الصراع الإيراني الإسرائيلي.. هل يجر المنطقة إلى حرب إقليمية؟
على مدار عقود زمنية طويلة شهدت العلاقات الاسرائيلية الإيرانية حالة من الخصومة عكستها خطابات الرسمية المتبادلة، والتي يتبنى فيها كل طرف إعلان الرغبة في القضاء على الآخر.
وكشفت تقارير عن الدور الإيراني في تدريب وتسليح فصائل المقاومة الفلسطينية، والتي تعد من أكثر دول المنطقة دعمًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. كما هدد الكيان المحتل بضرب المنشأت النووية الإيرانية، وأعرب عن رفض الإتفاق النووي مع مجموعة 5+1.
ولا ينتهي الشد والجذب بين البلدين لدرجة أن صرح الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في إحدى خطبه. بوجوب إزالة إسرائيل من صفحات التاريخ.
ويقول لمواطن، جورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي لشركة Gulf State Analytics، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية في واشنطن، “أن كلًا من إيران وإسرائيل ينظران إلى بعضهما البعض على أنهما أعداء، ويمثلان تهديدًا كبيرًا لبعضهما، كما أن سياسة إيران الخارجية في الشرق الأوسط موجهة بشكل كبير حول أهداف تحدي إسرائيل والولايات المتحدة من خلال ما يسمى محور المقاومة“.
ويضيف، أنه لايتوقع حدوث أي تطور إيجابي في هذه العلاقة في ظل الظروف الحالية، مؤكدًا أنه بدون أي حل للقضية الفلسطينية، ستستمر الجمهورية الإسلامية في كونها خصمًا لإسرائيل. لأنها القضية التي تستغلها الحكومة الإيرانية لتصدير صورتها كمدافع عنها، من أجل تعزيز نفوذ طهران لدى قطاعات من العالم العربي.
ولا يقتصر الأمر على التعاون التجاري بل امتد إلى التعاون السياسي والعسكري، وفتحت إيران قنوات اتصال سرية مع واشنطن وتل أبيب، أثناء حربها مع العراق عام 1980 للحصول على السلاح مقابل النفط الإيراني.
ويكمل، لو قامت إيران بالتطبيع مع إسرائيل، فسوف تتشوه هذه الصورة وتفقد الكثير من سمعتها كداعم للمقاومة ومدافع عن القضية الفلسطينية.
وعلى الرغم من تعرض النظام السياسي الإيراني لأزمة شرعية، اشتدت حدتها بشكل كبير في خريف عام 2022، لكن المحلل السياسي الأمريكي، لا يتوقع سقوطه على المدى القريب، وهو ما يعني استمرار الوضع بين الدولتين وبقاء التوترات لعنان السماء، مما يترك الشرق الأوسط عرضة لاحتمال نشوب حرب واسعة النطاق بين البلدين.
ويختم، “في خضم الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، تظهر إيران ضبط النفس، لكن التطورات يمكن أن تحدث بطرق تؤدي إلى أن تصبح طهران أكثر عدوانية ضد إسرائيل، ما جعل لدى صناع السياسات في جميع أنحاء الشرق الأوسط مخاوف كبيرة بشأن هذا الخطر”.
تعاون سري
كما أن هناك قرابة مائتي شركة إسرائيلية، تقيم علاقات تجارية مع إيران، منها استثمارات في مجال الطاقة. كما تستورد إسرائيل التين والبلح من إيران.
وبطبيعة الحال فإن اليهود الإيرانيين في إسرائيل لازالوا على تواصل بمجتمعهم الأصلي في إيران، وما تبقى من عائلاتهم هناك خاصة مع تقدم وسائل الاتصال الحديثة، ما يتيح استمرار إشارات التواصل بين الخطوط الإيرانية والإسرائيلية.
من التحالف الاستراتيجي إلى العداء
شهدت حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، علاقات وطيدة بين إيران وإسرائيل وذلك طوال فترة حكم الشاه، والتي اعترفت بإسرائيل عام 1950، ونشأ بينهما تحالف استراتيجي كان موجهًا ضد العرب عدوهما المشترك وظل مستمرًا حتى قيام ثورة الخميني أو ما عرف بالثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.
وهو ما أكده لمواطن، الخبير السياسي في الشأن الإيراني الدكتور عباس عاصي، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليدز، قائلًا: “قبل الثورة الإيرانية كانت العلاقات بين البلدين في أفضل حالاتها، وكان هناك تنسيق أمنى وسياسي عالي المستوى بين الدولتين”.
ويضيف، كان شاه إيران يريد تعزيز هذه العلاقة لتأمين حماية لنظامه خصوصًا، وأن الشعب الإيراني كان يقف ضده، والتحالف مع تل أبيب سوف يؤمن مظلة حماية إقليمية ودولية له.
