بينما يئنّ المواطنون/ات تحت وطأة تردّي الأوضاع المعيشية وارتفاع تكاليف الحياة، تتفاقم أزمة الدين العام في البحرين، وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في مطلع مارس/ آذار 2024، أن يظل عجز الموازنة العامة للحكومة البحرينية واسعًا عند 8.2% (حوالي 1.4 مليار دينار بحريني/ 3.72 مليار دولار أمريكي) من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2024 و2025، من 7.8% تقريبًا في عام 2023.
وقدرت وكالة التصنيف الائتماني أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البحرين إلى 135% (ما يقارب الـ23 مليار دينار/ 61 مليار دولار أمريكي) بحلول عام 2025، بعد ارتفاعها إلى 126% في العام 2023، من 118% في عام 2022، وهو أعلى بكثير من متوسط توقعات عام 2025 البالغ 56% للتصنيف “B”.
وتقوم “فيتش” بإدراج التزامات الحكومة تجاه مصرف البحرين المركزي، والتي لا تدرجها الحكومة في أرقام ديونها، وزادت هذه الالتزامات بنسبة 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، لتصل إلى 21% من الناتج المحلي الإجمالي، أي إنها تصل إلى 4 مليارات دينار (10.6 مليار دولار أمريكي).
وعن هذا قال القيادي السياسي والباحث الاقتصادي إبراهيم شريف: “تشكل الموازنات خارج الميزانية الرسمية للدولة، كالدفاع والديوان الملكي والأسلحة أكثر من نصف العجز حسب وكالة فيتش، والتي تسمى أيضًا بالموازنة السرية لعدم الإفصاح عنها وعدم عرضها على مجلس النواب لإقرارها، وذلك إضافة لعجز مزمن ومستمر في الميزانية البحرينية، والذي أدى إلى العجز في الميزانية الرسمية والسرية، وأدى إلى تراكم الدين العام”. وأوضح بأنه، ليس دور البنك المركزي أن يقرض الحكومة، وأن هذا وضع مقلق بزيادة الدين كل عام.
وتظهر بيانات مصرف البحرين المركزي زيادة في الدين العام بــ 1.13 مليار دينار بحريني (3 مليارات دولار أمريكي) خلال عام 2023، ليصل إلى 15.2 مليار دينار بحريني (40.4 مليار دولار) كما في 31 من ديسمبر/ كانون الأول 2023. وارتفعت نسبة الدين العام من الناتج المحلي من 84% في 2022 إلى 91% في 31 من ديسمبر 2023.
يتضح من خلال هذه الأرقام زيادة العجز المالي، وتراكم الديون بدلًا من تقليصها مع ارتفاع أسعار النفط خلال العامين الماضيين، وكذلك من خلال مشروع المارشال الذي تدعمه دول الخليج في البحرين لتسيير المشاريع التنموية الكبرى؛ فما السبب؟ وما دور مجلس النواب لإيقاف هذا النزف في الميزانية؟ وكيف يؤثر كل ذلك على حالة المواطنين/ات الاقتصادية؟
تردي الوضع الاقتصادي، ما السبب؟
مرت البحرين بأزمة اقتصادية كما غيرها من الدول خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008، والتي أدت إلى انكماش الاقتصاد، ما استدعى زيادة الدين العام وإجراءات تقشفية على صعد مختلفة، إلا إن الحكومة لم تستطع الإيفاء بالتزاماتها؛ فتدخلت دول مجلس التعاون الخليجي من خلال مشروع مارشال خليجي لدعم البحرين وسلطنة عُمان في 2011، والذي استهدف بالدرجة الأولى تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية لكلتا الدولتين.
إلا أن انخفاض أسعار النفط الحادة في 2015، عند 30 دولارًا للبرميل، وواصل هبوطه مطلع 2016 إلى حدود 27 دولارًا، لم يسعف البحرين لتنهض بميزانيتها أو لتغطي ديونها، خصوصا وإنها لم تخفض المصروفات؛ فما خفضته من جهة عادت وضخته في جهة أخرى.
تعج وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا بالتذمر والشكوى من ارتفاع الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة، يأتي ذلك فيما تضخ الأموال في شراء شركات متعثرة، ماكلارين على سبيل المثال، واستقطاب بطولات رياضية ليس لها جمهور في البحرين، وشراء الأسلحة في الوقت الذي لا تعيش المملكة حالة حرب.
