جاء الشتاء صعبًا هذا العام على أهل غزة، بعد نزوح وتشريد أغلب سكان القطاع؛ فلا جدران تأمنهم جزئيًا من البرد، بعد هدم بيوتهم، ولا أغطية كافية أو ملابس ثقيلة، بعدما فقدوا كل شيء في محاولات النجاة بحياتهم.
بداخل خيمة بالية لا تفي بمجابهة درجة الحرارة المتدنية، في ساحة مدرسة أسامة بن زيد الثانوية التابعة لوزارة التربية والتعليم في شمال غزة بمخيم جباليا، والتي تم تخصيصها لاستقبال النازحين، يعيش الفلسطيني رسمي أبو نصر (46 عامًا).
يتواجد مع عائلته المكونة من ١٤ فردًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، والذين يعانون ظروفًا إنسانية غاية في الصعوبة، داخل الخيمة التي تقدر مساحتها ١٦ مترًا.
وعن ليالي البرد في المخيم: “خلال ساعات الليل وعندما يحل موعد النوم، يستلقي كل 6 أشخاص على قطعة صغيرة من القماش، دون غطاء في ظل هذا البرد القارص؛ حيث تسببت تلك الأجواء مجتمعة مع المياه الملوثة التي نشربها والتي لا يتوفر غيرها، بإصابتي وعائلتي كبارًا وصغارًا بالنزلات المعوية، وكذلك الإصابة بالأمراض التنفسية كالإنفلونزا بشكل مستمر ومتكرر”.
يتشارك كل اثنين من أبناء رسمي فراشًا واحدًا وغطاء واحدًا، بينما يبقى هو غير قادر على النوم من شدة البرد؛ ما يدفعه لجمع الأثاث الخشبي من المنازل المدمرة بفعل القصف الاسرائيلي، وكذلك سعف النخيل الجاف، للاستخدام في التدفئة وطهي الطعام -إن تواجد- يمكن طهيه للعائلة؛ فلا طعام أو شراب أو حتى كهرباء أو مرافق داخل مراكز الإيواء.
ولا يزال رسمي وعائلته يأملون أن تحمل الفترة المقبلة أخبارًا سارة، عن التوصل لوقف شامل وكامل لإطلاق النار، ليستطيعوا العودة إلى بيتهم حتى وإن كان مدمرًا.
ولم تسلم مدرستا أبو حسين والفاخورة في مخيم جباليا شمال القطاع، والتي لجأ إليها الآلاف من النازحين؛ ما أسفر عن مقتل ٢٠٠ شخص وإصابة المئات من النازحين.
بينما نادر الشافعي (32 عامًا) من سكان حي تل الزعتر، والذي يحاول الاعتماد على نفسه في الحصول على الرعاية الصحية بعد معاناته من مرض سرطان الرئتين قبل ثلاثة أعوام، من خلال محاولة توفير بعض العلاجات والمسكنات الطبية على حسابه الشخصي.
ويوضح جهاد أبو حمدة، أنه وعائلته يشعرون بالموت خلال ساعات الليل؛ نظرًا لتدني درجات الحرارة، كما أنهم لا يستطيعون النوم نتيجة البرد الشديد.
بعد أن خرج قسرًا من مستشفى الصداقة التركي المخصص لعلاج مرضى السرطان إثر قصفها من قوات الاحتلال، يعاني وضعًا مأساويًا في داخل مركز اللجوء في ظل البرد القارص وندرة الغذاء والدواء.
ويواظب كل ليلة على إشعال النار داخل خيمته بسبب شدة البرد، وتحديدًا خلال ساعات المساء، والتي تنخفض فيها درجات الحرارة لمستويات كبيرة، كما يقوم الشافعي بشراء حطب الأشجار وقطع البلاستيك، والتي تستخدم لتسريع عملية إشعال النار، على الرغم من ارتفاع أسعارها، ويبلغ ثمن الكيلوغرام الواحد من الحطب ٤ شيكل إسرائيلي ( دولار أمريكي واحد).
