أكد السياسي والحقوقي السعودي د. عبد الله العودة، أن بلاده تعيش عهدًا غير مسبوق من القمع السياسي، بينما تشهد تراجعًا كبيرًا في مستوى الحقوق والحريات العامة، فيما يسعى ولي العهد محمد بن سلمان لإحكام قبضته على الداخل وتزيين صورته في الخارج، باعتباره حاكمًا منفتحًا ومؤيدًا للحريات.
وقال في حوار مع مواطن إن والده د.سلمان العودة المعارض السعودي، يتعرض لمأساة إنسانية داخل محبسه، حيث ما زالَ يقبعُ في السجنِ الانفراديّ بعدَ مرورِ ثماني سنواتٍ على اعتقالهِ، والذي يعد أحدَ أشكالِ التعذيبِ الأكثرِ قسوةً، حسبَ تصنيفِ المنظماتِ الدوليةِ لحقوق الإنسان، كاشفًا أنه تعرض لفقدانِ نصفِ سمعهِ ونصفِ بصرهِ، كما يعاني العديدِ من المشاكلِ الصحيةِ الأخرى بسببِ الظروفِ اللاإنسانيةِ التي يتعرّضُ لها في السجنِ.
وشدد على استمرار الحراك الحقوقي في المملكة العربية السعودية، ورغم القيود التي يضعها النظام الراهن، يواصلُ الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان نضالهم من أجل التغيير، مستخدمين مختلف الوسائل المتاحة، بما في ذلك، الطريق الحقوقي، عن طريق توثيق الانتهاكات ومخاطبة المؤسسات الدولية المعنية، والطريق القانوني من خلال استخدام أدوات القانون للدفاع عن الحقوق ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وأيضًا الطريق الإعلامي من خلال نشر الوعي وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان.
بعد مرور ثماني سنوات على إطلاق رؤية المملكة 2030، ما تزالُ نتائجها على صعيد الإصلاح الاجتماعي والحقوقي موضع نقاشٍ وجدلٍ، ويُلاحظُ أنّ مستوى القمعِ في المملكة قد ازداد بشكلٍ غير مسبوقٍ في السنوات الأخيرة.
عبد الله العودة هو أكاديمي وباحث وحقوقي سعودي، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الدستوري المقارن من جامعة بيتسبرغ في الولايات المتحدة الأمريكية، عمل كباحث أول في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورجتاون، وحصل على الدكتوراه في مجال القانون والحضارة الإسلامية من جامعة ييل الأمريكية، درس القانون السعودي والفكر السياسي الإسلامي المعاصر بجامعة جورج واشنطن.
في عام 2020، شارك العودة في تأسيس “مؤسسة الديمقراطية الآن للعالم العربي”، كما شارك بتأسيس “حزب التجمع الوطني” بالتعاون مع نخبة من الناشطين السعوديين، ويدير حاليًا قسم مكافحة الاستبداد في مركز ديمقراطية الشرق الأوسط “ميدل إيست إم إي دي سي”.
- مستوى القمعِ في السعودية ازداد بشكلٍ غير مسبوقٍ في السنوات الأخيرة.
- سيطرة ولي العهدِ المُطلقةِ على مقدراتِ البلاد تجهض أيّ فرصةٍ حقيقيةٍ للإصلاحِ والتغيير.
- والدي فقد نصفِ سمعهِ ونصفِ بصرهِ ويعاني من التعذيب والعديد من المشكلات الصحية بسببِ الظروفِ اللاإنسانيةِ التي يتعرّضُ لها في السجنِ.
- فكر سلمان العودة شكّلَ تحدّيًا كبيرًا للأنظمةِ الاستبداديةِ التي تُسوّغُ قمعها للشعوب باسم الإسلام.
- المملكة لا تسعى لإصلاحات حقيقية تُعزّز حقوق المرأة وتحميها؛ بل تهدف إلى تحقيق رغبات ولي العهد فقط.
