لم يتوقف الموقف الرسمي لجماعة الحوثيين في اليمن فيما يتعلق بالأحداث الجارية والعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، عند التظاهرات والحملات الشعبية والبيانات، وغيرها من طرق وأساليب الدعم السياسي الذي اتخذته مختلف الدول العربية والإسلامية، لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه بحق المدنيين من الأطفال والنساء.
بل ذهبت جماعة الحوثي نحو التدخل العسكري، ومواجهة سلطات الاحتلال الاسرائيلي، وتوجيه الضربات الصاروخية صوب الأراضي والمستوطنات، وعلى السفن التجارية التابعة أو المتجهة إليها عبر مياه البحر الأحمر.
كما استهدفت القوات البحرية التابعة للحوثي عددًا من السفن التابعة لسلطات الاحتلال، منها سفينة (غالاكسي ليدر)، التي تعود ملكيتها جزئيًا وفق وسائل الإعلام لــ رامي أنغر، رجل المال الإسرائيلي. بالإضافة إلى أنها استهدفت سفينتي (سوان اتلانتك) و (إم إس سي كلارا)، وأجبرت بعض السفن الأخرى المرتبطة أو التي على علاقة بإسرائيل، لتغيير مسارها.
ونقل موقع المونيتور أن البارجات الأمريكية اعترضت ما يقل عن خمسة صواريخ، وأكثر من 16 طائرة مسيرة كانت في طريقها الى إسرائيل.
"إن التجنيد الذي تقوم به جماعة الحوثيين، تحت إيهام الشباب أنهم سيقاتلون في غزة، هدفها حشد مقاتلين للمعارك المستقبلية في اليمن".
وأوضح بيان الناطق العسكري لجماعة الحوثيين، أن العمليات العسكرية تأتي كاستجابة لمظلومية الشعب الفلسطيني وانتصارًا للأطفال والنساء في ظل التواطؤ العربي والإسلامي مع ما يتعرض له الفلسطينيون من قصف جوي، وحصار وتهجير من قبل سلطات الكيان الاسرائيلي.
تحسين صورة الحوثيين
وأبدى الكثير من اليمنيين إعجابهم بموقف الجماعة على مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، وقدم البعض التبرعات والدعم المالي للقوات الصاروخية، كما شارك البعض الآخر في والحملات الشعبية والتظاهرات المؤيدة، وهو ما يختلف عن موقف اليمنيين في الأعوام الفائتة، التي كانت أكثر تعبيرًا عن السخط، بسبب انقطاع الرواتب وتدهور الأوضاع الإنسانية، وارتكاب الحوثيين لانتهاكات حقوقية؛ بل وذهب الأمر إلى مصادرة ممتلكات معارضين سياسيين.
وخرجت يوم الجمعة 22 من ديسمبر/كانون الأول، تظاهرات في عدد من المحافظات الشمالية، إب، وتعز، وذمار وحجة والبيضاء والجوف وصعدة وصنعاء، لتأكيد وقوفهم مع جماعة الحوثي في مواجهة سلطات الاحتلال، ردًا على التحركات الأمريكية، تحت مسمى المبادرة الأمنية متعددة الجنسيات، لمجابهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وحسب تقرير تحليلي حديث لمنصة أفكار، المختصة بتوفير مساحة تحليلية بشأن آخر التطورات الاقليمية وأهم القضايا في الشرق الأوسط؛ فإن موقف الحوثيين المعلن ودخولهم المعركة بشكل رسمي ضد سلطات الاحتلال الاسرائيلي، يهدف إلى تعزيز شعبيتهم المتضائلة محليًا وإقليميًا وتحسين صورتهم، بالإضافة إلى تضامنهم مع القضية الفلسطينية ومع محور المقاومة.
وعن ذلك يقول الصحفي وناشط السلام اليمني عبد الرزاق العزعزي، إن الحوثيين وجدوا أن القضية الفلسطينية فرصة مناسبة لتجميل صورتهم التعيسة؛ لكن مهما حاولوا تجميل صورتهم؛ فحسنات الجماعة تجاه فلسطين، لن تُذهب سيئاتها في اليمن.
