بدأت رقعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تمتد، وقد تصبح عمان طرفًا رئيسًا في الصراع مع اليمن وإيران، عبر استخدام بريطانيا قواعدها الاستخباراتية السرية في صلالة لبدء حربها دفاعًا عن إسرائيل، لكن لماذا عمان؟ وأين تقع أهم هذه القواعد السرية بالضبط؟ ولماذا يتم تحديثها؟ هذا ما يكشفه تحقيق الصحافي فيل ميلر المنشور في Declassified البريطانية
يكشف التحقيق عن تحديث مرافق محددة في قاعدة “GCHQ” المسؤولة عن مراقبة الاتصالات بالشرق الأوسط، وذلك استعدادًا لحرب جديدة مدمرة من المحتمل اندلاعها مع إيران بشأن إسرائيل.
ترجمة: الزهراء عزازي
شهدت قاعدة تجسس بريطانية بالقرب من إيران، أعمال بناء هامة خلال العامين الماضيين، حسبما أوردت صحيفة Declassified؛ إذ أظهرت صور الأقمار الصناعية سلسلة من أعمال التشييد التي حدثت داخل موقع مركز الاتصالات الحكومية البريطانية GCHQ في عمان، وهي دولة استبدادية موالية لبريطانيا تقع بين إيران واليمن. ومن المرجح أن يلعب هذا الموقع دورًا رئيسًا في المنطقة؛ حيث تسعى بريطانيا لمواجهة حوثيي اليمن والسلطات الإيرانية على حد سواء، وكلاهما معارض للدعم الغربي للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة.
أقسم قادة الحوثيين على حصار حركة السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر حتى يوقف بنيامين نتنياهو الهجوم على الفلسطينيين. وفي ليلة الثلاثاء، أسقطت البحرية الملكية طائرات مسيرة تابعة للحوثيين في البحر الأحمر، مع تأكيد وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس في اليوم السابق لكتابة هذا التقرير على “مراقبة هذه المنطقة” استعدادًا لضربات محتملة في اليمن.
يتمركز ألف جندي بريطاني في أنحاء سلطنة عمان؛ حيث يدير مركز الاتصالات الحكومية البريطانية “GCHQ”، وهو وكالة استخبارات بريطانية ووكالة أمنية، ثلاث مواقع مراقبة، إحداها في الساحل الجنوبي بالقرب من مدينة صلالة، تبعد 75 ميلاً عن اليمن، والتي تمت الإشارة إليها في تسريبات سنودن عام 2014 بالاسم الرمزي “كلارينيت”.
نشرت Declassified الصور الأولى لموقع كلارينيت عام 2020، والتي تظهر فيها قبة الرادار الخاصة بالقاعدة، على شكل كرة جولف، وقريبة في الحجم من بعض القباب التي شوهدت في مواقع أخرى لـ GCHQ. وتظهر صور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها مؤخرًا وجود أعمال بناء مكثفة، تقع ضمن محيط الموقع البالغ 1.4 كيلومترًا. كما تم تدشين مبنيين جديدين، أكبرهما مساحته تعادل مساحة 6 ملاعب تنس، ويبدو أنه متعدد الطوابق، كما وُضعت الأساسات لمبنيين جديدين، وعندما طُلب من المتحدث باسم GCHQ التعليق على ما اكتشفناه رد قائلًا: “لا يمكننا التعليق على المسائل الإنشائية”.
كابلات بحرية
تؤكد الخرائط الملاحية أن قاعدة كلارينيت تتواجد في واحدة من المناطق القليلة في عمان، والتي تصل فيها الكابلات البحرية إلى الشاطيء، وهذه المناطق يجب توضيحها في الخرائط لمنع السفن من إفسادها بالمراسيً؛ إذ تحمل كابلات إنترنت مصنوعة من الألياف الضوئية ممتدة عبر القارات، الأمر الذي يتيح لـ GCHQ اختراق حركة المرور عبر الإنترنت في جميع أنحاء العالم.
يتم مد خط أنابيب اتصالات جديد بطول عشرة آلاف كيلو متر، كابل عمان أستراليا، بين مدينتي بيرث وصلالة، والذي بُني في الأصل كمشروع تجاري تقوده شركة استرالية تُدعى Subco، لكن اتضح منذ ذلك الحين أن الكابل يمر من خلال القاعدة العسكرية الأمريكية/ البريطانية التي تقع في المحيط الهندي بجزيرة دييغو غارسيا المرجانية.
