في ظل الحرب على غزة التي بدأت يوم 8 من أكتوبر الماضي 2023 عقب طوفان الأقصى، خرج الجيش المصري في فبراير هذا العام 2024 بإعلان كشفه عن وثائق جديدة خاصة بحرب أكتوبر سنة 1973، ولأن توقيت الإعلان لا يتناسب مع أي احتفالات بنصر أكتوبر في مصر؛ سواء يوم 6 من أكتوبر أو 10 من رمضان؛ فقد جرى تفسير هذا الإعلان بمنحى سياسي يتسق مع الأوضاع الحالية في الشرق الأوسط.
فالعدوان على غزة يدخل شهره الخامس، وقد توسعت الحرب المرتبطة به لتشمل صراعًا عسكريًا على الحدود بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وصراعًا عسكريًا آخر بين أحزاب المقاومة السورية والعراقية والجيش الأمريكي المرابط في قواعده بالدولتين، وصراع عسكري ثالث في البحر الأحمر وباب المندب بين جماعة “أنصار الله” اليمنية والجيشان الأمريكي والبريطاني؛ فقد أعلنت أنصار الله يوم 9 من ديسمبر 2023 منع سفن إسرائيل المدنية والعسكرية من المرور بالبحرين الأحمر والعربي حتى تتوقف الحرب، مما أدى لإقدام الولايات المتحدة وبريطانيا على إجراء مقابل لحماية السفن الإسرائيلية، بعسكرة مضيق باب المندب والإعلان عن ضرب جماعة أنصار الله في اليمن عسكريًا. وبرغم أن الإعلان الأمريكي البريطاني قد دخل شهره الثالث؛ فلم تتوقف عمليات أنصار الله، وتوسعت الحرب لتشمل منع السفن البريطانية والأمريكية المدنية من المرور، إَضافة لضربات عسكرية متبادلة بين أنصار الله والسفن الحربية للتحالف الأمريكي الإنجليزي.
وفي هذا السياق الذي يعج فيه الشرق الأوسط بالمخاطر، أكد اللواء عادل العمدة، مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أن الوثائق الصادرة عن حرب أكتوبر والاستعداد لها تحمل دلالة مهمة في التوقيت في ظل منطقة تموج بكثير من المتغيرات، وتجعلنا نتذكر ونذكر الآخرين بما حدث، وذلك لأننا نقول للعالم إنه رغم الظروف وقتها فقد حققنا المطلوب، وظروفنا اليوم أفضل ونستطيع فعل المطلوب في كل وقت وحين، وأضاف العمدة في تصريحات لليوم السابع أن الإفراج عن هذه الوثائق يعتبر رسالة ردع للعالم كله، ورسالة تذكير بأن مصر دولة قوية و رشيدة في الوقت نفسه، وتتعامل بأسس و ثوابت، ولا تتعامل بأهواء وعواطف، ولذلك نشر تلك الوثائق تجعلنا نذكر العالم بما تمّ، و هي وثائق تثبت قوة المقاتل المصري.
الوثائق المصرية المفرج عنها حديثا كانت ردًا على الأكاذيب الإسرائيلية بشأن الحرب، وتضخيم إسرائيل لما حدث في الدفرسوار
فإسرائيل تستعد لغزو مدينة رفح الفلسطينية على الحدود، واحتلال ممر صلاح الدين (فيلادلفيا)، مما يعد انتهاكا لعملية السلام، مما أدى إلى تحذير مصري لإسرائيل موجه من رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان من خطورة إقدام إسرائيل على احتلال الممر؛ فضلاً عن التحذيرات المصرية المتكررة من خطورة إقدام إسرائيل على غزو رفح وتهديد أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني ودفعهم إلى الحدود لاقتحام المعبر المصري، وهو إجراء حذرت مصر من حدوثه على أنه خط أحمر يمس الأمن القومي المصري، ويهدف لتصفية القضية الفلسطينية بالعموم، وقد أسهب الإعلام المصري في شرح خطورة إقدام إسرائيل على هذا التصرف، فيما يعد انتهاكًا عمليًا لاتفاقية السلام الموقعة بين البلدين سنة 1979.
