منذ ظهور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الساحة السياسية في بلاده، وهو يحاول أن يقدم نفسه للعالم العربي والإسلامي، على أنه نصير لقضاياهم المحورية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ويحاول استعادة المجد العثماني القديم، وإحياء نفوذه في المنطقة، بحسب الدبلوماسي الإسرائيلي إسحاق ليفانون.
وهو ما بدا واضحًا في سعي حثيث للتواجد التركي في شتى المحافل، والدخول في حروب شرسة على أراض عربية، وخوض منافسات مع دول عربية على النفوذ.
وفي نفس الوقت، يعمل أردوغان على إبراز صورة تركيا كوسيط وراعية للسلام والمبادرات الإنسانية، بالإضافة إلى حرصها على استقبال الجنسيات الأخرى، وذلك من خلال بعض الإجراءات؛ منها إعفاء مواطني دول مثل السعودية والإمارات والبحرين، وسلطنة عُمان والولايات المتحدة وكندا، من تأشيرة الزيارة السياحية.
إلا أن الحلم الأردوغاني، كثيرًا ما يصطدم بالواقع؛ خاصة أن العلاقات التركية الإسرائيلية، قوية وممتدة لمجالات أمنية واستخباراتية واقتصادية؛ فهل يناصر أردوغان الفلسطينيين من أجل عدالة القضية؟ أم أنها مجرد براجماتية سياسية، لا تخجل من اتخاذ مواقف دعائية لنفسها؟
العلاقات التركية-الإسرائيلية
يقول لمواطن الخبير السياسي التركي، علي باكير إن الثابت الأساسي هو أنّ سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، تؤثر بشكل سلبي على العلاقات التركية -الإسرائيلية، وهذا العنصر في المعادلة الثنائيّة تمّ تثبيته بشكل أساسي، منذ الاعتداء على سفينة ماوي مرمرة في العام 2010.
وبهذا المعنى فإنّ أي تصعيد إسرائيلي ضد الفلسطينيين، ينعكس بالضرورة على العلاقات التركية -الإسرائيلية؛ لاسيما الجانب الدبلوماسية والأمني. وغالبًا ما يتم تحييد الجانب الاقتصادي من قبل الطرفين، لكن الآن هناك ضغوط شعبية في تركيا حول هذا الأمر أيضًا.
وفيما يتعلق بأحداث غزة وأثرها على هذه العلاقة يضيف باكير: “لقد برز الموقف التركي، الذي يعتبر حماس حركة مقاومة مشروعة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا الموقف تقوله بالسر والعلن بخلاف بعض الدول العربية”.
كما تدعم تركيا أيضًا إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق القرارات الدولة والمبادرات الإقليمية، وتدافع تركيا عن القضية الفلسطينيةـ ضمن ما هو متاح من أدوات في الوضع الحالي الإقليمي والدولي.
ويكمل، “إن الموقف التركي لا يرقى إلى ما يتطلع إليه الشعب التركي، أو حتى الفلسطينيين، لكن ضمن المعطيات الحالية، أعتقد أنّ هناك قيودًا محلية وإقليمية ودولية فيما يتعلق بما يمكن لتركيا أن تفعله في فلسطين”.
ويؤكد على أن الجانب التركي، “يحاول ضمن الممكن أن يتجاوز بعض هذه القيود، لكن ستكون هناك تكاليف لمثل هذه القرارات، ولكن ربما يفتح تغيير حكومة نتنياهو وصمود حماس في المعركة، الباب أمام مناقشة الطرح التركي بشكل أكثر من قبل الفاعلين الدوليين، لكن حتى الآن؛ من الصعب القول بأن باستطاعة تركيا أن تفعل الكثير”.
بينما يرى الصحفي والمحلل السياسي التركي فراس أوغلو: “إنه لا علاقة للدول العربية بالعلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل، بما فيها المنظمة الفلسطينية؛ خاصة بعد صعود الأحزاب السياسية الإسلامية في تركيا، وهو أمر مرتبط بالنواحي السياسية (أيدلوجيًا)، أما على الصعيد الاقتصادي فلا تغير حاصل منذ عقود”.