نص الحوار:
1- نود أولًا أن نتعرف أكثر على المسيرة العلمية والفكرية لك، وأبرز هذه المحطات؟
انطلقت رحلتي من المملكة العربية السعودية؛ حيث نشأتُ ودرستُ حتى حصولي على شهادة البكالوريوس، اكتسبتُ خلال تلك الفترة أساسيات التفكير من خلال دراستي للشريعة الإسلامية على يد المشايخ المُبجّلين، كما حظيتُ بشرف حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مُثبّتًا بذلك إيماني وتعلّقي بثقافتي العربية الأصيلة. لم أكتفِ بإتقان اللغة العربية، بل حرصتُ على تعلم اللغة الإنجليزية بعد حصولي على البكالوريوس، مُوسّعًا آفاقي ومهاراتي اللغوية.
بعد ذلك اتّجهتُ صوب ماليزيا، تلك المحطة التي شكّلت جسرًا بين ثقافتين عظيمتين: الشرق والغرب، واصلتُ هناك مسيرتي الأكاديمية، مُغوصًا في دراسة المقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون المدني والدولي والدستوري، هدفتُ من خلال هذه الدراسة إلى فهم التفاعلات المُعقدة بين الأنظمة القانونية المُتنوّعة، وإثراء معرفتي القانونية.
لم أتوقّف عند ماليزيا؛ بل واصلتُ شغفي بالمعرفة عبر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، نلتُ في هذا البلد العريق شهادتي الماجستير (إل إل إم) والدكتوراه في القانون الدولي والقانون الدستوري المقارن، مُعمّقًا فهمي للقانون الدولي ونظامه المُعقّد.
توجّهتُ بعد ذلك إلى جامعة ييل المرموقة؛ حيثُ حصلتُ على شهادة بوست دكتوراه في مجال القانون والحضارة الإسلامية، وقد ركزتُ في هذه المرحلة على دراسة تأثير الفقه الإسلامي والقانون الدستوري على عالمنا المعاصر، مُساهمًا في فهمٍ أعمق للتحديات التي تواجهها الحضارة الإسلامية والعالم العربي.
أعتقد أن مزيج الخبرة الثقافية والعلمية الذي حظيت به يُتيح لي فرصة المساهمة بشكلٍ فعّال في إيجاد حلولٍ مبتكرة للتحديات التي تواجه العالم، وتعزيز التفاهم بين الثقافات المختلفة.
تُشكل دراسة علاقة الدين بالدولة محورًا أساسيًا في مجال تخصصي؛ حيثُ أركز على فهم الترابط بين المؤسسات الدينية والهيئات والأوقاف والدستور، أرى في هذه العلاقة عنصرًا هامًا لفهم كيفية تنظيم المجتمعات وتفاعلها مع الدين والقانون.
سافرتُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيثُ واصلتُ تحصيلي العلمي في جامعة جورج تاون، درستُ في مركز التفاهم الإسلامي المسيحي “مسلم كريستيان أندرسن” لمدة سنتين (2018-2020)، مُثريًا فهمي للحوار بين الأديان، ثمّ انتقلتُ إلى جامعة جورج واشنطن، حيثُ نلتُ شهادةً في مجال القانون السعودي والفكر السياسي الإسلامي المعاصر من كلية الدراسات الدولية.
في عام 2020، شاركتُ في تأسيس “مؤسسة الديمقراطية الآن للعالم العربي”، سعيًا لجعلها مركزًا للأبحاث والدراسات، كما ساهمتُ في تأسيس “حزب التجمع الوطني” بالتعاون مع نخبة من الناشطين السعوديين، إيمانًا بأهمية العمل السياسي المنظم في الخارج. أُعدّ “مبادرة الرؤية الشعبية للإصلاح”، التي تمّ ذكرها سابقًا من أهمّ مبادرات الحزب، ويُعدّ هذا المؤتمر جزءًا من فعالياتها.
أُديرُ حاليًا قسم مكافحة الاستبداد في مركز ديمقراطية الشرق الأوسط “ميدل إيست إم إي دي سي”، كما أواصلُ مسيرتي الأكاديمية من خلال نشر أبحاثي في مختلف مجالات المعرفة.
