تساؤلات أطفالنا الجنسية
يمرّ كل طفلٍ بتلك المرحلة التي يبدأ فيها باكتشاف العالم من حوله؛ حيث يتوجه بعيون مليئة بالدهشة والفضول إلى والدته ويطرح سؤالًا بريئًا لكنّه معقدٌ أيضًا: “من أين أتيت؟”
تتخبّط الأم بين الخجل وقلة الخبرة في أجوبتها، تارةً تشير إلى الخلق الإلهي والأساطير الشعبية “صلينا إلى الله كي يُرسلكَ لنا”، أو “أتى بك طائرٌ ضخمٌ من السماء”، وتارةً أخرى تشير إلى الاجتماع بين الأب والأم بشكلٍ غامضٍ وغير مفهوم؛ ما يزيد حجم تساؤلاته وقلقه حيالها بدل إشباع فضوله.
كيف نتعامل مع تساؤلات أطفالنا الجنسية؟
وعن أسئلة أطفالها المتكررة حول مواضيع الجنس، تقول لمواطن أروى (٣٠ عامًا)، مُهندسة وأمٌ لطفلتين: “بصراحة، أنا لا أُعطي أطفالي دروسًا في التربية الجنسية، إنما أكتفي بالإجابة على الأسئلة الفضولية التي يطرحها الأطفال بدافع الفضول. سألتني طفلتي مرةً؛ “لماذا يختلف الصبيان عنا في تلك المنطقة؟”
فضلتُ أن تكون الإجابة بسيطة وعلى قدر فهم الطفل؛ “هكذا خلقه الله، وهذه اختلافات طبيعية بين الناس، ترين شخصًا طويلًا وآخر قصيرًا”، ومرةً أخرى سألتني؛ “ما هذا (عن الكوتيكس)”، أجبتُها أنّ الأنثى لديها في بطنها رحم كي ينمو فيه الجنين “البوبو”، وهو يطرح الفضلات بين الحين والآخر، لذا نحن نستخدم الكوتيكس كيلا نلوّث ملابسنا”.
يقول جمال: بقيتُ أحتلم ليلًا وأشعر بالإحراج والذنب، ولم أعرف شيئًا عن الاستنماء حتى أصبحتُ في عمر السابعة عشر من بعض الأصدقاء، وطوال تلك المدة لم يخبرني أحد عن أي شيء يخصّ تلك التغيرات".
من جهةٍ أخرى، تقول رهام عيسى، مُعلمة مدرسة: “أتجنب الدخول بالتفاصيل، لكن بنفس الوقت أتجنب أيضًا إعطاء معلومات غير صحيحة؛ خاصة السؤال الشائع جدًا، “من أين أتينا؟” وأحاول تفسير الأمر بشكل منطقي وبسيط وواضح، لا يثير لديه تساؤلات أخرى، لأنّ الأجوبة غير المنطقية تفتح أبوابًا أخرى وأسئلة أخرى وتجعل الطفل أكثر إلحاحًا”.
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة رزان محمد عبدالله، اختصاصية طب الأطفال وحديثي الولادة: “يبدأ الطفل في إظهار اهتمام بالجنس في عمر 4 إلى 5 سنوات؛ حيث يسألون من أين يأتي الأطفال؟ أو لماذا تختلف أجساد الذكور والإناث؟ وقد يلمسون أعضائهم التناسلية، وقد يظهرون اهتمامًا بالأعضاء التناسلية لأطفال آخرين”.
وتضيف لمواطن: “لذا من المهم أن نعرف أنها ليست أمرًا يدعو للقلق، ولكنها علامات على الاهتمام الطبيعي بالجسد. وعوضًا عن زجر الطفل أو ضربه، ينبغي تعليمه ما يمكن وما لا يُمكن فعله؛ حيث يُعد وضع حدود للاستكشاف والتصرفات أمرًا مهمًا لتعليم الآداب والحدود الاجتماعية”.
وتنصح الآباء بسؤال الأطفال، عما إذا كان بإمكانهم عناقهم أو تقبيلهم، واحترام ردودهم ، كتدريبٍ للطفل على استقلالية جسده وملكيته الحصرية.
بناء الخصوصية، بداية التربية الجنسية
تقول أروى: “أهم ما أركز عليه مع الطفلتين هو توعيتهما أنّ هذه الأماكن (الجنسية) لها خصوصية، ولا يجوز لأحدٍ لمسها أو رؤيتها سوى الأم أو الجدة، وحتى الأب في حال لم يكن يُشارك في مهام العناية بالطفل مثل تبديل الحفاض والاستحمام”.