ويضيف لمواطن، “أن التجارة قوية والاستثمار الإسرائيلي أيضًا قوي في تركيا، وعليه فإن الخلافات التركية الإسرائيلية محصورة بالملف السياسي، وعلى الرغم من وجود قيادات من حماس في تركيا، لم تتأثر العلاقات الثنائية الاقتصادية، وهذا بسبب قوة تركيا، وكذلك وضعها الإقليمي، ولا أظن أن هناك أي تأثير أيضًا لعلاقات تركيا مع دول الخليج على علاقتها بإسرائيل”.
أرودغان.. الذي يتوعد إسرائيل
على أرض الواقع نجد أردوغان يقود حملات إعلامية ودعائية شرسة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ووجه تصريحات نارية ضد المسؤولين الإسرائيليين، بسبب جرائمهم خلال حرب غزة الدائرة حاليًا.
كما شارك أردوغان مع تجمع لدعم الفلسطينيين في مدينة اسطنبول، خلال فعاليات تجمع فلسطين الكبير، التي انطلقت من مطار أتاتورك الدولي، بمشاركة مئات الآلاف من المناهضين لإسرائيل.
وقال إنه سيكشف للعالم حقيقة إسرائيل بوصفها “مجرم حرب”، ووصف الغرب الداعم لها بأنه المتهم الرئيسي في المجزرة، التي تجري في غزة، وطالبها بوضع حد لما أسماه حالة الجنون، وهو ما أعقبه رد فعل إسرائيلي غاضب، وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، أنه قرر استدعاء الممثلين الدبلوماسيين لبلاده من تركيا لإعادة تقييم العلاقات بين البلدين.
"مبدأ مناصرة المظلومين الذي يرفعه أردوغان وحزبه، نموذجًا في استغباء الشارع الفلسطيني والإسلامي"
ومع ذلك فإن البراجماتية السياسية تغلب على السياسة الأردوغانية، يغضب ولا يقطع العلاقات، ويصدر التصريحات القوية ولا يفعل شيئًا، محاولًا الحفاظ على التوازن في علاقته مع إسرائيل، حتى وإن اضطر لتوجيه اللوم إلى حماس، التي يدعمها أيديولوجيًا وعقب طوفان الأقصى.
وهو ما حدث عندما أرفق مركز مكافحة التضليل، التابع لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، في بيان عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، نسخة من تقرير تحدث فيه عن طلب تركيا بلطف من رئيس المكتب السياسي لـحركة حماس، إسماعيل هنية، وقيادات الحركة مغادرة البلاد.
في إشارة إلى أن هذه الواقعة أدت إلى إحداث هزة في العلاقات التركية مع حماس. ولم يصدر هذا المنشور باللغة التركية، بينما تم الاكتفاء بصدوره باللغة العربية لتوصيل الرسالة.
تعاون اقتصادي
وتستمر العلاقات التركية الإسرائيلية التجارية على الرغم من التوتر الديبلوماسي البادي على السطح بين الدولتين، وهو ما أثار ردود فعل شعبية غاضبة في الشارع التركي، اضطرت وزير التجارة التركي عمر بولات، لتبرير موقف بلاده، مشيرًا إلى أن التبادل التجاري يتم من خلال شركات خاصة وليست حكومية.
وتتضمن العلاقات التركية الإسرائيلية تعاونًا في مختلف المجالات؛ خاصة الاقتصاد والأمن ومجال الاستخبارات، إلا أنها شهدت تطورًا كبيرًا منذ مجيء أردوغان إلى السلطة.
وتكشف بيانات نظام التجارة الخاصة لهيئة الإحصاء التركية، أن صادرات تركيا إلى إسرائيل كانت 861.4 مليون دولار في عام 2002، عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، والذي ينتمي إليه أردوغان، وارتفعت إلى 6.74 مليار دولار في عام 2022.