لكن اللواء سمير فرج مدير الشؤون المعنوية الأسبق وعضو لجنة نشر وثائق حرب أكتوبر يذهب لتفسير إظهار تلك الوثائق بشكل مختلف؛ حيث قال: “ليس هناك مغزى أو إيصال رسالة بعينها من نشر والوثائق المتعلقة بحرب أكتوبر وغيرها من قبل وزارة الدفاع المصرية”، مشيرًا إلى أن مصر تبث هذه الوثائق إلى الجيل الجديد الذي لم يعاصر حرب أكتوبر، ولن نكتفي بالصور القديمة وحسب، ولكن أخرجنا الوثائق المعبرة بالفعل عن القوات المسلحة في الحرب بعد 50 سنة”.
ويؤكد على ذلك اللواء محمد الغباري عضو اللجنة المصرية المكلّفة بمراجعة وثائق حرب السادس من أكتوبر أن عرض وثائق الحرب في هذا التوقيت لا علاقة له بما يجري في الشرق الأوسط، وقدم تفسيرًا مختلفًا لذلك؛ فقال في تصريح خاص لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) أنها كانت ردًا على الأكاذيب الإسرائيلية بشأن الحرب، وتضخيم إسرائيل لما حدث في الدفرسوار”. كما أضاف أن إسرائيل أطلقت في الآونة الأخيرة موقعًا حول حرب أكتوبر نشر نحو 1500 وثيقة كلها تدور حول ما حدث في الدفرسوار، معتبرًا أنها “محاولة لتضخيم ما جرى واختزال الحرب كلها في تلك الثغرة فقط”. وقال “هذه الوثائق ترد على الادعاءات الإسرائيلية وتكشف الحقيقة، داحضة مزاعم تل أبيب بالأدلة القاطعة”.
ويشير المصدر الإسرائيلي الذي يؤكد تصريحات الغباري أن إسرائيل عرضت في سبتمبر 2023 حوالي 3500 ملف عن حرب أكتوبر وثغرة الدفرسوار بالخصوص؛ حيث تحتوي هذه الملفات على مئات الآلاف من الصفحات، و1400 وثيقة ورقية أصلية، و1000 صورة، و750 تسجيلًا، و150 دقيقة من المداولات الحكومية، وثمانية مقاطع فيديو. استغرق تجهيز المادة عامين ونصف العام من العمل، وتشير الوثائق الإسرائيلية المنشورة أن قادة إسرائيل كانوا يتوقعون الهجوم المصري ويخافون من المبادرة بهجمات استباقية كالتي حدثت في 5 من يونيو 1967.
وفي تقديري أن تصريحات سيادة اللواء الغباري ومن قبله اللواء سمير فرج، تحملان في طياتهما طابعًا دبلوماسيًا وليس عمليًا؛ حيث إن خروج الوثائق في هذا التوقيت، حتى لو كان ردًا على مزاعم إسرائيل في تلك الوثاق المنشور، أو خرج بشكل عفوي للجيل الجديد؛ فهو مرتبط بأحداث الشرق الأوسط؛ سواء من نشر مزاعم إسرائيل هذا التوقيت، أو بطبيعة الوثائق نفسها التي كشفت إحداها قناة العربية وأذاعها الإعلامي المصري عمرو أديب أن مصر كانت تمنع السفن التجارية والحربية الإسرائيلية من المرور بالبحر الأحمر عن طريق عمل المدمرتين المصريتين “ظافر وفاتح” يوم 8 من أغسطس 1973، أي أن خطة منع سفن إسرائيل من البحر الأحمر كانت جزءً أساسيًا من الحرب قبل اشتعالها، وأن مراقبة سفن العدو تبدأ من عدن الواقعة على ساحل خليج عدن المتفرع من بحر العرب؛ في إشارة إلى عمليات أنصار الله اليمنية ضد السفن الإسرائيلية هذه الأثناء، وتذكير بأن لمصر دورًا سابقًا في الحرب ضد الصهيونية بنفس الأسلوب.
