لا تختلف البحرين عما تشهده ممالك الخليج، من غياب للديمقراطية والرقابة والمساءلة، وأيًا ما كانت السياسات؛ فهي تأتي وفق رؤى عليا، لا يشارك فيها المواطنون، ومن بين هذه السياسات، والتي تعد إحدى الخطوط الحمراء، الممنوع الحديث عنها، السياسات الاقتصادية.
ونشب حريق ضخم في منطقة سترة، وهي جزيرة تقع في محافظة العاصمة شرقي البلاد، أدى إلى وفاة شخصين ودخول عدد من المصابين -بعضهم بحالات سيئة- للمستشفى نتيجة نشوب الحريق في بيت متهالك على مساحة تقل عن 150 مترًا مربعًا، يقيم به 4 أسر مكونة من 17 فردًا. وتتكرر في سترة مثل هذه الحوادث بسبب تكدّس عوائل بأكملها في منازل صغيرة غير آمنة، وليس بها منافذ طوارئ، وتصاميم قديمة باجتهادات فردية.
"يعد إبراهيم شريف، من قيادات السياسة القلائل، الذين يحظوا باحترام وتقدير من جانب الطوائف الشيعية والسنية؛ ما يجعله رمزًا يعكس الوحدة الوطنية بعيدًا عن الاختلافات السياسية". حسب حديث الحقوقي البحريني، سيد أحمد الوداعي.
تساءل شريف أيضًا على حسابه في إكس: “هل نصدق ما يردده المسؤولون ويجد صداه في الإعلام المتواطئ؟ أم نصدق ما تراه أعيننا وتسمعه آذاننا وتلمسه أحاسيسنا، عن مواطنين يعيشون فقرًا مذلاً، وبطالة مزمنة، وتهميشًا وفوارق طبقية، وقوائم إسكان تمتد الى أن يحين موعد مغادرة الدنيا؟”.
وأضاف في نفس المنشور: “ما أنفقته الدولة على شركة (مكلارين) للسيارات العام الماضي أضعاف ما أنفقته على مشاريع الإسكان، هل يموت الناس كمدًا أو حرقًا في بيوتهم المكتظة لأنكم قدمتم هواياتكم وألعابكم على مصالح الفقراء؟”.
ولم تكن المرة الأولى، التي انتقد فيها، شريف صندوق الثروة السيادي بسبب استحواذه على مكلارين، وكتب في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023. “ممتلكات القابضة، وهي صندوق البحرين السيادي، تضخ 80 مليون جنيه استرليني لإنقاذ شركة ماكلارين من الإفلاس، ليصبح مجموع ما ضخته منذ مارس هذا العام 450 مليون جنيه (213 مليون دينار)”.
مال البخيل ياكله العيار..
— Ebrahim Sharif (@ebrahimsharif) November 26, 2023
الخبر: ممتلكات القابضة، وهي صندوق البحرين السيادي، تضخ 80 مليون جنيه استرليني لانقاذ شركة ماكلارين من الافلاس، ليصبح مجموع ما ضخته منذ مارس هذا العام 450 مليون جنية (213 مليون دينار).
العجيب ان صرف هذا المبلغ الكبير، الذي يعادل ميزانية وزارة الصحة، لا… pic.twitter.com/M4Cm3FwfFp
وفي مارس/آذار، وجهت هيومن رايتس ووتش، رسالة مع عدة منظمات حقوقية، رسالة تعبر عن مخاوف من استخدام البحرين لسباق جائزة البحرين الكبرى (فورميولا 1)، بغية تلميع سجل البلاد الحقوقي السيء. ومكلارين هي شركة صناعة سيارات بريطانية، تأسست عام 1989، وتعمل شركة مكلارين بشكل وثيق مع فريق مكلارين لسباقات الفورميلا 1.
يرى الحقوقي البحريني جواد فيروز: "إن قمع الحريات العامة سياسة ممنهجة في البحرين؛ حيث تستخدم السلطة النيابة والقضاء للإجهاز على حق التعبير عن الرأي ومؤسسات المجتمع المدني".
وكان تشايس كاري مدير الحقوق التجارية لبطولة العالم لسباقات الجائزة الكبرى (فورميولا 1) قد أكد في وقت سابق: “وأن هذه الشراكة مع البحرين كانت -في الواقع- تعمل على تعزيز القضايا الحقوقية في البلاد، وهو ما اعتبرته الرسالة الحقوقية المشتركة، إلى الفورمولا 1 بشأن سباق الجائزة الكبرى في البحرين، بمثابة هدية للعلاقات العامة لحكام البحرين؛ خاصة أن التصريح يتضارب مع تحقيقات منظمات حقوقية، حول تدهور الوضع الحقوقي في البلاد.