ويضيف الشافعي لمواطن، الذي صبغت يداه باللون الأسود من آثار استخدام الحطب: “إذا لم نقم بإشعال النار فسوف نتجمد من شدة البرد؛ وخاصة خلال ساعات الليل”. مع حاجته اليومية إلى ٦ كيلوغرام من الحطب للتدفئة فقط، بالإضافة إلى ضعف هذه الكمية لطهي الطعام.
الملابس والأقمشة البالية للتدفئة
وعلى مدخل الطابق الثاني من مدرسة اللجوء، يجلس الفلسطيني تحسين كسكين (46 عامًا) مع عائلته المكونة من خمسة أفراد على قطعة من القماش البالية، بعد أن فقد ثلاثة أفراد من عائلته نتيجة قصف الجيش الإسرائيلي منزله في بيت حانون شمال قطاع غزة.
ويضطر كسكين وأبناؤه كل صباح لجمع الورق المقوى والملابس والأقمشة البالية من الشوارع المجاورة لخيمته لإشعال النار للتدفئة وطهي الطعام بشكل يومي مع ارتفاع أسعار الحطب.
ويرتدي منذ ما يزيد عن أربعة أشهر من الحرب وعائلته ملابس صيفية، ليست ثقيلة بما يكفي لتدفئتهم، كما أنها لا تتناسب مع أجواء البرد القارس -حد وصفه-، وهو ما أصابه وعائلته بشكل مستمر بالسعال والرشح والنزلات المعوية.
وحذر كسكين من استمرار هذه المأساة خلال الفترة المقبلة في حال لم تنته الحرب؛ حيث يفترش الرجال الأرض ويلتحفون السماء دون فُرُش أو أغطية في ساحة وسلالم مركز النزوح، الذي تم تخصيصه لنوم الرجال فقط؛ فيما تم تخصيص الفصول للأطفال والنساء.
الشعور بالموت لشدة البرد
ومن وجهة نظر الفلسطيني جهاد أبو حمدة (41 عامًا)؛ “مراكز اللجوء لم تتمكن من حماية اللاجئين إليها من قسوة الأجواء الباردة والمنخفضات الجوية التي يتعرض لها قطاع غزة، وتحديدًا الفئات الهشة من النساء والأطفال وكبار السن، والذين تفاقم الحرب من معاناتهم”.
ويوضح لمواطن، أنه وعائلته يشعرون بالموت خلال ساعات الليل؛ نظرًا لتدني درجات الحرارة، كما أنهم لا يستطيعون النوم نتيجة البرد الشديد؛ في حين تصارع العائلة بين إشعال النار للدفء والخوف من ضراوة القصف الاسرائيلي، وتحديدًا خلال ساعات متأخرة من الليل.
ولا يستطيع أبو حمدة الذي نزح وعائلته المكونة من 9 أفراد من مخيم جباليا نحو مركز للجوء، تحمل شراء المزيد من الحطب والفحم بشكل يومي للتدفئة وطهي الطعام، مع ارتفاع أسعارهما يومًا بعد يوم”.
ولم يتقاض رب الأسرة الفلسطيني، والذي يعمل موظفًا في حكومة حركة حماس بغزة سوى مبلغ ١٦٠٠ شيكل إسرائيلي ( ٣٧٠ دولارًا أمريكيًا) خلال خمسة أشهر من اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع، وهي لا تفي بتوفير أدني متطلباته وعائلته الأساسية.
ونتيجة لقلة أعداد الفراش والأغطية، يتشارك خمسة من أبنائه النوم على ثلاث أفرش وغطائين فقط؛ فيما تتخذ زوجته واثنتان من بناته قطع الكرتون فراشًا للنوم عليها؛ في حين يبقى مستيقظًا لإشعال النار لتدفئة عائلته.
جمع الحطب والكرتون للتدفئة
أما يوسف أبو طوق (37 عامًا)، والذي يتجول يوميًا في شوارع بلدة بيت لاهيا في شمال القطاع لجمع الحطب والكراتين الورقية لبيع جزء منها للنازحين، والاحتفاظ بما تبقى منها لاستخدامه للتدفئة وطهي الطعام، مع انعدام الوقود وغاز الطهي منذ خمسة أشهر على اندلاع الحرب.
المنخفضات الجوية واشتداد الأمطار فاقمت من أوضاع النازحين، بفعل تدفق مياه الأمطار ودخولها خيام النازحين، والتي لم تسلم هي أيضًا من التدمير لعدم قدرتها على مواجهة الأمطار الغزيرة وشدة الرياح.
