تنذر التوترات المتصاعدة في البحر الأحمر بعواقب وخيمة على اقتصاديات العالم، وتأثيرات مباشرة على منطقة الخليج مع بداية التصعيد العسكري بين قوات حارس الازدهار التي تقودها الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة، وجماعة الحوثي في اليمن من جهة أخرى.
واستهدفت ضربات أمريكية فجر السبت 13 من يناير/كانون الثاني، قاعدة لجماعة الحوثي في صنعاء، غداة ضربات شنتها واشنطن ولندن على مواقع عسكرية للحوثيين، ردًا على هجماتهم في البحر الأحمر.
جاءت الضربات في أعقاب أسابيع، استهدف خلالها الحوثيون سفنًا تجارية يشتبهون في أنها مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إلى موانئ إسرائيلية، قرب مضيق باب المندب عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، تضامنًا مع حركة حماس بقطاع غزة، والذي يشهد حربًا مع إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ويمر قرابة 12% من حجم التجارة العالمية عبر مضيق باب المندب، وهو ما يمثل مرور بضائع بمليارات الدولارات، ونحو 30% من شحن الحاويات في العالم.
واتخذت العديد من شركات الشحن الكبرى قرارًا بوقف الشحن عبر هذا الممر، على أمل أن تستخدم بعض الشركات طريقًا جديدًا يسافر جنوبًا عبر المحيط الهندي حول رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، حتى الساحل الغربي لأفريقيا؛ ما يعني تكلفة إضافية تصل إلى ملايين الدولارات للرحلة الواحدة، كما سيؤدي الوقت الإضافي والنفقات الإضافية إلى رفع أسعار الوقود ونقص السلع.
يقول الخبير الاقتصادي الكويتي نادر العبيد لمواطن: “إن مياه البحر الأحمر الإقليمية تعتبر من أهم الممرات الملاحية المؤثرة في حركة التجارة العالمية؛ كونها تربط الشرق بالغرب، وتعتمد عليها نسبة كبيرة من الشحنات التجارية العالمية تمثل نحو 25% إلى 30%؛ سواء في مجالات الطاقة أو النقل التجاري بمختلف أنواعه”.
وتشير تقديرات بنك يو بي إس إلى أن توجيه السفن حول أفريقيا، وهو ما يزيد من طول الرحلة بنحو أسبوعين ونصف، يقلل من القدرة الفعلية للرحلة بين آسيا وأوروبا بنحو 25%.
ويرى، أن تلك التوترات والتصعيد المتواصل سيؤثر بلا شك على حركة التجارة العالمية، وكذلك حركة النقل والخدمات اللوجستية والعمالة في تلك المجالات، ما سيترتب عليه خياران؛ الأول هو رفع الأسعار نتيجة رفع تكلفة النقل إلى ممرات أخرى، أبرزها طريق رأس الرجاء الصالح.
ويضيف، من المعروف أن رفع أسعار سلاسل الإمدادات ستؤثر على اقتصادات العالم أجمع، نحو مزيد من التأزم؛ خاصة أن تلك الاقتصادات ما لبثت تتعافى من تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية.
ويعتقد الإعلامي الاقتصادي البحريني عزوز علي، أن تهديد الحوثيين لسفن الشحن يؤثر على التجارة في كل شيء؛ من النفط الخام إلى السيارات، ويأتي ذلك بعد ضغوط كبيرة واجهتها سلاسل التوريد بسبب جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة التضخم.
ويضيف لـمواطن، “إن هجمات الحوثيين تزيد من المخاوف بشأن التهديد الذي تشكله طهران على مضيق هرمز، وهو الممر المائي الضيق الذي يفصل إيران عن دول الخليج، والذي يعد نقطة عبور لصادرات النفط والغاز؛ إذ يمر نحو 40% من تجارة النفط المنقولة بحرًا عبر مضيق هرمز يوميًا، إلى جانب شحنات الغاز الطبيعي المسال من قطر، مما ساعد أوروبا على استبدال الغاز الروسي”.
