في ١٨ فبراير/شباط من عام ٢٠١١، انطلقت اعتصامات واحتجاجات المجتمع البدون، وصولًا لـ ٢٥ فبراير، حينها خرج المسؤولون قائلين: “يجب عليكم تأجيل مآسيكم واحتجاجاتكم قليلًا حتى ننتهي من احتفالاتنا الوطنية”.
عاش البدون انتظار على أمل أن يلتفت لهم المسؤولون بعد الاحتفالات الوطنية لحل قضيتهم، ولكن أتاهم الرد على شكل صفعاتٍ متتالية، وما كان محصول لهم إلا المزيد من التنكيل والاستدعاءات، والمضايقات في الدوائر الحكومية، لتستمر المعاناة بعدها ويمتد الحرمان.
وخرج رئيس الجهاز المركزي حينها يتفاخر بمنح 11 ميزة لمجتمع البدون، ويتحدى دول العالم أجمع بها، ويطرح تساؤلًا: “هل قدمت البلدان الآخرى مثل هذه الخدمات لشعوبها؟”.
وكانت تلك المزايا هي: حق إصدار شهادات الطلاق، الميلاد، الزواج ،التموين، والوفاة، بالإضافة إلى الحق في العلاج، والتعليم، والزكاة، وإصدار رخص قيادة السيارات، والاستفادة من الصندوق الخيري، والتطعيمات.
ومن المضحكات المبكيات، أنّه كان ينتظر جوابًا على سؤاله معتبرًا أن شهادة الوفاة، من المميزات التي تمنح للفرد ويتباهى بها المسؤول. أقولها صادقًا وأكررها دائمًا؛ إن الفرد من المجتمع البدوني يعاني من محاولة إثبات أنّه إنسان على قيد الحياة، وبعد مماته يعاني أهله في محاولة إثبات أنه مات.
الحقيقة هي أن البدون هم سرقة هذا العصر، فقد سرقوا منهم كل الحقوق الفطرية البديهية، كحق التنقل وحق الوظيفة وحق التعليم.
ولم تستمر هذه الحقوق البديهية التي اعتبرها ميزة -رئيس الجهاز- مقدمة، تبخرت وكان في باطنها هدنة لتهيئة أمر جلل، حتى عام ٢٠١٦، إذ ربطت حياة البدون ببطاقة أمنية تصدر من -الجهاز-، لا تُسلم إلا بالتوقيع على صحة البيانات المذكورة، دون رؤية ماهية تلك البيانات المذكورة بالأصل.
كانت الصدمة تصيب كل من وقّع على صحتها، وتم إلصاق جنسيات وهمية لهؤلاء الموقعين، دون أي سند أو إثبات يثبت أنه ينتمي لهذه الدولة المدونة له في البطاقة.
احتج الكثيرون، وذهبوا لسفارات الدول المنسوبين لها، وأخذوا إثباتًا رسميًا من هذه السفارات بعدم رعوية تلك البلدان لهم، وقدموها للجهاز ولكن لم يعترف بها، وأخذ يكمل طريقه على مبدأ “اكذب اكذب حتى يصدقك الناس”.
مع الوضع في الاعتبار إنه دون على هذه البطاقة من الخلف: (لا تعتبر هذه البطاقة هوية شخصية، وتستخدم فقط في الغرض المخصص لها)؛ فإن لم تكن إثباتًا رسميًا لحاملها؛ فلماذا تلصق بها الجنسيات كالتهم جزافًا؟ ولماذا تحسب كونها مرجعًا له في جميع شؤونه في الدوائر الحكومية وفي حقوقه الإنسانية؟
واستمرت هذه التصرفات غير المسؤولة، حتى استفحلت عندما ظهر للعلن موضوع تصدير “البدون” لجزر القمر في عام ٢٠١٦. خرج أعضاء البرلمان الكويتي للصحف الكويتية مصرحين، أنهم أخذوا الموافقة المبدئية بتصدير مجتمع “البدون” لجزر القمر.
واستمر الرفض عبر برامج التواصل الاجتماعي من مجتمع “البدون” المتمثل بناشطيهم، حتى أواخر عام ٢٠١٨، إلى أن تم وضع رئيس جزر القمر أحمد سامبي تحت الإقامة الجبرية بتهمة الاتجار بالبشر.
