- شارك في التقرير: سهير عبد الجبار ومنيرة الطيار
“حلمتُ بالذهاب للسعودية للعمل كخادمة منزلية، بعد أن علمت أن الفتيات العاملات في الخليج يتقاضين راتبًا ممتازًا” هذا ما قالته ديكا
ديكا-Deka؛ فتاة إثيوبية في السادسة عشر من عمرها، جاءت إلى اليمن بصورة غير قانونية بمساعدة مهرّبين، كمحطة في حلمها للوصول إلى المملكة العربية السعودية الواقعة شمال اليمن. عملت “ديكا” كخادمة لدى إحدى الأسر اليمنية ميسورة الحال، والتي لم ترض عن خدمتها فاشتكتها لمكتب استقدام العاملات في صنعاء، والذي تعرّضت فيه للضرب والإهانة حين رجته إيجاد عمل آخر لها في أحد المنازل.
“تعاني أسرتي فقرًا شديدًا ووالدي مريض؛ ففكرت أن أسافر للعمل هناك، لكنني لا أمتلك المال الكافي للسفر النظامي، لذا لجأت لليمن في هجرة غير نظامية عبر مهرّبين وعدوني بإيصالي إلى السعودية”. تقول ديكا
المهاجرات غير النظاميات في اليمن
شهدت اليمن نزوح مهاجرين غير نظاميين من وإلى أراضيها بحثًا عن الأمان أو العمل، نتيجة للفقر والأوضاع المضطربة في منطقة القرن الإفريقي، والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر واليمن. وبات السوق اليمني ملاذًا لجنسيات عدّة من العاملات؛ سواء كنّ صوماليات أو إثيوبيات؛ حيث أظهر استبيان أجرته مواطن وشاركت فيه 50 سيدة يمنية أن نسبة النساء اليمنيات الموسرات اللاتي يطلبن عاملة منزلية هي 50%، قرابة النصف من بينهن يحتجن عاملة منزلية لرعاية أطفالهنّ كونهنّ عاملات، والرّبع يطلبنهنّ لأداء المهام المنزلية.
“لم أستطع الوصول للسعودية فبقيت في اليمن، ألجأ لمكاتب استقدام العاملات بحثًا عن وظيفة. في البدء لم أكن أجيد العربية ولا الأعمال المنزلية، فتعرّضت للضرب والإهانة من أصحاب المكاتب، بعد فترة وجيزة تعلمت العربية وغيّرت اسمي لفاطمة، وقنعت بالعمل في اليمن. لم أعد راغبة في الذهاب للسعودية الآن، أخشى من تجرّع مشقات الطريق من جديد، وأغلب الأسر اليمنية تُعامل الخادمات لديهنّ برفق وعاطفة”. تضيف ديكا لـ”مواطن”.
على الرغم من أعداد المهاجرين غير النظاميين من أفريقيا إلى اليمن، والمقدّر بـ200 ألف مهاجر؛ فإن أغلب الأسر اليمنية تخشى من العاملات الإفريقيات اللواتي يعملن دون أوراق ثبوتية رسمية، خوفًا من تعرضهم للسرقة أو هروب العاملة من المنزل؛ فبحسب الاستبيان الذي أجرته مواطن فإن نصف اليمنيات المشاركات في الاستبيان يشعرن تجاه العاملات دون أوراق رسمية بعدم الأمان.
لكن الكلفة الاقتصادية تلعب دورًا في حصول بعضهن على عمل. بحثت سهام، موظفة يمنية وأم لطفل، عن عاملة ترتضي المبيت ورعاية طفلها الصغير الذي ساءت مناعته بعد أن وضعته في إحدى الروضات العامة. لا تقبل الخادمة اليمنية، بحسب العادات والتقاليد، بالمبيت عند المستخدِم، لذا لجأت سهام للعاملات الإفريقيات، لكن الراتب المطلوب للعاملة النظامية مرتفع ولا يناسبها؛ فاضطرت للقبول بعاملة دون أوراق رسمية (مهاجرة غير نظامية).