ويضيف لمواطن، أن الشعب اليمني يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأن القضية الفلسطينية قضية العرب جميعًا وليس قضية فصيل سياسي، أو جماعة بعينها؛ سواء داخل اليمن أو خارجه.
ويشير تقرير لـ نيويورك تايمز الأمريكية، استندت فيه إلى آراء عدد من المحللين؛ فإن موقف جماعة الحوثي من الحرب الإسرائيلية على غزة، سوف يساهم بشكل كبير في كسبها شعبية واسعة ونفوذًا إقليميًا. وذكرت أن الشعوب في الشرق الأوسط تبدي الإشادات والتفاخر بجماعة الحوثي، باعتبارها القوة الإقليمية الوحيدة، التي واجهت إسرائيل.
وحسب دراسة حديثة صادرة عن مركز المخا للدراسات الاستراتيجية؛ فإن القضية الفلسطينية فرصة ذهبية الحوثي للهروب من الضغوطات الداخلية، ولتحقيق أهدافه الخاصة وتوسيع دائرة التجنيد، وجمع الأموال من الشعب اليمني المنهك تحت شعار دعم غزة ونصرة فلسطين.
ويصف الكاتب والمفكر اليمني حسين الوادعي تحركات جماعة الحوثي وأنشطتها تحت شعار دعم غزة، بأنها مجرد وسيلة لترسيخ سلطتها وتسلطها على اليمنيين، وخدمة أهدافها أكثر من كونها وسيلة خدمية مقدمة لخدمة الفلسطينيين ومساعدتهم.
ويضيف خلال حديثه، لمواطن: “إن التجنيد الذي تقوم به جماعة الحوثيين حاليًا، تحت إيهام الشباب أنهم سيقاتلون في غزة، هدفها حشد مقاتلين للمعارك المستقبلية في اليمن، وخاصة في محافظة مأرب؛ حيث منابع النفط وفي شبوة حيث النفط والغاز”.
ويكمل، حتى التبرعات المالية التي يتم تجميعها من اليمنيين باسم جمعية الأقصى، وتحت شعار دعم الأقصى، غالبًا تنتهي؛ إما ضمن شبكة الفساد الحوثية، أو لدعم الجبهات والمعارك داخل اليمن.
ويستطرد، إن من يحاصر 2 مليون مدني في محافظة تعز وسط اليمن، وشرد 4 مليون يمني من بيوتهم، ونهب الفقراء وحبسهم ضمن حافة المجاعة منذ 8 أعوام، لن ينصر 2 مليون محاصر في غزة، أو يهتم بوصول الدواء لهم، أو يهمه تشرد مليون ونصف فلسطيني من منازلهم.
بينما يقول لمواطن، رئيس منتدى النعمان الثقافي، الكاتب والسياسي اليمني لطفي نعمان: “اتخذ الحوثيون قضية غزة لإسكات مئات آلاف من العاملين في الجهاز الإداري، وإجبارهم على عدم المطالبة رواتبهم، وتحسين معيشتهم في ظل الفساد وفرض الإتاوات، على التجار والصناع”.
ليس من أجل غزة وحدها
يعد تدخل الحوثيين ومواجهة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال قصف أراضيها واستهداف سفنها في المياه البحرية، لا يقف عند تحقيق أهدافها فقط أو مصالحها الخاصة؛ إنما هناك أسباب أخرى تقف خلف هذا الموقف، الذي يحتل جانبًا هامًا في الصراع الإقليمي الذي يشهده الشرق الأوسط، ومدى ارتباط هذه الجماعة بإيران.
يبقى اليمنيون بصحبة كومة من المشاكل الاقتصادية والصحية والبيئية والأمنية لا تنتهي، ولا يسلط عليها الضوء بالقدر التي تستحق.