كما عادت البحرين في العام الماضي ورفعت الدين العام إلى 124% من الناتج الإجمالي ورفع سقف الاقتراض رغم ارتفاع أسعار النفط وذلك بموجب مرسوم بقانون أصدره ملك البلاد ليصل سقف الدين العام إلى 16 مليار دينار بحريني (42.5 مليار دولار أميركي).
كما أن البحرين قررت الاستثمار في مشاريع لا تدر عليها الأرباح فحسب، وإنما هي كـ”الثقب الأسود” كما أسمتها النائبة في البرلمان البحريني زينب عبد الأمير، أي تضخ بها الأموال دون أي عائد على ميزانية الدولة كشركة طيران الخليج، التي تملكتها البحرين بالكامل في 2007 بعد انسحاب سائر دول الخليج، وتملكت شركة ماكلارين جروب بالكامل في مارس/ آذار 2024، بعد أن كانت تملك 15٪ من أسهم الشركة في 2007، إلا أنها بدأت في زيادة هذه النسبة مع مرور السنوات، رغم تعثر الشركة وحاجتها لملايين الدنانير للنهوض، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وهو الأمر الذي انتقده الكثيرون/ات على رأسهم إبراهيم شريف والذي شارك معنا في هذا التقرير، ومن ثم قررت النيابة حبسه على ذمة التحقيق بتهمة ازدراء النظام والتحريض على كراهيته ثلاثة أيام قبل الإفراج عنه، كما انتقد النائب السابق في البرلمان البحريني عن كتلة “الوفاق” عبدالجليل خليل قرار تملك ماكلارين قائلا: “ممتلكات ضخت 1.5 مليار جنيه إسترليني (1.89 مليار دولار أمريكي) في ماكلارين على مدى السنوات الماضية، منها 300 مليون جنيه (379 مليون دولار) أثناء جائحة كورونا، وكذلك شراء حصة الشركة السعودية بقيمة 400 مليون جنيه (505 مليون دولار)، ولكن الشركة مازالت تنزف؛ ففي 2022 خسرت 349 مليون جنية (441 مليون دولار) مقارنة بـــ 135 مليون جنيه (170 مليون دولار) في 2021″، متسائلاً؛ “ماذا سنجني من ضخ الملايين في تملك الشركة المتعثرة ؟!”.
لا خيار غير الخروج من #ماكلارين #ممتلكات طبقا للتقارير ضخت 1.5 £مليار في ماكلارين على مدى السنوات الماضية منها 300 £ مليون اثناء #الكورونا وكذلك شراء حصة الشركة السعودية 400 £مليون ولكن الشركة مازالت تنزف
— A.Jalil Khalil (@AJalilKhalil) March 22, 2024
ففي 2022 خسرت 349 £ مليون مقارنة ب 135£ مليون في 2021
ننتظر رد ممتلكات ؟ pic.twitter.com/IrWm4LhwRJ
كما أنه من المتوقع ارتفاع تكاليف الفائدة بشكل كبير على خلفية تزايد رصيد الديون، وارتفاع أسعار الفائدة على التمويل الجديد، مما يبقي العجز عند مستوى مرتفع. ومن المتوقع أن تصل الفائدة/الإيرادات إلى 32% في عام 2025، وهو أعلى بكثير من متوسط التوقعات للدول ذات التصنيف “B” البالغة 14%. حسب “فيتش”.
وفي تعليق لشريف قال: “لدينا فوائد تتجاوز الـ 900 مليون دينار (مليارين و393 مليون دولار أمريكي)، أي نصف دخل النفط، وكل ما تجنيه الدولة من رسوم وضرائب لا تغطي حتى الفوائد على القروض، والمشكلة هي أن البحرين لا تستطيع التحكم في نسبة الفائدة في السوق العالمي التي ترتفع عامًا بعد عام”.
وبالنسبة للنائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالنبي سلمان؛ فإن معضلة الدين العام “تحتاج إلى علاجات أسرع وأنجع مما هو قائم من حلول،؛ فقد أصبح تضخم الدين العام في البحرين يتجاوز ما نسبته 110% من الناتج القومي الإجمالي، وحدها خدمة الدين تتجاوز الـ 850 مليون دينار (مليارين و٢٦٠ مليون دولار أمريكي، وهذا الأمر يعيق الدولة عن طرح مشاريع جديدة أو حتى حلول لتحسين أوضاع الناس المعيشية أو تحسين الخدمات”.