دفع الجيش الأمريكي 300 مليون دولار بهدف تحويل مسار الكابل ليمر بقاعدة دييغو غارسيا في العملية التي عُرفت باسم “الموجة الكبيرة”. تعد دييغو غارسيا جزءً من جزر تشاغوس، والتي طردت بريطانيا سكانها الأصليين منها عام 1960، لإفساح المجال لبناء القاعدة الأمريكية مقابل خصم على ثمن الغواصات النووية.
كانت هذه القاعدة نقطة انطلاق رئيسية للقوات الأمريكية خلال الهجوم على العراق وأفغانستان، ويتوقع البنتاجون استخدامها حال الحرب مع إيران، وتركيب كابل الألياف الضوئية “الفايبر” بالقاعدة يعني أنها لن تعتمد بعد الآن على الأقمار الصناعية في اتصالاتها مع القوات على الأرض.
وأصبح لبيرث أيضًا، -وهي مدينة في غرب أستراليا، يوجد بها الطرف الآخر من الكابل البحري- أهمية جيوستراتيجية متزايدة؛ ففي العام الماضي حصلت بريطانيا على إذن لإرساء بعض من غواصاتها النووية في ميناء المدينة، كجزء من اتفاقية أوكوس المثيرة للجدل، والتي تتيح للبحرية الملكية تنظيم دوريات أكثر تواترًا تحت الماء بالقرب من الصين.
مركز الاتصالات الحكومية البريطانية GCHQ في عمان
عند قيادة سيارتك خارج ثالث أكبر مدينة عمانية، ستجد أن الطريق السريع الذي يبدأ من صلالة محاط بأشجار النخيل، وحركة المرور تنعطف يمينًا ناحية دوار المعمورة، لتنتقل السيارات بين قصر ملكي مترامي الأطراف، وقاعدة “عين رزات” العسكرية الشاسعة. وعلى بعد ميل واحد أسفل الطريق المعبدة، ستجد مدخلًا إلى طريق ترابي تسده كتل خرسانية، وبه نقطة تفتيش تابعة للشرطة.
معظم السائقين سيتجاهلونه ويستمرون في طريقهم ناحية الطريق الساحلي للوصول إلى حديقة “هوانا” المائية، أو منتجع صلالة روتانا. لكن القلة المختارة التي ستنعطف هنا ستصل إلى منشأة غير معلّمة على خرائط جوجل، تتميز بأبراج الراديو شاهقة الارتفاع، وقبة عملاقة تشبه كرة الجولف.
مؤخرًا؛ تم تسمية هذه المنطقة على خرائط جوجل باسم 94 عمانتل، لكنها أكبر بكثير من مجرد جزء من شركة الهاتف العمانية التابعة للحكومة، والمشهورة باستخدامها كغطاء للجواسيس. ووفقًا لملفات الاستخبارات الأمريكية التي سربها المخبر إدوارد سنودن؛ فإن المنشأة التي تطابق هذا الوصف هي كلارينيت؛ حيث يجمع الجواسيس البريطانيون البيانات من ملايين مستخدمي الإنترنت على طول الخليج العربي.
وعلى الرغم من أن “سنودن” شارك التسريب مع صحيفة الجارديان، إلا أنها لم تنشر تفاصيل منشآت مركز الاتصالات الحكومية البريطانية GCHQ في عمان، لأن GCHQ ذهبت إلى المنفذ الإعلامي بمكتب لندن للإشراف على تدمير الملفات، ولم تظهر هذه المعلومة للنور إلا لاحقًا على يد الصحفي الاستقصائي دنكان كامبل على موقع أخبار تكنولوجيا المعلومات The Register.
مواقع مركز الاتصالات الحكومية البريطانية GCHQ في عمان
بالنسبة للعمانيين؛ فقد تم تأكيد ما كان محل شك لدى الكثيرين بالفعل، وهو أن المخابرات البريطانية متورطة مع الأجهزة الأمنية في بلادهم، وهي الأجهزة التي غالبًا ما توجه أنظارها للداخل وتضيق عليهم بقدر ما تراقب الأعداء.
