أعلن أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح؛ في 10 من مايو/أيار الحالي، حل مجلس الأمة، ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات، يتم خلالها “دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية”، مضيفًا أنه اتخذ هذا القرار “إنقاذًا للبلد وتأمينًا لمصالحه العليا، والمحافظة على مقدرات الشعب”، ومعلنًا رفضه أن “تُستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”، وبالنظر إلى التجربة النيابة الحديثة في الكويت، كان الصراع هو السمة الأساسية بين الحكومة ومجلس الأمة؛ خاصة في السنوات العشر السابقة والتي غلب عليها حل المجلس بشكل دوري.
وتتعلق المواد التي علق أمير البلاد العمل بها من الدستور، المواد 51 و56 (فقرة 2 و3) و71 (فقرة 2) و79 و107 و174 و181، بطريقة عمل مجلس الأمة ودوره في إصدار القوانين والمصادقة على الاتفاقيات، وهو التعليق الثالث في تاريخ الحياة السياسية في البلاد؛ إذ سبق أن تم اتخاذ إجراء مشابهًا لأول مرة عام 1976 خلال فترة حكم الشيخ صباح السالم الصباح، ومرة أخرى عام 1986 خلال فترة حكم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح.
وعلل أمير الكويت قراره بأنه لمس خلال الفترة الماضية “سلوكًا وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة”، مردفًا أن البعض يحاول التدخل في “صميم اختصاصات الأمير”، و”يتدخل في اختياره لولي عهده متناسيًا أن هذا حق دستوري صريح وواضح وجلي للأمير”، وإن كان إقدام الأمير على حل المجلس وتعطيل بعض مواد الدستور هو عمل غير دستوري، إلا أن المراهقة السياسية وسياسة العناد والتصلب التي غلبت على نواب المجلس، قد ساهمت بشكل أو بآخر في الطريق المسدود الذي آلت إليه البلاد، بعد تكرار التصعيد الذي تسبب في الحل السابق للمجلس في فبراير/ شباط.
عودة الوجوه القديمة
وكانت بوادر تصعيد جديدة ظهرت قبل صدور الأمر الأميري؛ إذ اجتمع 9 نواب في بداية مايو/ آيار؛ في مكتب النائب عبد الهادي العجمي، وطالبوا رئيس مجلس الوزراء المكلف الشيخ أحمد العبد الله بتشكيل حكومته وفقًا لما نص عليه الدستور، وإبعاد أي عناصر وزارية غير مرغوب بها من الشعب.
وذكرت مصادر إعلامية محلية أن النواب المجتمعين اتفقوا على تقديم استجواب فوري إذا عاد الشيخ فهد اليوسف وزيرًا للداخلية، إضافة إلى استجوابات أخرى قد توجه لوزراء التربية والمالية والاتصالات.
وكذلك المفاجأة التي حملتها الانتخابات بعودة كامل الوجوه القديمة، وإضافة وجوه أخرى كانت تعدّ من “الصقور”، حتى إن النائب المتهم بإطلاق التوصيفات التي صدر بسببها مرسوم الحلّ السابق، وهو عبد الكريم الكندري، حقق فوزًا ساحقًا في الدائرة الثالثة، وجاء في المركز الأول بعدد أصوات بلغ 9428 صوتًا، كما أنتجت الانتخابات أيضًا مجلسًا تهيمن عليه المعارضة التي حافظت على مقاعدها الـ 29 من أصل 50، وإن كانت معارضة مفتتة وغير متجانسة.
تتعلق المواد التي علق أمير البلاد العمل بها من الدستور بطريقة عمل مجلس الأمة ودوره في إصدار القوانين والمصادقة على الاتفاقيات، وهو التعليق الثالث في تاريخ الحياة السياسية في البلاد؛ إذ سبق أن تم اتخاذ إجراء مشابهًا لأول مرة عام 1976 ومرة أخرى عام 1986
بدوره يرى الكاتب الكويتي، عبد اللطيف الدعيج، أنه ليس هناك خلاف على عدم دستورية الأمر الأميري المتعلق بحل مجلس الأمة، ولكن ليس هناك خلاف أيضًا، وليس من المفترض أن يكون على ضرورته واستحقاقه.
وأضاف في مقال بصحيفة الجريدة: “إنه أمر كان لابد منه، لأن السبل والوسائل الدستورية وحتى الدبلوماسية أخفقت في احتواء، أو حتى التهوين من عبث النواب وانحرافاتهم، كما أن الأمور خرجت منذ زمن عن ضوابطها، والأوضاع لم تعد تتحمل تخبط أعضاء مجلس الأمة وحماقاتهم أكثر مما تحملت. إن الحل غير الدستوري لمجلس الأمة وتعليق المادة 107 كان مستحقًا منذ زمن، منذ أن تصدت مجاميع التخلف لإصلاحات المرحوم الشيخ صباح الأحمد”.