إنما يمكن تناول تصريح الغباري وفرج من منطلق جزئي؛ فقد ركزًا على نقطة واحدة تعد من الأسباب الجوهرية للاحتفاظ بتلك الوثائق وعرضها، وفي الفيديو السابق للإعلامي عمرو أديب مع اللواء أركان حرب “محمد قشقوش” مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، وعضو اللجنة الرسمية لوثائق حرب أكتوبر منذ الدقيقة الـ 12، قال إن الوثائق تُعرض بشكل موثق كيفية وطبيعة ما أحدثه الجيش المصري من خطة خداع استراتيجي للعدوّ الإسرائيلي كانت سببًا أصيلًا في هزيمته، وأنه ورغم تفوق إسرائيل بمساعدة أمريكا عسكريًا وتكنولوجيًا، لكن المصريين نجحوا في خداعها وتضليلها في الاعتماد على أنفسهم فقط دون مساعدة من أحد. وبالتالي فما تتضمنه تلك الوثائق من قوة فكرية ومادية للجيش المصري يصلح للاحتجاج بها في سياق التأثير والدعم المعنوي في هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، وكأن تصريح قشقوش كان موضحًا ومفسرًا لتصريح الغباري على أنه جزء من المشهد وليس كل المشهد، أو أنه باعث من البواعث التي دفعت الجيش المصري للإعلان وليس كل البواعث بالتأكيد.
ويصدق على ذلك تصريحات اللواء أركان حرب محمد قشقوش أن لإعلان الوثائق هذا التوقيت غرضًا سياسيًا مثلما قال اللواء عادل العمدة؛ فقال بتصريحات خاصة لصحيفة الشرق: “إن توقيت خروج تلك الوثائق قد يسهم في رفع الروح المعنوية للفلسطينيين بأن هناك جيشًا ينتصر وجيشًا يُقهر، وتمثل تلك الهزيمة المعلنة للجيش الإسرائيلي نقطة ضعف”، وبنفس الصحيفة صرح عبد المنعم سعيد رئيس المجلس الاستشاري للمركز المصري للدراسات الاستراتيجية بأن “توقيت نشر الوثائق بمثابة رسالة إلى إسرائيل بأن المساس بأمن مصر هو خط أحمر”. وأوضح سعيد أن “نشر تلك الوثائق يأتي في وقت حرب غزة، ومن الجائز أن توقيت نشر تلك الوثائق لتوجيه رسائل كثيرة للجانب الإسرائيلي”.
ولأن طبيعة حرب أكتوبر تشبه إلى حد كبير معركة طوفان الأقصى الحالية من حيث التكتيك والهجوم المتعدد؛ فمصر وسوريا هاجما إسرائيل شمالاً وجنوبًا، وهو ما يحدث حاليًا حيث تهاجم المقاومة الفلسطينية وحزب الله والحوثيون إسرائيل شمالاً وجنوبًا، مع اختلافات بطبيعة الحرب من حيث العقيدة والتحالفات والقوة ومجريات الحرب، وتشابهات خاصة بدعم الغرب الهائل لإسرائيل بالسلاح، واعتماد الجيش الإسرائيلي على سلاحه الجوي المتفوق بالدرجة الأولى في كلا الحربين، ودخول الصهاينة هذه الحروب جميعها تحت وقع “الخطر الوجودي”، واعتبار أن ما يحدث لا يستهدف إسرائيل كجيش بل كدولة وكيان.
