3 ملايين سيدة وفتاة تعرضت لمخاطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وبعد اندلاع الصراع المسلح في السودان بين قوات الجيش السوداني وميليشا الدعم السريع، باتت واحدة من كل 4 سيدات أو فتيات في السودان (قرابة 4.2 مليون سيدة وفتاة) معرضات لنفس الخطر. وقد ارتفعت جرائم العنف الجنسي في السودان 4 مرات خلال 3 أعوام فقط بين عامي 2020 و2023، حدث نصفها خلال 6 أشهر فقط من اندلاع الصراع، بين منتصف أبريل حتى سبتمبر 2023.
أُبلغ عن 92 جريمة عنف جنسي خلال 2023، عدد الضحايا فيها 288، مقارنة بــ 35 جريمة عنف جنسي، عدد ضحاياها 65 حالة في 2022، وبلغ عدد ضحايا العنف الجنسي خلال 2021، وتضررت 98 حالة من 20 واقعة عنف، مقابل 39 ضحية متضررة من 17 واقعة عام 2020، وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية. وتشير تقارير أممية إلى أن الوقائع الفعلية أكثر من ذلك، ولا يتمكن الضحايا من الإبلاغ جراء قطع الكهرباء وشبكات الاتصال، إضافة إلى الوصمة المجتمعية.
تُرجع سُليمى إسحاق، مسؤول وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في الخرطوم، ارتفاع جرائم العنف الجنسي في السودان، بسبب تنامي وتيرة اقتحام ميليشيا الدعم السريع للمنازل. وهو ما أكده تقرير صادر عن منظمة “هيومان رايتس ووتش”؛ فقد سجلت وقائع اقتحام للمنازل من القوى المتصارعة والميليشيا المتحالفة معها، جميعها تعتدي على النساء. وهو ما وثقته أيضًا بيانات منظمة insecurity insight (منظمة غير حكومية ترصد الأخطار في مناطق الصراع)؛ إذ سجلت حوالي 20 جريمة خلال 2023 وقعت داخل منزل الضحية، واغتصبت النساء أمام أفراد العائلة، مقابل واقعة واحدة في 2022.
نهج عسكري
في يوم 23 من أبريل/ نيسان 2023، اقتاد مسلحون يرتدي بعضهم زي الدعم السريع، حوالي 12 امرأة في ولاية شمال دارفور إلى مستودع واغتصبوهن، وأجبر بعض الجناة رجالاً مدنيين كانوا محبوسين في الداخل أيضًا على اغتصاب النساء.
الواقعة واحدة من 82 جريمة عنف جنسي ارتكبت خلال الفترة ما بين 15 من أبريل/نيسان وحتى 29 من سبتمبر/أيلول 2023، وصل عدد الضحايا فيها لـ 273 ضحية، تُمثل نسبة 90% من الجرائم المرتكبة خلال العام الماضي.
مع تزايد البلاغات عن العنف الجنسي المرتكب من طرفي الصراع ضد النساء في السودان، نشأت مبادرة “ناجيات من حرب 15 أبريل” بغية تقديم الدعم النفسي والطبي والقانوني للناجين/ات من العنف في السودان.
وتعليقًا على جرائم العنف الجنسي المرتكبة من قبل طرفي الصراع داخل السودان، قالت العضوة والمحامية في المبادرة فاطمة أحمد (أخفينا اسمها حفاظًا على سلامتها)”: “إن ما تتعرض له النساء في السودان الآن جريمة لا إنسانية، موضحة أن ممارسة العنف الجنسي بشكله الحالي بات نهجًا عسكريًا يمارسه طرفا الصراع داخل السودان، لتشويه سمعة وشرف العائلات وكسرها عبر إلحاق العار بهن، وبسمعة نسائهن، ويمارس غالبًا ضد العائلات التي تنتمي لأحد طرفي الصراع ضد الطرف الآخر”.
وذكر تقرير صادر عن خبراء أمميون، يوليو الماضي، أن العنف الجنسي يُستخدم في السودان كسلاح لترويع المدنيين.