في حين بلغت وارداتها من إسرائيل 544.5 مليون دولار؛ ما يعني أن التجارة بين تركيا وإسرائيل زادت ستة أضعاف بين عامي 2002 و2022، منذ تولي الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة.
وكانت وسائل إعلام تركية نقلت عن الرئيس التركي، أن إجمالي حجم التجارة بين بلاده وإسرائيل بلغ مؤخرا 9.5 مليار دولار، وأنه تم الاتفاق على زيادته إلى 15 مليارًا على الأقل في المرحلة الأولى.
ومن المفترض أن تتسع دائرة التعاون، لتشمل مشروعات جديدة في مجال التنقيب عن مصادر الطاقة، وتشغيل شبكات طاقة إلى أوروبا عبر تركيا، بحسب تصريحات رسمية في سبتمبر الماضي.
يأتي هذا التعاون المتزايد على الرغم من تعدد محطات الخلاف بين الدولتين، والتي بلغت من التدهور إلى درجة طرد السفير الإسرائيلي، بعد أن قتلت القوات الإسرائيلية عشرة أتراك في غارة عام 2010، على سفينة كانت تقل نشطاء مؤيدين للفلسطينيين؛ في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.
لكن سرعان ما تم العدول عن هذه الخطوة، وعادت العلاقات من جديد عام 2016 قبل أن تتعرض لتوتر جديد، في أعقاب قيام إسرائيل بطرد السفير التركي في 2018. اعتراضًا على استضافة تركيا لقياديين من حماس، على خلفية مقتل عشرات الفلسطينيين، الذين شاركوا في احتجاجات عنيفة على حدود غزة.
وفي عام 2020، بدأت تركيا مساعيها لإصلاح العلاقات مع دول بالمنطقة، وتبنت مبادرات تجاه دول عربية بالإضافة إلى إسرائيل. وقام الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج بزيارة تركيا في مارس 2022، وأعقبتها زيارات من وزيري الخارجية، مما كسر جمود العلاقات.
خطاب حسب الحاجة!
يرى الباحث السياسي اللبناني المتخصص في الشأن التركي محمود علوش، أن هناك قاعدتين تتحكمان في العلاقات التركية الإسرائيلية منذ مطلع العقد الماضي، وهما استحالة إحداث استقرار طويل الأمد، وصعوبة الانفصال، وهو ما برز واضحًا خلال محطات الاضطراب في العلاقات سابقًا.
وأضاف لمواطن: “إن العامل الأساسي الذي ساعد كلا الطرفين في الحفاظ على هذه العلاقات، حتى وإن لم تكن مستقرة كتلك التي يتطلع إليها الطرفان، هو البراجماتية”.
ويكمل حديثه، “أردوغان يتميز بشخصية براجماتية عالية، ومستعد لتغيير خطابه وسياسته الخارجية بسرعة عندما تقتضي الحاجة، وهو أمر شاهدناه كثيرًا في سياسة تركيا الخارجية؛ خاصة في محيطها الإقليمي، ومنها علاقتها بإسرائيل”.
وهو ما انعكس على الموقف في حرب غزة، وإن بدا الخطاب السياسي قويًا، لكنه لم يكن قويًا إلى المستويات التي وصل إليها، على غرار أزمات سابقة بين تركيا وإسرائيل عام 2010 و 2018.
ويعزو علوش ذلك، إلى حرص تركيا على الحفاظ على نوع من العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ليساعدها على لعب دور أكثر قوة فيما يتعلق بدفع عملية السلام؛ خاصة في ظل مساعي أردوغان لتعزيز الحضور التركي في القضية الفلسطينية، مستغلاً الوضع الإقليمي والدولي الحالي، لتتحول بلاده إلى دولة فاعلة بشكل كبير في ديناميكية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولكن براجماتية أردوغان ليست وحدها المؤثرة في العلاقات التركية الإسرائيلية، حد قول علوش، والذي يشير إلى أن هناك جوانب أخرى مهمة تلعب دورها في هذا الصدد؛ منها تداخل المصالح الجيوسياسية بين البلدين في شرق المتوسط، بجانب العلاقة الاقتصادية، فضلًا عن المكاسب التي يحصل عليها الطرفان من علاقتهما معًا.
