جميع الرجال والنساء لديهم انجذاب قوي تجاه والديهم من الجنس نفسه، لكنّ هذه المشاعر عادة ما تُقمع عند حل عقدة أوديب، ولكن في كثير من الحالات، قد يكون الحلّ غير كامل. حسبما رأي فرويد، الذي أشار أيضًأ إلى تأثر النمط المغاير جنسيًا بالمحظورات الاجتماعية على المثلية الجنسية والتجارب المبكرة مع الوالدين.
وعليه اقترح المحلل النفسي ساندور فيرينزي، أن مشاعر النفور والعداء والاشمئزاز لدى الرجال المُغايرين، تجاه المثلية الجنسية عند الذكور؛ في حقيقتها ردات فعل دفاعية ضد الانجذاب للجنس نفسه.
إلى ذلك ظهر مصطلح رهاب المثلية على يد عالم النفس الأمريكي واينبرغ، ويُعرّف على أنه مجموعة من السلوكيات والمشاعر والمواقف السلبية تجاه الاختلافات الجنسية والأشخاص الذين تم تحديدهم أو اعتبارهم من مجتمع الميم عين، ويتضمن الخوف من التواجد في أماكن قريبة من المثليين جنسيًا.
"إن عرفناهم عن قرب، ربما تفهمنا"
تقول واعدة (41 عامًا) لمواطن: “أعتبر نفسي إنسانة منفتحة جدًا منذ فترة المراهقة، كنت قد كونتُ صورة عن المثلية بأنها شذوذ، وشيء غير مستحب دينيًا، ولم أسمع عن أي حالات على أرض الواقع”.
وتضيف: “ولكن حين كبرتُ وازداد اطلاعي على العالم من خلال الإنترنت، تعرفتُ على مصطلح المثلية، لم يشغل حيزًا كبيرًا من تفكيري حينها، كنت أجد في داخلي من يسلك هذا الطريق حرًا؛ سواء كان رجل أو امرأة، ولا شأن لي بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد، نظرت للأمر على أنه حرية شخصية”.
يقولون لوالدتي، "ليش بنتك منظرها هيك؟ انتبهي لتكون بتحب البنات"، إنها معاناةٌ يوميةٌ لا تنتهي، ناهيكَ عن الصراخ والعويل الذي ألاقيه حين أدخل إلى الحمامات العامة؛ حيث يظنوني ذكرًا.
لكن سرعان ما اختبرَت الحياة نظرة واعدة للمثلية، حين “تعرفتُ على صديقة عراقية من خلال الإنترنت عبر مدونة لكتابة الشعر، كنا ننشر فيها ما نكتبه في الفترة ما بين 2006 وحتى 2010، غابت تلك الصديقة عن المدونة والفيسبوك، لتعود بعد نحو العام تقريبًا، وتخبرني أنها هاجرت مع صديقتها إلى كندا، لأنهما مثليتان وتحبان بعضهما بعضًا، ولي مُطلق الحرية في قبول طلب صداقتها أو رفضه”.
وتكمل: “لم أفكر كثيرًا قبلت الطلب، وقبلت أسلوب حياة صديقتي، وأخبرتها أنها حريتها الشخصية، لم يؤثر الأمر على العلاقة فيما بيننا أبدًا؛ فكنا نتشارك الآراء حول القضايا وكل التفاصيل الأخرى”.
وتختم، “وبتُّ أكثر حساسية تجاه مفهوم المثلية، وأحرص على التحدث عنه بموضوعية إن اضطررت عبر الفيسبوك، كي لا أجرح صديقتي برأي ما ربما يصدر مني من دون قصد”.
وتُرجع أروى (32 عامًا) كاتبة ومهندسة، وأمٌّ لطفلين، سبب الهوموفوبيا إلى الخوف من المجهول أو الخارج عن السائد: “أعتقد أنّ أكثر ما يُخيف الناس من فكرة المثلية ويدفعهم لمعاداتها هو خوفهم، من أنها قد تنتقل إلى أطفالهم”.
وتحكي لمواطن: “في البداية كان الأمر مُستهجنًا بالنسبة لي، ولكن عندما علمتُ أنه أمرٌ موجودٌ في تاريخ البشرية، ساعدني ذلك على تقبلي للمثليين، بينما الطريقة التي يمارسون فيها الجنس فهو موضوعٌ شخصيّ، وليس من اختصاص أحد، صحيحٌ أنني لا أكنّ لهم مشاعر الكراهية، لكن عندما أصادف أحدهم في الطريق ينتابني شعور الاستغراب، لكن دون أي أحكام”.