سلاح عسكري
ميليشيا الدعم السريع مسؤولة عن 7 من كل 10 جرائم عنف جنسي وقعت منذ اندلاع الصراع أبريل 2023. وتُشير البيانات إلى أن الجيش السوداني والدعم السريع ارتكبا نصف جرائم العنف الجنسي الموثقة في السودان بين عامي 2020 و2023. وقد ارتكبت قوات الجيش السوداني 10% من الجرائم خلال الـ 3 سنوات، و39% من الجرائم الجاني فيها هو الدعم السريع، وقُيدت 54 جريمة بنسبة 33% ضد مسلح مجهول الهوية، وفقًا لإحصائيات Insecurity Insight
توضح المحامية بمبادرة “ناجيات من حرب 15 أبريل“، أن استعمال العنف ضد النساء في السودان وتحقيق النصر على أجسادهن، نمط اتبعته الحكومات السابقة في السودان، واستُخدم خلال الصراع المسلح في دارفور بين عامي 2003 و2006 واستمر حتى نشأة ميليشات الدعم السريع. اندلع الصراع المسلح في دارفور فبراير 2003، بعدما هاجمت حركتان متمردتان؛ هما “تحرير السودان” و”العدل والمساواة” بقتال الحكومة السودانية.
وفي هذا السياق، تُؤكد دكتورة رقية السيد الطيب، الأستاذ في قسم علم نفس بكلية الآداب جامعة الخرطوم، قائلة: “إن النساء في السودان تعرضن خلال الحروب المختلفة؛ بداية من حرب دارفور وحتى الصراع الدائر للعنف والاعتداءات الجنسية، لكن في الحرب الأخيرة كان العنف الجنسي متزايدًا مقارنة الحروب السابقة”.
وتؤكد “الطيب” في حديثها لـ”مواطن“، أن العنف الجنسي المُستخدم الآن في السودان يهدُف إلى إذلال الأسر وكسر كبريائهن ومُعاقبتهن، بالإضافة لاستخدام النساء كوسيلة من وسائل الترفيه عن الجنود والمقاتلين.
استهداف الأقليات
ما أشارت إليه فاطمة عن استخدام النساء في الحرب، حذر منه خبراء في الأمم المتحدة في تقرير صدر نوفمبر 2023، قالوا فيه: “نشعر بالفزع من التقارير التي تفيد باستخدام العنف القائم على النوع الاجتماعي على نطاق واسع، بما في ذلك العنف الجنسي، كسلاح حرب لإخضاع النساء والفتيات وإرهابهن وكسرهن ومعاقبتهن، كوسيلة لمعاقبة مجتمعات معينة تستهدفها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة”.
وقد وثقت هيومان رايتس ووتش من خلال مقابلات مع ضحايا عنف جنسي، استهداف ميليشيا الدعم السريع الأقليات العرقية وعلى رأسها “المساليت”، وهي قبيلة أفريقية غير عربية تسكن مدينة الجنينة غرب دارفور.
وهو ما واجهه حوالي 40 رجلًا وامرأة وطفلًا؛ فروا من الصراع في ولاية غرب دارفور؛ إذ أوقفتهم قوات الدعم السريع عند نقطة تفتيش تابعة له، وتعرض أفراد من قبيلة المساليت للجلد والضرب، واختطُف الرجال وأربع نساء في العشرينات من العمر. وبحسب شاهدة على الواقعة؛ فإن النساء تعرضن للاغتصاب.
تلقت مبادرة “ناجيات من حرب 15 أبريل” حوالي 61 شكوى عن جريمة عنف جنسي أغلبها في الخرطوم، وهي المركز الرئيسي للصراع. وفي تقرير إحصائي لحملة “معًا ضد الاغتصاب والعنف الجنسي” عن حالات الاغتصاب والعنف الجنسي في السودان خلال الحرب في الفترة من (15 أبريل إلى 31 من ديسمبر 2023) في 6 ولايات، وثقت الإحصائية 189 حالة اغتصاب وعنف جنسي، وكان شمال ووسط دارفور هما الأعلى في معدل تلك الجرائم؛ إذ وقعت 42% من الجرائم في شمال الإقليم، و18% في وسطه.
تُظهر بيانات Insecurity Insight أن 43% من جرائم العنف الجنسي الواقعة خلال 2023 حدثت في العاصمة الخرطوم، تلاها غرب دارفور بنسبة 21%، وجميعها ولايات تشهد تصاعدًا للصراع بين الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع.