وتقدم إيران دعمًا عسكريًا وماليًا للحوثيين في اليمن، وتعتبر الهجمات على إسرائيل وسفنها جزءً من استراتيجية إيران الإقليمية للتأثير على الدول والكيانات المعادية لها في المنطقة، ومواجهة المصالح الأمريكية وتوسيع نفوذها.
وهذا ما أكده المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، أدريان واتسون، لشبكة CNN، بأن معلومات الاستخبارات الأمريكية التي رفعت عنها السرية، مؤخرًا، تشير إلى أن إيران “متورطة في التخطيط للعمليات ضد السفن التجارية في البحر الأحمر”.
ووفق تقرير حديث لـ مركز رع للدراسات الاستراتيجية؛ فإن التصعيد الحوثي ضد إسرائيل مرهون بالتصعيد بين طهران وتل أبيب، إلا أن التنظيم قد يسعى إلى الحفاظ على الاحتكاكات والمناوشات المستمرة مع إسرائيل.
وهذا من شأنه أن يخدم هدفين رئيسين؛ الأول: الحفاظ على مكانتهم في محور المقاومة، وذراع إيراني قوي، ويعزز تبرير وجودهم في المنطقة بشكل أساسي. أما الثاني؛ فيتمثل في أنه يوفر لهم ذريعة لتطوير قدراتهم العسكرية، واستمالة الدعم المادي المطلق ومنع تفكيك قواتهم.
وهذه المؤشرات قد تكون للتصعيد في حال بادرت إسرائيل بالهجوم على قوات الحوثيين، في إطار عمل وقائي ضد التعزيزات العسكرية للجماعة، التي هددت بالفعل بضرب تل أبيب.
يرى المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، أنّ الحوثيين يمارسون أكبر قدر من الدعاية حول نشاطهم العسكري، وربطه بالقضية الفلسطينية، وتكريس نوع من الأداء الاستعراضي، وكأنهم في معزل عن أي ضغط دولي أو إقليمي، مع أن موقفهم بالأساس مرتبط بالنفوذ الإيراني.
ويضيف لمواطن، أن الحوثيين يسعون لتعزيز مركزهم الأخلاقي على المستويين الداخلي والخارجي، وتقوية نفوذهم السياسي، وتعزيز مركزهم التفاوضي في إطار خارطة الطريق الأممية، حول السلام في اليمن، من خلال ربط كل ذلك بغزة.
مشيرًا إلى أن هذا الموقف فرصة ثمينة لجماعة الحوثيين لتأدية دور اللص النبيل؛ خصوصًا في خوض واحدة من أشرف المعارك على وجه الأرض، ومن بين معارك عديدة غير مشرفة وعدائية ومؤذية للشعب اليمني وأمنه واستقراره.
ويختم حسين الوادعي: “الحوثية ليست جماعة متدنية أخلاقيًا ورديئة التفكير السياسي فقط؛ بل لديها استعداد تام للمتاجرة بوطن بأكمله لخدمة الأجندة الإيرانية، على حساب سمعة اليمن ومستقبله وحياة اليمنيين، والحرب ضد السعودية لم تعد مجالاً لإظهار ولائها لإيران، بعد الاتفاق السعودي الإيراني، ووجدت في القرصنة البحرية فرصة لا تفوت لممارسة ما تتقنه من الحروب ودمار”.
ختامًا، يذهب موقف الحوثيين و إعلان الحرب ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي بين دعم القضية الفلسطينية، وتحقيق مصالحها الداخلية وارتباطها بإيران ومحور المقاومة، ويبقى مستقبل القضية الفلسطينية والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني مجهولاً، ويحمل العديد من التحديدات.
وبين هذا وذاك يبقى اليمنيون بصحبة كومة من المشاكل الاقتصادية والصحية والبيئية والأمنية لا تنتهي، ولا يسلط عليها الضوء بالقدر التي تستحق؛ خاصة مع حسابات السياسة، التي لا تعطي اعتبارًا في كثير من الأحيان، للفرد المواطن للإنسان.