تقول سهام: “كنت أغلق عليها الباب قبل ذهابي للعمل، وأراقبها طوال الوقت من خلال كاميرات المراقبة –CCTV“.
يُظهر الاستبيان الذي أجرته مواطن أن 30% من النساء اليمنيات يفضلن العاملة الإثيوبية لمرونتها في التعامل وقدرتها على المبيت لديهم، إضافة لأجرها المنخفض مقارنة بالعاملة اليمنية. وبسؤال مكتب “يمن إفريقيا” في صنعاء، والمختص في استقدام العاملات الإثيوبيات لليمن، عن أجورهن أجاب: من لديهن أوراق رسمية وجوازات سفر يتراوح أجرهن بين 100-150 دولار أمريكي بعقود لمدة 6 أشهر، أمّا غير المهاجرة غير النظامية والتي تعمل دون أوراق فلا يتجاوز أجرها 80 دولار أمريكي.
وتشير المحامية أمة الله الحمادي لـ”مواطن” أنه خلال عملها في أكثر من منظمة حقوقية بمحافظات يمنية وتعاملها مع المهاجرين؛ فقد رصدت استغلالهم كونهم أيادي عاملة رخيصة، كما أن خوف المهاجرين من الترحيل يدفعهم للصمت وتقبُّل صنوف الأذى؛ فاللجوء للقانون يعني ترحيلهم.
الطريق للسعودية
تتعدد مسارات الهجرة للسعودية عبر اليمن؛ إذ ينتقل المهاجرون بعد وصولهم لميناء الحديدة بحرًا الواقع تحت سيطرة الحوثيين إلى محافظة شبوة، أو حضرموت الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، ومن هناك للسعودية، مسار آخر يبدأ من عدن الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية وصنعاء التابعة لسيطرة الحوثيين نحو محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى صعدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين ومنها للسعودية.
وبحسب مختار قايد (اسم مستعار)، يمني مقيم على أطراف محافظة حجة الحدودية مع السعودية: فإن أغلب المناطق النشطة في تهريب المهاجرين هي باتجاه صعدة التابعة للحوثي؛ خاصة منطقة آل ثابت، أما المناطق المعزولة التابعة للشرعية فلا تشهد نشاطًا كبيرًا.
90% من المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون السعودية عبر الحدود اليمنية هم من الإثيوبيين.
John Doe Tweet
لا تتمكن الكثيرات من المهاجرات من العبور للمملكة السعودية، وتطول إقامتهن في اليمن مما يضطّرهن للبحث عن عمل في اليمن. تقدم منظمة الهجرة الدولية لبعض المهاجرين وثائق سفر، مما يجعل الحاصل عليها أوفر حظًا من زملائه، كما تُشير المحامية أمة الله الحمادي إلى أن التي لديها وثيقة سفر من منظمة الهجرة، تستطيع أن تنضم بموجبها لإحدى مكاتب استقدام العاملات المنزليات بحثًا عن فرصة عمل.
وفي حال ضبطهنّ دون أوراق ثبوتية، يوضّح الضابط سام مجاهد الإجراءات المتبعة لـ”مواطن”: يُصطحبن لأقسام الشرطة ويسجّلن كأرقام لصعوبة كتابة أسمائهن أحيانًا، ومن ثمّ يُسلّمن لمصلحة الهجرة والجوازات، والتي تقوم بدورها بتسليمهن لمنظمة الهجرة الدولية التي تتولى- حينها- شأنهم.
في السعودية: لا ضمان للنجاة
رضيت “ديكا” أو فاطمة بالبقاء في اليمن دون رغبة في مجازفة جديدة، لكن “أيانا”؛ فتاة إثيوبية في الثامنة عشر من عمرها، استطاعت الوصول للمملكة العربية السعودية. تمكّنت “أيانا” -بمساعدة مهرّبين- من عبور البحر الأحمر لليمن، ومن بعدها اجتياز الحدود اليمنية السعودية لتستقبلها صديقتها التي سبقتها في نفس الطريق، لتؤمن لها عملًا لدى الأسرة السعودية التي تعمل لديها دون عقد عمل أو أية أوراق ثبوتية لها في المملكة.
