في 30 يناير/ كانون الثاني، بثت القناة 13 الإسرائيلية تقريرًا يكشف عن بدء الشروع في الممر البري الذي يربط بين ميناء “جبل علي” في دبي بإسرائيل، عبر مرور الشاحنات بالسعودية والأردن، من أجل إيجاد ممر بديل للملاحة في البحر الأحمر؛ حيث أجبرت هجمات جماعة الحوثيين سفن الشحن المتجهة نحو إسرائيل على التوقف عن الإبحار فيه؛ ما تسبب في شلل تام لميناء إيلات. كما وصفت القناة العبرية إجراء الإمارات لدعم إسرائيل بأنه “مهم ومغيّر للمعادلة، ويقوم على تغيير الواقع“، وقالت إنه “افتتاح هادئ وسري لخط تجاري جديد، يلتف حول الحوثيين، ويعمل بكامل طاقته”، وكشف التقرير خط سير البضائع منذ لحظة وصولها بحريًا إلى دبي، ثم نقلها بالشاحنات عبر السعودية والأردن انتهاء بإسرائيل، وقال التقرير إن “مشهد تلك الشاحنات بلوحات معدنية إماراتية على أرض إسرائيل، هو تنفيذ للاتفاقية الإبراهيمية، ويستغرق نقل البضائع عبر هذا الجسر البري الجديد خمسة أيام فقط”.
وفي 16 من ديسمبر/ كانون الأول، أفاد موقع “والا” العبري، أن دفعة أولى من الشحنات التجارية وصلت إلى إسرائيل عبر جسر بري جديد، يمتد هذا الجسر من الإمارات إلى تل أبيب، ويمر عبر السعودية والأردن، وصولاً إلى ميناء حيفا. وذكر “والا” أن المراحل التجريبية لخط النقل البري الجديد عبر موانئ دبي، مرورًا بالسعودية والأردن توجت بالنجاح، مشيرًا إلى أن 10 شاحنات وصلت من موانئ الخليج العربي إلى إسرائيل. وقد تزامن تقرير الصحيفة العبرية مع نفي أردني بالكامل لوجود للممر؛ حيث نقلت وكالة الأنباء الرسمية “بترا“؛ في 16 من ديسمبر/ كانون الأول، عن مصادر في وزارتي النقل والصناعة والتجارة الأردنية قولهم: إنّ “الأخبار الصادرة عن وسائل إعلام عبرية، ويتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول وجود جسر بري بديل للبحر الأحمر، يمتد من موانئ دبي عبر السعودية والأردن، وذلك لنقل البضائع إلى إسرائيل، لا صحة لها أبدًا”. وأضافت المصادر نفسها، أن “الحكومة لديها موقف واضح بشأن تقديم الدعم للأشقاء الفلسطينيين والوقوف إلى جانبهم بكل السبل”، ويوجد ثلاثة معابر تربط الأردن بإسرائيل، وهي: معبر الشيخ حسين، ومعبر جسر الملك حسين، ومعبر وادي عربة.
بحثت “مواطن” عن الشركات التي تولت عملية الشحن، ووجدت أن شركة “تراك نت trucknet“، وهي شركة إسرائيلية مقرها في مدينة إيلات، ولديها أربعة أفرع أخرى في تل أبيب وفرنسا ورومانيا وإسبانيا، قد تعاقدت مع ثلاث شركات في ثلاث دول عربية؛ وهي ” بيور ترانس PureTrans” ومقرها دولة الإمارات، وشركة “كوكس لوجيستكس Cox Logistics” ومقرها مملكة البحرين، وشركة “WWCS” المصرية لنقل البضائع من موانئ جبل علي وميناء سلمان بريًا إلى إسرائيل، وذلك بحسب المعلومات المنشورة على موقع الشركة الإسرائيلية بتاريخ 12 من يناير/ كانون الثاني. وقد حاولنا التواصل مع الشركات الثلاث؛ الإسرائيلية والإماراتية والبحرينية، عبر عناوين البريد والهواتف الخاصة بها، والمنشورة في مواقعها الرسمية للحصول على تعليق عن حجم التعاون الجاري بينها والخطط المستقبلية، ولكن لم نحصل منهم على رد حتى نشر هذا التقرير.
إن تشغيل هذا الممر يشير للتحالف الإماراتي الإسرائيلي، ويمثل خطوة داعمة من جانب أبوظبي لتل أبيب ضمن سياسة التطبيع الجارية بين البلدين ، كما يمثل الجانبان الاقتصادي والأمني أحد أهم أركان التطبيع بينهما
John Doe Tweet
يرى طلال أبو ركبة، المحلل السياسي الفلسطيني، أنه “يمكن النظر لهذه الخطوة من قبل دولة الإمارات تجاه إسرائيل في إطار اتفاقيات التطبيع المعروفة بـ”اتفاقيات إبراهيم”، التي وقعت عليها أبوظبي قبل عدة أعوام مع دولة الاحتلال، وهي تعبر عن مدى الانقسام في النظام العربي الرسمي، وغياب الموقف العربي الموحد والمناصر -كما كان سابقًا- للقضية الفلسطينية، وحالة ما يمكن أن نطلق عليه “الانحطاط” العربي تجاه القضية والموقف من إسرائيل قبل الاستجابة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتي تم إقرارها في الجامعة العربية على مدار عشرات السنوات” حسب وصفه.
