على الرغم من قدرة دول الخليج على التفاهم مع الديموقراطيين والجمهوريين، أثناء فترات حكمهم الولايات المتحدة على مدار العقود الماضية، إلا أن توترات الشرق الأوسط تدفع نحو عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، وتفضيله على الرئيس الحالي جو بايدن، باعتباره الأقرب لتقديم حلول، حسب تقارير صحفية.
وتتمثل التوترات في الحرب الدائرة في غزة بين جيش الاحتلال وحركة المقاومة حماس، وما يتبعها من اشتباك في منطقة البحر الأحمر بين قوات أمريكية بريطانية، وقوات جماعة أنصار الله في اليمن، بالإضافة إلى ما يجري في جنوب لبنان والعراق وسوريا من اشتباكات وضربات عسكرية متبادلة؛ ما يجعل المنطقة على صفيح ساخن مع احتمالات تفاقم الأوضاع أو حدوث حرب إقليمية.
وأيًا ما كانت النتائج؛ فبقاء الأوضاع على ما هي عليه، بجانب ما يمثل من تهديد أمني، يعيق حركة التجارة وتدفق السلع؛ ما ينعكس سلبًا على الأسعار، ويرفع من وتيرة التضخم الذي لاحق العالم منذ بداية وباء كوفيد 19، واستمر إلى الآن ليظل العالم يشهد النزاعات، كالحرب الروسية الأوكرانية.
الخليج في حقبة بايدن
“إننا نواجه تحديات كبرى، ونحتاج إلى تنسيق وتعاون أكبر بيننا وبين الولايات المتحدة”. هكذا جاء حديث ولي العهد السعودي خلال قمة جدة للتعاون والتنمية يوليو 2022، التي عقدت في جدة بالسعودية بحضور الرئيس الأمريكي وعدد من القادة العرب.
وأكد ولي عهد الكويت في القمة أيضًا، دعم دول مجلس التعاون وإكمال طريق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
وفي 23 أغسطس 2023، دعا جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى تعزيز التشاور والتنسيق والتعاون بين دول الخليج والولايات المتحدة في المجالات كافة.
تعد الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا وركيزة أساسية لأمن الخليج على مدى الخمسين عامًا الماضية، وتحكم العواصم الخليجية ثلاثة قواعد للعمل مع الرئاسة الأمريكية، بحسب أستاذ العلوم السياسية الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله.
لم تكن العلاقات السعودية الأمريكية جيدة في عهد بايدن؛ إذ شهدت توترات عدة لأسباب اقتصادية مختلفة، تتعلق بتخفيض إنتاج النفط، أو حقوقية مثل قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
القاعدة الأول هو أن معظم دول الخليج العربي تفضل الاستمرارية الرئاسية والسياسية على الاضطرابات. والقاعدة الثانية هي أن دول الخليج تفضل الرؤساء الجمهوريين على الديمقراطيين تاريخيًا. أما القاعدة الثالثة فهي القدرة لدى دول الخليج العربي على مر السنين في التعامل مع سياسة واشنطن والمؤسسة السياسية الأمريكية.
كما ترى الأكاديمية والكاتبة السياسية الكويتية د.سلوى سعيد، أن العلاقات بين الولايات المتحدة والخليج استراتيجية ممتدة، وقائمة على ثوابت ومصالح مشتركة لا تتأثر كثيرًا بالتغيير بالرئاسي، ولكن ربما شهدت نوعًا من البرود مع إدارة بايدن، ولكنها لا تشكل تغييرًا في مرتكزات تلك العلاقات.
ويقول لمواطن، عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي مهدي عفيفي، إن منطقة الخليج العربي استطاعت أن يكون لها علاقات متوازنة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، حتى مع تغير القيادات داخل البيت الأبيض.
إلا أن التفاهم والعلاقات المتوازنة، لا يمنع حدوث توترات. وعبرت الإمارات عن عدم ارتياحها في السنوات الماضية بشأن ما تعتبره تراجعًا في التزام واشنطن بأمن شركائها في المنطقة، بينما وطدت أبوظبي علاقاتها بموسكو وبكين.
وصرح الدبلوماسي الإماراتي يوسف العتيبة في 22 مارس/آذار 2022 بأن العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة تمر باختبار؛ في اعتراف نادر بضغوط تشهدها الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي سُلّطت عليها الأضواء بسبب غزو روسيا لأوكرانيا.