2- في حياتك محطات كثيرة هامة، سوف نتطرق لها، لكن قبل ذلك حدثنا حول طبيعة علاقتك بالوالد سلمان العودة، وكيف تتعامل الأسرة مع سجنه؟ أين وصلت قضيته؟ وما طبيعة الحراك الحقوقي للضغط من أجل إطلاق سراحه؟
أقول دائمًا، والدي رجلا بسيط وعفوي، اتّسمتْ شخصيته بالتواضع والصدق، لم يكن يسعى وراء الشهرة أو المنصب؛ بل كان هدفه نشرَ الفكر الإسلامي المعتدل وتعزيزَ قيم الحق والعدالة، لهذا السبب، وصلَ صوته إلى قلوب الملايين في جميع أنحاء العالم، ممّا جعله رمزًا للتأثير والتغيير.
حظي والدي بشعبيةٍ واسعةٍ وثقة من جميع متابعيه، حين اعتقل كانَ يُتابعهُ أكثر من أربعة عشر مليون شخصٍ على (تويتر/ إكس) فقط من بين خمسين مليون شخص بمختلف وسائل التواصل الاجتماعي، وكانتْ مقاطع الفيديو تُحقّقُ ملايين المشاهدات، ممّا يدلّ على تأثيرهِ الكبير على الرأي العام، لذلك اعتبرتهُ مراكزُ رصد الشخصيات المؤثّرةِ واحدًا من أهمّ عشرة أشخاصٍ تأثيرًا في العالم.
طالما كان والدي داعيةً للإصلاح السياسي والديمقراطي من داخلِ السياق الإسلامي، آمنَ بأنّ الإسلامَ دينٌ يُؤكّدُ على الحرية والكرامة الإنسانية، وأنّهُ يتوافقُ مع مبادئ الديمقراطية، وقد شكّلَ فكرهُ تحدّيًا كبيرًا للأنظمةِ الاستبداديةِ التي تُسوّغُ قمعها للشعوب باسم الإسلام، تعرّضَ والدي للاعتقال بسبب نشاطهِ السياسي، وظلّ في السجن الانفرادي لأكثر من ثماني سنوات، واجهَ خلالَ هذه الفترةِ العديدَ من أشكال التعذيب، وفقدَ نصفَ سمعهِ ونصفَ بصرهِ، عانى أيضًا من أمراضٍ عديدةٍ بسبب ظروفِ سجنهِ اللاإنسانية.
لم تبدأ محاكمةُ والدي إلّا بعد مرورِ سنةٍ كاملةٍ على اعتقالهِ، وما زالَ يقبعُ في السجنِ الانفراديّ حتّى الآن، بعدَ مرورِ ثماني سنواتٍ على اعتقالهِ، يُعدّ الحبسُ الانفراديّ أحدَ أشكالِ التعذيبِ الأكثرِ قسوةً، حسبَ تصنيفِ المنظماتِ الدوليةِ لحقوق الإنسان، تعرّضَ والدي لفقدانِ نصفِ سمعهِ ونصفِ بصرهِ، كما يعاني من العديدِ من المشاكلِ الصحيةِ الأخرى بسببِ الظروفِ اللاإنسانيةِ التي يتعرّضُ لها في السجنِ.
لم أتمكّنْ من رؤيةِ والدي منذُ اعتقالهِ، إلّا أنّني التقيتُ بهِ للمرةِ الأخيرةِ قبلَ منعي من السفرِ ومغادرةِ البلادِ، كانت تلك المرة الأولى والأخيرة، ثم عدت إلى أمريكا لأجل الأعمال الأكاديمية التي تحدثت عنها، رسالته دائمًا هي الدفاع عن الحق والعدالة أيا ما يكون، وبأننا جميعًا من الطبيعي أن نكون ضحايا لهذه المبادئ والقيم التي نحملها، ولكن ستستمر المعركة ولن يتوقف عند سلمان العودة ولا عبدالله العودة ولا أحد.
رغمَ كلّ ما واجههُ من معاناةٍ وتضحيات، ظلّ والدي مُتمسّكًا بمبادئهِ وقيمهِ، كانتْ رسالتهُ دائمًا هي الدفاعُ عن الحقّ والعدالة، مهما كانَ الثمن، إنّ تضحياتِهِ الجسيمةَ تُذكّرُنا بأنّ الدفاعَ عن المبادئِ والقيمِ العادلةِ قدْ يُكلّفُنا غاليًا، لكنّهُ لا يعني الاستسلامَ أو التراجعَ.