اقتحام المنازل
تشير “هيومان رايتس ووتش” في تقريرها إلى أن قوات الجيش السوداني وميليشيا الدعم السريع شنا هجمات متعددة على قرى وبلدات ولاية غرب دارفور، استهدفت بشكل أساسي مناطق يقطنها أبناء قبيلة المساليت، وهي إحدى المجموعات السكانية غير العربية الرئيسية؛ ففي يوم 28 يوليو/ تموز 2023، اقتحم مسلح ينتمي لميليشيا الدعم السريع أثناء عمليات التفتيش منزلًا في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، تسكنه فتاة عشرينية من قبيلة المساليت، واغتصب الفتاة تحت تهديد السلاح.
تقول بلقيس والي، مديرة مساعدة في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها مسؤولة عن عدد هائل من حالات الاغتصاب وغيرها من جرائم الحرب أثناء هجومهم على الجنينة، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يتخذ خطوات عاجلة لوقف هذه الفظائع ليُظهر للمسؤولين عن الانتهاكات أن العالم يراقبهم”.
اقتحام المنازل والتعدي على النساء والرجال بداخلها نهج اتبعته ميليشيا الدعم السريع منذ بداية الصراع، وهو ما دفع السودانيين لتدشين هاشتاج #الدعم_السريع_يستبح_بيوتنا، لتوثيق ونشر جرائم ميليشيا الدعم السريع؛ فنحو ثلث جرائم العنف الجنسي المسجلة في الفترة ما بين 15 أبريل حتى نهاية سبتمبر 2023، وقعت داخل المنازل، وهو ما أكدته سُليمى إسحاق؛ في حديث صحفي، بأن “زيادة وتيرة اقتحام المنازل من أفراد الدعم السريع رفع أعداد جرائم العنف الجنسي المرتكبة خلال الصراع الدائر”.
محاكمة دولية
وقعت حوالي 78 جريمة اغتصاب من إجمالي 92 جريمة عنف جنسي مبلغ عنها خلال 2023، أي أن الاغتصاب يُمثل 85% من إجمالي جرائم العنف الجنسي. ودفع الاستهداف المتكرر للنساء -تحديدًا الأقليات العرقية- الأمم المتحدة لفتح تحقيق للتأكد من صحة الجرائم والوقائع الواردة.
يقول ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة: “إن التقارير تفيد بأن أعمال العنف يُزعم أنها ارتُكبت من جماعات ميليشيا عربية (جماعات مسلحة من القبائل العربية) بتواطؤ محتمل من قبل قوات الدعم السريع”.
وأضاف دوجاريك؛ في مؤتمر صحفي، أن تلك الأعمال تضمنت “القتل المستهدف لرجال ونساء من المساليت، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، والطرد القسري لمجتمعات المساليت الذين كانوا يلتمسون الأمان سابقًا داخل حي أردمتا بالجنينة والمناطق المحيطة”.
وقعت حوالي 78 جريمة اغتصاب من إجمالي 92 جريمة عنف جنسي مبلغ عنها خلال 2023، أي أن الاغتصاب يُمثل 85% من إجمالي جرائم العنف الجنسي.
John Doe Tweet
وذكر تقرير للأمم المتحدة، صدر خلال 2024، أنه بحلول 15 كانون الأول/ديسمبر 2023، تعرض ما لا يقل عن 118 شخصًا للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، والاغتصاب الجماعي، ومحاولة الاغتصاب، بينهم 19 طفلًا. ويذكر التقرير أن عددًا من عمليات الاغتصاب ارتُكِبت في المنازل والشوارع من قبل أفراد ينتمون لقوات الدعم السريع. ويضيف أن امرأة احتُجزت في أحد المباني حيث تعرضت للاغتصاب الجماعي بشكل متكرر على مدار 35 يومًا.
توثق مبادرة “ناجيات من حرب 15 أبريل” جرائم العنف الجنسي، وتسعى إلى استخدامها كأدلة لتقديم الجناة إلى المحاكمة وفتح تحقيق معهم، كما تسعى إلى أن تقديمها للمحاكمة الدولية. بحسب القانون الدولي؛ فإن الصراع في السودان هو صراع غير دولي، أي صراع ناشئ بين القوات المسلحة الحكومية وجماعة مسلحة أو أكثر.
ويطالب القانون الدولي الإنساني جميع أطراف النزاع اتخاذ التدابير اللازمة للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين والأعيان المدنية؛ مثل المباني السكنية والمدارس والمستشفيات، ويجب ألا تنفذ هجمات لا تستطيع التمييز بين المدنيين والمقاتلين، أو تتسبب في أضرار غير متناسبة للمدنيين.