ويرى سلمان أن مشروع التوازن المالي لن يوصل البحرين إلى بر الأمان طالما ظل تضخم الدين العام قائمًا، “لذلك نحتاج إلى تفكير مختلف وعلاجات مربحة، وتقليص لبعض الميزانيات المتضخمة حتى نستطيع أن نحقق بالفعل ميزانية تنمية حقيقية، وبدون ذلك فنحن نسير باتجاه لا يحقق طموحاتنا وطموحات الدولة في تحقيق خطط وبرامج ما طرح من رؤى 2030 أو حتى 2050، وها نحن جربنا رفع ضريبة القيمة المضافة، ورفعنا الدعم عن سلع مهمة، لكن ما زال مشوارنا لبلوغ التوازن المالي المنشود بعيدًا للأسف”.
كيف أثر هذا العجز على حياة المواطنين؟
تعج وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا بالتذمر والشكوى من ارتفاع الأسعار، وارتفاع معدلات البطالة، وعدم وجود حلول جذرية لمشكلات مزمنة كالإسكان والفساد وغيرها من المشكلات، بالإضافة لقرارات سياسية ساهمت في زيادة حدة هذه الأزمة الاقتصادية.
فيما تعلن الحكومة البحرينية منذ عقود عن نيتها تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط كمدخل رئيسي للنفط، إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بنسبة لا تزال سلبية، ولكن "فيتش" توقعت أن تستمر البحرين في تحسين رصيدها الأولي غير النفطي تدريجيًا.
يأتي ذلك فيما تضخ الأموال في شراء شركات متعثرة، ماكلارين على سبيل المثال، واستقطاب بطولات رياضية ليس لها جمهور في البحرين، وشراء الأسلحة في الوقت الذي لا تعيش المملكة حالة حرب أو حتى البلدان المجاورة، كصفقة شراء طائرات مقاتلة من طراز “F 16 بلوك 70” من “لوكهيد مارتن” بقيمة 1.1 مليار دولار، كما كانت هناك نية لشراء 50 دبابة أبرامز متطورة بقيمة 2.2 مليار دولار، إلا أن الحكومة عادت وتراجعت عن الصفقة.
يقول إبراهيم شريف: “نحن اليوم ننفق أكثر من إمكانياتنا، بعض هذه المصروفات ليس لها حاجة في المجال الأمني والعسكري والموازنات السرية، ولكن بإمكاننا أن نوازن الموازنة، من خلال تقليل حجم المصروفات، وهو ما تحاول الحكومة القيام به من وقت لآخر عبر عدة خطوات؛ منها تقليص حجم النفقات على القوى العاملة المدنية، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة؛ فيما تبقى نسبة النفقات على القوى العاملة العسكرية والأمنية أكثر من تلك التي تشمل القطاع المدني بالكامل منذ 2021، وهو ما أدى لفرض الضرائب والرسوم، وعندما يتوقف الدعم الخليجي سنضطر إلى خفض سعر العملة”.
تعلق الدكتورة نور آل عباس الباحثة في شؤون سوق العمل: “يتضح لي تأثير الدين العام على سياسات سوق العمل والحماية الاجتماعية، من خلال فائض صندوق التعطل؛ حيث استخدمت الحكومة في السنوات الأخيرة مبالغ من الصندوق لتمويل مصاريف حكومية مثل التقاعد الاختياري، كما مرر مجلس النواب مؤخرًا مرسومًا بقانون لتحويل 200 مليون دينار من صندوق التعطل إلى تمكين لتمويل برامجها، وهو تأثير مباشر للدين العام على المبالغ المخصصة للحماية الاجتماعية، والتي كان من الأجدى والأفضل تطوير برامج الدعم للعاطلين/ات عن العمل بدل استخدام هذه المبالغ لسد عجز الدولة في تمويل برامجها المختلفة”.