ويختم: “تركيا قوة إسلامية كبيرة، وإقامة علاقات معها مفيد لإسرائيل، كما أن تركيا تفيد من علاقتها بإسرائيل في علاقاتها مع الغرب؛ خاصة الولايات المتحدة الأمريكية”.
علاقة اضطرارية
ويتفق الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور بشير عبد الفتاح، مع الرأي بأهمية الدور الأمريكي في العلاقة التركية الإسرائيلية.
مشيرًا في حديثه لمواطن، إلى أن العلاقات قديمة، ونشأت في كنف الولايات المتحدة، وقال إنها الراعي الرسمي للعلاقات التركية الإسرائيلية، وقد أجبرت أمريكا تركيا على الاعتراف بإسرائيل عام 1949، وكان ثمن ذلك انضمام تركيا للناتو ليحميها من الأطماع السوفيتية في ذلك الوقت في البوسفور والدردنيل.
وظلت أمريكا راعية لهذه العلاقات، لدرجة أنها جعلتهما شركاء في مجالات تعاون أمني واستخباراتي واقتصادي، حتى أن تحديث الجيش التركي يتم من خلال إسرائيل وصفقات التسلح المشتركة، وبالتالي أدركت تركيا أن علاقاتها بأمريكا تأتي صعودًا وهبوطًا بحسب وتيرة العلاقات بين تركيا وإسرائيل.
وإذا أرادت أن تطور علاقاتها مع أمريكا وتكون بناءة ومفيدة لتركيا؛ فعليها أن تحسن علاقاتها مع إسرائيل؛ فهي الوسيط في العلاقات الأمريكية التركية. وبناء عليه كانت تركيا حريصة على علاقاتها بإسرائيل بشكل اضطراري لاسترضاء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. حسب عبد الفتاح.
وبالنسبة لأردوغان، يرى إنه حين جاء للحكم، حاول أن يحدث نوعًا من التوازن الشكلي؛ فهو يريد التقارب مع الدول العربية والإسلامية، وتعد القضية الفلسطينية هي المحك الأساسي في هذا الموضوع؛ فنجده على مستوى الخطاب السياسي والإعلامي يظهر تشددًا وتعنتًا مع إسرائيل.
ويستطرد: “إن هذا لم ينعكس على العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل؛ فهو يمضي في كل المسارات العسكرية والاقتصادية والاستخباراتية بشكل مستقر، لكنه يحتفظ بمساحة من الانتقاد لإسرائيل على مستوى الخطاب السياسي والإعلامي فقط، بينما العلاقات الأخرى، عادية”.
ويختم حول ذلك، بأن أردوغان لايمتلك رفاهية التوتر والصدام والقطيعة مع إسرائيل، خوفًا من انعكاس ذلك سلبًا على علاقاته بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
تاريخ العلاقات
تعود العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى النصف الأول من القرن الماضي، عندما كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، والمثير في الأمر أن ديفيد بن جوريون مؤسس إسرائيل، كان يجيد اللغة التركية باعتباره حاملاً للجنسية العثمانية.
جعل أردوغان الخطاب السياسي الإيجابي من نصيب العرب والقضية الفلسطينية، بينما تظل حسابات المصلحة مرتبطة بإسرائيل، ولا يمكن التراجع عنها بأي حال من الأحوال.
وكان هناك تعاون كبير؛ خاصة في مجال السياحة والتجارة والطيران العسكري؛ حيث كان الفنيون الإسرائيليون، هم من يقومون بتحديث الطائرات الحربية التركية.
