في إحدى الجلسات العائلية، قالت إحدى قريباتي إنها تريد أن تحجز لابنتها عند طبيبة، حتى تتمكن من معرفة إن كانت تحتاج لعملية تجميل الشفرتين أم لا؟. صُعقت لأنها تعمل بالمجال الطبي، كما أنها لم تختتن، فلماذا تريد أن تفعل بابنتها ذات العشرين عامًا ذلك، بررت الموقف بأن هذا لا يعد تشويهًا للأعضاء التناسلية مثل الختان، لأنه تحت إشراف طبي، وليس مؤلمًا ولا يترك جرحًا يشوه المهبل؛ بل يضفي عليه جمالًا وتناسقًا.
بين تجميل المهبل والختان.. هل ثمة فارق؟
على الرغم من الوعي المنتشر عن أضرار الختان، مع وضع عقوبة على الأهل والطبيب الذي يقدم على تشويه المنطقة الأنثوية، إلا أن هناك انتشارًا عالميًا لما يعرف “بقص وتجميل شفرات المهبل”. وهو ما لا يختلف عن الختان إلا في شيء واحد فقط؛ وهو أن الختان يتم ممارسته على الطفلة في سن صغيرة بلا إرادة أو قرار لها؛ بينما تجميل المهبل، والذي يعد من أنواع الختان، ولكنه برغبة المرأة نفسها وبقرار منها.
تعرف عملية قص الشفرتين بـ "مهبل باربي"، وكأن هناك رغبة في تحويل جسد المرأة إلى دمية بلاستيكية، هل باربي لديها عضو جنسي؟ هل تشعر بهذا العضو؟ لماذا هناك سعي لتشبيه النساء بالدمية؟
عند سؤال طبيب الجراحة، بهي الدين مُرسي عن الفرق بين ختان الإناث وتجميل الشفرات قال: “تجميل الشفرات والختان هو إجراء جراحي واحد، ولكن ما يزيد في الختان أنه يتم التخلص فيه من جزء من البظر، تجميل الشفرات هو الختان، ولكن بعيدًا عن مظلة القانون، كما أن تغيير مسمى الختان لن يُجمل حقيقته”.
وتعد جميع الممارسات الأخرى التي تُجرى على الأعضاء التناسلية الأنثوية بدواع “غير طبية”، مثل وخز تلك الأعضاء وثقبها وشقّها وحكّها وكيّها، هي تشويه للأعضاء التناسلية، وتعتبرها نوعًا من أنواع الختان. حسب منظمة الصحة العالمية.
ونوهت الكلية الملكية لأطباء التوليد وأمراض النساء في لندن (RCOG) في عام 2013، إلى ضرورة تقييم المراهقات والشابات الراغبات في إجراء أي نوع من أنواع ختان الإناث بحثًا عن أي مشاكل نفسية كامنة أخرى، مثل اضطراب تشوه الجسم (BDD)، وإتاحة الفرصة لإجراء تقييم نفسي على يد متخصص مدرب. بالإضافة إلى ضرورة إعلامهنّ بمخاطر العملية، إلى جانب عدم وجود أدلة قوية حول آثارها الإيجابية، وأن نمو الأعضاء التناسلية لا يكتمل حتى سن البلوغ، وأن هذه العمليات يجب أن تجرى لإناث تجاوزن سن 18 عامًا.
وهو ما اتفقت معه الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء (ACOG)، والتي أوصت بإجراء عملية تجميل الشفرين فقط عند القاصرين، من الذين يعانون من تشوهات خلقية كبيرة أو أعراض مستمرة، يعتقد الطبيب أنها ناجمة مباشرة عن تشريح الشفرين أو كليهما.
لماذا قد تقدم النساء على عمليات تجميل المهبل؟
تصور الإعلانات ووسائل الإعلام، نموذجًا أوحد للمرأة الكاملة نحيفة الخصر بدون شعر زائد، ملمس جلدها حريري، بلا خطوط حمراء أو أماكن داكنة أو ترهلات، ومع غياب موارد موثوقة تستمد منها الفتاة معرفتها حول التشريح الطبيعي لأعضائها الأنثوية، أصبحت الصور غير الواقعية هي المعيار. وتعرف عملية قص الشفرتين بـ “مهبل باربي”، وكأن هناك رغبة في تحويل جسد المرأة إلى دمية بلاستيكية، هل باربي لديها عضو جنسي؟ هل تشعر بهذا العضو؟ لماذا هناك سعي لتشبيه النساء بالدمية؟
تقول نعومي كراوتش، رئيسة الجمعية البريطانية لطب النساء والأطفال والمراهقين، في مقابلة مع BBC: “تخرج الفتيات أحيانًا بتعليقات مثل: “أنا فقط أكره ذلك، أريد فقط إزالته”. وتوضح أن شعور الفتاة بهذه الطريقة تجاه أي جزء من جسدها – وخاصة الجزء الحميم – أمر مزعج للغاية. ويعتقد أن هذا النوع من انعدام الأمن المخيف قد يكون ناتجًا عن زيادة إمكانية الوصول إلى المواد الإباحية. وترى الطبيبة باكيتا دي زولوتا: “تصور أن الشفاه الداخلية يجب أن تكون غير مرئية، مثل دمية باربي تقريبًا، هو عند بعض الفتيات لا يمت للواقع بصلة، ومن الطبيعي جدًا أن تبرز الشفاه”.