ويكمل حديثه، أن هذه العلاقة كانت في تلك الفترة متينة ومتماسكة تبادلت خلالها الدولتان السفراء، وشهدت تنسيق أمنى خصوصًا بعد صعود جمال عبد الناصر في مصر، وشعارات العروبة التي أخافت نظام الحكم في إيران، وبالتالي كان التحالف بين طهران وتل أبيب لا بد منه لمواجهة الناصرية والمد العروبي، خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
لكن بين ليلة وضحاها تبدلت الأحوال وتحولت المواقف، عندما أعلنت إيران في عهد الخميني العداء ضد إسرائيل وأمريكا، وقامت بإغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران، وجعلتها مقرًا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
عن هذا التحول يقول عاصي، “لا شك أن العداء لإسرائيل كان أحد الأسس الرئيسية، التي قامت عليه الثورة الإسلامية، وهذا يعود لأسباب عقائدية، فلو تم تنحية الرؤية العقائدية حول وجود إسرائيل جانبًا، كان من مصلحة إيران التحالف مع تل أبيب، وتجنب العقوبات الاقتصادية مع ما تتركه من تداعيات اقتصادية واجتماعية كبيرة”.
ويؤكد على أن معاداة إسرائيل، موقف ليس بجديد على الحوزة الدينية الشيعية، فمنذ تأسيس الكيان الإسرائيلي، صدرت فتاوى من علماء الشيعة بضرورة الجهاد ضد إسرائيل. وهناك أيضًا فتاوى لعلماء شيعة منذ ثلاثينيات القرن الماضي حول ضرورة الجهاد ومواجهة المشروع الصهيوني في فلسطين.
ويرى، أنه لا يمكن تسمية ما يحدث بين إيران واسرائيل بالخصومة السياسية، إنما هو صراع حول وجود إسرائيل في فلسطين، وموقف إيران هو أن إسرائيل دولة استيطانية استعمارية ولا يحق لها بالوجود.
ويعتقد الخبير السياسي في الشأن الإيراني، أن هناك مجموعة من العناصر ساهمت في تعميق هذا العداء، منها دعم إيران لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، فإسرائيل تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا لها.
كما أن الملف النووي ساهم في تأزيم العلاقة أكثر، سيما وأن إسرائيل لجأت إلى اغتيال علماء نوويين إيرانيين. حد قول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ليدز.
مصالح متشابكة وعلاقات عسكرية
هناك من يرى أن هذا التغير والتحول في العلاقات المشتركة من التحالف إلى الخصومة، ليس سوى عداء إعلامي لكسب التعاطف والتأييد، وهو الرأي الذي يؤيده الكاتب اليساري جهاد المحيسن وذلك بالاستناد إلى وقائع وحقائق مؤكدة على وجود تقارب تجاري بين الطرفين يتعلق بمصالح اقتصادية مشتركة.
ولا يقتصر الأمر على التعاون التجاري بل امتد إلى التعاون السياسي والعسكري، وفتحت إيران قنوات اتصال سرية مع واشنطن وتل أبيب، أثناء حربها مع العراق عام 1980 للحصول على السلاح مقابل النفط الإيراني.
وهناك أيضًا تبادلات عسكرية ضخمة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة، كشفت فيما عرف بفضيحة إيران كونترا، كما أشارت صحف إسرائيلية إلى أنّ رجل الأعمال الإسرائيلي، نحوم مانبار المرتبط بشكل مباشر بالموساد، يحتفظ بعلاقات تجارية جيدة مع مسؤولين إيرانيين.
ووقع مانبار عقدًا مع الإيرانيين بناء مصنع لإنتاج الأسلحة الكيماوية، ومصنع آخر لإنتاج أغلفة القنابل التي تستعمل لتلك الأسلحة، ما بين نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، ويضاف إلى ذلك التعاون السري في مجال تصدير النفط الإيراني.
مسعى إسرائيل هو جر واشنطن إلى ضرب إيران، لأنه وحدها لن تستطيع أن توجه ضربة قاتلة لطهران.
وتبقى العلاقات السياسية بين الدول شديدة التعقيد، بدرجة لا تعرف وضوح الألوان الأبيض والأسود، بل تقم على مساحة رمادية، تشكلها البراجماتية حسب المواقف المختلفة، ومصالح كل بلد، فوجود تعاون لا ينفي تضارب المصالح، كما أن وجود عداء لا ينفي تلاقي المصالح في مواقف أخرى، وهو ما ينطبق على البلدين مثلما ينطبق على غيرهما من بلدان.
تأثير الصراع بين إيران وإسرائيل
يلعب الموقف الإيراني الإسرائيلي دور فاعل في تشكيل تحالفات منطقة الشرق الأوسط، إذ تقود إيران ما يعرف بمحور الممانعة، المناهض لإسرائيل وسياسات الولايات المتحدة والغرب، إلى جانب كلًا من حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن، وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية على رأسها حماس، بالإضافة إلى كل من النظام السوري والعراقي، وهو المحور الذي يعلن معاداة إسرائيل.