هل يتأثر الخليج بتوترات الملاحة في البحر الأحمر؟
ارتفعت تكلفة شحن البضائع بشكل ملحوظ مع استمرار شركات الشحن العملاقة في تجنب طريق البحر الأحمر الرئيسي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن بنسبة 80%، بعد أن ارتفعت بالفعل بنسبة 50% تقريبًا في الأسبوع الأخير من ديسمبر/كانون الأول 2023.
وفي الخليج شهدت أسعار النفط تذبذبات عالية مع تفاوت الطلب وارتفاع تكلفة التأمين والنقل، تزامنًا مع تصاعد التوترات بين الطرفين؛ فيما تصاعدت المخاوف من احتمالات إغلاق الممر الملاحي الأهم للمنطقة في وجه حاملات النفط؛ ما قد يدفع دول الخليج للبحث عن ممرات أخرى آمنة، لكنها أكثر كلفة لنقل سلعتها الأهم.
يعتمد اقتصاد الخليج بشكل أساسي على صادرات النفط، وينوه التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2022 إلى أن إجمالي التجارة الخارجية للمنطقة في حدود 2.6 تريليون دولار تقريبًا، يسيطر النفط على أغلبها.
وفي إشارة لخطورة الأزمة الراهنة، صرح رئيس مجلس الوزراء القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني: “إن شحنات الغاز الطبيعي المسال ستتأثر بالهجمات في البحر الأحمر”.
وأضاف خلال كلمته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية، “أن هناك طرقًا بديلة، وتلك الطرق البديلة ليست أكثر كفاءة بل أقل من الطريق الحالية، لافتًا إلى أن التصعيد يُعد الأخطر في الوقت الحالي، لأنه لا يؤثر على المنطقة فحسب؛ بل يؤثر على التجارة العالمية أيضًا، مع مخاوف اتساع رقعة النزاع في الشرق الأوسط”.
وتسببت التوترات الراهنة، بحسب رئيس مجلس الوزراء القطري، في توقف مؤقت لحركة الملاحة لبعض الشركات العالمية؛ إذ أوقفت قطر نقل الغاز الطبيعي المسال عبر مضيق باب المندب بشكل مؤقت، قبل أن تستأنف 4 ناقلات العمل من جديد.
قفز خام برنت بما يصل إلى 2.5% وسط مخاوف من حدوث مزيد من الاضطراب في الشحن، ومن أن الصراع قد يتسع ليتحول إلى صراع إقليمي أوسع نطاقًا.
كما تشير تقديرات إلى ارتفاع أسعار النفط الخام إلى 150 دولارًا للبرميل؛ ما يعني خفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو نقطة مئوية واحدة، وإضافة 1.2 نقطة مئوية إلى التضخم العالمي، بحسب وكالة بلومبرج.
وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية؛ فإن قرابة 10% من النفط المنقول بحرًا يمرّ يوميًا عبر مضيق باب المندب، ودون هذا المضيق فإن إمدادات الخام والمشتقات النفطية ستشهد تذبذبًا وفوضى في سوق الطاقة.
ويقول الخبير الاقتصادي الكويتي نادر العبيد لمواطن: “من الممكن أن تحقق دول الخليج استفادة نسبية بسبب ارتفاع أسعار النفط نتيجة تلك التوترات؛ ما سيؤثر بشكل مباشر على رفع نسب التضخم”.
ويشير الخبير الكويتي إلى أن التوترات الراهنة ستدفع إلى ارتفاعات كبيرة بأسعار النفط لا يمكن تقديرها في الوقت الراهن، لكنها ارتفاعات غير إيجابية؛ كونها تؤثر على ارتفاع أسعار السلع وسلاسل الإمدادات في الأسواق العالمية، وبالتالي فلن يكون هناك تأثيرات إيجابية على دول الخليج في ضوء ارتفاع أسعار النفط.