يتحدث الكاتب والناشط السياسي عباس العماني عن تأثير ارتفاع الدين العام على حياة المواطنين/ات: “دفع المواطن/ة لتحمل دفع المزيد من الرسوم على الخدمات الحكومية وصولاً إلى ضريبة القيمة المضافة VAT بنسبة 10% بعد ضريبة القيمة الانتقائية؛ مساهمة منه في رفع مستوى دخل الخزانة العامة، وبالتالي إرجاع القروض مع خدمة الدين، كما أن المديونية العامة تحد من فرص التوظيف في القطاع الخاص، وتحد الحكومة من التوظيف، أي الصرف حتى يتسنى لها تسديد الديون المستحقة عليها، كما أن جزءً كبيرًا من الإيرادات يذهب لسداد (خدمة/ فوائد الدين العام)، حتى مع ارتفاع الإيرادات النفطية يبقى تحدي الفوائد أولوية على حساب المشاريع؛ خصوصًا الخدمية منها كالصحة والتعليم والبنية التحتية، حتى لو عُوّض ذلك من الدعم الخليجي الذي لا يُعرف إلى متى سيستمر؛ وكما ذكر عدد من المسؤولين أن مطالب الناس محقة، لكنها لا يمكن أن تشكّل أولوية نتيجة هذا الالتزام الباهظ”.
هل هناك حلول؟
فيما تعلن الحكومة البحرينية منذ عقود عن نيتها تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط كمدخل رئيسي للنفط، إلا أن ذلك لم يتحقق إلا بنسبة لا تزال سلبية، ولكن “فيتش” توقعت أن تستمر البحرين في تحسين رصيدها الأولي غير النفطي تدريجيًا إلى -14.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025 من -16% في عام 2023 و-21% في عام 2019. ويمكن أن تؤدي تدابير الإصلاح أو فرض ضريبة الدخل على الشركات إلى تقليص عجز الموازنة غير النفطية بشكل أسرع مما كان متوقعًا، حسب التقرير.
يتم دعم تصنيفات البحرين بدعم مالي قوي من الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات التنمية البشرية، حتى بالنسبة إلى متوسط “BBB”. ويؤثر ضعف المالية العامة، والاعتماد المالي الكبير على عائدات النفط، وانخفاض مستويات احتياطيات العملات الأجنبية على التصنيفات. وتتوقع “فيتش” أن تظل سياسة المالية العامة متجهة نحو ضبط أوضاعها، ولكن من المرجح أن يستمر التأخير في تنفيذ الإصلاح.
“في أحسن الأحوال؛ إذا زادت الحكومة ضريبة القيمة المضافة 5٪، وخلقت ضريبة على أرباح الشركات، ورفعت أسعار البترول، هذا كله لا يغطي العجز في ميزانية الدولة المعلنة، وهو 700 مليون دينار بحريني (مليار و862 مليون دولار أمريكي) إلى جانب العجز في الميزانية غير السرية”. وفق حديث إبراهيم شريف.
لا يزال مجلس النواب في البحرين مكبلاً بالعديد من الإجراءات والتشريعات التي تحدد له مهامه، وتقلص مناقشاته وتبعده عن قضايا مهمة كثيرة تشغل المواطنين/ات، وتحدد مصائر الناس، ولكنه رغم ذلك لم يغفل موضوعات كقضية الدين العام، وبعض قضايا الفساد، بالإضافة لمناقشة استثمارات الدولة، عن ذلك يقول النائب سلمان: “هناك حاجة لأن تصغي الحكومة لاقتراحات السلطة التشريعية المتكررة، فصلاً بعد آخر لتقليص ومراقبة كافة أوجه الإنفاق العام، والذي سيتم عبر إعادة هيكلة أبواب المصروفات العامة والميزانيات المرصودة”.
وأضاف لمواطن: “الوقت ليس وقت الإنفاق دون مبررات، هناك أولويات قصوى تتمثل في ضرورة تحقيق التزامات الدولة الدستورية تجاه كافة أبناء الشعب وبعدالة، علاوة على سرعة تحقيق طموحات الناس العادلة في السكن والعمل والعلاج والتعليم وكافة الخدمات، ونعتقد أن الدولة سعت كثيرًا في مجالات عديدة، نجحت في بعضها وفشلت في أخرى، ولكن مطالب الناس لا تتوقف، ولابد من تحقيق الشفافية المطلوبة في طرائق الإنفاق العام”.