وزادت الخلافات بين البلدين بشأن الحرب في اليمن وسياسة واشنطن تجاه إيران، ثم تفاقم الأمر بعدم دعم الإمارات قرار صاغته الولايات المتحدة، لإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا بامتناعها عن التصويت. وفي ظل أزمة الأموال الروسية قدمت بنوك الإمارات نفسها كبديل آمن عن سويسرا.
ولم تكن العلاقة أفضل مع السعودية في عهد بايدن؛ إذ شهدت توترات عدة لأسباب اقتصادية مختلفة، تتعلق بتخفيض إنتاج النفط، أو حقوقية مثل قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وصرح الرئيس الأمريكي بأنه سيجعل المملكة العربية السعودية منبوذة، وبعد فترة وجيزة من توليه منصبه في عام 2021، سمح بالكشف عن تقييم للمخابرات الأمريكية، أشار إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق على اعتقال خاشقجي أو الأمر بقتله.
ويقول المحلل السياسي السعودي، محمد صفر لمواطن، إن سياسة بايدن السلبية دفعت المملكة للتوجه شرقًا نحو الصين؛ خاصة في ظل الأزمة القائمة الأوكرانية، ودور المملكة في الحفاظ على علاقاتها مع روسيا، والاحتفاظ بالتواصل معها، وأيضًا اتفاق التطبيع مع إيران برعاية صينية.
ويوضح أن المملكة قطعت شوطًا في تحقيق تطلعات الفلسطينيين، من خلال اشتراط إقامة دولة فلسطينية للتطبيع مع إسرائيل؛ بمعنى أنها أدركت أهمية أن يكون لها سياستها الخارجية المستقلة دون التقيد بالمصالح الأمريكية فقط.
"اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة، معظمه من اليمين المتطرف، يدعم عودة ترامب بشكل مطلق؛ الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول الدور الذي سيقوم به المرشح الجمهوري المحتمل لخدمة مصالح إسرائيل".
ماذا عن عودة ترامب؟
وعن رغبة الخليج حيال أي رئيس أمريكي في السلطة: “الأمر لا يتعلق ببايدن ولا بترامب.. الأمر لا يتعلق بمن سيأتي لاحقًا”، حسب أنور قرقاش مستشار رئيس دولة الإمارات، الذي طرح تساؤلاً هو الأهم في المعادلة: “هل يمكن للنظام الأمريكي أن يوفر لك ما تريده؟”.
بيما يرى عفيفي أن عودة دونالد ترامب للرئاسة ستؤدي إلى توتر مُضاف للعلاقات الأمريكية مع دول الشرق الأوسط، بسبب أهوائه الشخصية في الإدارة، فضلًا عن الدعم المطلق الذي يمكن أن يقدمه ترامب لإسرائيل في حربها على غزة، والذي قد يفوق بمراحل المقدم من إدارة جو بايدن، ما قد يتسبب في إشعال الأزمات بشكل أكبر، ويدفع نحو توترات مع دول الخليج، لاسيما قطر التي تتهمها إسرائيل بأنها لا تقوم بضغط كاف على حماس للإفراج عن المحتجزين.
من جهتها، تقول الباحثة في الشئون الآسيوية، نوره المجيم لمواطن: “إن إعادة انتخاب ترامب وفوزه لن تكون بمثابة مفاجأة لدول منطقة الخليج، باعتبار أن هذه الدول تعرفه جيدًا، وتفاعلت معه وعملت مع إدارته خلال عهدته الأولى، والأهم من ذلك أن عودة دونالد ترامب للحكم تصب في مصلحة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج”.
وتبدو السعودية الدولة الخليجية الأكثر تأثرًا بالرئيس الأمريكي، نظرًا للعلاقات المتجذرة مع واشنطن، وساعد وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 2016 في تخفيف بعض مخاوف السعودية التي نشأت عن سياسات الرئيس أوباما في الشرق الأوسط.
وجعل ترامب الرياض أحد المرتكزات الأساسية لاستراتيجيته تجاه الشرق الأوسط، واعتبرها شريكًا استراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والأمن الاقتصادي العالمي.
بالمقارنة بين سياسات ترامب وبادين، وفق المحلل السياسي السعودي محمد صفر: “هناك تفاوت كبير جدًا؛ فقد كانت أول دولة سافر إليها ترامب بعد توليه الحكم هي المملكة، وكسر بذلك الكثير من البروتوكولات الأمريكية؛ فضلًا عن مساندة المملكة في خلافها مع قطر والملف الإيراني”.
ويضيف: “في المقابل كان تعامل بايدن مع المملكة في بداية حكمه سلبيًا؛ خاصة في ضوء اتهامه للنظام داخل المملكة بأنه مارق، ثم عاد للتفاهم معها بعد إدراك حاجته للمملكة للتعاون في العديد من الأدوار”.