وتضيف: “دأبتُ على بناء خصوصية تلك الأماكن لأطفالي منذ الولادة؛ حيث كنتُ أحرص ألا أبدل الحفاض أمام أحد، لقد قرأتُ أنّ الطفل يتأثر حتى لو كان رضيعًا. في حين أرى الكثير من الأمهات اللواتي يعرّين الطفل -في عمر السنة وأكثر- أمام الضيوف والأقارب بحجة أنه “ذكر”، ولا ينبغي أن يخجل”.
وعليه تقول رزان محمد عبدالله، طبيبة الأطفال: “من عمر 18 شهرًا إلى 3 سنوات، يبدأ الأطفال بالتعرف على أجسادهم وكيفية عملها، لذا ننصح الأهل بتعليم أطفالهم الأسماء الصحيحة لأجزاء الجسم. إن اختلاق أسماء غير حقيقية لها قد يعطي فكرة أن هناك شيئًا سيئًا أو سريًا في تلك الأعضاء”.
وينبغي “تعليم الطفل أنها مناطق خاصة، لا ينبغي السماح لأحد بالنظر إليها أو لمسها دون إذنه؛ خاصةً المناطق التي تغطيها ملابس السباحة. وبالمثل، يجب تعليم الطفل أنه يجب عليه الحصول على موافقة الآخرين قبل لمسهم”.
وعلى الجهة الأخرى ينتهك الكثير من الأهل خصوصية أطفالهم، مدفوعين بمعتقدات غير صحيحة حول التربية الجنسية؛ مثل الطفل ينسى، ويُسيئون التصرف ظنًا أنهم الأدرى بمصلحة أطفالهم.
تقول رهام: "إذا كانت ابنتي تُغير ثيابها ودخل أخوها صدفةً لا أقرّعه أو أصرخ في وجهه، إنما أعلمه/ا الحفاظ على خصوصية جسده/ا من باب احترام الخصوصية وليس من باب الحلال والحرام".
“يأتيني الكثير من الأهل إلى العيادة مُصطحبين أطفالهم، وعادةً ما تكون المشكلة الجلدية في المناطق الحساسة. يرفض الطفل أحيانًا خلع ملابسه، وهذا شيء طبيعي نابع من الخجل. ما لا أراه طبيعيًا أن يُجبره الأب أو الأم على خلع ملابسه مع الصراخ والتوبيخ وأحيانًا الضرب، ويرى الأهل أنّ ذلك لمصلحة الطفل”. يقول لمواطن، علي نجوم، طبيب الأمراض الجلدية و المنقولة بالجنس.
ويوضح: “أنّ هذا التصرف مؤذٍ جدًا لشخصية الطفل وصحته النفسية على المدى البعيد، وانتهاك لخصوصية جسده وتعريته دون موافقته مع ضربه، لا يختلف بأثره النفسيّ عن الاغتصاب. ما يتسبب في مشاكل الثقة والشعور بعدم الأمان، وكل ذلك له تأثيرٌ كارثيّ بكلّ ما للكلمة من معنى”.
وعن التعامل الصحيح الذي يجب على الأهل اتباعه يقول نجوم: “بدلًا عن ذلك أنصح الأهل بتثقيف الطفل جنسيًا بما يتناسب مع سنه، وأنّ جسده ملكه وحده ولا ينبغي أن يراه أحد سوى الأب والأم والطبيب، وتحضيره قبل الحضور إلى العيادة بأنّ الطبيب سيفحصك في تلك المنطقة، ومن الأفضل أن نسمح له لأنه سيخفف ألمه وبتعافى سريعًا، ولا ينبغي تعريته قسرًا تحت أي ظرف -عدا الحالات الخطرة المُهدّدة للحياة-؛ إذ يجب على الأم/الأب إقناعه بذلك ولو استغرق وقتًا وجهدًا”.
نقص التربية الجنسية.. طاقة مهدورة
أمّا جمال (٢٨ عامًا) طبيب أسنان سوريّ يعمل في ألمانيا: “ولدتُ في عائلة تُكرس الأخلاق قبل العلم وقبل كل شيء، كان لديّ ثلاثة أخوة، يكبرني أصغرهم بخمس سنوات، ورغم ذلك لم يحدّثني أحد عن مرحلة البلوغ الجنسي”.
ويضيف: “بقيتُ أحتلم ليلًا وأشعر بالإحراج والذنب، ولم أعرف شيئًا عن الاستنماء حتى أصبحتُ في عمر السابعة عشر من بعض الأصدقاء، بينما كان بلوغي في الثانية عشرة، وطوال تلك المدة لم يخبرني أحد عن أي شيء يخصّ تلك التغيرات، كنت أعتقد أنّ ذلك يحدث لي وحدي فقط”.
