بعد ثلاث ساعات من تلقيها تحاميل الطلق الصناعي لتسريع عملية الولادة، شعرت بألم غير طبيعي وبدأ نزول الجنين، وعند الاستنجاد بالقابلة المشرفة على حالتها في أحد المستشفيات الحكومية، ردت عليها أن التوسع لم يكتمل بعد، وبعبارة: “إذا ما بدكن تتوجعن ليش تتزوجن وتخلفن”؛ في هذه اللحظات بدأت بالصراخ والتوسل لها لإدخالها غرفة الولادة، وما أن استجابت القابلة لصراخها بدأ الطفل بالنزول وسقط قبل الوصول لغرفة الولادة، حسبما تحكي تمارا جمال (23 عامًا).
سارعت القابلة بإدخالها إلى غرفة العمليات بدلًا من غرفة الولادة الطبيعية نتيجة التأخر؛ إذ أصيبت بتمزق وشق في منطقة الحوض، وتطلب الأمر خضوعها لعملية جراحية، بعد الخروج من غرفة العمليات ألقت القابلة اللوم على تمارا بأنها سبب ما حدث؛ في محاولة منها لإغفال عدم الاستجابة لإدخالها غرفة الولادة.
تتعرض النساء اللائي تنجب للضرب والإذلال، وتُفصل الأمهات عن الأطفال حديثي الولادة، وتتعرض النساء الحوامل للسخرية بسبب اختياراتهن، ويُجبرن على تحمّل علاج لا يرغبن به، وفق دراسة صادرة عن الأمم المتحدة.
أما دعاء خالد (28 عامًا) وعن تجربة الولادة الأولى لها، وفي أحد المستشفيات الحكومية، تقول: “لما دخلت غرفة الولادة شعرت وكأنني داخلة على مكان تعذيب أو مجزرة، صفع وضغط على البطن بشكل قوي، وخبط على الساقين بعنف ولما اعترضت وصرخت من الألم حكت لي القابلة إحنا باليوم بنولد أكثر من واحدة، أنتي مش أول وحدة بتولدي”.
دعاء وتمارا حالتان ضمن عشر حالات لسيدات أردنيات، وثقنا تعرضهن للعنف اللفظي، وبعض الاحيان الجسدي داخل غرف الولادة، وانتهاكات مخالفة لأخلاقيات العمل الطبي، من بينها الفحص المهبلي المتكرر، والاستهتار بآلامهن وغياب الخصوصية؛ ما نتج عنه آلام جسدية ونفسية طويلة الأمد؛ في وقت تظهر دراسات جديدة متعددة البلدان بقيادة منظمة الصحة العالمية تقول أن أكثر من ثلث النساء تعرضن لسوء المعاملة أثناء الولادة في المرافق الصحية.
أجمعت غالبية النساء اللاتي وثقنا تجاربهن، على تكرار مرات الفحص المهبلي، وهو إجراء لقياس مدى توسّع عنق الرحم مما يسبب لهن آلالام جسدية، وعلى عدم وجود خصوصية داخل غرفة الولادة؛ إذ تحوي الغرفة عددًا كبيرًا من النساء دون أي عوازل أو ستائر فاصلة.
ومن المفترض أن يكون عدد مرات الفحص المهبلي مرتين وفق البروتوكول الطبي، المرة الأولى في بداية الحمل للتأكد من خلو المنطقة من أي عدوى ميكروبية، والمرة الثانية خلال الأسبوع الثاني من الشهر التاسع للحمل، ويكون ذلك لقياس مدى توسع الرحم، وللتأكد من نزول الطفل لقناة الولادة والتحقق من عدم وجود أي مشكلة.
وتعد هذه الانتهاكات تشكل ظاهرة في عدة دول حول العالم وفق نتائج دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، في غانا وغينيا وميانمار ونيجيريا، صدرت في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، التي أظهرت أن 42% من النساء اللاتي شملهن البحث أثناء فترة الولادة تعرضن للإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز، بينما 14% منهن تعرضن للإيذاء البدني، ويعتبر الصفع أو الضرب أو اللكم من أشكال الإيذاء الأكثر شيوعًا.