الخوف من الوصم
يتمثل التحدي الذي يواجه الشباب المثليين والمثليات في تطوير هوية صحية ومتكاملة في سياق الصور النمطية السلبية، والتحيز الواضح ضدهم، وغالبًا ما يكون ذلك دون دعم عائلي أو اجتماعي.
ويظهر ذلك الخوف من الوصم في القصة التي ترويها روان (29 عامًا) لمواطن، عن صديقها المُقرّب الذي تردد كثيرًا في الاعتراف لها: “أخبرني عدّة مرات أنه سيبوح لي بسرّ خطير في الغد ثم يتراجع عن كلامه، إلى أن قال لي أنه يُشبه شخصيةً في مسلسل يرفضه أهله حين يعرفون حقيقته، شاهدتُ المسلسل بغية معرفة ذلك السر، فوجئتُ في البداية، لكنّ معرفتي به أنه إنسانٌ طيبٌ وخلوق بدد مخاوفي”.
وأضافت: “في اليوم التالي التقيتُ به في الكلية، كان يُشيح بنظره مُعتقدًا أنني لن أتقبله، لكن توطّدت صداقتنا بعدها، وأصبح يحكي لأصدقائه المثليين عني، وهم يحسدونه أنّ لديه صديقةً خارج مجتمع الميم-عين تتفهّمه، وتستمع لهمومه ومخاوفه، وتحبه كما هو، والأهم من ذلك أنها لا تعتبره مريضًا نفسيًا يحتاج إلى علاج”.
وتعليقًا على ذلك، يقول محسن عوض (31 عامًا)، وهو أسمًا مستعارًا لطبيبٌ نفسي؛ فضّل عدم ذكر اسمه: “نحن الآن على أعتاب عام 2024، ولا يزال الكثير من الناس يعتقدون أنّ المثليةّ مرضٌ واضطرابٌ عقليّ يجب علاجه، والحقيقة أنّ المجتمع العلمي تجاوز هذه القضية منذ عقود؛ حيث أزالت جمعية الطب النفسي الأمريكية المثلية الجنسية من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) سنة 1973. وفي عام 1975، أصدرت بيانًا يؤكد أن المثلية الجنسية ليست اضطرابًا عقليًا”.
رهاب المثلية، انجذابٌ مرفوضٌ للمثلية!
تقول جنان (26 عامًا) مثليةٌ تعيش في سوريا لمواطن إنها تُعاني من والدتها، التي تطالبها دائمًا الاعتناء بنفسها أكثر، وتتعرّض للتنمر من قبلها: “تقول لي دائمًا “ما هذا الذي تلبسينه؟ هذه ثيابٌ للرجال، هذا الحذاء للذكور، ولا يليق بفتاةٍ”.
وتكمل، كثيرًا ما تكون العبارات أكثر فظاظةً، والأخطر من ذلك أنّ بعض الأقارب والجيران والمعارف الذين يترددون إلى منزلنا يفرّغون رهابهم المثليّ، وكأنّ المثلية هي سبب كل ما نعاني منه من حروبٍ وأزمات.
وتستطرد، يقولون لوالدتي “ليش بنتك منظرها هيك؟ انتبهي لتكون بتحب البنات”، إنها معاناةٌ يوميةٌ لا تنتهي، ناهيكَ عن الصراخ والعويل الذي ألاقيه حين أدخل إلى الحمامات العامة؛ حيث يظنوني ذكرًا، لذلك أصبحتُ أتأكد من خلوّها قبل الدخول وإثارة الفوضى!”.
يظهر رُهاب المثلية واضحًا في المجتمعات العربية (وغيرها)، وفي قصة جنان، ليبرز تساؤلٌ ملحّ؛ ما الذي يدفع الناس إلى كل هذا النفور والعداء التي تصل إلى حدّ الوحشية في بعض الحالات، مثل إقدام مجموعة من الأشخاص في السنغال على نبش قبر يعتقدون أنّ صاحبه كان مثليًا وإحراقه!؟ حدث ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يُشير التحليل النفسي هنا لرهاب المثلية إلى أنه قد يكون نتيجة ثانوية لآلية دفاعية يحفزها الانجذاب اللاواعي المرفوض للأفراد المثليين. بمعنى آخر، يشير هذا الرأي إلى أن الأفراد الذين يعانون من رهاب المثلية يتبنون خوفًا غير عقلاني، أو كراهية للمثلية الجنسية لأنهم مهددون، أو يشعرون بالاشمئزاز بسبب انجذابهم الشخصي للأفراد المثليين.