وفي المقابل يطلق على الدول الأخرى المناهضة له كالسعودية أو مصر والأردن و الإمارات وما أضيف من دول التطبيع، أو السلطة الفلسطينية، محور الاعتدال.
وشهدت المنطقة عدة صراعات ما بين دول المحورين، أبرزها المخاوف الخليجية من التوغل الإيراني، واستدعاء دول الخليج، للقواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية على أراضيها، بهدف خدمة مصالح إستراتيجية لهذه الدول، بالإضافة إلى ضمان الحماية من النظام الإيراني أو حلفائه.
كما تأجج الصراع بين جماعة الحوثي، وكل من السعودية والإمارات، تطور إلى حربًا في 2015، قبل أن تهدأ العام الجاري بفضل مباحثات سلام بينهما، في إطار تقارب بين الدولتين الخليجيتين والنظام الإيراني مؤخرًا برعاية صينية.
وعن الصراع الإسرائيلي الإيراني، يرى محسن أبو النور، رئيس المنتدى لتحليل السياسات الإيرانية، أن إسرائيل هي المسؤولة بشكل كبير عن تصعيد هذا الصراع، وفقا لإجراءات هجومية وعقابية تقوم بها ضد إيران، حيث قامت إسرائيل بعمليات داخل إيران فقتلت العلماء، وسرقت الأرشيف النووي، وتحاول الاستفادة من الصراع بين الولايات المتحدة وإيران ما بعد الثورة الإسلامية.
ويضيف لمواطن، أنه مع ذلك فإن إيران لم تتخذ مواقف أكثر تشددًا تجاه الحرب الإسرائيلية في غزة، لاعتبارات سياسية مفادها أن دخولها الحرب في مواجهة إسرائيل لن يظل صراعًا بين دولتين، وإنما سيتحول إلى صراع عالمي.
وهو ما يؤكده د.عباس عاصي، مشيرًا إلى أن التدخل الإيراني المباشر في القتال لن يوقف الحرب على الفلسطينيين، ولن يمنع إسرائيل من السعي الى تحقيق أهدافها، وأن تدخل طهران في الحرب سوف يجبر الولايات المتحدة على التدخل لحماية حليفتها.
ويضيف، أن مسعى إسرائيل هو جرّ واشنطن إلى ضرب إيران، لأنه وحدها لن تستطيع أن توجه ضربة قاتلة لطهران خصوصًا، وأنها سوف تكون مكلفة جدا لتل أبيب.
ولا يعتقد عاصي، حدوث أي تقارب بين الطرفين، فالخطاب السياسي الإيراني والثورة الإيرانية قاما على العداء لإسرائيل منذ العام 1979، وبالتالي فإن أي عملية تقارب مع إسرائيل، ليست في مصلحة النظام خصوصًا في الداخل، وهي تقع ضد قناعاته ومبادئه التي قامت عليها الثورة الإسلامية.
ويرى إن الصراع سوف يستمر ويأخذ أشكالًا وأنماطًا مختلفة تسبب حالة من التوتر الدائم، وعدم الاستقرار على صعيد المنطقة. إما عبر دعم حركات مقاومة أو توجيه ضربات للقوات الأميركية في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة لإسرائيل، فإنها لن تتوانى عن إلحاق الخسائر بإيران، وتوجيه الضربات إلى حلفائها. ومن ثم يشهد الصراع مدًا وجزرًا تبعًا لمقتضيات المرحلة.
وشهدت الأيام الأخيرة تطور خطير باعتراض جماعة الحوثي للسفن الإسرائيلية المارة من مضيق باب المندب، بسبب الحرب الإسرائيلية والحصار على غزة، تطور بسبب استمرار التصعيد للتهديد بوقف الملاحة في المضيق، والتصعيد لمدى أوسع من الاستهداف للسفن الإسرائيلية.
وهو ما دفع الولايات المتحدة للإعلان عن تحالف عسكري للدفاع عن حرية الملاحة في باب المندب، حد تعبير البيان الأمريكي، وعلق قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، “اليوم فلسطين هكذا؛ وكلما زاد تدميركم، ستدق مسامير أكثر في توابيتكم”. وهو ما يعد تحذير مباشر للأمريكان.
ولا تستبعد احتمالية جر المنطقة لحرب إقليمية واسعة، إثر التصعيد الإسرائيلي في غزة، أو الدخول مع حزب الله في حرب واسعة بخلاف العمليات المحدودة عسكريًا بين الطرفين، أو ربما محاولات التصدي لجماعة الحوثي كفيلة بإشعال المنطقة.
خاصة مع استخدام الأمريكان قاعدة الأسطول الخامس في البحرين مركزًا لعملياتها ضد جماعة الحوثي، في ظل خلافات سياسية مذهبية، بين كل من البلد الخليجي والعربي الوحيد المشارك في التحالف الأمريكي، والحوثيين وإيران.