قالت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في الأمم المتحدة: “إن هناك صعوبة في تحديد مدى انتشار العنف وأنواعه ضد النساء والفتيات بشكل دقيق في سلطنة عُمان، للقصور في الإبلاغ عن حالات العنف، ولعدم وجود نظام دقيق لرصد حالات العنف ضد النساء والفتيات”.
وبينت اللجنة في تقرير لها أن ٧٤٪ من النساء والفتيات اللاتي تعرضن للعنف، لم يبلًغن عنه أو يلتمسن مساعدة السلطات، وأن ١٢.٨٪ فقط من النساء والفتيات اللاتي التمسن المساعدة لجأن إلى الشرطة، و٢٥٪ منهن لجأن إلى القضاء، كما أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف انتشارًا في السلطنة.
وكانت السلطنة قد انضمت إلى اتفاقية “سيداو” في ٢٠٠٦، مع بعض التحفظات على المواد المتعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية، حسب ما أعلنت، وهي المادة ٩-٢ المتعلقة بالمساواة في الجنسية، والمادة ١٥-٤ حركة الأشخاص وحرية اختيار السكن والإقامة، المادة ١٦ أ، ج، ؤ المتعلقة بالمساواة في الزواج والعلاقات الأسرية والمادة ٢٩ – ١ المتعلقة بإدارة الاتفاقية والتحكيم في حال نشوب نزاع، وعادت ورفعت التحفظ على المادة ١٥ – ٤ في العام ٢٠١٩.
بعض القيم والمعتقدات المجتمعية أدت إلى قبول سلوكيات العنف ضد النساء في عمان، بالإضافة إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة مثل البطالة والفقر أدت إلى زيادة العنف في المجتمع".
رغم أن عمان تجرم الاغتصاب وهتك العرض، والأفعال والإشارات الخادشة للحياء ضد النساء والفتيات، كما تبنت قانونًا شاملاً لمكافحة الاتجار بالبشر، وألغت المادة التي تسمح بتخفيض العقوبات المتعلقة بجرائم “الشرف”، كما وضعت حدًا أدنى لسن الزواج لكل من الذكور والإناث، وهو ١٨ عامًا، كما تجرم ختان الإناث، إلا إنها لا تزال تتيح لولي الأمر ممارسة العنف ضد الأولاد القصر.
كما يفتقر القانون العُماني لقانون ينص على تجريم التحرش الجنسي، أو الاغتصاب الزوجي، كما أنه يفتقر لقانون حول العنف ضد المرأة والعنف الأسري.
لا إحصائيات حول العنف ضد المرأة
“يصعب تحديد تزايد أو تناقص حالات العنف ضد المرأة في الوطن العربي عامةً، وفي سلطنة عمان تحديدًا؛ لافتقارنا إلى مراجع إحصائية دقيقة وواضحة؛ فبينما تصرّح المنظمات العالمية والدولية بنسب معينة وتنشر دراسات علمية بعيّنة من المجتمع، تقوم وزارة التنمية الاجتماعية العمانية بنشر تصريحات مناقضة لها، تحول الأرقام من ظاهرة تدق ناقوس الخطر، إلى مجرد مشكلة عابرة وحالات فردية لا تستدعي القلق”.. حسب ما وضحت الناشطة النسوية، جلالة لمواطن.
وأضافت جلالة، التي اكتفت باسمها الأول: “تتداول النساء فيما بينهن أخبار حالات العنف، ويحاولن مد يد العون بما استطعن، ورغم ذلك لن تتمكن النساء من الحصول على الأمان الكافي إن لم تعترف مؤسسات الدولة المعنية بوجود المشكلة، وتعمل على وضع استراتيجيات واضحة لحلها”.
وأشارت إلى أن “وعي النساء العمانيات -وخصوصًا جيل الألفية- بوجود أنواع مختلفة من العنف، كالعنف النفسي والاقتصادي والجنسي، وبحقوقهن المدنية، أدى إلى التبليغ عن الحالات، وإن كان لمجرد الإحصاءات والبحوث”.
أما الناشطة عفراء محمد فقالت: “لا توجد دراسات أكاديمية رصينة إلى الآن عن نسب التعنيف والقتل جراء العنف في عمان، -وذلك من وجهة نظري- يشير لخشية بعض النساء الإفصاح عن العنف التي تتعرض له لوزارة التنمية الاجتماعية والشرطة، مما يجعل النسب غير دقيقة”.
