قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تصورت الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، ودول أخرى أنهم دفنوا القضية الفلسطينية، وأعادوا صياغة الشرق الأوسط، استعدادًا لأن تنقل أميركا قيادة الشرق الأوسط، إلى محور يرتكز على تل أبيب، ويمتد إلى نيودلهي وما بينهما.
ووصل الأمر إلى إعلان أميركا والكيان الصهيوني، أن الوقت قد حان لتنفيذ خطة اقتصادية، تعتمد على ممرات بحرية وبرية، تمتد من الهند وتتمركز في فلسطين المحتلة، وتنتهي هذه الممرات التجارية في أوروبا الغربية وما وراءها.
وفي العام 1948 تشكلت مجموعات متطوعة من البحرينيين للانضمام إلى الفلسطينيين للدفاع أرض فلسطين والمقدسات. ولازالت صور المتطوعين متداولة حتى في هذه الأيام.
الكيان الصهيوني يعتبر نفسه القائد الجديد للمنطقة، التي يسميها الغرب بالشرق الأوسط، وأن من يريد الازدهار في المستقبل، عليه تسجيل اسمه في سجل الحضور، الذي أطلق عليه مسميات مختلفة؛ كاتفاقيات إبراهيمية وغيرها.
هذا المنظر السوداوي المرعب لم يمنع الفعاليات الشعبية وأصوات المجتمع المدني في البحرين، من إعلان مواقفهم الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، واعتبار ما يقوم به سفير الكيان الصهيوني في البحرين، مرفوضًا ومدانًا بصورة مبدئية لا تقبل بالمنطق الاستعماري.
وعليه فإن البحرينيين كانوا في الصدارة للوقوف مع الشعب الفلسطيني، عندما جُنّ جنون الكيان الصهيوني بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبدأ حرب الإبادة المدعومة من واشنطن وحلفائها الغربيين.
وكان الصوت البحريني واضحًا ومسموعًا ومعبرًا عن وجهة نظر يتمسك بها معظم البحرينيين؛ وهو أن هوية أهل البحرين ممتزجة ومتداخلة، ومنصهرة في الهوية الفلسطينية.
هذا الموقف ليس غريبًا وليس جديدًا على أهل البحرين؛ إذ إن التاريخ يسجل بأن الشارع البحريني قد انفجر منذ ثلاثينيات القرن العشرين، بعد إعلان الأمم المتحدة تقسيم فلسطين في العام 1947.
وفي العام 1948 تشكلت مجموعات متطوعة من البحرينيين للانضمام إلى الفلسطينيين للدفاع أرض فلسطين والمقدسات. ولازالت صور المتطوعين متداولة حتى في هذه الأيام.
وكانت حكومة البحرين قد تناغمت مع هذا الموقف الشعبي، وأعلنت عن فتح مكتب مقاطعة البضائع الإسرائيلية في ستينيات القرن الماضي، والذي استمر في نشاطه حتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أغلق قبيل اعتماد اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
كما أن مناهج الدراسة في البحرين مملوءة بمواقف مشرفة وداعمة للنضال الفلسطيني، بعد استقلال البحرين في العام 1971. إضافة إلى ذلك فقد كانت خدمة البريد منذ سبعينيات القرن الماضي، وعلى مدى عقدين تفرض على مستخدمي الخدمة البريدية، دفع خمسة فلسات، لطابع المجهود الحربي المخصص للقضية الفلسطينية.
وسجل الكاتب البحريني خالد البسام في كتابه “كلنا فداك… البحرين والقضية الفلسطينية 1917- 1948“، والذي تحدث فيه عن زيارة الطفولة الخاطفة التي قام بها مع والده للقدس عام 1964 قبل الاحتلال الإسرائيلي لها، وشكل طيفًا جميلاً لذاكرة عن تاريخ تضامن ودعم البحرين للقضية الفلسطينية منذ وعد بلفور وحتى النكبة.
حاول البحرينيون ومعهم كل العرب المقيمين في البحرين، تقديم كل ما يستطيعون إلى فلسطين وأهلها، وانطلقت حناجرهم بالهتاف عند تقسيم فلسطين العام 1947: "يا فلسطين لا تخافي... كلنا اليوم فداك".
والكتاب مملوء بالوثائق والصور الفوتوغرافية لوثائق وأوراق قديمة استحضرت الذكريات والحكايات والأيام الخوالي، وتبرعات “الروبيات” والمظاهرات الصاخبة في شوارع المنامة، رصد من خلالها إسهامات أهل البحرين والخليج لنصرة فلسطين في تلك العقود المبكّرة.