ويعتقد سلمان أن “بالتعامل المسؤول والانضباط في إدارة الأموال العامة نستطيع أن نعتمد على مواردنا الذاتية ونحفظ مؤسساتنا من التراجع، ونطور استثماراتنا ونزيد مواردنا، لذلك نحتاج إلى تفكير وبرامج وخطط تلبي طموحات الناس في تحقيق حياة كريمة تعزز الاستقرار وتدفع بالتنمية إلى الأمام، وصولاً لتحقيق التنافسية المطلوبة على المستويين الاقتصادي التنموي والمعيشي”.
واعتبر أن أهم الأولويات حاليًا هو تقليص الدين العام، ووقف كافة وجوه الاستدانة والهدر والفساد والتعدي على المال العام، والوضوح في أولوياتنا الاقتصادية والمعيشية، وتقليص هياكل الدولة المتضخمة؛ من وزارات وهيئات ومجالس وغيرها؛ فكل ذلك حاليًا يتطلب ميزانيات، ولابد من التحسب جيدًا لاختلالات الوضعين؛ المعيشي والاقتصادي للمواطنين/ات، وإيجاد برامج حقيقية لمعالجة وجوه الفقر والبطالة وطول انتظار الخدمات الإسكانية، وأحيانا كثيرة الصحية، والتي هي جلها من أسباب الأخذ بنهج تخلي الدولة عن مهماتها الدستورية تجاه تلك الملفات”.
وهو أمر اتفق فيه إبراهيم شريف معه، من خلال تقليص النفقات غير الضرورية، كالأسلحة والجهاز العسكري والأمني بحجميهما الحاليين، بالإضافة لفرض ضرائب على الشركات، وضريبة الدخل لمن أجورهم/ن ودخولهم/ن فوق المتوسط ضمن شرائح تختلف نسبته باختلاف الدخل، وضريبة الأملاك والعقار غير المتحرك.
واتفقت معه الباحثة آل عباس في فرض الحكومة ضرائب على الشركات أو ذوي الدخل العالي، “لكن هذه القرارات تحتاج إلى قرار سياسي وتعاون من التجار”، كما دعت للتصدي للأسباب الحقيقية وراء تعثر بعض الشركات التي تملكها الدولة بالكامل؛ مثل شركة طيران الخليج التي تم دعمها بمبلغ يزيد عن الـ48 مليون دينار (127.7 مليون دولار أمريكي) من ميزانية الدولة العام الماضي، وكان من الأجدى لو صرف هذا المبلغ على مؤسسات نفع عام أخرى”.
لحل مشكلة الدين العام دعا العماني في حديثه لمواطن، إلى تقليص المصروفات المتكررة عبر ترشيق الجهاز الرسمي المترهل؛ إذ يصل لقرابة ٧٨ وزارة وهيئة ومؤسسة حكومية تستنزف البند الأكبر في الميزانية، “كما أن تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية تعج بالمخالفات التي لا تُصحّح بالجدّية المطلوبة، وهنا أُشير لقصور نيابي كبير في هذا الجانب؛ إذ لا يستقيم الإصلاح بلا محاربة للفساد” وطالب بالشفافية الكاملة حول طبيعة وأدوات الدين وخدمة الدين.
وقالت فيتش إن العوامل التي يمكن أن تؤدي، منفردة أو جماعية، إلى إجراء/تخفيض التصنيف السلبي هي مزيد من التدهور في ديناميكيات الدين العام، بسبب الانخفاض المستمر في أسعار النفط إلى ما دون افتراضاتهم طويلة الأجل على سبيل المثال، بالإضافة لضعف الدعم الخليجي، وهو ما قد يفرض ضغوطًا أكبر على ميزان المدفوعات، وربط العملة في سياق انخفاض مستويات الاحتياطيات، وحدوث انخفاض مستدام في الدين الحكومي/الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط، ومواصلة التحسين الهيكلي للمالية العامة، مما يقلل الحاجة إلى حزمة تمويل من دول مجلس التعاون الخليجي، وتخفيف القيود الاجتماعية والسياسية على السياسة المالية، مما يسمح بإجراء إصلاحات أعمق تولد إيرادات غير نفطية أعلى.
ختامًا، يُشكل الدين العام عبئًا ثقيلًا على كاهل المواطنين/ات والدولة، ويُعيق قدرة البحرين على تحقيق التنمية المستدامة وتلبية احتياجات شعبها، فهل تتجه البلاد نحو مزيد من الاستدانة، أما أن لدى الحكومة القدرة على تصحيح المسار؟