وما زالت تحذر الدراسات من تلك الانتهاكات، وأشارت دراسة حديثة للأمم المتحدة صدرت عام 2022 من أن النساء في كل مكان يواجهن انتهاكات لحقوقهن، بما في ذلك حقوق الخصوصية والموافقة المستنيرة، والحق في الحصول على رفيق موثوق به مفضل طوال فترة الولادة.
وتعرِّف الأمم المتحدة العنف ضد المرأة على أنه السلوك الممارس ضد المرأة، والمدفوع بالعصبية الجنسية؛ ما يؤدي إلى معاناة وأذى يلحق المرأة في الجوانب الجسدية والنفسية والجنسية، ويشمل أنماطًا شائعة من العنف؛ مثل القتل والضرب والإساءة اللفظية والتحرش الجنسي واللفظي والاغتصاب والزواج القسري والابتزاز الإلكتروني.
انتهاكات وممارسات غير مقبولة
الطبيبة النسائية ولاء الأسعد، وهو اسم مستعار للطبية خوفًا من فقدان وظيفتها، عملت في القطاع العام وتعمل حالياً في القطاع الخاص،تعزو سبب ظهور حالات عنف في غرف الولادة إلى أن، الكادر الطبي وخاصة في القطاع العام يتلقى الكثير حالات الولادة في اليوم الواحد، بالتالي هو أمر روتيني ويشكل ضغطًا كبيرًا عليهم، يوصلهم لحالة من الاستهتار في ألم المرضى.
ووفق بيانات دائرة الأحوال المدنية والجوازات، عن متوسط المواليد -الأحياء- في الأردن باليوم الواحد خلال عام 2022، والذي وصل لـ 514.3 مولودًا، وبلغ معدل المواليد لكل 1000 نسمة في المملكة، 18.1 مولودًا؛ مقابل معدل وفيات بين المواليد لكل 1000 نسمة 6.0 مولود، نسبة الجنس وقت الميلاد بلغت 112.5 ذكرًا مقابل 100 أنثى.
تقول لمى فارس (33 عامًا): "عشت تفاصيل ولادة صعبة جعلتني لا أفكر في الولادة مرة ثانية، بسبب الصعوبات النفسية التي عشتها، كنت بسمع أنه الوجع منسي، بس هاي العبارة مش صحيحة، ما شفت وجع منسي للآن، بتوجع نفسيًا وجسديًا من الموضوع ".
بعض تلك الحالات وصلت للمحاكم الأردنية، فوفق محرك البحث قسطاس، ففي حكم قضائي أطلعت مواطن عليه، أسندت محكمة بداية جرش بصفتها الاستئنافية رقم الدعوى 22-3-4356-2013- جرم الإيذاء خلافًا لأحكام المواد 188 و189 و190 من قانون العقوبات وجرم الذم والقدح والتحقير، خلافًا لأحكام المادة 344 من قانون العقوبات بحق قابلة قانونية في مستشفى حكومي.
وأفادت السيدة صاحبة القضية، أنه أثناء وجودها في إحدى غرف المستشفى من أجل الولادة قامت القابلة بإعطائها حقنة بالوريد بحكم عملها في المستشفى من أجل راحتها، (طلق الولادة)، وتذكر أن السيدة كانت تقوم بمعاينتها بطريقة ليست طبية وغير لائقة، وأنها وأثناء ذلك قامت بمخاطبتها وبالحرف الواحد “أنتي من لما فتي أوجعتي، راسي مين حكا لك تتجوزي:، وبعد ذلك تم نقلها إلى غرفة أخرى، وأنه بعد نقلها الى الغرفة الأخرى، دخلت عليها المشكوة وجلست مقابلها وقالت: “خلفي ابنك لحالك وخليه يموت”.
قدمت مواطن السؤال وطلب التعليق من الجهات الرسمية المختصة في الأردن على ما يحدث من انتهاكات، ولم نتلق أي رد حتى لحظة نشر التحقيق.
أكدت الناشطة الحقوقية والعاملة في برامج الصحة الإنجابية نهى محريز، أن بعض النساء عند صراخهن من الألم الولادة يتعرضن لردة فعل قاسية وكلام مهين، وهو شائع في غرف الولادة؛ مثل “ترحبين بالجنس وترفضين ألم الولادة”، وقامت محرز بجولات في غرف الولادة في المستشفيات الحكومية، ورصدت عدة انتهاكات؛ مثل غياب النظافة في غرف الولادة والفحص المهبلي المتكرر والذي يشكل خطورة على المرأة.