إسرائيل في الواقع ليست مجرد دولة؛ بل كيانًا عسكريًا محميًا من قوى عظمى دولية لها نفوذ وتأثير سياسي وعسكري واقتصادي؛ فأينما كان الصراع معها كان الاحتكاك مباشرة بمصالح تلك الدول من جانب، ولطموح هذه الدول في حماية إسرائيل من جانب آخر
أما عن الوثائق التي عرضها الجيش المصري على موقعه بوزارة الدفاع؛ فتتضمن عشرات الخرائط والمراسلات بين القادة، وتفريغ لرسائل هاتفية ومعلومات خاصة بخطة الخداع الإستراتيجي، منها ما كان يتعلق بطول الجبهة المصرية في قناة السويس، ومنها ما كان يخص جبهات أخرى كباب المندب والجبهة السورية؛ فالرسالة التي تتضمنها الوثائق المعلنة أن حرب أكتوبر كانت متعددة الجبهات، ولم تكن محصورة فقط بشريط القناة البالغ طوله 193 كم؛ بل شملت المواجهات بين مصر وإسرائيل عدة مناطق جغرافية أخرى ومساحات واسعة من الشرق الأوسط، وهي إشارة لطبيعة الحرب مع إسرائيل وحلفائها أن الصراع معها لا ينحصر جغرافيًا في منطقة واحدة؛ بل يمتد لمناطق أخرى مثلما يمتد حاليًا إلى لبنان واليمن وباب المندب وسوريا والعراق.
فإسرائيل في الواقع ليست مجرد دولة؛ بل كيانًا عسكريًا محميًا من قوى عظمى دولية لها نفوذ وتأثير سياسي وعسكري واقتصادي؛ فأينما كان الصراع معها كان الاحتكاك مباشرة بمصالح تلك الدول من جانب، ولطموح هذه الدول في حماية إسرائيل من جانب آخر، وإضافة لهذا الكيان العسكري المحمي فقد قامت إسرائيل على أساس ديني صهيوني سبق الإشارة فيه على مواطن بخمسة أبحاث مُفصلة تلقي الضوء على طبيعتها الدينية والنفسية، وعلاقة إسرائيل بالغرب عقائديًا وأيديولوجيًا إلى حد كبير، مما يُضفي الطابع العقائدي على المواجهات مع إسرائيل مهما كان الرفض لهذا الطابع، ويمكن قراءة تلك الأبحاث من هنا و هنا و هنا و هنا و هنا.
وعن واحدة من أهم تلك الوثائق التي نشرها الجيش المصري على موقعه بوزارة الدفاع، هي ما أسماها الخطة “جرانيت 2 المعدلة” الخاصة بعمليات البحر الأحمر، والتي كانت تتضمن أوامر مباشرة لسلاح البحر المصري عن طريق المدمرتين “ظافر وفاتح” بقطع خطوط الاتصال التجاري والعسكري في البحر الأحمر للعدو الإسرائيلي، بينما لا يتم التعرض للسفن التجارية المحايدة الخارجة من البحر الأحمر باتجاه الجنوب، وهذه الوثيقة تعد من أهم الوثائق لارتباطها بأسلوب تعامل الحوثيين/ أنصار الله مع السفن الإسرائيلية؛ حيث قرر الحوثيون منع سفن إسرائيل التجارية والعسكرية من المرور في البحرين الأحمر والعربي منذ يوم 9 من ديسمبر 2023، وعدم التعرض للسفن المحايدة أو غير الداعمة لإسرائيل في تلك المناطق.
وما يتعلق بالخطة جرانيت2 المعدلة أكدت إحدى هذه الوثائق قدرة الجيش المصري على تعزيز دفاعاته على طول ساحل البحر الأحمر؛ خصوصًا في سفاجا وبرنيس أقصى جنوب مصر، ويمكن فهم هذه الدفاعات المحصنة بتوقع القيادة المصري أي هجوم أمريكي يساعد إسرائيل المُحاصَرة؛ حيث إن قدرة إسرائيل البحرية في هذا التوقيت لم تكن تسعفها للهجوم على موانئ ومدن مصر الساحلية على البحر؛ خصوصًا أقصى الجنوب بعيدًا عن خليج السويس الذي تتركز فيه قوات العدو الإسرائيلي بشكل أساسي.