بينما ترى الكاتبة الروائية، أمل الحارثي، أن هذه الظاهرة تندرج تحت مظلة تشييء المرأة وتثبيت دورها كأداة للمتعة: “عملية على درجة من الخطورة إذا كانت المرأة تقوم بها لأسباب شخصية؛ فهذا شأنها، لكن للأسف في مجتمعنا كل هذا الهوس بالتجميل يأتي استرضاء للرجل وخوفًا من خسارته، وكأن الولادة والإنجاب فعلا تقوم به المرأة وحدها، وكأن الأولاد ملكية شخصية لها حتى تستمر في المعاناة بعدها”.
“للأسف المرأة تعيش رعبًا دائمًا بأن تكون غير كافية، تضطر إثر هذا الخوف الدائم بأن تدخل في دوامات الجراحات التجميلية الخطيرة والمكلفة، جراحات غير مضمونة النتائج قد تؤدي إلى انهيارات صحية ونفسية إن لم يكون مردودها مرضيًا”. كما وضحت الحارثي لمواطن.
تقول الناشظة النسوية لينا أديب: “في حال كانت العملية لسبب صحي فأنا معها، لكن إن كانت بهدف إرضاء الشريك، أو لأنها موضة فأنا ضدها، كانسانة قبل أن أكون نسوية، لأنني لست مقتنعة أن يتعرض جسد المرأة لخطر التخدير والقص والخياطة؛ فقط لإرضاء رغبة الشريك الجنسية. وإذا كان اسم العملية “مهبل باربي”؛ فهي تحمل تشييئًا، وقولبتها بقالب اللعبة باربي”.
وترى أن هذا يتنافى مع طبيعة الجسم البشري وعضلاته ووظائفه الحيوية، ومنها وظيفة الحمل والعملية الجنسية من قبل: “هذا مرفوض لأن النساء من لحم ودم، ولسن ألعاب بلاستيكية أو قماشية، والمعاشرة الجنسية تحتاج مشاعر وقبولاً ورغبة، وليس مواصفات لعبة بلاستيكية”.
وتختم حديثها لمواطن: “يبدو أن انتشار عمليات التجميل للأنف والعيون ونحت الجسم وحقن البوتوكس وغيره، وصولاً إلى المهبل بهذا الشكل، ليس سعيًا للجمال وإنما انسياق وراء نماذج يروجها الإعلام، على حساب الجمال الحقيقي والحاجات الحقيقية”.
مخاطر وأضرار
يرى مجموعة من الأطباء أن عملية قص الشفرات، مجرد إجراء تجميلي للمهبل، حتى تشعر المرأة براحة عند الحركة، هذا إن امتلكت شفرات كبيرة الحجم، وأن هذا لا يؤثر على إحساس المرأة خلال العلاقة الجنسية.
وهناك مجموعة أخرى من الأطباء يحذرون من هذه العملية وتبعاتها، لأن أي جُرح في الجسم يعني تقطيع للأعصاب في هذه المنطقة، يفضي إلى برودة الإحساس خلال العلاقة الجنسية. كما أن هناك مضاعفات تشمل النزيف والعدوى، وانهيار الجرح وتشكل الأنسجة الندبية، وثقبًا في الشفرين، وبالإضافة إلى انخفاض الوظيفة الجنسية إما بسبب آلام الأعصاب، أو انخفاض الإحساس بسبب تلف الأعصاب مما يسبب التنميل.
“بالنسبة لتجميل الشفرات أو تهذيب الشفرات؛ فأي أذى جراحي يتعرض له البدن يحدث في مكان الجراحة “تليفًا”، والتليف يتم عندما يتحول النسيج الطبيعي إلى نسيج ليفي بلا إحساس نهائيًا، وهنا عمليات تجميل الشفرتين تحدث كارثة خلال العلاقة الجنسية، لأن الشفرتين محاطان بفتحة المهبل القابلة للمرونة، وعندما تتليف الأنسجة حوله القُطر الذي كان مرنًا وقابلاً للمط لن يتمدد، وسيسبب ألمًا شديدًا خلال العلاقة”. وفقًا للطبيب بهي الدين مرسي.