3- كيف تفسر عدم استجابة السلطات السعودية بالإفراج عنه رغم المطالب الدولية والحقوقية المكثفة إزاء ذلك؟
على الرغم من التحديات الكبيرة؛ فما يزالُ الحراك الحقوقي في المملكة العربية السعودية موجودًا وفاعلًا، يواصلُ الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان نضالهم من أجل التغيير، مستخدمين مختلف الوسائل المتاحة، بما في ذلك الطريق الحقوقي، عن طريق توثيق الانتهاكات ومخاطبة المؤسسات الدولية المعنية، والطريق القانوني من خلال استخدام أدوات القانون للدفاع عن الحقوق ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وأيضًا الطريق الإعلامي من خلال نشر الوعي وتسليط الضوء على قضايا حقوق الإنسان من خلال وسائل الإعلام المختلفة.
الحقوق والحريات في المملكة، ما الوضع؟
4- بعد نحو (8) سنوات من إطلاق المملكة رؤية 2030 التي استهدفت العديد من جوانب التنمية، منها إصلاح اجتماعي وحقوقي.. كيف تقيّم الحالة العامة للحقوق والحريات داخل المملكة؟
بعد مرور ثماني سنوات على إطلاق رؤية المملكة 2030، ما تزالُ نتائجها على صعيد الإصلاح الاجتماعي والحقوقي موضع نقاشٍ وجدلٍ، ويُلاحظُ أنّ مستوى القمعِ في المملكة قد ازداد بشكلٍ غير مسبوقٍ في السنوات الأخيرة.
يتمثّلُ ذلك في اعتقالِ الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتضييقِ الخناقِ على حرية التعبير، وفرضِ قيودٍ صارمةٍ على وسائل الإعلام، كما يُعدُّ اعتقالُ عشرةِ قضاةٍ من محاكم الإرهاب نموذجًا صارخًا على هذا النهجِ القمعيّ.
يهدفُ هذا الاعتقالُ إلى إخافةِ القضاةِ وإجبارهم على الخضوعِ لرغباتِ ولي العهدِ السعودي، هناك مخاوف متزايدة من سيطرةِ ولي العهدِ المُطلقةِ على مقدراتِ البلاد، هذه السيطرةِ تُهدّدُ بإجهاضِ أيّة فرصةٍ حقيقيةٍ للإصلاحِ والتغيير، لذلك نطالب بضرورةِ توزيعِ السلطةِ وإشراكِ مختلفِ مكوناتِ المجتمعِ في عمليةِ صنعِ القرار.
في المجمل؛ أهداف الرؤية لم تتحقق فعليًا، وإنّ مستوى الحريات في المملكة لم يتحسّن بشكلٍ ملموسٍ، ذلك برغم من ادعاء بعض المؤيدين أنّ الرؤية قد حقّقتْ بعضَ التقدّم في مجالاتٍ أخرى، مثل الجانب الاقتصادي، وهناك اعترافات على مستويات رسمية بضرورة تعديل الكثير من أهداف الرؤية لأنه لا يمكن تحقيقها، وبأنه لا بد من إيجاد بدائل أو إقراض أو كذا أو تعديل أهداف هذه الرؤية، هذا يعد اعترافًا ضمنيًا بالفشل.
5- في الوقت الذي تتحدث فيه الأجهزة الرسمية عن حركة إصلاح واسعة تخص المرأة داخل السعودية، نجد حالات اعتقال للعديد من الناشطات في مجال حقوق الإنسان.. كيف تفسر ذلك؟
لا تسعى المملكة لإصلاحات حقيقية تُعزّز حقوق المرأة وتحميها؛ بل تهدف إلى تحقيق رغبات ولي العهد فقط، يتم ذلك من خلال منح ولي العهد الفضل أو “الكريديت” لأي تقدم يُحرز في مجال حقوق المرأة، بينما يتم قمع الناشطات اللواتي لعبن دورًا أساسيًا في نضال النساء.