أشارت الوثائق أن اختيار الجيش المصري ليوم 6 من أكتوبر لم يكن اعتباطيًا؛ بل مرتبطًا بدراسة أكاديمية وعلمية لطبيعة عمل سلاح الجو والمناخ المصاحب لهذا العمل، والطقس المناسب لقدرة الهليكوبتر على الأداء الجيد، إضافة بالطبع لظروف إسرائيل واستعدادها النفسي لهذه الحرب
ومن جانب آخر كشفت إحدى الوثائق المؤرخة بتاريخ 10 من فبراير 1973م أن اختيار الجيش المصري ليوم 6 من أكتوبر لم يكن اعتباطيًا؛ بل مرتبطًا بدراسة أكاديمية وعلمية لطبيعة عمل سلاح الجو والمناخ المصاحب لهذا العمل، والطقس المناسب لقدرة الهليكوبتر على الأداء الجيد، إضافة بالطبع لظروف إسرائيل واستعدادها النفسي لهذه الحرب؛ فكان أحد هذه الاقتراحات أن يكون الهجوم المصري بدء من يوم 7 من أكتوبر حتى يوم 17 من نفس الشهر؛ فكان اختيار يوم السادس قبل هذا اليوم لتوافقه مع عيد الغفران اليهودي الذي تُغلَق فيه إسرائيل ويخلد فيه الجنود للراحة، ولتوقع الجيش المصري أن تطول الحرب عدة أيام وأسابيع؛ فيكون عمل سلاح الجو مناسبًا ولا عوائق ضد نشاط الجيش المصري على طول الجبهة.
المعنى المتضمن من نشر هذه الوثيقة إعطاء الفرصة الزمنية الكافية لخطة الخداع الاستراتيجي التي يبدو أنها بدأت منذ يناير عام 1973م حتى تترسخ لدى إسرائيل قناعة بعدم ميول المصريين للحرب، والفترة التي مرت 10 أشهر كافية لإشعار الإسرائيليين بالراحة وفشلهم في التنبؤ والتوقع بميعاد الهجوم، والمعنى المتضمن الآخر يتفق مع ما قامت به المقاومة الفلسطينية يوم 7 من أكتوبر 2023 من سلوك مشابه؛ حيث أقدمت المقاومة على خطة خداع استراتيجي شبيهة بالخطة المصرية، وإشعار الإسرائيليين بالراحة؛ فالمقاومة منذ بداية العام لم تُظهر ميولاً للحرب؛ بل كانت تستجيب مع عروض الحكومة الإسرائيلية بالإغراءات المادية مقابل عدم الهجوم.
فقد أرسلت حركة حماس لمكتب نتنياهو رسائل عبّرت فيها عن استعدادها للمضي قدمًا في صفقة تبادل أسرى تفرج من خلالها عن الجنديين الإسرائيليين هدار جولدين وشاؤول أورون المحتجزين لدى الحركة منذ العدوان على غزة عام 2014، بالإضافة إلى الأسير الآخر أفرا منجستو، وفق شبكة الجزيرة، ونظرًا للتشابه بين خطتي الخداع المصرية والفلسطينية تم اختيار يوم 7 من أكتوبر 2023 ليناسب الذكرى 50 لحرب أكتوبر، ذلك وفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت الذي نقلته جريدة المصري اليوم.
وفي وثيقة أخرى نشرتها وزارة الدفاع المصرية حملت رقم 2255؛ فقد نقلت زيادة كبيرة في العمليات والتدريبات العسكرية للمنطقة الجنوبية، للإيحاء بدورها المستقبلي في الحرب وهو لم يحدث؛ فقد توقعت إسرائيل بناء على تلك العمليات أن الجيش المصري خامل شمالاً ونشط جنوبًا بناء على اعتبارات تدريبية طبيعية لا توحي بنوايا حقيقية للحرب، وفي إجراء مشابه نرى أن المقاومة الفلسطينية فعلت نفس الشيء، حيث زادت عملياتها في الضفة الغربية والقدس خلال الفترة التي سبقت 7 من أكتوبر، وقد كشفت إحدى الإحصائيات عن 21 عملية ضد إسرائيل من يناير 2023 حتى أغسطس من نفس العام أدت لمقتل 33 إسرائيلي وإصابة العشرات.