ويضيف أبو ركبة، لـ”مواطن“، أن تشغيل هذا الممر يشير للتحالف الإماراتي الإسرائيلي، ويمثل خطوة داعمة من جانب أبوظبي لتل أبيب ضمن سياسة التطبيع الجارية بين البلدين، كما يمثل الجانبان الاقتصادي والأمني أحد أهم أركان التطبيع بينهما، والغريب أن هذا التحرك يأتي على ضوء حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة، وأن فتح ممر بري لإيصال البضائع لإسرائيل بعد فرض الحصار البحري في البحر الأحمر، ليكشف مدى ضعف الموقف العربي في نصرة القضية، وهو يقدم دلالة هامة على مدى هشاشة وانبطاح الموقف العربي.
وفي 2 من فبراير/ شباط، ذكر تقرير لوكالة بلومبيرغ أن شركة برمجيات إسرائيلية ناشئة، تفتح لأول مرة طرق التجارة التي تمر في قلب الشرق الأوسط لتجاوز البحر الأحمر الذي يهدده الحوثيون. وصرّح حنان فريدمان، الرئيس التنفيذي للشركة، أن شركته تقوم بنقل البضائع، بما في ذلك المواد الغذائية والبلاستيكية والمواد الكيميائية والكهربائية من الموانئ في الإمارات والبحرين، عبر المملكة العربية السعودية والأردن، إلى إسرائيل، وتتطلع شركة Hapag-Lloyd AG، وهي خامس أكبر شركة نقل للحاويات في العالم، إلى ربط ميناء “جبل علي” في دبي بموانئ سعودية في جدة على الساحل الغربي، وهناك خيار آخر يربط “جبل علي” بالأردن.
وتشير “بلومبرغ“، أن هذا الطريق وفر حلًا فوريًا للشحنات التي تحاول تجنب المنطقة الساخنة التي يسيطر عليها الحوثيون حول مضيق باب المندب في جنوب البحر الأحمر؛ حيث أجبرت عدة أشهر من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار العديد من السفن التجارية على التحول إلى طريق أطول حول إفريقيا، مما أدى لتعطيل التدفقات التجارية الحيوية، وزيادة تكاليف الشحن، وبدأ التأثير يتسلل إلى الاقتصاد العالمي. وترى الوكالة الأميركية، أن جدوى هذا الطريق على المدى الطويل ستعتمد على الاستقرار في المنطقة، كما أن الكميات التي يمكن أن تحملها الشاحنات أصغر بكثير من تلك التي تنقلها السفن.
تستغرق الرحلة من ميناء جبل علي إلى بوابة التجارة الإسرائيلية في حيفا حوالي ثلاثة إلى أربعة أيام، مقارنة برحلة مدتها 10 أيام أو أكثر حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا؛ الأمر الذي سيزيد من الجاذبية له، وفقًا لبحث أجرته شركة S&P Global Market Intelligence، كما صرّح كريس روجرز، رئيس مجموعة أبحاث سلسلة التوريد في S&P Global: “إن الجسر البري، على الرغم من أنه يحمل كمية لا يستهان بها من حركة المرور، سيظل حلًا متخصصًا للشحنات إلى إسرائيل على وجه التحديد”.
لكن الدكتور سهيل دياب، القيادي في الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حزب إسرائيلي غالبيته من عرب الداخل، ويمثّله خمسة نواب في الكنيست)، يرى أن تقرير القناة 13 وغيرها من التقارير التي تعج بها وسائل الإعلام الإسرائيلية، تأتي برعاية جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد“، من أجل رفع معنويات المجتمع الإسرائيلي المحبط. وأضاف دياب، لـ”مواطن“، أن الممر البري من دبي لإسرائيل بدأ العمل بالفعل، ولكن عدد الشاحنات محدود، ولا يستطيع حل عواقب الحصار الذي يفرضه الحوثيون في البحر الأحمر كممر للنقل البحري، وهناك تضخيم في أهمية الممر البري، وهو يشكل حربًا نفسية؛ حيث تريد إسرائيل من خلاله إرساله رسالة للحوثيين تقول فيها “إن حصاركم فشل“، وهناك دول عربية مختلفة تقدم لنا مساعدات، كما تريد تأليب الرأي العام العربي ضد اليمن لثنيهم عن الحصار في البحر الأحمر.
وجاء في تقرير للمركز العربي بواشنطن، بتاريخ 12 من يناير/ كانون الثاني، أن الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020 – الإمارات والبحرين والمغرب – تصر على الالتزام باتفاقيات التطبيع مع الدولة الصهيونية، لأنه من المفترض أن هذا هو السبيل الوحيد لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وبالنسبة لهم؛ فإن إلغاء الاتفاقيات وتعليق اعترافهم بإسرائيل أمر لا يمكن الدفاع عنه، وقد يشير إلى أن منطقهم الأصلي لفتح العلاقات مع إسرائيل على الرغم من الفصل العنصري كان مضللًا وخطأً.