وتابع: “المؤسف أن السلطة تأخرت كثيرًا في اتخاذه، وقد دفعت الكويت ثمنًا باهظًا جراء ذلك؛ فتكلفة التأخير كانت تعطل تنويع الدخل الذي تمثل في مشروع “الداوكيميكال”، وتأخير استعادة الكويت لدورها الريادي كمركز مالي، وأخيرًا، وبالتأكيد ليس آخرًا، تعطيل مشروع تطوير الجزر وخطة كويت 2035؛ بل إن حماقات النواب مضت بعيدًا إلى حد التطاول على أصول الحكم وقواعده، والعبث بمبادئ النظام الديموقراطي الذي يتشدقون بالحفاظ عليه؛ فضلًا عن أن مجلس الأمة بتزمت أعضائه خنق البلد اجتماعيًا وحضاريًا خلال العقود الأربعة أو حتى الخمسة الماضية”.
مراهقة سياسية
ويقول المحامي الكويتي، غازي العنزي: “إن الفترة الماضية شهدت كثيرًا من العراقيل العملية التي لم تخدم المجلس ولا الحكومة، وعانت الكويت من وجود برلمانيين ليسوا سياسيين في مجلس الأمة؛ فالرجل السياسي يأخذ ويعطي ويهادن ويتعامل، ويجلس على طاولة المفاوضات، ويساوم في بعض القضايا ويؤخر بعض الملفات لمصلحة عليا، وهذه الصفات لم يتمتع بها أعضاء المجلس، وما حدث كان نوعًا من كسر القيود التي لا نرتضيها، لأنها تمس ثوابتنا ومصلحتنا الاجتماعية، وفي الكويت ندّعي أن لدينا طبيعة خاصة، لأن هذه الإمارة لم تقم بحرب ولا سيف ولا فتوحات، وإنما بتراضٍ تام بين الآباء المؤسسين على شكل الحكم في البلاد”.
وحول الأخطاء التي وقع فيها أعضاء مجلس الأمة، أضاف العنزي، لـ “مواطن” أن النواب حاولوا التدخل في اختيارات الأمير لتسمية ولي العهد، وهذا حق خالص للأمير دستوريًا؛ فكثر اللغط والهرج والمرج في داخل الدولة، بأننا نريد فلانًا ولا نريد فلانًا، متناسين بذلك أن هذا حق خالص للأمير، وعلى الأمير أن يسمي شخصًا واحدًا لولاية عهده، ثم يعرضه على البرلمان المعقود، وعلى البرلمان أن يصوت عليه بالقبول أو الرفض، وفي حال رفض هذا الشخص، يعود الأمر إلى الأمير الذي يرشح بدوره ثلاثة أسماء من أبناء الأسرة، لا يكون بينهم الشخص الذي تم استبعاده، وعلى هذه الحالة على المجلس أن يصوت على واحد من هؤلاء الثلاثة ليكون وليًا للعهد، ولكن في التاريخ الكويتي لم يشهد أي رفض لتسمية ولي العهد”.
وتابع: “إن أعضاء البرلمان حاولوا أيضًا التدخل في تشكيل الوزارة، وهذا أيضًا من اختصاصات الأمير، لأن الأمير يسوس هذه البلاد ويديرها من خلال وزرائه بما نص عليه الدستور؛ فإذا ما تدخلت في اختياراته وأجبرته أن يُخرج شخصًا من الوزارة أو يدخل آخر؛ فهذا تدخل في صلاحيات الأمير، ونحن لا نقبل تدخل أي سلطة على أخرى، مثلاً السلطة التنفيذية لا تتدخل بأعمال السلطة البرلمانية، لأن السلطة البرلمانية حرة، وأيضًا إذا كنا عادلين علينا أن نقف ونعترف بأنه ليس للسلطة البرلمانية أن تتغول على سلطة أخرى وتأخذ حقوقها المنصوص عليها دستوريًا، علاوة على استخدام الأدوات الرقابية الدستورية بغير ما رسم لها وفق القانون”.
وأشار إلى أن البرلمان تحول لأداة للتصفيات السياسية بين الأقطاب المتنازعة، وتسبب هذا الأمر في خسارة احترام الشعب له، أو قوة ورهبة هذه الأدوات الرقابية، وتحول المجلس إلى أداة استجواب لا نهاية لها؛ ما تسبب في إضاعة الأوقات والفرص؛ فيما لا تملك الكويت هذه الرفاهية؛ فالوقت جدًا ضيق والعمل كثير، والمطلوب: “علينا أن نعمل ونجتهد فيه أكثر من هذا الوقت الذي يمضي على تفاهات وعلى صراعات لا تسمن ولا تغني من جوع”.
مخاطر واحتمالات
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية جورجيا، مايكل هيرب، يرى أن “هذه انتكاسة خطيرة للديمقراطية في الشرق الأوسط، وأن تعليق عمل البرلمان يهدد بجعل الكويت سلطوية مثل غيرها من ممالك الخليج”.