"عرفتُ أنهم سينبذونني"
تتحدث آمنة (28 عامًا) لمواطن، وهي مثليّة ومعظم أصدقائها ميولهم الجنسية مُغايرة، عن تجربتها المميزة معهم: “أعيش في جوّ قريةٍ تعتبر المثلية جريمة وكفرًا، لذا عانيتُ كثيرًا من الخوف والضغط النفسيّ؛ إذ لا يوجد من أستطيع البوح له/ا”.
وتكمل، “كل أصدقائي وصديقاتي في بداية مراهقتي كانوا مغايرين وكارهين للمثلية، وجرّبتُ مرةً إخبارهم أنّ إحدى الفتيات التي كانت معنا في المدرسة مثليُّة الجنس؛ فانهالوا عليها بالسباب والشتائم، عرفتُ حينها أنهم سينبذونني فيما لو أخبرتهم بحقيقتي؛ خصوصًا أننا كنا في بداية العشرين، لذلك اخترتُ التريّث”.
وأضافت: “عمدتُ إلى توطيد علاقتي معهنّ؛ فهنّ فتياتٌ طيبات القلب، لكنهنّ لا يعلمن إلا ما علمهنّ إياه المجتمع والدين، كثرَت زياراتنا في المنزل وأصبحتُ أستضيفهنّ معظم الأوقات لنتحدث ونتسلى ونلعب الورق وألعاب الهواتف الذكية، تعمقت العلاقة حيث قدمتُ الكثير من الخدمات في مجال عملي لآبائهن وأمهاتهن ومعارفهنّ، وأساعدهنّ في أعمال المنزل في الأعياد والمناسبات، وأصبحتُ مقربةً جدًا منهنّ”.
وختمت، “على طول تلك العلاقة كنتُ أغرسُ فيهنّ قيم التسامح مع الآخر وتقبل الاختلاف، من خلال النقاشات التي كانت حاميةً في البداية، لكنّ نقاشًا تلو الآخر كانت تخف حدّة الرد ويصبحن أقل عدوانية اتجاه من لا يشبههن بشكلٍ عام، إلى أن جاء اليوم الذي أخبرتُ بعضهنّ -كلٌّ على حدة- وكان يسيرًا بعض الشيء بالنظر إلى كل تلك السنوات من التمهيد، وكل من أخبرتهم لا يكرهونني ولم يؤثر ذلك على متانة الصداقة بيننا”.
"بالرغم من أن ماليزيا بلد مسلم؛ فقد صادفت إمام جامعٍ مثليًا، ولم يحتد عليه أحد"
ومن المعروف أنّ تفاعل الناس مع أشخاص مثليين ومثليات على أرض الواقع، يدحض الصور النمطية المُنتشرة عن المثلية -التي تعتبر أهم منابع العداء تجاه الأشخاص المثليين جنسيًا- وتقلل الجهل حولها؛ فاللقاءات الشخصية الإيجابية لها تأثير نفسي وعاطفي يدفع الناس المغايرين إلى تعميمه على سائر المثليات والمثليين.
وعن تغير النظرة تجاه المثلية يقول ريتشارد بيلارد، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب بجامعة روتشستر في إحدى مدوناته، إنه عندما كان طالبًا في كلية الطب في الخمسينيات من القرن الماضي، وأنّ الأماكن الوحيدة التي سمع فيها عن المثليين، كانت السجن ومستشفى الأمراض العقلية: “لذا كان الافتراض هو أن كل هذه الأشياء غريبة تمامًا”.
ويضيف، “في أواخر الستينيات، عندما مُنحت الحقوق المدنية للأشخاص الملونين والنساء وأخيرًا للمثليين، أدركتُ أنهم مثل أي شخص آخر، أعتقد أن معظم الناس لديهم الآن أصدقاء أو معارف مثليون”.
المثلية قد تكون مرحلة، في سياق التطور الجنسي
من جهةٍ أخرى يقول سامر (33 عامًا) مثليّ يعيش في إحدى الدول العربية، إنّ له صديقًا مغايرًا جنسيًا اسمه مراد، تزوّج من فتاةٍ مؤخرًا عن حبّ وقناعة، وكان في طفولته وبداية مراهقته يحبّ صديقًا في المدرسة، وكان ذلك قبل بلوغه جنسيًا.