ويضيف التقرير، “كانت الإمارات من بين الدول العربية القليلة التي أدانت على الفور هجوم حماس على إسرائيل، ووصفته في 8 من أكتوبر/تشرين الأول بأنه “تصعيد كبير وخطير”، وبعد بضعة أيام، أثناء التصويت على مشروع قرار روسي أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانت الممثلة الدائمة لدولة الإمارات لانا نسيبة مصممة على حث المجتمع الدولي على معالجة قضية الحقوق الفلسطينية؛ في حين استمرت في إدانة حماس، وذكرت “نسيبة” أن حماس “لا تمثل الشعب الفلسطيني أو شعب غزة”.
وأوضح "دغان" أن رجال الأعمال الإماراتيين يبدون اهتمامًا كبيرًا بما تنتجه المستوطنات في الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام دفعه والوفد الذي يرأسه إلى تأجيل موعد عودته إلى تل أبيب لمدة يومين كاملين.
John Doe Tweet
كما كشفت بيانات حكومية إسرائيلية، أن الإمارات زادت وارداتها من إسرائيل في خضم الحرب الدموية التي تشنها تل أبيب على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وبحسب البيانات فقد ارتفعت الصادرات الإسرائيلية عام 2023 بنسبة 1.28% إلى المغرب، وبلغت حوالي 120 مليون دولار، وإلى الإمارات بنحو 5% مقارنة بعام 2022، وبلغت نحو 650 مليون دولار.
ففي 13 من نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلن رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، يوسي دغان، أن وفد قادة المستوطنين الذي يقوده في أبو ظبي قد توصل إلى اتفاقات اقتصادية هائلة، وقال “دغان” والذي يرأس مجلس المستوطنات الواقعة في شمال الضفة الغربية والذي زار الإمارات، في منشور له على صفحته الرسمية على “فيسبوك”، “لقد توصلنا إلى اتفاقات تعاون اقتصادية هائلة مع الإمارات”.
وكان “دغان” قد وصل إلى دبي قبله بعدة أيام على رأس وفد من مديري المصانع الإسرائيلية في المستوطنات، ومع مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين؛ في أول رحلة تجارية من تل أبيب إلى دبي، وأوضح “دغان” أن رجال الأعمال الإماراتيين يبدون اهتمامًا كبيرًا بما تنتجه المستوطنات في الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن هذا الاهتمام دفعه والوفد الذي يرأسه إلى تأجيل موعد عودته إلى تل أبيب لمدة يومين كاملين. وأكد رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية أن الاهتمام الإماراتي بمنتجات المستوطنات هائل، لا سيما في كل ما يتعلق بالمنتجات الزراعية ومواد التنظيف وتحلية المياه، وأنظمة بناء وتقنيات متقدمة.
وفي 7 من ديسمبر/ كانون الأول، أبرم المجلس الإقليمي شمال الضفة الغربية؛ في الإمارات أولى صفقات تصدير منتجات المستوطنات الإسرائيلية إلى الإمارات، وشملت صفقة المبيعات التي تم التوقيع عليها في دبي عسل باراديس، ونبيذ طوره، إضافة إلى شركة فام بحضور رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات شمال الضفة يوسي دغان، والممثل عن خمور هار براخا، والممثل عن خمور توم وأرنون من جفعات إيتامار.
ويعتقد المحلل السياسي فادي عيد أن “الإمارات تحاول فتح متنفس جديد لإسرائيل؛ حيث يمثل الممر البري طوق نجاة تجاري اقتصادي ألقته الإمارات لدولة الاحتلال؛ في ظل تنامي العلاقات بين الإمارات وإسرائيل إلى مستوى عالٍ جًدا، وفي ظل التطبيع المستتر بين السعودية وإسرائيل”. وأضاف لـ”مواطن“، أن الإمارات ترى في التعاون مع دولة الاحتلال أمرًا هامًا يخدم أهدافها المستقبلية؛ فبعد انتهاء فترة زعامة وقيادة الثلاثي (مصر، سوريا، العراق) للمنطقة العربية، يجري تغيير الخريطة الآن لصالح ثلاثي جديد؛ هو “إسرائيل والإمارات والسعودية”، والدولتان الخليجيتان تريان في دعمهما لإسرائيل أمرًا إيجابيًا سيعود بدعم أمريكي لهما لزعامة المنطقة، والآن نرى دعمًا إماراتيًا لكل تحرك إسرائيلي؛ سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا، مشيرًا، إلى أن “هناك قناعة تامة لدى الرياض وأبوظبي أن طريق زعامة المنطقة يأتي بعد إزاحة الثلاثي القديم الذي كان يرتكز في قيادته للمنطقة، والتأثير في قراراتها على عمقه الحضاري وإرثه التاريخي أولاً قبل قوته العسكرية في قيادة المنطقة، يمر من واشنطن”.