القمع هو القاعدة في عمان؛ حيث حُظرت كافة الأحزاب السياسية وكُممت أفواه وسائل الإعلام المستقلة، وتحتل عمان المرتبة الـ 155 من بين 180 دولة في أحدث مؤشر عالمي لحرية الصحافة الذي نشرته مجموعة “مراسلون بلا حدود”.
عمان عمليًا هي أفضل دولة تابعة لبريطانيا في المنطقةً؛ فجهاز الأمن الداخلي “المخابرات العمانية” أنشأه ضباط بريطانيون، ويعمل به قدامى المحاربين في مركز الاتصالات الحكومية البريطانية GCHQ، وكانت تُدار من قبل شخص مُعار من قسم MI6 التابع للمخابرات البريطانية حتى عام 1993، كان اسمها في الأصل “دائرة الأبحاث العمانية”، ولاحقًا أعيد تسميتها لتكون “جهاز الأمن الداخلي”، وتخضع لقيادة المكتب السلطاني.
يدير المكتب السلطاني الفريق أول سلطان بن محمد النعماني. وبالنسبة لموظف حكومي؛ فوضعه المالي أكثر من ممتاز؛ إذ اشترى قصرًا في مقاطعة ساري الإنجليزية بقيمة 16 مليون جنيه استرليني، من قائد منتخب إنجلترا لكرة القدم ونادي تشيلسي السابق جون تيري. وفي عام 2021 اجتاحت البلاد مظاهرات ضد الفساد، نُظمت سرًا خلال مسيرة وافقت عليها الدولة من أجل فلسطين.
سرقة أمة – مهمة قوات الخدمة الجوية البريطانية الخاصة (SAS) السرية للاستيلاء على الشريان النفطي في الشرق الأوسط
دون اهتمام بالعدالة.. قصة تعذيب وحشية على يد مرتزقٍ بريطاني في عُمان
التضامن مع فلسطين
لا يزال دعم غزة في أوجه؛ ما يضع تحالف السلطان مع بريطانيًا تحت خطر متزايد.
بدأ العمانيون في التصدي للجنود البريطانيين في قاعدة حاملة الطائرات في ميناء الدقم، وفي فيديو صُوّر في مقصف قرية النهضة الخاص بهم، قال عماني لـ 5 جنود بريطانيين يجلسون على طاولة: “هذه الدولة اللعينة (بريطانيا) تدعم إسرائيل، عليكم الخروج من هنا يا حثالة، حان الوقت لتخرجوا من هنا”.
وعندما حاول ضابط بريطاني السير مبتعدًا، انتقد الرجل العماني ريشي سوناك لإرساله سفينتين بحريتين لدعم إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. قال وزير القوات المسلحة البريطاني جيمس هيبي ليبرلماني: “نحن على علم بما جرى مع أفراد الخدمة في عمان، سلامة قواتنا المسلحة لها أهمية قصوى، وأمن أفرادنا يخضع للتقييم باستمرار”.
قال محمد الفزاري،ورئيس تحرير والمدير التنفيذي لمواطن، ويعيش في المنفى لـ Declassified : “إن تم إعلان الحرب ضد المتمردين الحوثيين؛ فإن بريطانيا بلا شك ستستخدم عمان كمنصة انطلاق لعملياتها؛ فعمان كانت دائمًا بمثابة قاعدة عسكرية انتشرت منها القوات البريطانية في العديد من الصراعات الإقليمية”.
يعتقد الفزاري أن العمانيين “مؤيدون للقضية الفلسطينية بشكل لا لبس فيه”، ومعارضتهم للوجود البريطاني في البلاد “ستشتد إن تم الكشف عن أن هذه القواعد العسكرية كانت تدعم هذا الكيان الاستيطاني المحتل؛ إسرائيل”.
وقال نبهان الحنشي، ناشط حقوقي يعيش في المنفى ويدير المركز العماني لحقوق الإنسان، إن لديه مخاوف بشأن “الاستغلال المحتمل لموقع مركز الاتصالات الحكومية البريطانية [GCHQ] في أنشطة تتعارض مع اهتمامات العمانيين العاديين؛ خاصة المؤيدين لفلسطين”.
وأضاف: “هناك تخوف حقيقي من أن تقوم المملكة المتحدة؛ في إطار دعم جهود إسرائيل ضد حماس، بجعل عمان شريكًا وحليفًا لإسرائيل، على خلاف التصريحات الرسمية.
وقد طُلب من عمانتل وسوبكو والبحرية الأمريكية التعليق.