ويعد الاغتصاب جريمة ضد الإنسانية، وهي جرائم تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو منظم ضد المدنيين في أوقات السلم أو الحرب، والتي تندرج تحت القانون الدولي الجنائي، وبموجبه على الدول تقديم أولئك المجرمين للمحاسة، وأنشئت المحكمة الجنائية الدولية للحد من الإفلات من العقاب.
العقاب بــ 100 جلدة
تعاقب المادة 149 من القانون الجنائي السوداني الشخص المرتكب لجريمة الاغتصاب بـ 100 جلدة، وبالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات.
تتلقى مبادرة “ناجيات من حرب 15 أبريل” البلاغات عن العنف الجنسي من خلال الناجيات من الحادث، أو أهاليهم وذوي الصلة، كما أنها على تواصل مع غرف الطوارئ في الولايات، وتسعى المبادرة لمساعدة الناجيات.
تقول فاطمة، إحدى عضوات المبادرة: “إن العديد من الناجيات يصلن في حالة صحية حرجة؛ خاصة أولئك الذين وفدوا إليها بين شهري أبريل ومايو 2023، واضطررن لحجز الضحايا في المستشفى لعدة أيام، وسجلن وفاة حالة في إحدى غرف الطوارئ”.
توفر المبادرة طاقمًا طبيًا من أطباء النساء والتوليد، وصيادلة لتوفير الأدوية، وممرضين/ات للرعاية الطبية، وكذلك أطباء وأخصائيين نفسيين، بالإضافة للدعم القانوني من محامين/ات.
توضح فاطمة، أن أعمار الناجيات متفاوتة؛ فهناك قاصرات وشابات بين 18 و24 عامًا كما في حالة الفتاة العشرينية التي اغتصبتها ميليشيا الدعم السريع في غرب دارفور، وأخريات أكبر سنًا، وهو ما اتفق مع البيانات الصادرة عن Insecurity Insight، والتي وثقت 17% من الجرائم كان ضحاياها قاصرات تحت 18 عامًا، و62% من الجرائم ضحاياها بالغات/ين. ووثقت البيانات الصادرة عن حملة “معًا ضد الاغتصاب” أن 46% من الضحايا كانوا دون 18 عامًا، و42% من البالغين.
اغتصاب الرجال
وفقًا للبيانات، لا يمارس العنف الجنسي على النساء فقط؛ ففي 8 من سبتمبر/ أيلول 2023، أجبرت قوات الدعم السريع معتقلاً داخل مركز احتجاز في الخرطوم على خلع ملابسه وهددته بالاغتصاب، وهي جريمة ضمن جريمتين وثقتها بيانات insecurity insight خلال الفترة من 2020- 2023 كان الضحية فيها ذكر، ووثقت حملة معًا ضد الاغتصاب 4 جرائم كان الضحية فيها رجلاً خلال الفترة من 15 أبريل وحتى 31 ديسمبر 2023.
تعتقد فاطمة، أن عدد الرجال الذين تعرضوا لعنف جنسي خلال الصراع الدائر حاليًا أكبر من ذلك بكثير، لكن الرجال لا يُبلغون، مُرجعة ذلك إلى خوفهم من المجتمع وشعورهم بالعار، وترى أن المرأة السودانية أصبح لديها الوعي أكثر من الرجل عن ضرورة الإبلاغ، كونهن اختبرن العنف الجنسي في الحروب السابقة وداخل المعتقلات والسجون، وأثناء الحراك الثوري، مؤكدة أن ممارسة العنف الجنسي ضد أي من الجنسين عمل غير إنساني وغير مبرر في أي وقت، ويُستخدم كأداة للضغط النفسي على الضحية، وهو جزء لا يتجزأ من بطشهم واعتدائهم على المواطن.
أخطار نفسية جمة
تقول الدكتورة رقية السيد الطيب، أستاذ علم النفس؛ “إن النساء يواجهن أخطارًا جمة خلال الحروب والصراعات، وخاض السودان حروبًا عدة، كلها واجهت فيها النساء أخطار العنف والاعتداءات الجنسية، والتي ارتفعت في الحرب الدائرة مقارنة بالعنف الحادث سابقًا، ويترك ذلك على النساء آثارًا نفسية جمة”.