الخليج ليس كله أثرياء.. تقرير دولي عن الفقر والفقراء في دول مجلس التعاون
ليس من أجل غزة وحدها.. لماذا يهاجم الحوثيون إسرائيل؟
كذلك يشير خالد العجيل أيضًا إلى تأثر أسعار النفط إلى حد كبير بتلك التوترات، ومن المتوقع أن تسجل ارتفاعات ملحوظة، لكن هذه الارتفاعات لن تسجل عوائد إيجابية، لأن تكاليف التأمين والشحن سترتفع في المقابل، لذلك جملة التأثيرات ستكون سلبية.
وينوه العجيل إلى أهمية التوجه إلى طرق بديلة، لنقل النفط عن طريق استخدام أنابيب النقل العملاقة أو البحث عن طرق مؤمنة.
وهو ما يتفق معه نادر العبيد: “إن الارتفاعات في أسعار النفط ستهضم بشكل غير مباشر نتيجة ما يسمى بـ استيراد التضخم، كون دول الخليج تعتمد على استيراد العديد من احتياجاتها التي ستصلها حتمًا بزيادة قد تتجاوز الـ 50%”.
ويتفق مدير مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية من لندن طارق الرفاعي حول الارتفاعات المحتملة في أسعار النفط، إلا أنه يرى في ذلك نفعًا على دول الخليج، ولا يتوقع له تأثيرات سلبية مباشرة عليها نتيجة تلك التوترات المتصاعدة.
ويقول الرفاعي لمواطن: “إنه حتى اللحظة، لم يتم رصد أي تأثيرات مباشرة على دول الخليج، وليس من المتوقع رصد تأثيرات محتملة بسبب التوترات الحاصلة في البحر الأحمر، ذلك لأن دول الخليج المصدرة للنفط لا تتحمل تكلفة الشحن التي ارتفعت مؤخرًا بسبب الصراع، لكن تتحملها الدول المستوردة، لذلك ستستفيد دول الخليج من ارتفاع أسواق النفط دون الحاجة لتحمل تكاليف إضافية”.
في المقابل يتوقع الرفاعي أن تتأثر الدول الأوروبية بشكل كبير نتيجة تداعيات الصراع المحتدم في الوقت الراهن، لأن الارتفاعات المحتملة بتكلفة النفط ستؤدي إلى رفع الأسعار مجددًا وارتفاع معدلات التضخم.
تحذيرات من اختناق الأسواق
حذر موقع أكسيوس الأمريكي من انحدار الأمور، مشيرًا إلى أن “الاضطرابات في البحر الأحمر تأخذ منعطفًا نحو الأسوأ، وقد تؤدي إلى اختناقات جديدة في سلسلة التوريد العالمية المتوترة بالفعل”.
وبحسب تقرير الموقع الأمريكي؛ فقد أصبح الوضع بمثابة بطاقة غير قابلة للحل بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يعاني على نحو متزايد من عدم الاستقرار.
ونشرت دول غربية على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، بوارج في البحر الأحمر، وشكلت واشنطن تحالفًا بحريًا دوليًا لحماية الملاحة في المنطقة التي تمر عبرها 12% من التجارة العالمية، يضم أمريكا وبريطانيا وكندا وهولندا والنرويج والدنمارك وسيشل واليونان وسيريلانكا وسنغافورة، إضافة إلى بلد عربي وحيد هو البحرين.
"المرحلة المقبلة ستشهد حالة من عدم الاستقرار في منظومة الاقتصاد العالمي، في ظل التوترات والمشاحنات السياسية والعسكرية المتواصلة".
تراجعت حركة السفن بنحو 30% في الفترة من 1 إلى 11 من يناير/كانون الثاني، مقارنة بالفترة نفسها قبل عام، وذلك وفقًا لرئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، وانخفض عدد السفن التي سافرت عبر القناة هذا العام إلى 544 سفينة حتى الآن، وهو انخفاض حاد من 777 سفينة المسجلة خلال نفس الفترة من عام 2023.
كما علقت شركة شحن الحاويات العملاقة ميرسك استخدام البحر الأحمر وقناة السويس في بداية العام، بعد أن تعرضت إحدى سفنها لهجوم من قبل المسلحين الحوثيين، وقالت الشركة إنها ستقوم بتحويل جميع السفن حول أفريقيا في المستقبل المنظور، وحذرت من عواقب كبيرة على النمو العالمي نتيجة لهذه الاضطرابات.