“أتقاضى من الأسرة التي أعمل لديها، دون عقد عمل أو أوراق ثبوتية، ألف ريال سعودي، وهو مبلغ جيّد مقارنة براتب زميلاتي في اليمن، وتعاملني الأسرة التي أعمل لديها بشكل جيّد”. تقول أيانا
في دراسة نشرها موقع the conversation؛ فإن 90% من المهاجرين غير النظاميين الذين يصلون السعودية عبر الحدود اليمنية هم من الإثيوبيين. ويصل إجمالي عدد الإثيوبيين -سواء مهاجرين نظاميين أو غير نظاميين- في السعودية إلى 750 ألفًا، وفقًا لإحصاءات منظمة الهجرة الدولية.
يحصل العمال الوافدون في المملكة العربية السعودية على خمسة أضعاف ما يمكن أن يكسبوه مقابل عمل مماثل في أوطانهم، لذا يعد حافزًا قويًا للهجرة على الرغم من المخاطر لتحصل العاملات الإثيوبيات على 1200 ريال سعودي؛ أي ما يعادل 330$؛ وهو أكثر ما تحصل عليه في اليمن بمرتين، لذا يفضلن العمل في السعودية على العمل في اليمن، ويعتبرن اليمن منطقة عبور فقط لتعلم اللغة العربية.
دفعنا ألف دولار لكل شخص كي نصل هنا، تكبدنا معاناة الرحلة لنجد أنفسنا نتسول في السعودية
John Doe Tweet
لكن لا يعني الوصول للحدود السعودية أو اجتيازها انتهاء معاناة المهاجر أو اطمئنانه على أمنه الشخصي. جازفت “لم لم”، فتاة إثيوبية في التاسعة عشر من عمرها هي وأسرتها بالهرب من إثيوبيا إلى اليمن، ومنها للسعودية؛ فلم تجد عملًا.
تقول “لم لم” لـ”مواطن”: “دفعنا ألف دولار لكل شخص كي نصل هنا، تكبدنا معاناة الرحلة لنجد أنفسنا نتسول في السعودية، الأمر مخيف؛ فنحن مهددون بالترحيل لإثيوبيا، ليتنا بقينا في اليمن؛ فهنا-السعودية- لا يمكننا العمل دون أوراق ثبوتية رسمية”.
ويؤكد ذلك أحد المهرّبين تحفظ على ذكر اسمه بقوله: ليس كل من يصل إلى السعودية سيجد عملاً في انتظاره، يعتمد الكثير من المهاجرين على البحث عن عمل بعد وصوله، وهو أمر غير مضمون؛ فليس كل العائلات ترحب بالعمالة غير النظامية. وعن كُلفة العبور يؤكد المهرّب أن الكلفة على النساء أكثر من الرجال، وتتفاوت بين 3500 إلى 5000 ريال سعودي للفرد الواحد للوصول للحدود السعودية، إضافة لـ500 ريال أخرى كي يصل لمدينة الرياض أو جدة.
تواصلت مواطن مع مكتب “منتظم الأداء للاستقدام” ،والمختص في استقدام العمالة المنزلية في السعودية، وأكدوا أنهم في المكاتب المرخص لها بالعمل يستقدمون العاملات الإفريقيات بطرق نظامية، ويأتين بأوراقهن الثبوتية، ولا يمكنهم -بعكس مكاتب العمالة في اليمن- تأمين عمل للمهاجرات غير النظاميات لتجريمه قانونيًا في السعودية.
كما أن الحكومة الإثيوبية لا تسمح للعاملات الإثيوبيات بمغادرة أراضيها إلى دول الخليج إلا عن طريق الدولة نفسها بأوراق وتصاريح قانونية، عبر مكاتب خاصة بالعمل من أجل ضمان حقوقهن، ويتحمل المكتب مسؤولية الإقامة والانتقالات.