القوانين والعنف ضد المرأة
وترى الناشطة النسوية جلالة: “إن غياب العمل النظامي الحر للمجتمع المدني في السلطنة في المجال الحقوقي، وتحديدًا حقوق المرأة، يجعل من مهمة المطالبة بالإصلاح السياسي شاقة ومشتتة، وأحيانًا كثيرة، تقابل بالتجاهل والاستجوابات الأمنية”.
وأضافت: “تؤمن الناشطات النسويات بدور الوعي الجمعي وأثره المباشر على قرارات الفرد، حتى وإن لم تلقَ المطالبات استجابة آنية؛ فتحريك النقاش وتساؤلات البديهيات والمسلمات خطوة جريئة ومهمة للاعتراف بالمشكلة، ومن ثم إدراجها مستقبلاً ضمن أولويات الإصلاح القانوني عند المشرع؛ فمثلا تطالب النسويات باستمرار بالاعتراف بالاغتصاب الزوجي كنوع من العنف الجنسي ضد المرأة، ولم تفتأ الناشطات أيضًا تطالب بإلغاء قانون الجزاء الذي يتيح لولي الأمر ضرب أبنائه القُصّر بغرض التأديب”.
وفي تعليقها على القوانين، تقول المحامية والباحثة القانونية عذراء حمود: “قانون الجزاء العماني يُجرم العنف ويُعاقب عليه، ويفرض عقوبات مختلفة بناءً على خطورة العنف وتبعاته، ويتضمن القانون عقوبات للعديد من أشكال العنف؛ منها العنف الجسدي والعنف النفسي والعنف الجنسي، لكنه جاء عامًا في نصوصه، ولم يتضمن مبدأ التمييز الإيجابي للمرأة من العنف إلا في جريمة الاغتصاب، كما أن هناك أنواعًا من العنف ضد المرأة لم ترد به ولم يجرمها، كما أن القانون لا يحتوي على مصطلح العنف الأسري”.
أما الناشطة النسوية عفراء محمد فقالت: “بالرغم من أن غالبية القوانين في عمان هي لصالح المرأة، إلا أن بعض الممارسات الفردية ضد المرأة لا زلت قائمة، وفي كثير من الأحيان لا يتم معاقبة الجاني، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وسوءها”.
حول الأسباب
وأرجعت المحامية والباحثة القانونية عذراء حمود ارتفاع معدلات العنف ضد النساء في سلطنة عمان لعدة عوامل منها: “عدم وجود قانون خاص لحماية المرأة من العنف بشكل عام، ومن العنف الأسري بشكل خاص، كما لا يوجد خط ساخن لحماية النساء من العنف، كما أن بعض القيم والمعتقدات المجتمعية أدت إلى قبول سلوكيات العنف ضد النساء، بالإضافة إلى أن الظروف الاقتصادية الصعبة مثل البطالة والفقر أدت إلى زيادة العنف في المجتمع”.
وأضافت حمود خلال حديث لها مع مواطن: “كما النظرة السطحية وعامل الجنس أدى إلى التمييز والعنف ضد النساء، وتعزيز التفاوت الجندري وفرض القوة والسيطرة والوصاية على النساء باعتبارهن أقل درجة، أدى إلى زيادة العنف ضدهن، وتغيب التوعية والثقافة التي تناهض العنف ضد النساء، وإن وجدت تمت مضايقتها ومحاربتها وتكفيرها، كما أن وسائل الإعلام لا تقوم بدورها؛ بل على العكس في مواقف كثيرة عززت ممارسات العنف ضد النساء تحت شعار النسوية خطر يهدد المجتمع”.
وعابت حمود على المؤسسات التعليمية عدم قيامها بدورها في هذا الجانب: “بل على العكس، لازالت تعزز ممارسة بعض أشكال العنف ضد النساء في مناهجها، وتقوم بتعليم النشء أن المرأة إنسان من الدرجة الثانية غير متساوٍ مع الرجل في الحقوق والواجبات”، وربطت بين ارتفاع معدلات الجرائم المرتبطة بالعنف بازدياد حالات العنف ضد المرأة.
وتشاركها في الرأي الناشطة عفراء: “تساوي الدولة في الحقوق في التعليم والعمل بين الرجل والمرأة، لكن لا تزال نسبة النساء العاطلات عن العمل أعلى من نسبة الرجال، وذلك لعدة أسباب؛ منها عدم تفضيل توظيف المرأة لأن إجازاتها ستكون أكثر من الرجل بسبب الحمل والرضاعة، ولا تتم محاسبة المؤسسات التي تمارس هذا التمييز، مما يؤدي لتفقير المرأة وجعلها تعتمد اقتصاديًا على الرجل، مما يفتح الباب أمام التحكم في المرأة، ويجعلها عرضة للتعنيف والحرمان من حقوقها”.