وتشير تقديرات بنك يو بي إس إلى أن توجيه السفن حول أفريقيا، وهو ما يزيد من طول الرحلة بنحو أسبوعين ونصف، يقلل من القدرة الفعلية للرحلة بين آسيا وأوروبا بنحو 25%.
وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع أسعار الشحن؛ فقد ارتفعت أسعار شحن البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا بنسبة 173% مقارنة بما كانت عليه قبل بدء تحويل مسار السفن في المنطقة، وفقًا لبيانات Freightos Terminal، وأعلنت شركات النقل أيضًا عن رسوم إضافية تتراوح من 500 دولار إلى 2700 دولار لكل حاوية.
وقد ذكرت تقارير نقلًا عن خبراء في الأمن الملاحي والتأمين، أن الهجمات الحوثية الأخيرة أدت بالفعل إلى ارتفاع تكلفة أقساط تأمين السفن التجارية التي تمر بالبحر الأحمر، وأدرجت سوق التأمين في لندن منطقة جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر، وهو ما يستلزم دفع أقساط إضافية، ويتوقع أن يؤدي بدوره إلى زيادة أسعار السلع التي تحملها تلك السفن.
الحوثيون وباب المندب
ضربات الحوثيين ليست سوى الأحدث في سلسلة من الاضطرابات التي سلطت الضوء على الطبيعة المترابطة للشحن ودوره الحاسم في الاقتصاد العالمي.
وفي عام 2019، هاجمت إيران عدة ناقلات نفط في مضيق هرمز، مما دفع العديد من شركات الشحن إلى اختيار طريق رأس الرجاء الصالح، وفي عام 2021، جنحت سفينة في قناة السويس، مما أدى إلى احتجاز بضائع بقيمة 10 مليارات دولار في كل يوم من الأيام الستة التي كانت فيها القناة مسدودة.
وفي الآونة الأخيرة، أدى الجفاف في بنما إلى تفاقم مشاكل الشحن؛ حيث تعمل القناة التي تحمل الاسم نفسه في البلاد، والتي يمر عبرها 5% من تدفقات التجارة العالمية بجزء صغير من طاقتها المعتادة.
ويقول الإعلامي الاقتصادي البحريني، عزوز علي: “إن الحوثيين وغيرهم من وكلاء إيران اعتادوا مهاجمة السفن منذ العام 2019، فقد هاجموا العديد من الناقلات التجارية في الشرق الأوسط، واستولوا على ناقلات النفط، وشنوا هجمات باستخدام ألغام لاصقة مثبتة على أجسامها بهدف تحقيق مصالح لإيران”.
من جهته يتوقع الخبير الاقتصادي الكويتي نادر العبيد، تأثيرات طويلة الأمد على حركة التجارة العالمية، وستكون بطيئة التعافي بسبب الأزمات المركبة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الماضية، تزامنًا مع أزمة جائحة كورونا، ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية، وحاليًا الأزمة الثالثة حرب غزة.
ويضيف، أن المرحلة المقبلة ستشهد حالة من عدم الاستقرار في منظومة الاقتصاد العالمي، في ظل التوترات والمشاحنات السياسية والعسكرية المتواصلة.
ختامًا، يبدو أن الاقتصاد العالمي على موعد مع أزمة جديدة إثر التداعيات الناجمة عن توترات الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر، الذي يعد شريان التجارة الدولية، ستزيد من حجم أزمته الممتدة منذ 2020، وربما ترتفع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
I just could not leave your web site before suggesting that I really enjoyed the standard information a person supply to your visitors Is gonna be again steadily in order to check up on new posts
Seeing how much work you put into it was really impressive. But even though the phrasing is elegant and the layout inviting, it seems like you are having trouble with it. My belief is that you ought to try sending the following article. If you don’t protect this hike, I will definitely come back for more of the same.
My cousin suggested this website to me. I am uncertain as to whether this post was written by him, as no one else knows as much about my problem. Your website is truly remarkable.