“على الرغم من وجود تحذيرات؛ فقد كان ما حدث مفاجئًا جدًا ومُثيرًا للدهشة، منظر السيارات وهي عالقةٌ وسط المياه، والمولات التي تضررت بشكل كبير، التي تعتبر عصبًا سياحيًا واقتصاديًا مثل دبي مول، وهو الأكثر تضررًا، ومول الإمارات، وابن بطوطة مول”، حسبما يحكي لمواطن، سامي (32 عامًا) مُهندسٌ معماريّ يعيش في دبي.
إذ شهدت الإمارات يوم الثلاثاء 16 من نيسان/ أبريل أغزر هطولات مطرقة في تاريخ دولة الإمارات؛ حيث تجاوز منسوب الأمطار 250 ملم (10 بوصات) في إمارة العين، و100 ملم في دبي، بحسب المركز الوطني للأرصاد. علمًا بأنّ متوسط الهطولات المطرية في الإمارات يتراوح بين 140 إلى 200 ملم سنويًا، ما يعني أنّ ما يهطل عادةً في سنة كاملة، هطل الثلاثاء فقط. وأكّدت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) أنّه كان حدثًا مناخيًا غير مسبوق، مضيفةً أنه يفوق أي شيء تم توثيقه منذ بدء جمع البيانات في عام 1949.
وتكررت مشاهد الطوفان في جميع أنحاء دبي وأماكن أخرى في الإمارات؛ حيث كانت الدولة الخليجية الغنية بالنفط، والمعروفة بمناخها الجاف وحرارة الصيف الشديدة، تترنح تحت وطأة العاصفة في ظل بنية تحتية غير مجهزة لمثل هذه الظروف المفاجئة. وكانت كل من عمان والإمارات العربية المتحدة، اللتين استضافتا محادثات المناخ للأمم المتحدة COP28 العام الماضي، قد حذّرتا من أن ظاهرة الاحتباس الحراري من المرجح أن تؤدي إلى المزيد من الفيضانات.
وفي هذا السياق، أصدرت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث التابعة لحكومة الإمارات العربية المتحدة تحذيرات على منصات التواصل الاجتماعي قبل العاصفة المطرية، ودعت السكان إلى البقاء في منازلهم والعمل عن بعد والالتزام بإرشادات السلامة.
وبعد تعرض الإمارات ودول الخليج العربي لأمطارٍ غزيرة وفيضانات مدمرة، توجهت الأضواء نحو البحث عن السبب، واعتبر البعض الفيضان ردّ فعلٍ عكسيّ على عمليات الاستمطار، فيما عزاه مختصون لأسبابٍ مناخية؛ ما طرح تساؤلًا عما إذا كان ينبغي لواحدة من أكثر مدن العالم حرارةً وجفافًا أن تكون مستعدة بشكل أفضل لمواجهة العواصف الشديدة.
وضع بيئي قلق
عقب الكارثة التي شهدتها مدينة درنة الليبية، فيما عرف إعلاميًا بالعاصفة دانيال التي ضربتها في العام الماضي، وتسببت في مقتل الآلاف، أشارت بعض الدراسات والآراء إلى إمكانية وقوع مثل تلك الكوارث في الخليج.
وكشفت دراسة عن هبوطٍ مقلقٍ في مستوى أراضي الجزر الواقعة في الخليج العربي، نتيجة استخراج كميات هائلة من النفط، ما يُفاقم من مخاطر ارتفاع مستوى سطح البحر، ويُهدد بِغرق هذه الجزر بشكلٍ تدريجي. وأشارت دراسة أخرى لخطورة ناقلات النفط على محطات تحلية المياه وموانئ تصدير الطاقة في المنطقة، بالإضافة إلى مخاطر وقوع حوادث لهذه الناقلات.
يثار حول الغيوم الاصطناعية بهدف كسر موجات الاحترار، على أنها أيضًا مشاريع ممولة من شركات الوقود الأحفوري؛ إذ يرى ناشطون ومتخصصون بيئيون في الأمر تحايلًا على الحد من انبعاثات الكربون من أجل خدمة أغراض صناعية لكبرى الشركات ورجال الأعمال.
في الفترة ما بين فبراير ومارس 2022، أطلقت كل من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ووكالة ناسا، تحذيرات تُنذر باختفاء مناطق حيوية على سطح الكوكب خلال العقود الثلاثة إلى الخمسة القادمة، ضحيةً لتغيرات المناخ المُتسارعة، وأشار تقرير مفصل نُشر على موقع Meteored، المختص بالأرصاد الجوية، إلى أن مناطق جنوب شرق آسيا والخليج العربي من بين أكثر المناطق عرضةً لهذا المصير.