تعدد أستاذ علم النفس الآثار النفسية الناتجة عن الاعتداء الجنسي والاغتصاب ومنها: الشعور بالتوتر والبكاء الكثير، ارتعاش الجسم، وزيادة مشاعر القلق والخوف، والإصابة بالفزع والكوابيس، بالإضافة للهياج والغضب، والرغبة في العزلة والانسحاب من المجتمع، وقد يصل الأمر للتفكير في الانتحار، مضيفة أن الضحية يزداد الشعور لديها بالذنب والإحساس بمسؤوليتها عما حدث، وأنها لم تدافع عن نفسها بشكل كافٍ.
ومن الاضطرابات النفسية التي يُمكن أن تصاب بها الضحية، هو “اضطراب ما بعد الصدمة”، وهو حالة صحية عقلية يستثيرها حدث مخيف، قد يحدث لك أو قد تشهده. قد تتضمن الأعراض استرجاع الأحداث، والكوابيس والقلق الشديد، بالإضافة للأفكار التي لا يمكن السيطرة عليها بخصوص الحدث، وقد تظهر أعراض الاضطراب في الـ 3 أيام الأولى التالية للحادث أو بعد شهر، بحسب الطيب.
لذا تنصح “رقية” النساء والفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب بالذهاب مباشرة إلى مركز صحة نفسية، أو طلب المساعدة من متخصص، لأنه رغم أن للاعتداء والاغتصاب الجنسي أضرارًا على الصحة الجسدية، إلا أنها ترى أن الآثار النفسية أشد وطأة لأنها تقود لأضرار جسدية.
أخطار مستمرة عند الأطفال
تكون الآثار النفسية للعنف الجنسي على الأطفال/ القاصرات أكثر حدة وذات تأثير ممتد، توضح “الطيب” الأعراض التي يُصاب بها الأطفال قائلة: تشعر الطفلة بالخوف الشديد، وقد تلتزم الصمت ولا تبوح لأسرتها عما حدث خوفًا من الجاني؛ لأنه قد يكون أرهبها وخوفها، لأن الاغتصاب يكون تحت التهديد حتى لا تفضحه؛ خاصة إذا كان من المقربين لها أو لأسرتها.
وإثر ذلك تشعر الطفلة بعدم الأمان وتفقد الثقة في الآخرين، مع شعور بالذنب والخجل، وقد تُصاب بنوبات غضب وتتحول لمعاداة من هم أصغر منها سنًا، أو نحو الحيوانات، في محاولة لتفريغ طاقة الغضب بداخلها، أو يقودها الغضب إلى العزلة عن الآخرين وتكون غير قادرة على فهم مشاعرها ومشاعر المحيطين بها، وتدخل حالة انطوائية شديدة وعدم رغبة في مخالطة الآخرين لفقدانها الثقة فيهم.
ويمكن أن يقودها الاغتصاب للقيام بممارسات جنسية، كأن تبدأ بالعادة السرية، أو التلفظ بألفاظ بذيئة قالها لها المعتدي وتعتاد ترديدها، وتضيف أن الفتاة المُغتصبة قد تصبح لديها نظرة سلبية تجاه جسدها وكراهيته؛ ففي أحيان كثيرة تحاول تشويه جسدها وإصابة نفسها بجروح.
وتشير “الطيب” أن الآثار النفسية الناتجة عن اغتصاب القاصرات تستمر وتؤثر على مستقبل الفتاة؛ فيمكن تواجه مشكلة في إقامة علاقة زوجية ناجحة مع زوجها والاستمتاع معه، وينتابها خوف وفزع لمجرد التفكير في المعاشرة الجنسية، وتظل الذكريات ملاحقة لها وتصاحبها مشاعر الذنب والقلق.
وفي حال كان الأطفال أقل من عشر سنوات، يُصابون بحالة تسمى “الارتداد”، ويكون من أعراضها: “مص الأصابع”، والتأتأة، والتبول اللاإرادي، وفرط حركة أو الجمود، وتدني في القدرات العقلية لديهم، واضطرابات مزاج. وهناك آثار آنية ومستقبلية في القدرات والتحصيل الدراسي والعلاقات بالآخرين، والعلاقات المستقبلية، لذا على الأسر الانتباه للطفل بشكل كبير، ومراقبة التغيرات في الصحة النفسية له.