وتضيف من وحي رصدها أن تلك النساء لا يلجأن للقضاء عند تعرضهن للإساءة، بالرغم من أن بإمكانهن تقديم دعوى قدح وذم وتحقير وإساءة معاملة وفي بعض الأحيان إيذاء، إلا أن اللجوء للقضاء يكون فقط في حالة الأخطاء الطبية، والسبب في ذلك هو أن الأمر أصبح نهجًا متكررًا من جهة، ومن جهة أخرى غياب التوعية بثقافة الاحترام والرحمة التي يجب أن تكون سائدة في غرف الولادة، ولشعور البعض أن الخدمة الطبية استجداء وعدم معرفة النساء أن ما يحصل هو انتهاكات.
ما بعد الولادة.. ألم نفسي
تحتاج السيدة بعد الولادة إلى مراجعة طبيب نفسي، حتى لو كانت ظروف الولادة سهلة فتعاني معظم الأمهات من اكتئاب ما بعد الولادة، والذي يشمل عدة أعراض؛ من بينها تقلُّبات في المزاج ونوبات من البكاء والقلق، وصعوبة في النوم بحسب الطبيبة النسائية، ولاء الأسعد.
“من خلال تجربتي في العمل كطبيبة نسائية في مستشفيات حكومية، الكثير من الحالات تصلني تعاني من ضغوط نفسية، لا يمكنني إلقاء اللوم على السيدة لأنها في الوضع الطبيعي تتعرض لتغير هرموني؛ ما يساهم في تغيرات نفسية وتصرفات لا سلوكية، وما تتعرض له خلال الولادة يفاقم من الوضع النفسي المتأزم أصلًا”. حسبما أضافت الطبيبة النفسية.
وهو ما تؤكد عليه لمى فارس (33 عامًا)، التي تقول: “عشت تفاصيل ولادة صعبة جعلتني لا أفكر في الولادة مرة ثانية، بسبب الصعوبات النفسية التي عشتها، كنت بسمع أنه الوجع منسي، بس هاي العبارة مش صحيحة، ما شفت وجع منسي للآن، بتوجع نفسيًا وجسديًا من الموضوع “.
يقسم الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور مازن مقابلة، العنف في غرف الولادة لقسمين؛ الأول عنف مباشر ويكون من خلال المعاملة الخشنة جسديًا أو المسيئة لفظيًا أثناء فترة المخاض والولادة، بقصد (الخلافات الشخصية أو الوظيفية)، أو بدون قصد (عدم الاحترافية، نقص الخبرة) من الأهل أو الكادر الطبّي. والنوع الآخر عنف غير مباشر ويكون من خلال الاستهانة أو عدم الاكتراث وتجاهل معاناة المرأة الجسدية والنفسية، أو أثناء فترة المخاض والولادة بقصد (القناعة غير الصحيحة بأن الاهتمام بالمرأة يزيد من شكواها)، أو بدون قصد (الانشغال بأعمال أُخرى) من الأهل أو الكادر الطبّي.
ويضيف: “إن فترة الحمل وما يليها من المخاض، ثم الولادة مراحل بالغة الحساسية لدى المرأة على الصعيد الجسدي والنفسي؛ خصوصًا إذا كانت التجربة الأولى؛ حيث تكون المرأة أكثر عُرضةً للانتكاسة (إذا كانت صحتها النفسية غير مستقرة مسبقًا)، أو الإصابة بالاضطرابات النفسية (إذا كانت صحتها النفسية مستقرّة مسبقًا)؛ مثل اضطراب النوم، اضطراب القلق العام، الوسواس القهري، نوبات الهلع، الاكتئاب، اضطراب المزاج ثنائي القطب، ذهان ما بعد الولادة بسبب العديد من العوامل مثل: الأمراض العضوية (تسمم الحمل، سكرّي الحمل، النزيف أثناء الولادة..)، اختلال توازن الهرمونات، آلام الحمل والمخاض والولادة ، تغيّر الشكل والمظهر العام، الخوف من عدم القدرة على تحمّل مسؤولية الطفل، عدم وجود الدعم الأسري والاجتماعي المناسب، المعاملة القاسية أو العنيفة بشكل مباشر أو غير مباشر من قِبل الأهل أو الكادر الطبّي”.