كما أوضحت دراسة المخاطر المناخية المتعاقبة، وخيارات تعزيز المناعة والتكيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الصادر في مارس/آذار 2022 عن مركز CASCADES، والمعني بدراسة مخاطر تغير المناخ، إلى أن عدد الذي يتعرضون لموجات احترار خطرة سيتضاعف عددهم أربع مرات في عام 2050 مقارنة بعام 2010، وذكرت أن من بين أبرز المناطق المهددة بموجات احترار غير محتملة مدينة الظهران في السعودية ورأس الخيمة في الإمارات ومسقط في عمان. وتلفت الدراسة إلى ارتفاع سطح البحر وكثافة البناء في المناطق الساحلية بالإمارات. وتُصنف دولة الإمارات من بين الدول الأكثر عرضة للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ في العالم، وفق تقارير إماراتية رسمية.
وتسعى الإمارات للوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050 وفق استراتيجية وطنية تستهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وخفض الانبعاثات، تتوائم مع أهداف اتفاق باريس للمناخ لتحفيز الدول على إعداد واعتماد استراتيجيات طويلة المدى لخفض انبعاث غازات الدفيئة، والحد من ارتفاع درجات حرارة الأرض دون الدرجة والنصف مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.
تلقيح السحب، مخاطر بيئية
يثار حول الغيوم الاصطناعية بهدف كسر موجات الاحترار، على أنها أيضًا مشاريع ممولة من شركات الوقود الأحفوري؛ إذ يرى ناشطون ومتخصصون بيئيون في الأمر تحايلًا على الحد من انبعاثات الكربون من أجل خدمة أغراض صناعية لكبرى الشركات ورجال الأعمال، في ظل آراء أخرى تقول بندرة مخاطر هندسة البيئة وقدرتها على تقديم حلول سريعة لمشكلات المناخ.
وتتزايد المخاوف عامة حول ما يعرف بعمليات هندسة المناخ، وهو تدخل بشري مقصود يهدف إلى تعديل نظام المناخ على سطح الأرض، بما يساهم في تخفيف حدة الآثار الضارة الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، ويرى البعض أن هذه التقنيات قد تؤدي لنتائج عكسية، كالجفاف والفيضانات ونقص المحاصيل الزراعية.
وكانت عملية تلقيح الغيوم -عملية تستخدم لزيادة هطول الأمطار- إحدى الاستراتيجيات الرئيسة التي لجأت إليها دولة الإمارات لحل مشكلة نقص المياه. وأُدخلَت تقنيات تلقيح السحب في نهايات القرن الماضي، ويُجرى أكثر من 1000 ساعة من تلقيح السحب سنويًا.
وعن استخدامات تقنية تلقيح السحب التي اتُّهمت بالفيضانات الأخيرة، يقول د. أحمد المنسي، المستشار البيئي في مركز الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، لمواطن: “تم اعتماد تلقيح السحب من قبل عدد من البلدان حول العالم لعدة أسباب مختلفة: على سبيل المثال لزيادة إمدادات المياه، أو تعزيز هطول الأمطار للزراعة، أو تقليل أضرار البرد، أو حتى لتفريق الضباب”.
وأوضح المنسي وجود بعض المخاطر لعملية تلقيح السحب على النظم البيئية: “أحد المخاوف البيئية بشأن تلقيح السحب هو تأثيرها البيئي المحتمل ويثير استخدام المواد الكيميائية مثل يوديد الفضة تساؤلات حول التأثيرات طويلة المدى على النظم البيئية، في حين أنه يعتبر يوديد الفضة منخفض السمية نسبيًا؛ فإن تراكمه في البيئة وتأثيراته المحتملة على الحياة البرية ونوعية المياه هي مجالات بحث مستمرة”.
وأضاف أنّ “حقن مواد أخرى مثل الثلج الجاف أو الملح في الغلاف الجوي، يمكن أن يكون له أيضًا عواقب بيئية غير متوقعة، ولهذا السبب فإن المراقبة البيئية الشاملة والمستمرة ضرورية لتحديد تأثير هذه المواد على البيئة”.