تصوير وقائع العنف الجنسي
تنتشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي عن اعتداءات جنسية على النساء في السودان، يمارسها على الأغلب أفراد وميليشيا متحالفة مع الدعم السريع. وفي واحدة من الجرائم اغتصب رجلان امرأة بينما صور ثالث الهجوم. لم يكن الرجال يرتدون أي زي رسمي أو أي علامات على انتمائهم لقوات الدعم السريع أو الجيش السوداني. تم التعرف على أحد الرجال من خلال الفيديو ويُزعم أنه من قوات الدعم السريع.
تُعلق فاطمة على تصوير الدعم السريع لجرائمهم، قائلة: “إن أعضاء الدعم السريع جهلاء ولا يدرون أن تصوير الوقائع يدينهم، ولكنهم يصورنها لظنهم أن الاغتصاب شرف وفخر ولا عقاب عليه”.
وتذكر كلمة للرئيس السوداني السابق عن اغتصاب نساء دارفور، قائلًا: “إن اغتصاب نساء دارفور من الشماليين هو شرف وفخر لهن”. وتضيف: كان الضباط يطلبون من الأهالي بناتهم لتشريفهم، رغم أن الطلب يكون تحت تهديد السلاح.
فاتورة كبيرة تتحملها الضحية
تشير الدكتورة رقية إلى أن المجتمع ينظر للفتاة المُغتصبة على أنها وصمة، وبأنها “فقدت شرفها”، ولا تكون آثار تلك النظرة على الضحية فقط؛ بل على أسرتها أيضًا، وقد يترتب عليها عدم زواج الفتاة أو أخواتها البنات.
وتضيف أن أسرة الضحية نفسها قد تُعاملها مُعاملة بها إذلال وتنمر، لاعتقادهم أنها المسؤولة عن وقوع الاعتداء الجنسي ولم تدافع عن نفسها بشكل كافٍ. كما تواجه ضغوطًا من أقرانها وزملائها في العمل أو المدرسة يدفعها لترك العمل والدراسة، وبعض الأزواج يُطلقن زوجاتهم بعد تعرضهن للاغتصاب، وأحيانًا كثيرة تضطر للانتقال من مكان إقامتها هربًا من ألسنة الجيران والمحيطين بها.
وتكون الفاتورة التي تدفعها النساء المُغتصبات كبيرة حال نتج عن الاغتصاب حمل؛ في القانون السوداني يحق لها الإجهاض إذا لم تتم 3 أشهر من الحمل.
وبحسب المادة 135 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 فإنه “يعد مرتكبًا جريمة الإجهاض من يتسبب قصدًا في إسقاط جنين لامرأة إلا إذا حدث الإسقاط في أي من الحالات الآتية:
- إذا كان الإسقاط ضروريا للحفاظ على حياة الأم.
- إذا كان الحمل نتيجة لجريمة اغتصاب ولم يبلغ تسعين يومًا ورغبت المرأة في الإسقاط.
- إذا ثبت أن الجنين كان ميتًا في بطن امه.
توضح رقية أن عملية الإجهاض تحتاج مكانًا آمنًا، ومن الممكن ألا تجد مكانًا آمنًا وبيئة صحية للإجهاض في ظل خروج نحو 80% من المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل، وإذا لم تُجهض واكتمل الحمل قد ينبذها المجتمع هي والجنين، وهو ما يُسبب لها ضغطًا كبيرًا من المحيط الأسري والاجتماعي والمهني، ينتج عنه انعزال ووحدة وصعوبة في إقامة علاقات مع الآخرين.
مع تفاقم الصراع واستمرار الدعم السريع في اقتحام الولايات السودانية، يتوقع ارتفاع عدد الانتهاكات بحق النساء. وتستمر مبادرة ناجيات في محاولة توثيق حوادث العنف الجنسي، وتقول عضوة المبادرة: “ليس في قدرتنا سوى المساعدة على النزوح من مناطق الخطر والدعم بعد وقوع الجريمة؛ فحتى في مناطق سيطرة الجيش استُهدفت النساء، والكثير من العاملات في مجال الرصد والتوثيق يكنّ محل استهداف، وختمت حديثها: “وقت الانتهاك ما بيكون في حاجة بتحمي”.
أنتجت تلك القصة بالتعاون مع موقع المهاجر وبدعم من مركز التوجيه ودعم المبادرات الإعلامية الناشئة بالتعاون مع شبكة الصحافيين الدوليين والمركز الدولي للصحافيين