وما يتذكره أنه كان يغار عليه إذا اقترب منه أحدٌ، بقيَت تلك المشاعر سنواتٍ قليلة، لكنها خفتت فيما بعد ونسيها مع دخوله إلى المدرسة الإعدادية ثم الثانوية، وأخبره مراد أنه يحب زوجته الحالية، لكنه مرّ بتلك المرحلة من حياته دون إرادته، لذا فهو يتفهّم حالة سامر، وأنه ليس مثليًا عن قرارٍ أو كفرٍ أو ما شاكل.
وبحسب العديد من الدراسات فإنّ جزءً كبيرًا من الناس؛ وخاصةً الذكور، لديهم بعض الخبرة الجنسية المثلية بين فترة المراهقة والشيخوخة. وبعض الناس لا يخوضون تجربتهم الأولى مع المثليين حتى يصلوا إلى مرحلة البلوغ.
بالنسبة للآخرين، قد تكون تجارب المثلية جزءً من رحلة النضج والنمو، وهذا ليس غريبًا، لأن المراهقة فترة تغيير يكتشف فيها الشباب هويتهم، وماذا يريدون لأنفسهم في حياتهم كبالغين. مهما كانت مشاعرك؛ فلا بأس بها، إنها طبيعية تمامًا؛ فهي أنت!
وفي نهاية المطاف، يدرك جميع الأشخاص المثليين أنهم ينجذبون فقط إلى أفراد من الجنس نفسه، وأن هذا الانجذاب لن يختفي، ويدرك المغايرون أنهم ينجذبون فقط إلى أفراد من الجنس الآخر، وينطبق الشيء نفسه على أولئك الذين ينجذبون لكلا الجنسين، ويصل الإنسان إلى الاستقرار حين يعلم أنّ ما يشعر به هو أمر طبيعي تمامًا.
الإنسان عدوّ ما يجهل
يقول جمال داوود (38 عامًا) مهندسٌ مدنيّ وصانع أفلام، إنه لم يكن يعرف شيئًا عن المثلية سوى الإشاعات: “كنا نرى شبابًا يقفون في الشعلان بدمشق، ويُقال عنهم غيات أو شواذ، لم أكنّ أي مشاعر اتجاههم، وفي 2010 سافرتُ إلى ماليزيا، وهنا كانت صدمتي الكبرى؛ حيث جئت من مكانٍ يعتبر المثليين كفارًا ومرضى نفسيين، إلى بلد يُعطي الحرية الكاملة للملايين منهم، وفوق كل ذلك اكتشفتُ لأول مرة وجود عابرين جنسيين”.
وعن خوفه من المثلية يقول جمال: “بالرغم من أنّ ماليزيا بلد مسلم؛ فقد صادفتُ إمام جامعٍ مثليًّا، ولم يحتدّ عليه أحد، وفي الجامعة يوجد أساتذة مثليون؛ فقد عشتُ فترة طويلة مصدومًا بما أراه، وعندما أصادفهم في الشارع ينتابني شعورٌ غريب وأعبر إلى الجانب الآخر، وكأني أخاف على جسمي منهم!”.
وتابع، “في عام 2011 سافرتُ إلى عدة دول في آسيا مثل كمبوديا وتايلاند وإندونيسيا والفلبين، اكتشفتُ أنّ المثلية منتشرةٌ جدًا، والمثليون يعبرون عن أنفسهم بحرية تامة في الأماكن العامة، لكن بقي لديّ هذا التوجس حتى عام 2013، اعتدتُ بعدها على وجودهم، وأصبح لديّ صديق مثليّ”.
ختامًا، تُجسّد الدراسات العلمية حقيقة أن المثلية ليست مرضًا يستدعي العلاج، وليست مؤامرة تتربص بالمجتمع أو وباء ينبغي تحصين أنفسنا منه، هي ببساطة حقيقة إنسانية تتجلى في التنوع الجنسي. ويجسد المثليون هذا التوجه الجنسي كما يفعله الغَيريون؛ فالانجذاب للجنس الآخر ليس تصرفًا مقيدًا بالإرادة أو القناعة الشخصية.
وبالرغم من أن المثليين قد يشكلون أقلية؛ إلا أنهم يمتدون عبر خيوط التاريخ، ولا يوجد مجتمع خالٍ من المثليين؛ إنهم جزءٌ لا يتجزأ من أيّ نسيج اجتماعي.
Thanks for sharing. I read many of your blog posts, cool, your blog is very good. https://accounts.binance.com/vi/register-person?ref=WTOZ531Y