يقول لمواطن، إنه يجلب يوميًا أغصان الأشجار الخضراء الكبيرة، والتي تحتاج لتعريضها لأشعة الشمس أسبوعًا كاملًا، كي تجف وتصبح جاهزة لاستخدامها للدفء وطهي الطعام.
ويضيف أن “الحياة تزداد صعوبة يومًا بعد يوم مع استمرار الحرب؛ في حين باتت الخيمة التي أتواجد بها وأسرتي غير صحية، نظرًا لإشعال الحطب والبلاستيك؛ في حين يملأ الدخان كافة أرجاء الخيمة، ويهدد بإصابتي وعائلتي بمشاكل صحية وتنفسية خطيرة”.
ويكمل: “على الرغم من الأضرار المختلفة التي يلحقها الحطب بنا، إلا أن غيابه يعتبر مشكلة حقيقية؛ فلا بديل عن استخدام النار للتدفئة والطعام خلال الوقت الحالى في ظل انعدام البدائل الأخرى”.
ظروف مأساوية
يقول رامي أبو شقرا مدير المدرسة التي تضم نازحين في حديثه لمواطن: “المدرسة تضم 450 أسرة من مختلف قطاع غزة، يبلغ عددهم ما يزيد عن 3500 نازح، يعيشون في ظروف مأساوية جدًا في ظل عدم وجود أغطية أو أفرش، أو مياه أو مرافق مناسبة، حتى الطعام لا يتوفر، سوى وجبة طعام واحدة من الأرز أو المعلبات التي تحتوي على الفول أو الحمص أو الجبن، والتي يوفرها بعض المتطوعين من داخل المخيم، وهي لا تفي على الإطلاق بسد رمق النازحين”.
يضيف: “باتت الأمراض المختلفة تظهر وتنتشر بين النازحين بشكل متزايد، وتحديدًا الأطفال منهم كالإنفلونزا بسبب الاكتظاظ الشديد بأعداد النازحين، وكذلك انتشار الإصابة بالإسهال والامراض الجلدية، بسبب شح مياه الشرب النظيفة، وانعدام النظافة؛ حيث ينتظر الشخص ساعة واحدة لاستخدام المراحيض حال توفرت المياه”.
ويوضح أنه “من بين النازحين يوجد 1600 طفل، 356 هم من حديثي الولادة، وقرابة 1000 سيدة، من بينهن 400 سيدة حامل؛ فيما يبلغ عدد المعاقين والمصابين بالأمراض المزمنة من الجنسين قرابة 323 شخصًا، وهم بحاجة إلى رعاية طبية مستمرة”.
ويؤكد أن “المنخفضات الجوية واشتداد الأمطار فاقمت من أوضاع النازحين، بفعل تدفق مياه الأمطار ودخولها خيام النازحين، والتي لم تسلم هي أيضًا من التدمير لعدم قدرتها على مواجهة الأمطار الغزيرة وشدة الرياح؛ ما يتسبب ببقاء ساكنيها بالعراء تحت الأمطار والرياح، لعدم وجود أماكن بديلة للاحتماء بداخلها”.
تبدو صور المعاناة في قطاع غزة أنها لا تنتهي؛ ما بين مخاطر على الحياة وندرة الطعام والمياه الصالحة للشرب، وغيرها من أساسيات حياة، بالإضافة إلى مواجهة البرد في العراء بلا أغطية، ليقفوا في وجه المنخفضات الجوية عزلاً كوقفتهم أمام قوات الاحتلال، لا يملكون إلا الدعاء والآمال بأن ينتهي ما يعيشونه من معاناة متكاملة الأركان وشاملة كتبت عليهم.
hiI like your writing so much share we be in contact more approximately your article on AOL I need a specialist in this area to resolve my problem Maybe that is you Looking ahead to see you
Somebody essentially help to make significantly articles Id state This is the first time I frequented your web page and up to now I surprised with the research you made to make this actual post incredible Fantastic job
This entrance is unbelievable. The splendid information displays the proprietor’s commitment. I’m overwhelmed and envision more such astounding sections.