وأوضح كتاب البسام حقائق مدعومة بوثائق وصور عن بدايات تضامن أهل البحرين مع القضية الفلسطينية، ولجان الدعم التي تشكلت في نهاية الثلاثينيات، كما يكشف الكتاب لأول مرة مواقف السكان اليهود في البحرين من نكبة فلسطين، عبر تسجيل وثائقي مع ملاحق تضم أسماء مئات المتبرعين البحرينيين لفلسطين العام 1939.
وأشار إلى أن تضامن شعب البحرين له تاريخ قديم، وأن الوعي بالقضية الفلسطينية بدأ منذ ظهور وعد بلفور المشؤوم العام 1917، كما أن مظاهر وأشكال التضامن اتخذت الكثير من الأساليب والفعاليات.
والأهم من ذلك كله هو أن هذا التضامن الجميل الذي صنعه البحرينيون في ذلك الوقت كان تضامنًا أصيلاً وصادقًا، ضحوا فيه بالكثير من أموالهم القليلة في تلك الظروف الاقتصادية الصعبة؛ وخصوصًا قبل النفط، ووقفوا مع كافة أشكال التضامن مع فلسطين.
وحاول البحرينيون ومعهم كل العرب المقيمين في البحرين، تقديم كل ما يستطيعون إلى فلسطين وأهلها، وانطلقت حناجرهم بالهتاف عند تقسيم فلسطين العام 1947: “يا فلسطين لا تخافي… كلنا اليوم فداك”.
كل ذلك يفسر عمق ارتباط الوجدان البحريني بالقضية الفلسطينية، وعندما تسيد الكيان الصهيوني قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نشأت حركة مجتمعية في البحرين لمقاطعة أي شخصية أو شركة أو مستشفى يعلن تعاونه مع الكيان الصهيوني.
وهذا الموقف الاجتماعي البحريني أصبح سيد الموقف بعد عملية طوفان الأقصى، ودحض مقولة “السوبر مان الإسرائيلي الذي لا يهزم” وقد هزمه الفلسطينيون هزيمة منكرة بثباتهم على موقفهم، وكسبهم لتأييد عالمي رغم أنف النفوذ الصهيوني على المقدرات السياسية والاقتصادية والإعلامية في الولايات المتحدة وأوروبا.
أعادت الأحداث الحاصلة في الأراضي المحتلة وقطاع غزة، التذكير بالقضية الفلسطينية، هذا بالإضافة إلى ما يجري في القدس المحتلة وسياسات التهجير والاستيطان، والتعدي من قبل الصهاينة، وأعادت من جديد أهمية القضية عند الشعوب العربية والمسلمة، وأثارت معها قضايا تمس بالعدالة وبحقوق الإنسان.
في مقابل ذلك صاحب المشهد الحالي، خذلان الموقف العربي المتذبذب والمخجل؛ فتارة يصدر بيانات الإدانة للكيان الصهيوني، أو المشاركة في تحالفات لحماية هذا الكيان المصطنع، أو تذهب في إصدار بيانات استنكار مشتركة، لا تغير شيئًا من موقف يهاب التغيير، الذي هبت رياحه مع حرب غزة التي قلبت الكثير من الموازين في العالم، وحتى المنطقة العربية التي ثارت فيها شعوبها من الخليج الى المحيط رغم أنف التطبيع قديمه وجديده.
لكن بلا شك؛ فقد شغلت فلسطين وقضيتها حيزًا كبيرًا ومستمرًا في دول الخليج. وهناك مواقف مشتركة بين جميع دول الخليج العربي، مشهودة في دعم الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الصهيوني.
وهناك من كان يسأل مستغربًا، عن تاريخ شعب البحرين ونضاله مع قضية فلسطين، هذا البلد الصغير بحجمه في مقارنة بالدول العربية الأخرى، يرفض الاحتلال منذ العام 1948. وشهدت المنامة مسيرات آنذاك وصولاً إلى تضامن للمشاركة في حرب تحرير فلسطين.
قد تكون أكثر الصور دليلاً، هي تلك التي يتداولها أهل البحرين من سنة وشيعة، في التعبير عن رفضهم التام للتطبيع في المظاهرات والاعتصامات، وصولاً إلى التعبير في ساحة المنصات الرقمية التي عرضت البعض للاعتقال، مثل الأمين العام السابق لجمعية العمل الوطني (وعد) إبراهيم شريف، والذي أفرج عنه منذ أيام بعد العريضة، التي وقعت عليها أكثر من 200 شخصية بحرينية للمطالبة بالإفراج الفوري عنه. وقد جاء الاعتقال بسبب تغريدات شريف المتعلقة بحرب غزة.
ختامًا، هناك تاريخ طويل من النضال البحريني في حق القضية الفلسطينية، وصول إلى بذل الدماء على يد المناضلين الأوائل، استمر عبر التبرعات والتظاهرات؛ بل إلى حد الإيقاف والاعتقال، حتى اليوم.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.
I don’t think the title of your article matches the content lol. Just kidding, mainly because I had some doubts after reading the article.