يشير د. محمد نور الدين – الخبير والباحث في الشؤون التركية وأستاذ اللغة التركية بالجامعة اللبنانية، إلى أن المحطات المهمة في العلاقات بين البلدين كثيرة، لكنها كانت بمعزل عن طبيعة السلطة في تركيا؛ فهي عرفت علاقات ممتازة مع حكومات ذات طابع إسلامي ضمني، كما حدث في الخمسينيات، وفي الثمانينيات، وحتى في السنوات الأخيرة من حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وكذا كانت العلاقات مع الحكومات العلمانية.
وعن العلاقات بين تركيا وإسرائيل في عهد أردوغان وحزب العدالة والتنمية، يقول: كانت تقلبات متعددة من الصدام الكلامي في دافوس عام 2009، إلى تنديد أردوغان بالعدوان الإسرائيلي على غزة عام 2023، لكن العلاقات الاقتصادية استمرت قوية ووصلت عام 2022 إلى حدود 10 مليار دولار.
ويكمل، استمرت الصادرات إلى إسرائيل على الرغم من هذا العدوان، ولم تنقطع العلاقات الدبلوماسية؛ فإسلامية أردوغان، وانتماؤه الأيديولوجي لم يحولا دون تعزيز علاقاته مع إسرائيل.
ويشير إلى أن انتماء تركيا إلى حلف شمال الأطلسي، والحوض الاستخباراتي الغربي-الأطلسي والعداء لسوريا، يعدان عاملين في زيادة التقارب بينها وبين إسرائيل.
غطاء شرعي
يرى د. نورالدين، أنه من خلال تجربة أردوغان في الحكم؛ فإنه أعطى أولوية لما يعتقد هو أنه مصالح تركيا، وتتمثل في استمرار العلاقات الجيدة مع إسرائيل مع تقديم الدعم النظري للقضية الفلسطينية.
ويضيف، مثل هذا الدعم كان ضروريًا من أجل تقديم غطاء شرعي لسياساته العثمانية في المنطقة العربية؛ تحديدًا محاولة التوسع في سوريا والعراق ومصر وغيرها من الدول مثل ليبيا وتونس.
كذلك فإن الدعم النظري للقضية الفلسطينية، كان ضروريًا لكسب أصوات المتدينين في الداخل التركي في الانتخابات المحلية؛ من رئاسية ونيابية وبلدية. ومع أن الدعم الأخير للقضية الفلسطينية كان نظريًا للغاية؛ فإن الجمهور التركي المتديّن كان سيؤيده في أي انتخابات مقبلة؛ فقط من أجل منع العلمانيين من العودة للسلطة.
“كانت مسألة العلاقات التركية مع إسرائيل خلال العدوان على غزة نموذجًا لدراسة حالة مهمة في العلاقات الدولية، وأهم ما في هذه التجربة أنها تولي تقديم العلاقات مع دولة معتدية هي إسرائيل، على تقديم الدعم الفعلي للقضية الفلسطينية”، بحسب أستاذ اللغة التركية بالجامعة اللبنانية.
وأضاف أن، مبدأ مناصرة المظلومين الذي يرفعه أردوغان وحزبه، نموذجًا في استغباء الشارع الفلسطيني والإسلامي، وفي إظهار أن النزعة القومية التركية كما الأطلسية لدى أردوغان، وكل الطبقة السياسية في تركيا، هي الأهم، ولو على حساب القضية الفلسطينية. ويحيلنا هذا بالطبع إلى أن مشروع أردوغان وحزبه عثماني بالدرجة الأولى قبل أن يكون إسلاميًا أو ما يشبه ذلك.
وتبقى العلاقات التركية الإسرائيلية لها الكلمة العليا والأهمية الكبرى في سياسة أردوغان البراجماتية، رغمًا عن خلفياته الأيديولوجية وأحلامه العثمانية. ويختم د. بشير عبد الفتاح، بأن أردوغان يسعى لإحداث توازن شكلي في علاقاته بين إسرائيل من ناحية، والدول العربية من ناحية أخرى؛ فجعل الخطاب السياسي الإيجابي من نصيب العرب والقضية الفلسطينية، بينما تظل حسابات المصلحة مرتبطة بإسرائيل، ولا يمكن التراجع عنها بأي حال من الأحوال.