ليقترح بعدها في عام ٢٠١٩ رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم بقانون منح الإقامة الدائمة للبدون مدة ١٥ عامًا لمن يقبل بجنسية تجارية يتم تحديدها إثر ذلك القانون، حتى خرج الناشطون والمجتمع البدوني للساحات، معتصمين رافضين هذا القانون الذي يقصيهم من حق المواطنة في أرض أجدادهم، فتم اعتقالهم والتعسف معهم ومحاكمتهم بتوجيه عدة تهم لهم.
واستمر مجتمع البدون يحاول بالرفض، متخذين وسائل عدة غير الاعتصام في الساحات، مثل برامج التواصل الإجتماعي والندوات السياسية، وحاول الفريق المقابل فرض القانون بالقوة حتى حالت دوننا ودونهم أقدار الله العادلة، وانتهت الدورة البرلمانية وانطمس القانون.
استفحلت المأساة أكثر في عام ٢٠٢٠ عندما اجتاح وباء كوفيد-19 البلاد، وفرض الحظر الكلي في الشوارع، وقد تناسى المسؤولون حينها أن مجتمع “البدون” بكل أفراده يعيش على الأرصفة والطرقات، كانت مصادر رزقهم بيع البطيخ والألعاب والملابس، حتى رفع مجتمع البدون صوته مطالبًا بالحقوق المدنية فقط، والتي كفلها الله للبشر قبل الدستور.
وكان الرد “أن الوقت غير مناسب لتحقيق مطالبكم بالحقوق المدنية؛ فجميعنا مشغولون بمحاربة هذه الأزمة الصحية التي شغلت العالم”
وواجه العالم حربًا واحدة مع الوباء، بينما واجه البدون مئات الحروب وحده، حربًا مع الإيجارات، وحربًا مع الرسوم، وحربًا مع المأكل والمشرب والملبس، وحربًا مع احتياجاتهم اليومية، وحربًا مع مصاريف الأطفال والأسرة، وحربًا مع الجهاز، وحربًا حتى مع نفسه، دون أن يكترث المسؤولون لذلك.
والطفل البدون يولد ويصبح لا يشبه من حوله عندما يكبر؛ فيراه المجتمع إنسانًا متخلفًا ومختلفًا، وفي ضوء ذلك يجب على المجتمع بل على العالم بأكمله أن يقف دقيقة صمت حدادًا، عند ولادة أيّ طفل من البدون.
وبعد فترة طلبوهم للتطوع، حتى ذهبوا و أرواحهم تسابق أقدامهم لخدمة وطنهم، وبالطبع يعود الأمر لفطرتهم التي توارثوها من أجدادهم الذين سبقوهم بالتطوع تحت لواء الوطن، بالحروب الوطنية و بالدفاع عن الوطن إبان الغزو الغاشم.
وبعد تطوع الأبناء بالأزمة العالمية في الدوائر الحكومية والمستشفيات وغيره، لم يتوقعوا إلا أن يلتفت المسؤولون لقضيتهم بعد ذلك، ولكن عاملوهم كما عاملوا أجدادهم الذين ضحوا بأرواحهم لأجل الوطن بالذود عنه؛ فما واجهوا بعد كل ذلك إلا الجحود والنكران من قبل المسؤولين.
وخرج نواب البرلمان بعدها يبيعون لهم الوعود جاعلين من قضية “البدون” قطارًا للوصول لمبتغاهم السياسي، وحال وصول النواب لقبة البرلمان كانوا كعادتهم، واستخدموا القضية لابتزاز الحكومة سياسيًا، وللمقايضة فيما بينهم، حتى تلتْها عدة أزمات سياسية أدت إلى حل البرلمان لمرات عدة.
واجتاح مجتمع البدون بين كل هذه الفترات مئات حالات الانتحار، كانت رائحة الموت تجوب بيوت البدون، كان هاجس الانتحار يؤرق الأهالي كالكابوس الذي يفزعهم ليلًا ليهرعوا مسرعين ليطمئنوا على أبنائهم، حتى كان للشيطان سبيل بأفعال المسؤولين الظالمين على كبار السن، إلى أن طرق كابوس الانتحار أبوابهم؛ فأخذ منهم الموت الكبير والصغير.