السماح للمرأة بالقيادة أو التنقل وغيرها من القرارات اتخذتها المملكة لأسباب سياسية وليست لأسباب متعلقة بحقوق المرأة؛ فالسعودية تسعى إلى تحسين صورتها الدولية وتعزيز مكانة ولي العهد، وليس إلى تحقيق المساواة بين الجنسين. تُقمع الناشطات اللواتي يطالبن بحقوق المرأة، كمحاولة لمنع أي دور حقيقي للنساء في المجتمع.
السياسة في المملكة
6- لا تعرف المملكة كغيرها من دول الخليج وجود أحزاب سياسية، هل تأسيس حزب في الخارج، يمكن أن يؤثر في الواقع السياسي السعودي ويشكل عامل ضغط؟ -إذا كانت الإجابة بنعم أو لا فنرجو تفسير السبب-.
نعم السعودية لا تعرف وجود أحزاب سياسية، ولقد لاحظنا من خلال عملنا السياسي أن تكرار طلب الحقوق السياسية من شخص أو جهة يمنحه حقًا إضافيًا في منح هذه الحقوق أو منعها، لذلك قررنا فرض الأمر الواقع، وفرض سياسات التغيير من خلال شكل قانوني ديموقراطي، لذلك أسسنا الحزب في الخارج، وهو الأكثر تأثيرًا وحضورًا وتعبيرًا عن المطالب السياسية والحقوقية للسعوديين.
تأسيس الأحزاب والحضور وكذا لا يكون إلا بفعل أمر واقع وبضغط حقيقي، وتأسيسه على الأرض وجعله أمرًا واقعًا، وفرض هذا الأمر الواقع، وهذا الذي نعمله أو نمارسه في الحزب؛ نفرض أمرًا واقعًا بوجود أحزاب وتنوع وتعددية، رغم أنف الاستبداد.
7- ينظر للمعارضة من الخارج وفقًا لأصوات النظام على أنهم خونة وعملاء، كيف ترى تلك الاتهامات؟ ولماذا يعارض عبدالله العودة وحزب “ناس” النظام الحاكم في السعودية؟
هذه اتهامات رخيصة، كل المستبدين والمجرمين عبر التاريخ يرون الذين يختلفون معهم ويريدون صوتًا للشعب والناس بأنهم مجرمون وخونة، وهذا أسهل أنواع الاتهامات، هم يقولون بسياق ديني بأننا خوارج، وفي سياق مدني بأننا خونة وعملاء.
هم يقولون للغرب بأننا متشددون جدًا، ويقولون للشعب بأننا متساهلون جدًا، ملحدون زنادقة يحملون خطابين مختلفين لكل المخاطبين في العالم الغربي من جهة، وفي العالم العربي من جهة أخرى، يقولون أشياء متناقضة تدل على أن كل هذه الاتهامات هي مصنوعة لخلق نوع من التشويش وما يسمى باغتيال الشخصيات، هم يعتقدون بأن هز ثقة الشعب والناس بالمعارضة والأصوات الحرة في الخارج يقلل من مصداقية وتأثير خطابها في الداخل.
8- تحدثت مرارًا وفي عدة مناسبات مخاطبًا الغرب بأن النظام السعودي الراهن، وتحديدًا محمد بن سلمان ليس له شرعية.. فسر لنا الأسباب لماذا لا يملك ولي العهد السعودي شرعية من وجهة نظرك؟
في عالم السياسة يوجد عدة أنواع من الشرعية، هناك شرعية دستورية بمعنى أنه نظام معين وشخصيات يتم التوافق عليها بشكل شعبي، وفقًا لمعطيات معينة، كما حصل في دول كثيرة حول العالم، هذا الشيء غير موجود في السعودية.
هناك شكل من أشكال الشرعية يسمى الشرعية الثقافية أو المحلية، وأن يكون هناك اعتراف شرعي ومحلي لنظام معين وتوافق عليه أيضًا، هذا الشيء غير موجود، هناك شرعية ديمقراطية بمعنى يتم التصويت على حكومة معينة ومؤسسات معينة أو انتخابها أو استفتاء عليها بأي شكل من الأشكال، هذا أيضا غير موجود في السعودية.