ما تحدث به الاختصاصي النفسي يتفق مع نتائج دراسة بحثية حديثة للأمم المتحدة نشرت في 23 آذار/مارس 2022؛ إذ تفيد أن في غرف الولادة غالبًا ما يتم “تطبيع” سوء معاملة الوالدين والأطفال حديثي الولادة في ثقافة المستشفى، ويتفاقم الأمر بسبب نقص الوعي بحقوق المرضى والتمييز بين الجنسين، ونقص مهارات التعاطف السريري القائمة على مهارة فهم ما يقوله المريض ويشعر به، والتواصل بشكل فعال طبقًا لهذا الفهم مع المريض، مما يشكل عواقب وخيمة على صحة ورفاهية النساء وأطفالهن، ويمكن أن يعرّض حياتهن للخطر.
موقف القانون الأردني؟
المحامي المختص بقضايا المسؤولية الطبية أنس جوهر يقول: “لعنف الولادة شكلان؛ أحدهما العنف اللفظي والآخر الجسدي، ويدخل ذلك تحت اختصاص الجرائم الواقعة للأشخاص (قانون العقوبات الأردني ) تحت مسمى جرم الإيذاء .
ويقول جوهر إن اللكم والصفع يشكلان سلوكيات غير قانونية ومرفوضة، ولا يدخلان ضمن أي ممارسة طبية، أما الضغط على البطن فهو جزء من عملية الولادة وخاصة القيصرية، إلا أنه ضمن حدود معينة، لئلا يؤذي الأم أو طفلها، ولا يكون بشدة، أما الصفع على الوجه لإيقاظ المريض وهو ما يستخدم بصورة كبيرة لا يشكل ممارسة طبية صحيحة. وعن الصراخ على المريضة يقول جوهر إنها ممارسات طبية مخالفة للقانون؛ فمهما كان وضع المريضة يجب على مقدم الخدمة اتباع الإتيكيت الطبي وأخلاقيات المهنة.
أجمعت السيدات اللاتي شاركن معنا، على أنهن لا يعرفن الصفة الوظيفية لمقدمة الخدمة؛ سواء ممرضة أو قابلة أو حتى طبيبة، واعتبر جوهر هذا السلوك مخالفًا لقانون المسؤولية الطبية الذي يلزم مقدم الخدمة التعريف بنفسه للمريض.
ويضيف جوهر: “تقوم المؤسسة بفرض عقوبات إدارية على الممرضة أو القابلة التي ترتكب انتهاكات إذا كانت تعمل في مؤسسة حكومية ينطبق عليها قانون الخدمة المدنية، والعقوبات تكون التنبيه والإنذار، أما إذا كانت موظفة قطاع خاص فينطبق عليها قانون العمل، وتكون العقوبات والتوبيخ والإنذار”.
ويختم حديثه بإن ذلك لا يمنع من وجود العقوبات الجزائية بموجب قانون العقوبات، والتي تسمى بالعقوبات الإدارية؛ فمثلاً في حالة السبّ ينطبق عليها الذم والشتم والتحقير، وفي حالة الضرب ينطبق المواد المرتبة بالإيذاء.
عواقب وخيمة وحلول ناجعة
أظهرت دراسة نوعية بعنوان العواقب الصحية السلبية الناتجة عن العنف أثناء الولادة: دراسة نوعية في النساء الإيرانيات، نشرت في مجلة BMC Pregnancy and Childbirth مجموعة من النتائج الخطيرة والعواقب الصحية الوخيمة للعنف أثناء الولادة؛ منها ضعف الروابط الأسرية بتعطيل الارتباط بين الأم والوليد، وتعطيل العلاقة العاطفية والجنسية بين المرأة وزوجها، ويشكل هذه النوع من العنف عدم ثقة النساء في القوانين الداعمة، مما تسبب في إحباطهن من انتهاك حقوقهن، كما يحول العنف أثناء الولادة لحظات الحب والفرح عند ولادة الطفل إلى أكثر الأحداث مأساوية في حياة الأم، مما يجعل النساء يكرهن الإنجاب.
تحكي مادلين اليوسف: "كانت ولادتي بكرية، ما عندي أدنى علم عن كل شي، التوسع وصل 9 سم، كنت أصرخ من الألم الوجع أقوى مني، بلش الدكتور والممرضات الصراخ علي، مسكني الدكتور ودفشني عالتخت وحكا، حولوها عملية".