تتفق نوره المجيم مع طرح صفر، وترى أن السعودية لن تنسى أن الزيارة الأولى التي قام بها ترامب بعد انتخابه كانت إليها وليس لدولة أخرى، كما تدرك جيدًا أنه لا يهتم كثيرًا بقضايا حقوق الإنسان عكس جو بايدن والديمقراطيين؛ بل ويركز بالأساس على التجارة، ويضع دائمًا صوب أعينها المصلحة الاقتصادية فقط.
وتعزو أيضًا التقارب السعودي مع كل من الصين وروسيا بما فيها ملف العلاقات مع إيران، يرجع إلى حقبة بايدن المتوترة مع المملكة، وتشير إلى أن استمرار بايدن في العلاقات الدبلوماسية هو أكثر تعقيدًا، بسبب التنافس المتزايد بين الولايات المتحدة والصين على مناطق النفوذ في العالم.
وتؤكد سلوى سعيد لمواطن: “إن الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال لاعبًا مؤثرًا بطبيعة الحال، كون المنطقة تضم قواعد أمريكية واتفاقيات دفاعية، بالإضافة إلى الاقتصاد المتشابك، واعتماد الدولار الأمريكي في سعر العملة في بعض الدول و في بيع النفط”.
بينما يشير عفيفي إلى أن اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة، معظمه من اليمين المتطرف، يدعم عودة ترامب بشكل مطلق؛ الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول الدور الذي سيقوم به المرشح الجمهوري المحتمل لخدمة مصالح إسرائيل، كما يتوقع أن يضغط على الخليج من إبرام اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
وتتفق المجيم، مع كون اليمين المتطرف يعول على عودة من أجل ممارسة المزيد من سياسات الاستيطان والقمع ضد الفلسطينيين، كما أكدت تقارير صحفية اعتزام ونية المملكة إبرام التطبيع مقابل إقامة دولة فلسطينية.
ومن المفترض أن يتوجه الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام الجاري لانتخاب الرئيس الأمريكي المقبل للبلاد، وتأتي الانتخابات العامة بعد المؤتمرات الحزبية والانتخابات الأولية التي تجريها الأحزاب الرئيسية لتحديد مرشحيها. ومن المقرر أن يتم تحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 في 20 يناير 2025.
إذ تجري الانتخابات الأولية للأحزاب وفق جدول زمني يختلف من ولاية لأخرى، الانطلاقة كانت في يناير/كانون الثاني، والتي فاز فيها ترامب بأغلبية ساحقة في المنافسة الأولى في السباق الجمهوري للمرشح الرئاسي بولاية أيوا. كما تقدم أيضًا في ولاية نيفادا، وتأتي بقية الولايات تباعًا.
ترامب على حافة الخطر
على الرغم من حظوظه الانتخابية التي تبدو وافرة وفقًا لاستطلاعات الرأي التي جرت على مدار الأشهر الثلاثة الماضية في الولايات المتحدة، لا تزال الدعاوى القضائية تلاحق دونالد ترامب، سعيًا لاستبعاده من الانتخابات الأميركية 2024؛ فبينما قضت المحكمة العليا في ولاية مينيسوتا، برفض دعوى قضائية لوقف ترشحه في الانتخابات التمهيدية عن الحزب الجمهوري، تنتظره دعوى أخرى في كولورادو، ومن المُقرر أن يُفصل فيها في غضون الأسابيع المقبلة.
وتستند تلك الدعاوى القضائية إلى تشريع تاريخي ونادر الاستخدام في الدستور الأمريكي، وهو المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر، والذي جرى اعتماده عام 1868 في أعقاب الحرب الأهلية الأمريكية، وتقضي تلك المادة بمنع أي شخص من تولي منصب فيدرالي إذا كان قد نفذ تمردًا أو عصيانًا.
وترجع تلك الدعاوى إلى اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس مطلع العام 2021 في محاولة لوقف جلسة التصديق على نتائج الانتخابات واعتماد جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة.
ختامًا، تتابع دول الخليج عن كثب مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وسواء ترشح دونالد ترامب أو تم منعه قضائيًا. ومن المتوقع أن تشهد العلاقات الأمريكية الخليجية حقبة جديدة بعد توترات ملحوظة إبان حكم جو بايدن، ربما تتسم بالهدوء والتفاهمات المشتركة لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية في الإقليم من جهة، والتقليل من حجم النفوذ الصيني الروسي من جهة أخرى، أو زيادة في التوترات والأزمات.