هناك نوع شكل من أشكال الشرعية، يسمى بالشرعية الثورية، وهو أن الناس في الشارع فرضوا أمرًا واقعًا بشكل معين مثلما حصل في بعض الدول حول العالم بشكل انتقالي، هذا أيضًا غير موجود في السعودية؛ فلذلك نحن أمام شكل من أشكال الاعتراف النظامي، وبالتالي هذا الشكل من أشكال الأنظمة سيؤول للزوال عاجلًا أم آجلًا.
وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة؛ بعض الدول حول العالم تطور شرعية مما يسمى شرعية الأمر الواقع، وهذا بالمناسبة ليس شرعية، لكنه يعني فرض أمر واقع ليس له علاقة بالمؤسسات ولا بالقيم ولا غيرها، حتى هذا؛ فالحكومة السعودية مهزوزة فيه، لأنه شرعية أمر واقع كانت للعائلة، وهذا الحكومة السعودية تقوله على مدار السنين، بأن العائلة واستقرار العائلة وتوافق العائلة هو المصدر الأساسي للشرعية، هذا الأمر ليس موجودًا حتى في نموذج محمد بن سلمان الذي فتك بالعائلة كما فتك بالشعب، وفتك بكل الأطراف والقبائل والتيارات والمذاهب والمناطق والتيارات الدينية والمدنية على حد سواء، فلذلك هو يفتقد حتى لهذا النوع مما يسمى بأنواع التوافق المحلي والشرعية.
9– تحدثت عن لقاء جمع والدك سلمان العودة مع ولي العهد في عام 2009، هل تحدثنا عن انطباع الوالد حول اللقاء وشخصية محمد بن سلمان؟
حدث اللقاء عام 2009، وكان الوالد قد ألقى برنامجًا ينتقد فيه الفساد؛ فما كان من مكتب الأمير سلمان، الذي أصبح ملكًا فيما بعد، إلا أن تدخل وقال للوالد: “لماذا تنتقد الفساد وكأنك توجه أصابع الاتهام إلينا؟”، ثم دعا الوالد للقاء.
وفي وقت لاحق، أرسل الأمير سلمان ابنه محمد للقاء الوالد للاستفادة من خبرته وآرائه. جلس محمد في منزل الوالد لعدة ساعات، محاولًا إقناعه بأنه شخص صالح وجدير بالثقة، وأنه يسعى للتأثير على شخصيات بارزة في المجتمع السعودي. أوضح محمد للوالد أنه كان يُعدّ نفسه منذ صغره لدورٍ هام في الحياة، وأنه يستحق الثقة.
استمع الوالد لحديث محمد بكل صراحة وشفافية، لكنه لم يُخفِ عدم إعجابه بشخصية محمد الذي كان يسعى للحصول على سلطة مطلقة ونفوذ بلا حدود. ومن بين الأمور التي أثارت قلق الوالد، أفكار محمد الميكافيلية التي تؤمن بأن “الغاية تبرر الوسيلة”، دون أي اعتبار للقيم والأخلاق في العمل السياسي، كما صرح محمد للوالد بشكل صريح بأن الشعوب تُقاد بالخوف وليس الحب. وبعد اللقاء، عبّر الوالد عن قلقه من أفكار محمد وآماله في أن يتغير مساره مع مرور الوقت.
10-ما حدود التغيير في السعودية؟ وهل يمكن أن يشهد المجتمع حراكًا ثوريًا كما في الربيع العربي؟
لا شك أن المجتمع السعودي، كغيره من المجتمعات، خاضع لنواميس الكون والطبيعة، ولا يمكن استثناؤه من حراك الشعوب عبر التاريخ. ونؤمن إيمانًا راسخًا بأن شعبنا سيشهد حراكًا حقيقيًا يمثل تطلعاته وآمالِه في الوقت المناسب؛ فالتاريخ يخبرنا بأن الاستبداد لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، وأن الشعوب لا يمكن خداعها كل الوقت، ونحن -الشعب السعودي- ندفع ثمن الوضع القائم ونطمح إلى التغيير.