هل كان الاستمطار سببًا في فيضان الإمارات؟
تشير دراسات إلى مخاطر الاستمطار، وإنه لا فائدة منه في علاج الاحتباس الحراري ومواجهة التغير المناخي ومخاطره على البيئة، أبرزها ارتفاع درجة حرارة الكوكب كلما ظل الانبعاث الكربوني يزداد دون ضابط له، إضافة إلى عدم وجود ما يثبت فشل أو نجاح استمطار السحب لخفض درجة حرارة الأرض وتبريدها، وتقول الدراسة إن عملية تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون، يزيد من رطوبة طبقة الغلاف الجوي للأرض.
وحول تأثير الاستمطار على دورات الطقس الطبيعة، يعلق المنسي: “هناك مخاوف من أن تغيير أنماط هطول الأمطار في منطقة ما يمكن أن يؤثر عن غير قصد على أنظمة الطقس في منطقة أخرى، ما يؤدي إلى تغيرات غير متوقعة في المناخات المحلية. ومن الممكن أن تؤدي هذه العواقب غير المقصودة إلى تعطيل دورات الطقس الطبيعية، مما يؤثر على الزراعة والنظم البيئية في مناطق خارج المنطقة المستهدفة”.
وعن السؤال الذي يتردد في الأوساط العامة حول مسؤولية عمليات الاستمطار في التغيرات الطقسية المتطرفة، يُجيب الخبير البيئي: “عمومًا فإنّ مفهوم الاستمطار محدود مكانيًا وزمانيًا، وأرى أنّ عمليات الاستمطار وتأثيرها يكون في مكان جغرافي محدود، والأمطار الغزيرة التي هطلت على دولة الإمارات لم تكن نتيجة حصاد السحب، وإنما أمطار طبيعية نتيجة حالة عاصفة رعدية شديدة بسبب التغيير المناخي العالمي؛ حيث تشير الأبحاث العلمية بأنه من المتوقع زيادة هطول الأمطار بنسبة 15 إلى 30% خلال الأعوام القادمة على دول الخليج العربي”.
ومن المعروف عن دولة الإمارات العربية المتحدة مناخها الصحراوي وندرة أمطارها، لكنها شهدت تغيرات في الطقس بسبب تغير المناخ، وبحسب تقرير صادر عن مجلة Nature العلمية نُشر في يناير الفائت (أي قبل الفيضان الأخير)؛ فإنّ دول الخليج العربي تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في هطول الأمطار في السنوات القليلة الماضية، وتوقّع الباحثون زيادة الهطولات بنسبة 15٪ إلى 30٪ في السنوات المقبلة.
يرى د.عصام حجي، عالم المياه في كلية فيتربي للهندسة بجامعة كاليفورنيا، ومعمل الدفع النفاث بوكالة ناسا "إن تزايد السيول والفيضانات والعواصف، وتسارع ارتفاع البحر في دول الخليج، لا ترجع فقط للبينية الطبيعية"
وفي هذا السياق، أشار خبراء الأرصاد الجوية وعلماء المناخ أنّ هطول الأمطار الغزيرة يقع ضمن توقعات تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، وما يؤكد أنّ ما حدث في الإمارات لم يكن بسبب تلقيح السحب أو الاستمطار، أنه تم التنبؤ به قبل أيام. وأشار تومر بورغ، الباحث في علوم الغلاف الجوي، إلى التنبؤ بهطول عدة بوصات من الأمطار قبل العاصفة بستة أيام، وهي الكمية النموذجية لمدة عام كامل في دولة الإمارات. فيما أكّد مايكل مان، عالم المناخ بجامعة بنسلفانيا، أنّ إلقاء اللوم على الاستمطار يتجاهل التوقعات والأسباب.
وبالحديث عن الأسباب المحتملة تقول فريدريك أوتو، عالمة المناخ البريطانية لوكالة أسوشيتد بريس: “أصبح هطول الأمطار أكثر غزارة في جميع أنحاء العالم بسبب ارتفاع درجة الحرارة، لأن الجو الأكثر حرارةً يُنتج المزيد من الرطوبة، وبالتالي المزيد من الغيوم والأمطار”. ونفى المركز الوطني للأرصاد الجوية الأخبار التي تفيد بتنفيذ عمليات التعديل الطقسي قبل أو أثناء العواصف الشديدة، مع العلم أنّ تلقيح الغيوم تجري مراحلها الأولى قبل هطول المطر.
ويرى رياض قره فلاح، أستاذ علم المناخ: “أن في المناطق الصحراوية، قد يحدث كل 10 إلى 15 سنة طقس متطرف، أي أنّ الأمطار قد تنحبس لعشر سنوات، وفجأةً خلال ساعة واحدة، قد يهطل أكثر من 100 ميليمتر، هذه حالة طبيعية قد تحدث ولكن على فترات متباعدة”.
