كان قد مضى أسبوع واحد فقط على انطلاقة معركة “طوفان الأقصى” في السابع من شهر أكتوبر الماضي، وما تلاه من قصف ودمار عنيف شنته طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حين قرر القائمون عن جائزة “ليبراتور” الألمانية المخصّصة لكاتبات من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي لعام 2023، تأجيل تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي؛ إذ أعلنت لجنة التحكيم في منتصف يونيو/حزيران من العام الماضي فوز روايتها “تفصيل ثانوي” بالجائزة ، والصادرة عن دار الآداب – بيروت 2017.
وكان من المقرر أن يجري تنظيم حفل تكريم عدنية شبلي بتاريخ 20 من أكتوبر / تشرين الأول، وإقامة عدة ندوات لمناقشة روايتها ضمن فعاليات معرض فرانكفورت للكتاب لعام 2023؛ إلا أن رواية “تفصيل ثانوي” تعرضت لانتقادات واسعة في ألمانيا من قبل بعض المثقفين الألمان، واتهام الرواية وكاتبتها بـ “معاداة السامية”، وتصويرها الإسرائيليين على أنهم “قتلة ومغتصبون”، بحسب ما جاء بصحيفة “تاز” الألمانية اليومية، المقربة من حزب الخضر، والتي صورت الفلسطينيين باعتبارهم “ضحايا للمحتلين الحاقدين أو المستعدين لإطلاق النار”، حسب وصفها.
كما قرر مدير معرض فرانكفورت للكتاب، يورغن بوس، الذي كان على رأس منتقدي الرواية وصاحبتها، تأييد قرار تأجيل منح الجائزة وتكريم عدنية شبلي، ضمن بيان رسمي جاء فيه بأنه “لا يمكن أبدًا السماح للإرهاب بالانتصار”، وبأنه سيجعل “الأصوات اليهودية والإسرائيلية مرئية بشكل خاص في معرض الكتاب”، مضيفًا بأن “المعرض قرر بشكل عفوي منح الأصوات الإسرائيلية واليهودية وقتًا إضافيًا على منصاتنا”.
جاءت تصريحات مدير معرض فرانكفورت للكتاب، يورغن بوس، صادمة؛ إذ كيف يمكن الخلط ما بين رواية أدبية، وصلت للقائمة الطويلة لجائزة “البوكر مان” البريطانية، بنسختها المترجمة للإنجليزية عام 2021، ووصولها للقائمة القصيرة لجائزة الأدب الدولية التي تمنحها دار ثقافات العالم في برلين 2022، وجائزة “ليبراتور” 2023، بعدها يصرح بعبارة “عدم السماح للإرهاب بالانتصار”؟
فرواية ” تفصيل ثانوي” لم تذكر ضمن أحداثها أي فصيل عسكري من الفصائل التي تقاتل إسرائيل في غزة، لكن بالطبع لم يرَ مدير معرض فرانكفورت للكتاب، كيف كان الجيش الإسرائيلي يقصف الأبنية والمدارس والمستشفيات ويقطع الماء والكهرباء عن المدنيين في غزة، مخلفًا آلاف الضحايا من المدنيين؛ في عملية إبادة جماعية ممنهجة، يراقبها العالم على شاشات التلفاز ومنصات الأخبار عبر السوشيال ميديا بشكل يومي.
بدو أن موضوع رواية " تفصيل ثانوي"، أزعج بعض المثقفين الأوروبيين الذي يخلطون ما بين "معاداة السامية" وبين معاداة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي
John Doe Tweet
أدّت تصريحات يورغن بوس إلى انسحاب عدة جهات عربية، كانت مشاركة في معرض كتاب فرانكفورت؛ منها اتحاد الناشرين العرب وهيئة الشارقة للكتاب؛ ما دفعه للإدلاء بتصريحات جديدة جاء فيها: “لقد تأثر الملايين من الأبرياء في إسرائيل وفلسطين بهذه الحرب الرهيبة، وأودّ أن أؤكد مرة أخرى تعاطفنا معهم جميعًا”، مضيفًا أن معرض فرانكفورت لقاء سلميّ يجمع الناس من أنحاء العالم”.