وبين كل ما يحدث؛ فما كان من المسؤولين إلا أنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم، وأغلقوا عيونهم؛ فلم يكترثوا لما يعانيه المجتمع من أسبابٍ صنعوها هم بأيديهم، أودت بالمجتمع إلى الهاوية، حتى إنهم قد ساهموا بصمتهم هذا بدفع الفرد البدون للسقوط في هذه الهاوية.
وإلى الآن لم يخرج مسؤول ينظر للقضية ولأفرادها الـ ربع مليون إنسان بعين الإنسانية، ويتصرف كمسؤول عن كل نفسٍ كانت تحت تصرف قراراته؛ بل عملوا على التسويف و تركها للزمن، دون الاكتراث لأعمار البدون التي سرقت منهم، ولأحلامهم ومستقبلهم.
فالحقيقة هي أن البدون هم سرقة هذا العصر، فقد سرقوا منهم كل الحقوق الفطرية البديهية، كحق التنقل وحق الوظيفة وحق التعليم؛ بل حتى إنهم لم يكتفوا بذلك؛ فقد منع المسؤولون عنهم الزكاة مؤخرًا بتاريخ ٢٠-١١-٢٠٢٣؛ وبذلك أسقطوا من أركان الإسلام الخمس على البدون ركنين؛ إيتاء الزكاة بعدما وضعت العراقيل على ركن الحج إلى بيت الله سابقًا، وجعلوا للبدون من أركان الإسلام ثلاثة فقط!
وبعد تلك الصفعات المتتالية التي تلقاها الفرد البدون من المسؤولين، صنعت وعيًا يدرك تمامًا كل اللعب والمساومات السياسية، حتى إن أصغر طفل من البدون يستطيع شرح مأساته ومأساة أهله، ويطالب بحقه ويفند قضية البدون تاريخيًا، وظلم المسؤولين وتهميشهم لها.
بكل صدق أقولها؛ لا نرى أي إصلاح في ظل كل هذا العبث غير المسؤول، والذي تترجمه أفعالهم مع البدون بسياسة الخنق، وليّ الذراع ببطاقة قد أُسند لها كل أمورنا الحياتية، وأصبحت مرجعًا للدراسة والعلاج والوظيفة والزواج، وغيره، بالرغم أنها -لا تعد إثباتًا رسميًا لحامله- ويتم ربطها بجنسيات وهمية، تُلصق بالأفراد دون أي سند أو دليل، مآسٍ يشيب لها الولدان في ظل جهة لها السلطة المطلقة بقراراتها لتتفنن بعذاب وظلم مجتمع البدون.
وبعدما علقت وأُجلت الأماني والأعمار والمستقبل، بتأجيل حل القضية؛ قالها المسؤول دون أن يكترث لمسامع مجتمع البدون، وطلب أن يؤجلوا الحديث عن مأساتهم؛ فيزعجهم سماع الحقيقة التي تتلخص باعترافهم بكونهم هم أصل المشكلة وسببها، وأنهم أول من ساهم بالظلم عندما جعلوها دون حل،
فخرجت لنا أجيال جديدة بمشقة ماضي أجدادهم، وعزلوهم بمساكن بعيدة، ومنعوهم من التعليم، والطفل البدون يولد ويصبح لا يشبه من حوله عندما يكبر؛ فيراه المجتمع إنسانًا متخلفًا ومختلفًا، وفي ضوء ذلك يجب على المجتمع بل على العالم بأكمله أن يقف دقيقة صمت حدادًا، عند ولادة أيّ طفل من البدون.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.
Seeing how much work you put into it was really impressive. But even though the phrasing is elegant and the layout inviting, it seems like you are having trouble with it. My belief is that you ought to try sending the following article. If you don’t protect this hike, I will definitely come back for more of the same.
My cousin suggested this website to me. I am uncertain as to whether this post was written by him, as no one else knows as much about my problem. Your website is truly remarkable.
Of course, I like your website, but several of your pieces need to have their spelling checked. Several of them contain multiple spelling mistakes, which makes it challenging for me to be honest. Still, I will most certainly return.