نحتاج جميعًا النضال الشعبي، والعمل الدستوري من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان في دول الخليج والعالم العربي، ومن خلال النضال الشعبي يمكن تحقيق الضغط على الحكومات، وتعزيز الوعي العام بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية
وعلى الرغم من وجود ما يسمى بـ “الأغلبية الصامتة”، إلا أننا نؤمن بأن هذه الأغلبية ستُقدر أي جهد يبذل من أجل الاعتراف بحريتها وحقوقها؛ فالأغلبية في جوهرها، تتوق إلى الحرية والعدالة، ويقود حراكها عادةً أقلية مؤمنة بقيم الحقوق والحرية، تسعى للحفاظ على حقوق جميع أفراد المجتمع، ولتحقيق حراك رشيد وصحي في بلادنا، لا بد من بناء تحالفات عابرة للتيارات والمناطق والمذاهب.
فمن خلال بناء جسور مدنية، نستطيع تأسيس مجتمع حر وديمقراطي حقيقي، ونسعى جاهدين لتحقيق ذلك؛ سواء من خلال مبادرة تأسيس حزب التجمع الوطني أو من خلال الدفع بملف الرؤية الشعبية للإصلاح، التي تُجسد القيم الأساسية التي ينشدها شعبنا.
11- نجري هذا الحوار، بينما تجري الاستعدادات لمؤتمر يعقد تحت عنوان “البحث عن الديموقراطية في السعودية”.. حدثنا عن عما يمكن أن تقدمه هذه الخطوة للحياة السياسية في المملكة؟
هو مؤتمر غير مسبوق يجمع صناع القرار الدوليين والخبراء، والمجتمع المدني السعودي لمناقشة مستقبل الديمقراطية في المملكة العربية السعودية، يهدف المؤتمر إلى إعطاء صوت للسعوديين في تحديد مستقبلهم من خلال مناقشة الرؤية الشعبية للإصلاح، وهي مبادرة تضم 14 بندًا تركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية.
يُعدّ المؤتمر جزءًا من جهود أوسع للترويج للإصلاح الديمقراطي في السعودية، والمتحدثون هم ممثلون من البرلمان البريطاني، ممثلون من الكونغرس الأمريكي، شخصية بارزة من هوليوود، خبراء دوليون في قضايا الشرق الأوسط والسعودية والتحولات الديمقراطية، سعوديون وسعوديات من مختلف أنحاء العالم.
أعتقد إنه حدثًا هامًا، لأنه يجمع لأول مرة صناع القرار الدوليين والخبراء والمجتمع المدني السعودي لمناقشة مستقبل الديمقراطية في المملكة العربية السعودية، ويُتيح المؤتمر فرصة فريدة للسعوديين للتعبير عن آرائهم ومطالبهم بشأن الإصلاح. يمكن أن يكون للمؤتمر تأثير كبير على مسار الإصلاح الديمقراطي في السعودية. تُعدّ الرؤية الشعبية للإصلاح مبادرة من قبل ناشطين وناشطات سعوديين من جميع أنحاء العالم.
يُمثل ذلك رؤية بديلة لرؤية 2030 الرسمية للحكومة السعودية، ويُعدّ مؤتمر الرؤية الشعبية للإصلاح حدثًا تاريخيًا يمكن أن يكون له تأثير عميق على مستقبل السعودية. من المهم متابعة هذا المؤتمر ومشاركة أفكارك حول مستقبل الديمقراطية في المملكة العربية السعودية.
مواضيع ذات صلة
12- لا يمكن أن يمر حوارنا دون السؤال عن غزة، خاصة مع ما تواجه المملكة من انتقادات بسبب التعامل مع هذا الملف واستمرار العمل على ملفات التطبيع مع إسرائيل رغم المأساة الفلسطينية؛ ما تقييمك للتعاطي الرسمي السعودي مع حرب غزة الأخيرة، والموقف من إسرائيل؟
هناك صفقة للأسف كانت تدار في الخفاء، والآن في العلن بين حكومة أمريكية تريد أن تعطي التسليح والصفقات والحماية لعرش الديكتاتور في الرياض، مقابل أن يطبع هذا الديكتاتور مع نظام الفصل العنصري والاحتلال في فلسطين، للأسف الشديد يجري ذلك على قدم وساق، ونعتقد أنه خلال الأشهر القادمة سنشهد فعلًا تحولاً بهذا الملف، وهذا ليس مستغربًا.