وأدان أكثر من 600 كاتب، تأجيل حفل تكريم شبلي بمعرض فرانكفورت للكتاب، بمن فيهم أدباء حائزون على جائزة نوبل للآداب؛ مثل آني إرنو وأولغا توكارتشوك وعبد الرزاق قرنح، والفائزون بجائزة البوكر البريطانية آن إنرايت، وريتشارد فلاناغان، وإيان ماك إيوان، عبر رسالة مفتوحة جاء فيها: “يقع على عاتق معرض فرانكفورت باعتباره معرضًا دوليًا كبيرًا للكتاب، مسؤولية خلق مساحات للكتاب الفلسطينيين لمشاركة أفكارهم ومشاعرهم وتأملاتهم حول الأدب خلال هذه الأوقات الرهيبة والقاسية، وليس إغلاقها”، وذلك بحسب ما نشرته وكالة رويترز.
حادثة اغتصاب وقتل في صحراء النقب
يبدو أن موضوع رواية ” تفصيل ثانوي”، أزعج بعض المثقفين الأوروبيين الذي يخلطون ما بين “معاداة السامية” وبين معاداة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي؛ إذ إن الرواية تُّذكّر -بشكل أو بآخر-، بتاريخ تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ومناطقهم، وتذكر أيضًا بالقتل والمجازر والانتهاكات التي ارتكبت بحقهم، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، من خلال محور حدثها الرئيسي، وهو حادثة اغتصاب وقتل فتاة فلسطينية في بقعة من صحراء النقب في شهر أغسطس/ آب 1949 على يد قائد كتيبة عسكري، أثناء تواجده برفقة جنود كتيبته في المنطقة، بهدف ترسيم الحدود الجنوبية مع مصر، ومنع المتسللين من اختراقها وتمشيط القسم الجنوب- غربي من النقب، وتنظيفه من بقايا العرب المتسللين للمنطقة.
تدور الرواية ما بين زمنين، وفصلين اثنين، الأول يروي، بصوت راوٍ عليم، تفاصيل حادثة الاغتصاب ومقتل الفتاة الفلسطينية في شهر أغسطس/ آب 1949، لكننا لسنا بصدد رواية بوليسية، من ناحية أسلوب الكتابة والسرد، بشكل مباشر؛ بل تأخذنا الرواية إلى تفاصيل المكان وطبيعته الجغرافية، وما كان ينمو من شجر وعشب وسط رمال الصحراء، حين قدمت كتيبة الجنود الإسرائيليين ونصبوا خيامهم وسطها.
مؤرخو إسرائيل الجدد.. هل يكتبون تاريخًا حقيقيًا لتأسيس الدولة؟
ما بعد طوفان الأقصى.. هل انتحرت حركة حماس في السابع من أكتوبر؟
وكأن الكاتبة في سردها لكل تفاصيل المكان، تشير إلى أن طبيعة المكان في زمن مضى، يشكل جزءً من هويته الأصيلة، وهوية أهله قبل اقتلاعهم منه، والتغيرات التي تطرأ على المكان مع مرور الزمن. وهذا ما نلحظه في وصف المشهد الذي يكتشف فيه قائد الكتيبة والجنود، مكان تواجد “نفرٍ من العرب الواقفين حول النبع”؛ إذ تقول الراوية: “لاحت من بعيد أشجار الدوم والبطم ونبات القصب التي انسلَّ من بين جذوعها الناحلة نبعُ مياه شحيح”. عند هذا المشهد تحدث الجريمة، يطلق الجنود الرصاص على من كانوا “واقفين حول النبع”، عندما يدوي عواء كلب كان بصحبة من جرى قتلهم بالرصاص، باستثناء الفتاة الفلسطينية، التي كان نحيبها المكبوت يعلو، وهي متكورة ” كخنفساء داخل ثيابها السوداء”، والتي اعتقلتها عناصر من جنود الكتيبة، واحتجزتها في مكان تمركز معسكرهم.
تبدل الزمن وملامح المكان تغيّرت
تتغير نبرة السرد في الفصل الثاني، من راوٍ عليم، إلى ضمير المتكلم، عبر صوت الموظفة الفلسطينية، التي وأثناء قراءتها مقالة لصحفي إسرائيلي حول حادثة اغتصاب وقتل الفتاة، تكتشف أن الأخيرة قُتِلتْ بنفس يوم عيد ميلادها، بتاريخ 13 من أغسطس/ آب، منذ ربع قرن مضى.