وأضاف هيرب؛ في تصريحات لصحيفة “نيويورك تايمز“، أنه ما زال هناك أمل في أن تسلك البلاد مسارًا مختلفًا؛ وبعد التعليقين السابقين، تمت استعادة البرلمان في نهاية المطاف.
بدورها ترى الصحيفة أن الكويت تمثل بديلاً نادرًا؛ حيث تغذي عناصر الديمقراطية حتى بعد سحق انتفاضات الربيع العربي قبل أكثر من عقد من الزمن، وبدأت دول مثل تونس ومصر في العودة نحو إلى الاستبداد، ويعتبر البرلمان الكويتي أقوى بكثير من المجالس الرمزية إلى حد كبير في الأنظمة الملكية المجاورة، ولأعضائه الحق في استجواب الوزراء علنًا؛ ممارسًا النفوذ على ميزانية الدولة؛ والموافقة على تعيين الأمير وليًا جديدًا للعهد”.
للحركة الدستورية الإسلامية "حدس" حضور قوي في البرلمان عبر تاريخه، وصل إلى (6) أعضاء من أصل (60) عضوًا في العام 2006، وفي عام 2012 حصل الإسلاميون على أكثر من نصف مقاعد البرلمان، وكان عدد الأعضاء (34) عضوًا تابعًا للتيارات الإسلامية من أصل (50) عضوًا؛ لكنه انخفض ليصبح مقعدًا في البرلمان المُنحل
وحول صدى الخطوة في الولايات المتحدة، يقول الخبير في شؤون الأمن القومي، سكوت مورغان: “إن هذه الخطوة كانت غير متوقعة في واشنطن، ولقد سمعت بالفعل وجهتي نظر مختلفتين بخصوص هذا الأمر، والقصة الرسمية حول الحد من الصعود المتزايد لجماعة الإخوان المسلمين وقوتها، وهذا طريق يسهل تأكيده مع توقيف النائب السابق وليد الطبطبائي، وإيداعه السجن المركزي لمدة 21 يومًا، بتهمة الطعن والتدخل في صلاحيات الأمير.
وأضاف مورغان، لـ “مواطن”، من الواضح أن النظام الكويتي يشعر بالتهديد في الوقت الحالي، وكانت هناك بعض التكهنات أيضًا على وسائل التواصل الاجتماعي بأن هذا قد يكون مرتبطًا بالاتفاقات الإبراهيمية، وقد ناقشت إدارة بايدن هذا الأمر مع الكويت في وقت سابق من العام الجاري، وأعتقد أن ما يحدث هو امتداد له، ولكن إذا قام الإسرائيليون بتطبيع العلاقات مع السعودية؛ فقد لا تتخلف الكويت عن الركب، ومع ذلك، أعتقد أن الأمير فعل أكثر من أجل القضايا الأمنية”.
التأثير على الإسلاميين
للحركة الدستورية الإسلامية “حدس” حضور قوي في البرلمان عبر تاريخه، وصل إلى (6) أعضاء من أصل (60) عضوًا في العام 2006، وفي عام 2012 حصل الإسلاميون على أكثر من نصف مقاعد البرلمان، وكان عدد الأعضاء (34) عضوًا تابعًا للتيارات الإسلامية من أصل (50) عضوًا؛ لكنه انخفض ليصبح مقعدًا في البرلمان المُنحل، متكبدًا خسارة سياسية غير مسبوقة لهذه الحركة، وكانت أغلب المرات التي تم حل البرلمان فيها بسبب المساعي الإسلاموية للسيطرة على مقاليد الدولة، أو تقييد دور الأمير، وتفجير الصراع على الحكم، ووضح هذا في أحداث الأربعاء الأسود في 2011، ومطالبتهم بتطبيق النظام البرلماني الكامل، وجعل منصب الأمير شرفيًّا.
يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، هشام النجار: “إن هذا التغيير مهم جدًا لعدة أسباب، منها أنه يمثل تحولاً باتجاه تكريس سلطة الدولة وحماية مؤسساتها وتماسكها، وتعطيل الثغرة التي نفذت من خلالها جماعة الإخوان مرارًا بالمنطقة العربية وأيضًا بالكويت لفرض الهيمنة من خلالها على كل مفاصل الدولة، وعرقلة عمل الحكومات، والسطو على صلاحيات القيادة السياسية للدولة بحجة الديمقراطية، ومن خلال التحكم في البرلمان عبر أكثرية في البرلمان، وساعدت جماعة الإخوان في الكويت وجود تداخل وتقاطع بينها وبين بعض القبائل”.
وأضاف النجار، لـ “مواطن”: “بدون شك؛ فإن إجراءات أمير الكويت وقراراته الأخيرة تمنع استمرار هذه الوصاية، وتعمل على تصويب الأخطاء وإصلاح الخلل القائم، عبر تحييد عوامل العرقلة والإعاقة، والدفع باتجاه منح الحيوية والآليات للحكومة للقيام بعملها وتطبيق برامجها”.