تتفق حالة جمال -التي تظهر فيها قلة الخبرة في التعامل مع قضايا البلوغ بسبب نقص الثقافة الجنسية- مع الدراسات التي كشفت أنّ أكثر مواضيع التربية الجنسية تناولًا في الحديث مع الأطفال هو الفروق الجسدية بين الجنسين، بينما كان موضوع العادة السرية الأقل تناولًا.
وكشفت دراسات أخرى عما هو أبعد من ذلك؛ حيث أظهرت التربية الجنسية المُبكرة تأثيرات إيجابية في تحسين الصحة البدنية والعقلية والعاطفية للشباب، ولأنهم الفئة الأكثر فاعلية، تنعكس صحتها على صحة المُجتمع بشكلٍ عام.
إلى ذلك، أوصى الباحثون في جامعة بريستول بتركيز التثقيف الجنسيّ في المدارس على مصطلح الجنس الإيجابي، الذي يُشددّ على الموافقة والاختيار والوقت والإطار المناسب، وشرح فوائد الرفاهية الجنسية، بدلًا من التركيز على الامتناع عن ممارسة الجنس.
متى وكيف نتحدث مع أطفالنا حول الجنس؟
تمنح الأحداث اليومية الكثير من الفرص لإعطاء الأطفال معلوماتٍ جديدة تزيد وعيه الجنسيّ؛ فعلى سبيل المثال؛ التحدث عن خصوصية الأعضاء الحميمية أثناء الاستحمام سيكون أكثر فعالية من التحدث عنها أثناء العشاء. كما يعد الحمل أو الولادة في العائلة وقت مناسب لمناقشة كيفية حدوث الحمل والولادة.
“إذا كانت ابنتي تُغير ثيابها ودخل أخوها صدفةً لا أقرّعه أو أصرخ في وجهه، إنما أعلمه/ا الحفاظ على خصوصية جسده/ا من باب احترام الخصوصية وليس من باب الحلال والحرام”. وفق لما تقول التربوية والكاتبة رهام عيسى، لمواطن.
فلا يوجد أفضل من المواقف المُحرجة التي تحدث في المنزل بين الأطفال،لتثقيفهم جنسيًا وتعليمهم احترام خصوصية الجسد، وتختم رهام: “من البداية حاولتُ تعويد أطفالي على شكل أجسادهم حتى لا يصبح لديهم مخاوف أو فضول، وفي الوقت نفسه”.
وحول طريقة الحديث مع الأطفال في المواضيع الجنسية التي تتطلب توخي الدقة في التسميات والمصطلحات، وحتى نبرة الكلام؛ ترى آلاء علي، خبيرة الإرشاد النفسي، أن ” التربية الجنسية تدخل في صلب شخصية الفرد منذ بداية طفولته، لذا يجب أن نفتح المجال أمام أطفالنا للأسئلة، والنقاش الدائم بجوّ من الأريحية، دون أن نُشعرهم بأنّ الموضوع مُحرجٌ أو خطيرٌ أو معيب”.
وتكمل: “الأطفال قد لا يسألون إذا شعروا أنّ الأب أو الأم لا يرتاحان للأسئلة. لذا من المهم أن نُجيب بهدوء، ودون أي انفعالات، بدقةٍ واختصار، مع تسمية أجزاء الجسم بأسمائها العلمية دون تحفّظ. إذ من المهمّ أن يشعر الطفل أنه يستطيع السؤال متى شاء؛ فهذا يحميه من الاعتماد على المصادر غير الصحيحة والمؤذية”.
وتضيف لمواطن: “بالإضافة إلى الحفاظ على خصوصية الطفل خلال الحمام أو تبديل الملابس، من المهم عدم الإشارة إلى أعضائه بالضحك أو الاستهزاء، وإذا غافل الأهل وخرج عاريًا إلى غرفة الضيوف، نكتفي بإعادته دون تقريع، ودون أن نُشعره أنه حدثٌ محوريّ؛ حيث سيميل إلى تكراره كي يُلفت الانتباه”.
خلاصة القول: إنّ التوعية الجنسية تتمحور حول أن يعلم الطفل المعنى الحقيقي لمبدأ ملكية الجسد، ويتعلّم طريقة التعامل مع مشاعره حين يُحسّ بالخطر أو الحزن أو خيبة الأمل، و يجرؤ على قول لا، عندما يُريد أحدٌ أن يضمه أو يلمسه دون موافقته، وتربيته على أنه الوحيد الذي يقرّر مع من يكون قريبًا جسديًا. من يُقبّل من الأقارب؟ وفي حضن من يجلس؟. ويعلم حقيقةً كيف أتى إلى هذه الحياة وليس عباراتٍ مثلَ “اشتريناك من السوبر ماركت”، أو “وجدناك في الشارع”.