ويضيف: “بلدان الخليج العربي هي منطقة اضطراب بشكل عام؛ حيث تطل على مسطح مائي هو الخليج العربي. وخصوصًا في فترة الربيع مع تباين الضغوط جوية تتراجع الضغوط الشرقية وتتقدم الضغوط الصيفية، بالإضافة إلى المنخفض الموسمي الهندي؛ ما يؤدي لحدوث حالة اضطراب في منطقة الخليج العربي، عدا امتداد منخفضات قادمة من الجنوب”.
وبخصوص غزارة الأمطار التي هطلت، حوالي 300 ميلمتر خلال نصف ساعة، “فهو شيء مستغرب ولا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت عبارة عن أمطار إعصارية، وعُمان معرضة أكثر من الإمارات لحدوث إعصار بسبب وجودها على بحر العرب والمحيط الهندي”.
ويختم حديثه: “لدى الإماراتيين خبرة كبيرة في موضوع الاستمطار، ولا أعتقد أنهم قد يغفلون عن ازدياد الأمطار الناجم عن عمليات حقن السحب، وأنا لا أتوقع أن يكون الاستمطار هو السبب، وما حدث يمكن تسميته ظواهر مناخ صحراوي استثنائي يحدث مرة كل عشر سنوات، وكمية الأمطار التي تهطل في مثل هذه الحالات هي 100 ميليمتر، لكن ما هطل هو 300 ميليمتر، وهو تجاوز كبير للحدود الطبيعية”.
هل كان تقصيرًا في الاستعداد من قبل الإمارات؟
تترافق الصورة العصرية لدولة الإمارات مع سيطرة سياسية قوية على وسائل الإعلام حتى الأجنبية منها، ويقول ماثيو هيدجز وهو باحث أكاديمي الذي ألّف كتابًا عن دولة الإمارات واعتُقل فيها سنة 2018 بتهمة التجسس، إنه تحدّث إلى سكان الإمارات وهم غاضبون إزاء عدم استعداد الحكومة لمثل هذه الظروف؛ خصوصًا أنّ التقلبات الطقسية والمناخية كانت تعطي مؤشرات لحدوث مثل هذا الفيضان.
من جهةٍ أخرى، لا يمكن المبالغة بموضوع نقص استعداد الحكومة الإماراتية؛ حيث يؤكد باحثون أنّ تلك الكميات الهائلة من الأمطار تعجز عن استيعابها حتى المدن المُجهزة، وأي نظام صرف صحي سيواجه صعوبة بالغة في مثل هذه الحالة؛ حيث تعرّضت بكين لأغزر هطول مطري منذ أكثر من مئة عام؛ ما تسبب بغمر أجزاء واسعة من العاصمة الصينية، وتسبب الفيضان بجرف المنازل ومقتل العشرات السنة الماضية، ما يعني أنّ الأمر قد يحدث في أي دولة.
ويرى د.عصام حجي، عالم المياه في كلية فيتربي للهندسة بجامعة كاليفورنيا، ومعمل الدفع النفاث بوكالة ناسا، في حوار أجرته معه مواطن: “إن تزايد السيول والفيضانات والعواصف، وتسارع ارتفاع البحر في دول الخليج، لا ترجع فقط للبينية الطبيعية، والتي يكثر الحديث عنها وقت الأزمات؛ بل هناك عوامل أخرى؛ منها عمق المياه الجوفية وامتداد فترات الجفاف قبل السيول، وعملية رمي المخلفات في مخرّات السيول وعدم صيانتها”. ويقول: “يتخيل البعض أن اتهام المسؤولين بالتقصير هو الحل للإصلاح، ولكن هذا الأمر غير صحيح في أغلب الحالات”.
وختامًا، يرى الباحثون أنّ ما حدث في الإمارات يعني أنّ البلاد والمنطقة غير مجهزين لمواجهة هذه الأزمة، على الرغم من توفر الموارد المالية، وأنّ العواصف الشديدة والتغيرات الطقسية والمناخية المتطرفة التي تشهدها مناطق مختلفة حول العالم، تتطلب تحركًا عالميًا وحوارًا شاملًا حول أسباب هذه التغيرات وسبل حلها، التي قد يكون أهمها تعزيز قدرات التكيف والتعامل مع الأزمات، والتخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري المتهم الأول في الاحتباس الحراري، والانتقال إلى الاعتماد على الطاقات المتجددة.