تغيب ثقافة المساواة أو الاعتراف بقدرات المرأة في المجتمع العماني كما في البلدان المجاورة له، وعلي الرغم من سعي الحكومة بتطوير المنظومة القانونية، إلا إنها لا تزال بعيدة عن ذلك.
وتقول: “لا تزال مشكلة التعنيف قائمة إلى يومنا هذا؛ حيث تتعرض النساء إلى الضرب والقتل لمجرد مخالفة الرجل، وهو أمر تقع مسؤوليته على المؤسسات الحكومية في كثير من الأحيان؛ حيث إنه لا يوجد خط ساخن لمساعدة النساء المعنفات، مما يضطرهن لمواجهة التعنيف بأنفسهن، وقد يطلب منها اللجوء إلى الشرطة، وهو أمر تجد فيه الكثير من النساء صعوبة”.
وأكدت عفراء على أن رجال الدين والإعلاميين والأكاديميين، عملوا على تشويه المطالبات النسائية؛ فيرى الكثير منهم بأن المرأة حاصلة على جميع حقوقها، ولا ينبغي لها المطالبة بأكثر من ذلك، مع تجاهل كبير وتعتيم عن أعداد القتل والتعنيف الحاصلة في البلد”.
كيف يمكن أن يقف العنف ضد المرأة في عمان؟
تقول النسوية جلالة: “أعتقد بأن التمييز ضد المرأة والذي يقود إلى تعنيفها لا يمكن أن يتقلص إلا بنظام متكامل، لأن النظام الأبوي يعمل كشبكة معقدة ومتينة، تبدأ من المساحة الخاصة داخل الأسرة وتنتشر في الفضاءات العامة خارج البيت وفي كل مكان”.
وترى بأن الحل في “أن يُقابل بالنظام الشمولي ذاته ليدخل الإصلاح في أركان السلطة جميعها من قوانين وتشريعات تحمي النساء تحديدًا، ومناهج تعليمية تعيد تشكيل مفاهيم المساواة بين الجنسين، وقراءة حديثة للنصوص الدينية”.
فيما ركزت المحامية عذراء حمود على أهمية تعزيز الوعي بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين من خلال حملات توعوية، وبرامج تثقيفية في المجتمع والمدارس والجامعات، وتعزيز تطبيق القوانين الموجودة، وإصدار قوانين جديدة خاصة لمكافحة العنف ضد النساء، وتشديد العقوبات على المرتكبين، بالإضافة لتدريب رجال الشرطة والقضاة على التعامل الفعال مع حالات العنف ضد النساء، وتوفير المعدات اللازمة للتحقيق وتأمين محاكمات عادلة.
ومن ضمن الحلول التي تراها حمود: “توفير خدمات التدخل النفسي والاجتماعي للنساء اللاتي تعرضن للعنف، بما في ذلك الاستشارة والإسكان المؤقت والدعم المالي، وتعزيز فرص العمل والتعليم للنساء، وتوفير الدعم المالي للمشاريع النسائية الصغيرة، وتعزيز التمكين الاقتصادي للنساء، بالإضافة للتعاون مع المنظمات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني للعمل معًا في مكافحة العنف ضد النساء، وتبادل المعرفة والخبرات”.
وللتقليل من نسبة العنف ضد النساء في عمان، ترى حمود أن ذلك يتطلب جهودًا مستمرة وشاملة من جميع المتعاملين في المجتمع، وتشجيع النساء على الإبلاغ عن حالات العنف وتقديم الشهادة في المحاكم، قالت: “يجب على النساء أن يشعرن بالأمان والدعم، ليكنّ جريئات في الكشف عن حوادث العنف والمساعدة في إنهاء هذا السلوك”.
وأكدت عفراء كما الأخريات على ضرورة إنشاء خط ساخن للنساء المعنفات: “يمكن أن تلجأ له النساء لطلب المساعدة في حال تعرضهنّ للتعنيف، مع وجود مختصات نفسيات وقانونيات للتعامل مع الحالات التي تأتي من هؤلاء النساء”، وأضافت: “كذلك، إجراء دراسات رصينة حول واقع المعنفات في عمان لفهم جذور المشكلة”.
وأنهت عفراء حديثها بالمطالبة بتحسين حقوق المرأة، والتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني لتحسين الآليات القائمة وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية مساواة بين الجنسين.
تغيب ثقافة المساواة أو الاعتراف بقدرات المرأة في المجتمع العماني كما في البلدان المجاورة له، وعلي الرغم من سعي الحكومة بتطوير المنظومة القانونية، إلا إنها لا تزال بعيدة عن ذلك.
موضوع مهم جدا شكرا