وأعلنت شركة ماكلارين عن تسجيل صافي خسارة 195.495 مليون جنيه إسترليني خلال النصف الأول من عام 2020، بالمقارنة مع صافي خسارة 20.184 مليون جنيه إسترليني خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، أي بزيادة في الخسارة بنسبة 869%. ولم يختلف الأمر فيما بعد، وحققت خسائر تصل إلى 140 مليون جنيه عام 2023 و120 مليون جنيه في 2022، فيما ضخت الحكومة البحرينية في الشركة بين مارس ونوفمبر من العام الماضي 567 مليون دولار. وهو ما قوبل باعتراضات المعارضة البحرينية.
بين الاتهامات بمحاولات تبيض السجل الحقوقي من خلال سباقات الفورمولا 1، ومع توجهات اقتصادية لا تخدم المواطنين بشكل مباشر، تواجه البحرين انتقادات لاذعة من تيارات المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية، واحتلت المرتبة الثالثة بنسبة فقراء تبلغ 7.5% من مواطنيها، وهو ما يقارب 54 ألف فقير. وفقًا لتقرير الإسكوا للفقر خلال الفترة 2010 و2021،كما أقرت تراجع معدلات الفقر في بلدان مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين والكويت، وكشفت أن واحدًا من كل 13 مواطنًا في البحرين يعاني البطالة والفقر.
وأشار التقرير إلى إن بنية النظم الحاكمة في دول الخليج، تجعل من مسألة عدالة توزيع الثروة أمرًا صعبًا؛ فالأسر الحاكمة غالبًا ما يكون لها ميزانيات خاصة؛ فضلًا عن غياب الرقابة البرلمانية على المقدرات المالية للدول.
اعتقال ثانٍ في أقل من ثلاثة أشهر
خوض شريف فيما يعد خطوطًا حمراء للنظام الحاكم، أدى إلى اعتقاله للمرة الثانية خلال أقل من ثلاثة أشهر، حسبما أعلنت زوجته فريدة غلام يوم 25 مارس/آذار، والتي أكدت لمواطن أن سبب التوقيف انتقاد سياسات الإنفاق الحكومي. وكان قرار النيابة توقيفه لمدة 7 أيام في سجن الحوض الجاف، لكن النائب العام قرر الإفراج عنه في 28 مارس.
وعن قائمة الاتهامات التي وجهت له، قال لمواطن، سامي سيادي، محامي السياسي البحريني: “تتمثل الاتهامات في التحريض على كراهية النظام والازدراء، على خلفية مجموعة من التغريدات ركز فيها على نقد التعاون الحكومي مع شركة مكلارين. ويضيف حول قرار الإفراج: “إنه إفراج مؤقت من جانب النائب العام، قبل انتهاء المدة المحددة للتوقيف من جانب النيابة العامة، في انتظار معرفة سيناريوهات القضية الأحد المقبل”.
وبخصوص الموقف القانوني لشريف والسيناريوهات المتوقعة يقول سيادي: “إن الموقف القانوني جيد؛ كونه ينطلق من أرضية الحق في التعبير استنادًا لنص المادة ٢٣ من الدستور، والتي أكدت هذا الحق على إطلاقه، وأيضًا كون مضمون التغريدات، التي يحاكم إبراهيم بسببها، لا يتسق وطبيعة التهمة”.
إفراج بعد ثلاثة أيام، لماذا؟
يُشير جواد فيروز، رئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، إلى أن الإفراج عن شريف جاء نتيجة للضغط الشعبي الكبير، والمطالبات العديدة من الهيئات والمنظمات الدولية. ويؤكد لمواطن: “أن ما حدث مع إبراهيم شريف يُؤكد على قمع السلطات لحرية التعبير، حيث تسعى الجهات المعنية لفرض الرقابة الذاتية على المواطنين ومنعهم من ممارسة حقهم في تفعيل الحريات العامة، بما في ذلك حرية التعبير عن الرأي وتنشيط دورهم الرقابي لتقييم أداء الحكومة”.
يُعبر اعتقال إبراهيم شريف، للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، عن مدى القمع الذي يطال حرية التعبير في البحرين؛ بما أن أي رأي مخالف للنظام مُعرض للمساءلة والاعتقال.
“في خطوة تُظهر استجابة للضغوط الشعبية والدولية، أفرجت السلطات البحرينية عن الناشط إبراهيم شريف بعد 4 أيام فقط من اعتقاله، وذلك في أعقاب موجة غضب واسعة عمت البلاد بعد وفاة السجين السياسي حسين خليل إبراهيم داخل محبسه”. حسبما قال لمواطن، سيد أحمد الوداعي، مدير المناصرة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية (BIRD).
والذي أضاف: “أن ارتباط الاتهامات الموجهة لشريف، بشركة مكلارين واهتمام الصحف العالمية بالكتابة عن الموضوع والوضع الاقتصادي في البلاد، وضع الحكومة والسلطات تحت ضغط إضافي؛ كونها كشفت فضيحة فساد، وكشفت بالأرقام الخسائر الطائلة للدولة نتيجة الاستحواذ على أسهم الشركة”.