إلا أنه من الممكن الحد من العنف في غرف الولادة؛ فقد أفادت دراسة أجرتها المنظمة الأممية المعنية بالصحة التابعة لمنظمة الصحة العالمية في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019 أن مجموعة استراتيجيات يمكن استخدامها للحد من العنف الذي قد يتعرض له النساء في غرف الولادة، وذلك بإعادة تصميم أقسام الولادة في المستشفيات بصورة تلبي احتياجات النساء، بما في ذلك السماح بالخصوصية والمرافقة أثناء عمليات الولادة، وتحسين عملية أخذ “الموافقة الواعية” من النساء حول كل أشكال التدخلات الطبية، وتوفير التوجيه والدعم الكافيين للعاملين الصحيين لمساعدتهم على تقديم “رعاية بجودة أفضل، والسماح لجميع النساء الراغبات في الحصول على “مرافق” لهن أثناء المخاض وعملية الولادة يقمن باختياره/اختيارها بأنفسهن.
كما أشارت توصيات الدراسة إلى الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات المهنية –بين أفرادها من القابلات وأطباء التوليد وغيرهم من مقدمي خدمات الأمومة– لتشجيع ودعم الرعاية المحترِمة للنساء وحماية حقوقهن.
الولادة القيصرية.. تجارة رابحة وأضرار جسيمة
“مكان البطن مشوه، أنا باعتبر جسمي مشوه لليوم بعالج الرحم، وبعالج الشكل الخارجي للبطن عند طبيب خاص”؛ هكذا تتحدث لمى فارس عن تجربتها الأولى في الولادة القيصرية في أحد المستشفيات الخاصة، القرار المفاجئ للطبيب بالرغم أنه كان بالإمكان أن تكون ولادتها طبيعية، بعد أن عاشت كل تفاصيل وألم المخاض والفحص المهبلي المتكرر والمؤلم، عدا عن تكبدها 1800 دينار أردني.
يتشابه ذلك مع تجربة مادلين اليوسف تقول: “كانت ولادتي بكرية، ما عندي أدنى علم عن كل شي، التوسع وصل 9 سم، كنت أصرخ من الألم الوجع أقوى مني، بلش الدكتور والممرضات الصراخ علي، مسكني الدكتور ودفشني عالتخت وحكا، حولوها عملية”.
وأكدت جمعية معهد تضامن النساء الأردني تضامن (جمعية نسوية حقوقية أردنية) في دراسة بحثية صدرت عام 2020، أن مخاطر الوفاة بعد إجراء الولادة القيصرية تعتبر أكثر خطرًا من الولادة الطبيعية، وإجراء عملية قيصرية يعرض الأم والطفل الى مخاطر صحية عديدة، ناتجة عن التخدير أو النزيف أو التهاب الجرح، إضافة الى التكلفة المرتفعة للعملية مقارنة بالولادة الطبيعية، والإقامة لفترة أطول داخل المستشفى.
وتظهر الدراسة أن الأردن سجل ارتفاع معدل وفيات الأمهات من 32.4% إلى 38.5% لكل 100 ألف مولود حي لعام 2020، وفي جانب آخر أظهر التقرير الوطني لوفيات الأمهات لعام 2018 الصادر عن وزارة الصحة الأردنية أن من بين 62 وفاة للأمهات، كان هنالك 39 وفاة لأمهات خضعن لولادة قيصرية، وبنسبة 62.9% من مجموع وفيات الأمهات، في حين توفيت 8 أمهات خضعن لولادة مهبلية وبنسبة 12.9%.
وتعتقد الجمعية النسوية الأردنية، بأن نسبة الولادات القيصرية في المستشفيات الخاصة أعلى من المستشفيات الحكومية، كما أن ازدياد الاعتماد على إجراء العمليات القيصرية بشكل مفرط ودون أسباب ودواعٍ طبية، سيجعل العمل على تخفيض الاعتماد عليها صعبًا في ظل عدم وجود ضوابط طبية استرشادية، تحكم قرار إجراء العملية القيصرية، والآثار الصحية الناجمة عن ذلك على كل من الأم والطفل.