نظرًا للتشابه بين خطتي الخداع المصرية والفلسطينية تم اختيار يوم 7 من أكتوبر 2023 ليناسب الذكرى 50 لحرب أكتوبر
يحدث هذا الخداع الإستراتيجي لإسرائيل رغم تصريحات بنيامين نتنياهو في سبتمبر 2018 بأنه لن يكرر خطأ أكتوبر 1973 بعدم إقدام إسرائيل على الهجوم الاستباقي ضد كل من يشكل خطرًا عليها أو يشكل تهديدًا، أو شكًا في نواياه؛ فقال “قبل 45 عامًا أخطأت الاستخبارات العسكرية حين فسرت بشكل غير صحيح النوايا المصرية والسورية لشن حرب علينا، حين اتضحت صحة تلك النوايا ارتكب النسق السياسي خطأ كبيرًا حين لم يسمح آنذاك بشن ضربة استباقية. لن نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى أبدا”. وهو تصريح في مُجمله يضع نتنياهو في موضع الفاشل والمهزوم؛ حيث إن نجاح 7 من أكتوبر في ظل قيادة حكومته، وما تبع ذلك من هجمات على إسرائيل لم تتوقف وإدانات دولية وانقلاب الرأي العام العالمي ضد مجازر الصهيونية ضد سكان قطاع غزة، أدى لتشويه تاريخي وتحول جذري في مسار عمل وبقاء دولة إسرائيل منذ إنشائها عام 1948م.
ولمن يفصل بين وثائق هذه الحرب ودور المقاومة ضد إسرائيل؛ فقد كشفت إحدى الوثائق المُفرَج عنها تنسيقًا بين الجيش المصري والمقاومة الفلسطينية في بيروت ودمشق، وأن هذا التنسيق شمل التعاون مع المخابرات الأردنية بتقديم معلومات عن قطاع غزة والعريش المُحتلة، ودلالة إظهار هذه الوثيقة في هذا التوقيت إرسال رسالة مؤكدة أن مصر لن تتخلى عن المقاومة الفلسطينية أيا كان شكلها، ويعزز هذا التأكيد رعاية مصر لاتفاق بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في مفاوضات تبادل الأسرى والرهائن، وقيام مصر بالوساطة يعني اعترافها بمشروعية المقاومة الفلسطينية ودورها في تمثيل الشعب الفلسطيني ورغبته في التحرر من نير الاحتلال.
وبالعموم فإن إقدام القوات المسلحة المصرية على الإفراج عن تلك الوثائق، هو نوع من المواجهة والتحدي النفسي حتى لو جرى تفسير هذا الإعلان على أنه رد على وثائق إسرائيل في سبتمبر 2023، ولكن الرد المصري وتصريحات القادة العسكريين بأن هذه النسبة قليلة من ضمن وثائق أخرى لم يُفرَج عنها، يدل على أن ثمة إعلانًا آخر عن وثائق مختلفة قد تظهر في مرحلة زمنية ما، وفقًا لمسار سياسي أو حرب معنوية؛ فالتحدي الذي يحدث حاليًا على الحدود بين البلدين وفيما يخص هجوم إسرائيل المتوقع على رفح وتصريحات القادة الإسرائيليين المعادية لمصر، والتي تُحملها مسؤولية تسليح حركة حماس، كل هذه الأجواء صنعت نوعًا من المواجهة الإعلامية والسياسية بين مصر وإسرائيل، تضع مصر في خندق المقاومة والحرب الجارية الآن في غزة على أدنى تقدير، إلا لو تغير الأٍسلوب الإسرائيلي ونجحت الضغوط الغربية في وقف أو إضعاف حكومة نتنياهو ووزرائها المتطرفين بالخصوص، الذين يتبنون موقفًا عدائيًا من مصر بالفترة الأخيرة.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.