“كما أن رمزية شخصية إبراهيم شريف، المهمة للشارع والأوساط السياسية والحقوقية في البحرين، والذي يعد من قيادات السياسية القلائل، الذين يحظوا باحترام وتقدير من جانب الطوائف الشيعية والسنية؛ ما يجعله رمزًا يعكس الوحدة الوطنية بعيدًا عن الاختلافات السياسية، لذلك كانت هناك الضغوط كبيرة للإفراج عنه”، وفق حديث الوداعي.
ولإبراهيم شريف تاريخ من النشاط السياسي والحقوقي، شارك في العديد من الاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي، اعتقلته السلطات البحرينية عدة مرات بسبب نشاطه السياسي، كان آخرها في ديسمبر/كانون الأول الماضي على خلفية رفض التطبيع، ورفض انضمام البحرين للتحالف الغربي ضد الحوثيين باليمن.
ويعد واحدًا من السياسيين المعارضين الأكثر نشاطًا في البحرين، منذ قرابة نصف قرن، وأحد القيادات الـ 14 الذين اتّهموا بتحريك احتجاجات 14 فبراير 2011، المتهمين بقلب نظام الحكم، وأفرج عنه في 20 من يونيو/حزيران بعد قضائه أكثر من 4 سنوات من السجن، إلا أنه حبس مرة في 12 من يوليو 2015، بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع على الإفراج عنه، ليقضي سنة أخرى في السجن بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم أيضًا.
حقوق الإنسان في البحرين
يواجه الملف الحقوقي في البحرين انتقادات متواصلة من قبل المنظمات الدولية والمحلية، وذلك في ظل استمرار وتوسيع دائرة القمع السياسي في البلاد، من خلال ممارسة تضييق متعمد على حقوق المواطنين، بتقييد حرية التعبير والتجمع السلمي للمواطنين، واتساع آلة القمع بالاعتقالات التعسفية، وإصدار أحكام قاسية على المعارضين السياسيين، بالإضافة إلى انتهاكات حقوقية، تتمثل في التعذيب، والحرمان من الرعاية الصحية للسجناء.
يرى الحقوقي البحريني جواد فيروز: “إن قمع الحريات العامة سياسة ممنهجة في البحرين؛ حيث تستخدم السلطة النيابة والقضاء للإجهاز على حق التعبير عن الرأي ومؤسسات المجتمع المدني”.
ويؤكد على أن “السلطات البحرينية تجاهلت جميع التزاماتها الدولية، وقرارات مجلس حقوق الإنسان، وتوصيات اللجان الحقوقية الأممية ولجنة تقصي الحقائق، والتي كان أبرزها المطالبة باطلاق الحريات والإفراج الفوري وغير المشروط عن معتقلي الرأي، وعلى رأسهم قيادات المعارضة والحقوقيون”.
كما لم تولِ السلطات داخل البحرين اهتمامًا جادًا بتطبيق مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولم تقدّم تحسّنًا ملحوظًا في هذا المجال؛ ما جعلها في مصاف الدول المنتهكة للحقوق والحريات العامة، بحسب فيروز.
تُمارس السلطات البحرينية، وفقاً لرئيس منظمة سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان، سياسة قمعية منظمة ضد المواطنين، تشمل تقييد عمل المجتمع المدني، وإغلاق الجمعيات الحقوقية والسياسية، واللجوء إلى أساليب تعسفية، وتجريد مئات المواطنين من جنسيتهم، وحرم آلاف آخرين من حقوقهم السياسية، بما فيها حق الترشح والانتخاب. كما أنّ البحرين مازالت تطبّق عقوبة الإعدام؛ خصوصًا في القضايا ذات الخلفية السياسية، بالإضافة إلى عدم محاكمة مرتكبي جرائم التعذيب.
وهو ما أكدت عليه منظمة العفو الدولية، بأن البحرين تُعاني من بيئة سياسية قمعية تُقيّد الحريات وتُقصي المعارضة،. فخلال العقد الأخير، ارتكبت السلطات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفرضت قيودًا صارمة على المجتمع المدني، وحظرت أحزاب المعارضة السياسية، وأغلقت جميع منافذ الإعلام المستقل. ومنذ عام 2016، كثفت السلطات حملتها لإقصاء المعارضة السياسية بشكل كامل.
وحظرتْ جميع الأحزاب السياسية المُعارِضة التي كانت تعمل بشكل قانوني قبل اندلاع انتفاضة 2011، وسجنتْ قيادات معارضة بارزة. نتيجة لهذه القمع، لا يوجد اليوم أي قيادات سياسية مُعارِضة نشطة خارج السجون، ولا أي إعلام مستقل في البحرين على استعداد لتوجيه أي انتقادات علنية للحكومة. ومنذ إغلاق السلطات صحيفة الوسط المستقلة في يونيو/حزيران 2017، أصبحت جميع القنوات التلفزيونية، ومحطات الراديو والصحف في البلاد؛ إما موالية للحكومة أو خاضعة مباشرةً لإدارتها.
ختامًا، يُعبر اعتقال إبراهيم شريف، للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر، عن مدى القمع الذي يطال حرية التعبير في البحرين؛ بما أن أي رأي مخالف للنظام مُعرض للمساءلة والاعتقال.