على الرغم من التقدم التقني في مجالات التجميل والميديا وحملات الدعاية، يبدو أن المرأة تقع تحت وطأة قمع أشد، بمواد إعلانية تطالب المرأة أن تصبح كالدمية، وتضغط عليها بمصطلحات الجمال المثالي ومعايير الجمال العالمي، وتروج من جديد لعمليات ختان في شكل تجميلي.
وعن الآثار الممتدة لعملية قص الشفرات حتى أثناء الولادة، يقول: “الأذى الأكبر لتهذيب الشفرات يحدث خلال الولادة الطبيعية، وفي أثناء الولادة نمرر طفلاً قطر محيط بطنه 18 سم، وأمام هذه المساحة كيف نمرر طفلاً؟ وهي بالكاد كانت تستوعب العضو الذكري!! هذه المرونة التي وجدت في هذه المنطقة لتستوعب وداع الطفل فقدت مرونتها بسبب الختان أو تهذيب الشفرتين، لأن الأنسجة تليفت وأصبحت لم تعد تسمح للتمدد، ولذلك يحدث خلال الولادة قطع وهتك في هذه المنطقة أثناء مرور الطفل”.
“ذلك بخلاف النزيف الذي يحدث خلال الختان وتهذيب الشفرات، لأن أكثر الأعضاء حساسية في الجسم أكثرها إرواء بالدم، والشفرتان جزء حساس جدًا ، والنزيف أيضًا الذي يحدث خلال الولادة، من الطبيعي أن يكون هناك دم خلال الولادة، ولكنه دم المشيمة المحتفظة بغذاء الطفل، وهذا الدم غير مهم ونعتبره كماء مسح الأرضيات، وغير محسوب على المرأة صحيًا، ولكن النزيف الخطر على صحة المرأة هو الناتج عن الختان وتهذيب الشفرتين بسبب تليف الأنسجة، وهذا ما نراه في المستشفيات وتحدث عملية شق العجان”. حسبما ختم حديثه.
وترى الحارثي أن: “الاستهتار بعمليات التجميل مرده الدعاية المستمرة للعمليات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي جعلت هذه العمليات إجراء طبيعيًا تقوم به المرأة ولا تشعر بأنها تعرض نفسها لعملية جراحية تخديرية بكل ما تحمله من خطر، وهذا ما يجعل دورنا في التوعية أصعب، إلا أن فشل هذه العمليات وانتشار النتائج السيئة لها بشكل مستمر يساعدنا في حملتنا التوعوية، بالإضافة إلى صوت الحكمة الذي يفرض نفسه بالمنطق والحجة، والذي يسعى لرفع شأن المرأة وإعطائها مكانتها التي تستحقها”.
وتضيف: “كما أن فكرة تصالح المرأة مع جسدها ومع عمرها كما يتصالح الرجل مع جسده ومع عمره، فكرة بعيدة المنال، للأسف لن تفرضها سوى المرأة نفسها باكتساب الثقة التي تنبع من القيمة والإنجازات، لا من الجسد وإرضاء الآخر”.
اعتراضات نسوية
لم تلق عمليات تجميل الشفرات قبولًا في الأوساط النسوية، وتأسست حركة مناهضة لهذه العمليات، مثل Labia pride، والتي تهدف إلى زيادة الوعي بالمظهر الطبيعي للمهبل، وتحدي الاتجاه نحو الجراحة التجميلية على الأعضاء التناسلية الأنثوية. وتقوم الحركة بعدد من المسيرات والوقفات الاحتجاجية وحملات التوعية على الإنترنت، بالإضافة إلى إطلاق حملات مقاطعة والعيادات الأطباء الذين يساهمون في تضليل الفتيات والنساء، حسب قناعة الحركة.
كما نظمت المجموعة النسوية في المملكة المتحدة “فيمينيست”، تظاهرات شارك بها أكثر من 320 امرأة في الشارع، رافعات شعارات مثل: “أبعدوا قفازاتكم عن أعضائنا!”. و”لا يوجد شيء أرقى من مهبلي!”. وهدفت مسيرة Muff March الاحتجاجية لمجابهة الثقافة الإباحية التي تضغط على النساء للخضوع للجراحات التجميلية والحصول على “مهبل مثالي”. وتسليط الضوء على جراحي التجميل الذين يحفرون أجساد النساء للحصول على أقصى قدر من الربح المادي.
على الرغم من التقدم التقني في مجالات التجميل والميديا وحملات الدعاية، يبدو أن المرأة تقع تحت وطأة قمع أشد، بمواد إعلانية تطالب المرأة أن تصبح كالدمية، وتضغط عليها بمصطلحات الجمال المثالي ومعايير الجمال العالمي، وتروج من جديد لعمليات ختان في شكل تجميلي.