك مفاوضات طويلة الأمد للوصول إلى بناء القاعدة، ولا أتوقع أن يتم إنشاء قاعدة عسكرية في توقيت قريب”.
كما أشار إلى أن “الصين تعتمد بشكل كبيرة على استيراد النفط من عمان، وحجم التبادل التجاري بين البلدين يصب في مصلحة مسقط بحكم أنها تقوم بتصدير النفط، كما يمكن الاستفادة من التجارب التنموية التي قامت بها الصين في عدد من القطاعات، ويمكن أن تمرر لها تلك الخبرات، وهناك بالفعل اتفاقات في هذا الإطار لتنفيذ استراتيجية 2040”.
أهمية جيوسياسية
يرى الكاتب الاقتصادي والخبير المالي سايمون واتكينز، أن الصين والولايات المتحدة تتنافسان على سلطنة عمان، التي تعد ذات موقع جغرافي وجيوسياسي استراتيجي في عالم النفط والغاز. وأضاف في مقال له بموقع “أويل بريس“، أن الصين تقدر أهمية سلطنة عمان في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن الأسس لتعهدات بكين المالية وحملتها الدبلوماسية لجذب دول الخليج، وضعت عبر سلسلة من اللقاءات مع عمان والدول الجارة لها، وتحتل سلطنة عمان منطقة جغرافية وجيوسياسية مهمة في طرق النفط، ولدى البلد شاطئ طويل على خليج عمان وبحر العرب، بشكل يعطي فرصة لا تعوض للأسواق في الشرق والغرب.
وأشار إلى أن مخازن النفط وموانئ عمان تقدم البديل الوحيد في الشرق عن مضيق هرمز، الذي تتحكم به إيران وتمر عبره ثلث إمدادات النفط العالمية والنفط الخام. ونظرًا لمساحته الضيفة؛ فمن السهل استهداف ناقلات النفط من خلال سفن أخرى أو من البر، وبحسب واتكينز؛ فإن الصين تستورد 90% من صادرات النفط العمانية والصادرات البتروكيماوية، وسارعت بالإعلان عن التزامها في استثمار 10 مليارات دولار إضافية في المشروع الرئيسي للبلاد، وهو مشروع مصفاة الدقم. كما كشف في مقاله أن ما تريده الصين من عمان هو السيطرة على كل نقاط الاختناق المرورية من الشرق الأوسط إلى أوروبا، والتي تحاول تجنب الطريق المكلف، وتحديات الملاحة البحرية حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا ومنطقة مضيق هرمز الحساسة من الناحية السياسية.
الاستفادة من الخبرات الصينية
على مدى السنوات الـ 45 الماضية، توثقت الصداقة بين الشعبين، وهي تتنامى مع مرور الوقت؛ حيث تتجذر العلاقة الصينية العُمانية بين الشعبين وتحقق مصالحهما. وحققت الصين وسلطنة عُمان تقدمًا كبيرًا في مجال تدريب الموارد البشرية والتبادلات الثقافية والتدريسية منذ عام 2018؛ حيث تم عقد 150 دورة تدريبية للجانب العُماني، وشارك فيها 850 مشاركًا، وغطت مجالات التكنولوجيا والتجارة والتعليم والصحة والإدارة وغيرها، وساعدت على تنمية المواهب في جميع مناحي الحياة.
وفي 23 مايو الماضي، قام وفد من مقاطعة يونّان الصينية برئاسة ونج يو بو، بزيارة لمحافظة شمال الباطنة للاطلاع على الفرص الاستثمارية بالمحافظة، وقام الوفد بزيارة إلى ميناء صحار والمنطقة الحرة ومدينة صحار الصناعية، واطلع الوفد على المرافق والمنشآت والمصانع والشركات العاملة بالميناء والمنطقة الحرة، واستمع الوفد إلى الفرص الاستثمارية المتاحة في الميناء والمنطقة الحرة مدينة صحار الصناعية، والتسهيلات التي تقدم للمستثمرين.