تقرر الموظفة الفلسطينية التي تعمل بمكتب في رام الله، القيام برحلة لمعرفة تفاصيل حادثة الاغتصاب، والتي بسببها ستضطر إلى اجتياز حدود وحواجز أمنية تفصل المناطق عن بعضها البعض؛ إذ من يعيشون في منطقة محددة، غير مسموح لكثير منهم أن يتنقلوا بحرية من منطقة إلى منطقة؛ فسكان المنطقة “ب” لا يمكنهم الوصول إلى المنطقة “أ”، كما تشير الموظفة الفلسطينية في الفصل الثاني، رغم أنهم قانونيًا مسموح لهم بذلك، “لكن دائمًا هنالك أسباب سياسيَّة وعسكريَّة استثنائية، لكن لكثرتها باتت هذه الأسباب الاستثنائية هي القاعدة؛ حيث لم يعد يخطر ببال الكثير ممّن هم من منطقة “أ” الوصول إلى منطقة “ب””.
لا تقتصر دلالة توظيف لحظة الزمن الحاضرة، بهدف اكتشاف تفاصيل حادثة اغتصاب وقتل الفتاة في الزمن الماضي فقط،؛ بل للإشارة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي على استعداد لقتل وقمع أي فلسطيني يقف بوجهه
John Doe Tweet
هدف رحلة الموظفة هو زيارة المتاحف والأرشيفات الإسرائيلية، لمحاولة معرفة تفاصيل الحقيقة الكاملة لحادثة قتل واغتصاب الفتاة، والتي رأت أن مقالة الصحفي الإسرائيلي أغفلت رواية الفتاة. عبر هذه الرحلة، تحضر تفاصيل الأمكنة، بعد أن تغيرت ملامحها بفعل تهجير الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وبيوتهم، وبناء المستوطنات بديلًا عنها؛ فأثناء رحلة البحث عن الأمكنة بأسمائها القديمة وأسمائها الحالية، ستستعين الموظفة بخريطة تصوِّر فلسطين حتى عام 1948، وخريطة للمكان بزمنه الحاضر، بعد أن تبدلت أسماء بعض المدن والقرى والبلدات، تبدل الزمن، فقد غيَّر الاحتلال ملامح المكان.
لا تقتصر دلالة توظيف لحظة الزمن الحاضرة، بهدف اكتشاف تفاصيل حادثة اغتصاب وقتل الفتاة في الزمن الماضي فقط، ولا فرض الحواجز الأمنية والعسكرية بين المدن والبلدات وباقي المناطق؛ بل للإشارة إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي على استعداد لقتل وقمع أي فلسطيني يقف بوجهه، وهذا ما يحدث في مشهد تفجير إحدى العمارات المجاورة لمكتب عمل الموظفة؛ إذ يُخطر الجيش سكان المنطقة بأنه سيفجِّر إحدى العمارات التي يرابط داخلها ثلاثة شبَّان.
تستمر الموظفة الفلسطينية في بحثها لمحاولة معرفة رواية الفتاة التي اغتصبت وقتلت على يد الضابط العسكري وجنود كتيبته في شهر أغسطس/ آب 1949، حتى تصل للمنطقة نفسها، لكن حياتها ستنتهي هناك، حين يرميها جنود إسرائيليون بالرصاص، لأنها اجتازت أثناء سيرها وبحثها عن المكان حدود منطقة عسكرية. وهي التي قالت عن نفسها في بداية الفصل الثاني: ” فالحدود المفروضة هنا بين الأشياء كثيرة، ويجدر بنا الانتباه إليها، والتزام بالتحرك وفقها؛ ما مِن شأنه أن يقي المرء عواقب أليمة، كما وأن يمنحه قدرًا من الإحساس بالطمأنينة على الرَّغم من كلّ شيء، غير أن الذين نجحوا بإتقان التحرُّك وفق الحدود وعدم تجاوزها هم قلّة، أنا لستُ منهم”.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.
I loved even more than you will get done right here. The overall look is nice, and the writing is stylish, but there’s something off about the way you write that makes me think that you should be careful what you say next. I will definitely be back again and again if you protect this hike.
I loved even more than you will get done right here. The overall look is nice, and the writing is stylish, but there’s something off about the way you write that makes me think that you should be careful what you say next. I will definitely be back again and again if you protect this hike.
I loved even more than you could possibly be able to accomplish right here. Despite the fact that the language is stylish and the overall appearance is appealing, there is something odd about the manner that you write that makes me think that you ought to be careful about what you say in the future. In the event that you safeguard this hike, I will most certainly return on multiple occasions.
I loved even more than you could possibly be able to accomplish right here. Despite the fact that the language is stylish and the overall appearance is appealing, there is something odd about the manner that you write that makes me think that you ought to be careful about what you say in the future. In the event that you safeguard this hike, I will most certainly return on multiple occasions.