نحن في المعارضة والغالبية الساحقة من الشعب ليس حسب تقديراتنا فقط، ولكن تقديرات أيضًا الحكومة ووسائل الإعلام الرسمية أنه 98% من الشعب داعمون بشكل مطلق للفلسطينيين في المعركة التاريخية ضد الاستبداد والظلم والاحتلال. نعتقد أنه ليس غريبًا تحالف الاستبداد والاحتلال لأجل جمعنا كما كان في السابق تحالف الاستعمار أيضًا، والاستبداد وأذرعه في المنطقة لأجل قمعها وخنق أصوات الحق والحرية.
نظرة عامة
13- بما أنه تحدثنا عن الملف الحقوقي في السعودية، كيف تقيّم أوضاع حقوق الإنسان في الدائرة الأوسع (دول الخليج)؟
يشهد الملف الحقوق في دول الخليج تدهورًا ملحوظًا، وتلعب المملكة العربية السعودية دورًا رئيسًا في هذا التدهور، كذلك تسعى السعودية إلى تعزيز نفوذها ونشر أفكارها المحافظة في المنطقة، مما يُعيق تقدم ملف حقوق الإنسان في الدول الخليجية الأخرى.
اتفاقية التبادل، وهي اتفاقية أمنية بين دول الخليج، ساهمت في تدهور ملف الحقوق. فالسعودية -حسب الكاتب- تستخدم هذه الاتفاقية لقمع المعارضة وتقييد الحريات في الدول الأخرى. المجتمعات في دول الخليج تفتقر إلى الحد الأدنى من تطبيق مبادئ المواطنة والحقوق الأساسية للفرد، مما يخلق بيئة مواتية لانتهاكات حقوق الإنسان.
14- ختامًا، ماذا الذي ينقص المجتمعات العربية للوصول إلى حد أدنى من تطبيق مبادئ المواطنة والحقوق الأساسية للفرد؟
نحتاج جميعًا النضال الشعبي والعمل الدستوري من أجل تحقيق التغيير الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان في دول الخليج والعالم العربي، ومن خلال النضال الشعبي يمكن تحقيق الضغط على الحكومات، وتعزيز الوعي العام بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية، مما يُشكل أرضية خصبة للتغيير، كما يُوحّد النضال الشعبي جهود مختلف فئات المجتمع من أجل تحقيق أهداف مشتركة.
هناك ضرورة لتطبيق مفهوم “العمل الدستوري” الذي يقترحه الصديق الدكتور ناثان براون في كتابه “دساتير في عالم غير دستوري”؛ حيث يُعرّف براون العمل الدستوري بأنه ممارسة مستمرة للمبادئ الدستورية، حتى في ظل غياب دستور مكتوب.
تتمثل أهمية العمل الدستوري في دول الخليج والعالم العربي في تعزيز ثقافة سياسية ديمقراطية، حيث يُساهم العمل الدستوري في تعزيز ثقافة سياسية ديمقراطية تُقدّر المشاركة الشعبية واحترام القانون، كذلك يُساعد العمل الدستوري على تأسيس مجتمع مدني قوي قادر على ممارسة الرقابة على السلطة ومحاسبتها، يُمكن أن يُساهم العمل الدستوري في تحقيق إصلاحات سياسية وحقوقية من خلال الضغط الشعبي والممارسات الديمقراطية.
وفي الوقت الراهن تُعاني العديد من دول الخليج والعالم العربي من غياب الدساتير المكتوبة، مما يُعيق العمل الدستوري، كما تُمارس بعض الحكومات في المنطقة القمع ضد أي شكل من أشكال المعارضة أو النشاط السياسي، مما يُشكل تحديًا كبيرًا للعمل الدستوري، أيضًا تُعاني بعض المجتمعات العربية من ضعف ثقافة المشاركة الشعبية، مما يُقلّل من فعالية العمل الدستوري.