هناك ارتياح في التعامل مع الصين، لأنها لا تمارس ضغوطًا على عمان ودول الخليج في ملفات حقوق الإنسان والحريات، على عكس الدول الغربية التي تريد فرض أجندتها
يقول الباحث السياسي العماني علوي المشهور : “إن النمو الاقتصادي والكفاءة في إدارة الشأن العام الذي حققته الصين تحت لواء نظام شمولي، جعلت دول الخليج -ومن ضمنها عمان- تنظر لهذه التجربة بأنه يمكن الاستفادة منها بإمكانية تحقيق تنمية دون الحاجة للديمقراطية، أي أنه لا داعي لتبني النموذج الغربي كسبيل وحيد للحكم الرشيد والبقاء في السلطة”. وأضاف المشهور، لـ”مواطن” أن الصين أحيت الخيال السياسي لدى حكام الخليج بإمكانية تحقيق نموذج ينال القبول، وهو غير ديمقراطي على غرار الصين، ودول الخليج تقتدي حاليًا بهذه التجربة؛ حيث تعمل على تحرير النظام الاقتصادي والاجتماعي، وإتاحة مزيد من الحريات العامة الاجتماعية، دون تبني أي شكل من أشكال الشراكة السياسية الديمقراطية، وهناك جزء شكلي متاح بشكل صوري واستشاري.
كما يرى المشهور إلى أن هناك ارتياحًا في التعامل مع الصين، لأنها لا تمارس ضغوطًا على عمان ودول الخليج في ملفات حقوق الإنسان والحريات، على عكس الدول الغربية التي تريد فرض أجندتها. أما شاهر الشاهر، الأكاديمي في كلية الدراسات الدولية بجامعة صون يات سين الصينية؛ فيقول إن حجم التبادل التجاري مع الصين يمثل رقمًا كبيرًا لدولة مثل سلطنة عمان، ولكن العلاقات بين البلدين يجب ألا تقيم فقط من حيث حجم التعاون التجاري، ويجب أن يكون هناك علاقات شعبية وسياحة ووجود علاقات ثقافية، وهو ما ينطبق على مبادرة الحزام والطريق، الذي تسعى من خلاله الصين لمد الجسور مع العالم العربي.
وأضاف الشاهر، لـ “مواطن“، أن الصين تملك كل شيء، وعلى عمان أن تحدد ماذا يمكن أن تستفيد من الصين ضمن توجهاتها التنموية، كالبنية التحتية والتكنولوجيا وغيرها، وأهم ما يمكن أن تقدمه الصين هو التجربة في حد ذاتها لشعب تمكن من التغلب على الصعاب وبناء نفسه بنفسه، والسياسية الخارجية للصين تتشابه إلى حد كبير مع السياسة العمانية، التي تبتعد عن الصراع وتدعو للسلم، وتعرف ما تريد مع السعي للمصالحة وتحقيق التوافق والبعد عن التحالفات الإقليمية.
علاقات تاريخية واقتصادية
تمتد الصداقة الصينية العُمانية عبر تاريخ طويل؛ فقبل 1200 سنة أبحر البحّار العُماني أبو عبيدة بسفينته إلى مدينة قوانغتشو الصينية، وعندها فتح مقدمة التبادلات بين الصين وسلطنة عُمان، وبين الحضارتين الصينية والعربية، ومنذ أكثر من 600 سنة، قاد البحّار الصيني تشنغ خه أسطوله في سبع رحلات إلى غرب المحيط الهندي، ووصلت الأساطيل إلى محافظة ظفار أربع مرات؛ حيث دفعت التبادلات الودية والتجارية بين بلدينا إلى الأمام. وعلى مدى السنوات الـ45 الماضية، حقق التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين تقدمًا كبيرًا، ويعمل الجانبان على تعزيز المواءمة بين مبادرة “الحزام والطريق” و”رؤية 2040″، وشهد التعاون العملي بين الجانبين تطورات متواصلة في مجال البنية الأساسية والطاقة وتقنية الاتصالات والطاقة الكهربائية والأسماك وغيرها.
وفي بداية إقامة العلاقة الدبلوماسية بينهما، كان حجم التجارة الثنائية 10000 دولار أمريكي فقط، وفي عام 2022، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 40.45 مليار دولار أمريكي؛ حيث استوردت الصين 39.4 مليون طن من النفط، وبلغ فائض الميزان التجاري لسلطنة عُمان 32 مليار دولار أمريكي، كما تعد الصين أكبر شريك تجاري لسلطنة عُمان، وأكبر مستورد للنفط العُماني منذ سنوات، وسلطنة عُمان هي رابع أكبر شريك تجاري للصين في العالم العربي.