ووفقًا لـ التقرير الوطني الثالث لعام 2020، ارتفع معدل وفيات الأمهات في البلاد؛ ما أبرز الحاجة إلى ضرورة تعزيز جودة الخدمات الطبية التي تراجعت؛ خاصة في فترة كورونا. وأظهرت نتائج التقرير ارتفاعًا في معدل وفيات الأمهات في الأردن إلى 38.5 وفاة لكل 100 ألف مولود حي، مقارنة بــ 32.4 وفاة لكل 100 ألف مولود حي للعام 2019. ويشير التقرير الإحصائي السنوي لعام 2020، والصادر عن وزارة الصحة الأردنية إلى أرقام مقلقة جدًا، كالحديث عن أن 63% من وفيات الأمهات عند الولادة في الأردن هي لنساء خضعن لولادة قيصرية.
وهو ما دفع مؤسسات حقوقية وأسرية للتحذير، ودق ناقوس الخطر من الارتفاع المستمر بنسبة الولادات القيصرية في مستشفيات وزارة الصحة الأردنية؛ إذ بلغت في عام 2020 نحو 32% من مجموع الولادات؛ في حين أن المعدل العالمي الطبيعي للولادات القيصرية يتراوح ما بين 10 و15% فقط.
وفق موقع مايو كلينك (هي منظمة غير ربحية ملتزمة بـ الممارسات السريرية والتعليم والبحوث)؛ فإن العملية القيصرية تكون في حالات محددة؛ أكثرها شيوعًا عدم تقدم المخاض بشكل طبيعي، المخاض المتعسر (عسر الولادة)، وفي حال القلق من عدم انتظام نبضات قلب الطفل، وتنطوي عمليات الولادة القيصرية على مخاطر؛ شأنها شأن الأنواع الأخرى من العمليات الجراحية الكبرى على الطفل والأم؛ إذ تشمل مخاطر على الطفل في مشكلات التنفس؛ فمن المرجح إصابة الأطفال الذين يُولدون قيصريًا بمشكلة في التنفس جعلهم يتنفسون بمعدل سريع لبضعة أيام بعد الولادة (تسرع النفس العابر). والإصابة خلال الجراحة، يمكن أن يُصاب جلد المولود بشقوق دون قصد أثناء الجراحة، ولكن هذا أمر نادر الحدوث.
أما عن الأمهات فتشمل المخاطر التي يتعرضن لها على العدوى؛ فبعد إجراء عملية الولادة القيصرية تكون الأم معرضة لخطر الإصابة بالتهاب في بطانة الرحم أو في المسالك البولية أو في موضع الشق الجراحي، ونزف الدم أثناء الولادة وبعدها، وتزيد القيصرية من خطر إصابة الأم بالجلطات الدموية داخل أحد الأوردة العميقة؛ خاصة في أوردة الساقين أو الحوض (تخثر وريدي عميق)، وإذا انتقلت الجلطة الدموية إلى الرئتين وإعاقة تدفق الدم (الانصمام الرئوي)؛ فقد يشكل الضرر خطرًا على الحياة، والإصابة خلال الجراحة في المثانة أو الأمعاء أثناء إجراء عملية الولادة القيصرية، ولكن هذا أمر نادر الحدوث بحسب الموقع.
وتمتد مخاطر الولادة القيصرية في حالات الحمل المستقبلية؛ فهي تزيد من خطر حدوث مضاعفات لحالات الحمل في المستقبل، وكذلك أثناء إجراء عمليات جراحية أخرى، وكلما ازداد عدد عمليات الولادة القيصرية، زادت مخاطر حدوث حالات المشيمة المنزاحة، والمشيمة الملتصقة (التي تكون فيها المشيمة ملتصقة بجدار الرحم)، وزيادة من نسبة خطر تمزق الرحم على طول الندبة (تمزق الرحم) لدى النساء اللاتي يحاولن الولادة طبيعيًا في حالات الحمل اللاحقة.
ختامًا، تُعد شهادات النساء اللائي شاركن بها مجرد غيض من فيض، ومع استمرار تعرض العديد من النساء الأخريات للعنف والإهانة في غرف الولادة، فهل حان الوقت لوضع حدّ لهذه الممارسات، ولتحقيق بيئة ولادة آمنة تُحترم فيها كرامة المرأة وكرامة الأمومة.