تفرض السلطات الكويتية رقابة صارمة على كافة أنماط التواصل الاجتماعي، وكانت وزارة الداخلية الكويتية قد أعلنت قيامها بحملات موسعة لمراقبة ورصد مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف محاربة المحتوى الذي يتضمن الإيحاءات الجنسية أو الأفعال الخادشة للحياء العام، والذي يتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية وعادات وتقاليد المجتمع الكويتي المحافظ.. بحسب وكالة الأنباء الرسمية (كونا).
وفي ضوء ذلك، أعلنت وزارة الداخلية عن تطوير تقنيات جديدة لمراقبة ورصد المحتوى الإلكتروني، والتعاون مع الدول الأخرى في مجال مكافحة الجرائم الإلكترونية، كما طالبت المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي محتوى -فاسق أو غير قانوني- على مواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام تلك المواقع بشكل مسؤول، واحترام القوانين والنظم المعمول بها في البلاد. وتثير مثل هذه الإجراءات مخاوف من أن تستخدم في انتهاك الحريات الشخصية؛ خاصة حرية التعبير، بسبب غموض تعريف “الفسق والفجور”؛ ما قد يُؤدي إلى تطبيقات غير عادلة للقانون، أو استغلاله لأغراض سياسية أو شخصية.
لا تستطيع المرأة الكويتية الزواج دون موافقة ولي أمرها الذكر، بينما يمكن للرجل الزواج دون موافقة أحد، كما أن المرأة تفقد حضانة أطفالها الذكور بعد بلوغهم سن 13 عامًا، بينما يحتفظ الرجل بها حتى بلوغهم سن الرشد.
وفجرت قضية الإعلامية الكويتية حليمة بولند، الجدل من جديد حول تجريم التحريض على الفسق والفجور، قبل أن يتم الإفراج عنها لاحقًا ( بعد نحو شهرين من سجنها) بعد تنازل الطرف المُدعي عليها؛ حيث عرّفت التهمة بأنها أي فعل يهدف إلى حثّ أو دفع شخص آخر على ارتكاب الفواحش أو السلوكيات المُخالفة للقانون والأخلاق، مثل الزنا أو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، أو تعاطي المخدرات، أو نشر المواد الإباحية، أو غيرها من الأفعال المُضرة بالمجتمع.
ويجرم قانون الجزاء الكويتي فعل التحريض على الفسق والفجور، وتحدد عقوبته بالحبس مدة لا تتجاوز سنة، وغرامة لا تزيد عن 75 دينارًا، وتزداد العقوبة لتصل إلى الحبس مدة لا تتجاوز سنتين، وغرامة لا تزيد عن 150 دينارًا إذا كان المجني عليه دون 18 عامًا.
ماذا يقول القانون؟
تنص المادة 200 من قانون الجزاء الكويتي على معاقبة كل من حرض شخصًا على ارتكاب الفجور، أو ساعده على ذلك، أو سهل له ذلك، بالحبس مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة دينار، ولا تزيد على ثلاثمائة دينار.
يُعاني قانون الجزاء الكويتي -بحسب مراقبين- من غموض في تعريف جريمة التحريض على الفسق والفجور، ممّا يُصعّب تطبيق القانون بشكلٍ عادلٍ ومُتناسق. ويُعزى هذا الغموض إلى عدم وجود نصّ يُحدّد بوضوح ما يُعدّ “فسقًا وفجورًا”، تختلف أيضًا تفسيرات “الفسق والفجور” بناءً على العادات والتقاليد والقيم الشخصية.
في هذا السياق، يقول المحامي الكويتي أحمد الهندال، لمواطن: “إن العديد من الجرائم في القانون الكويتي لم يتم تحديد ماهيتها أو معاييرها بشكل دقيق، تاركين ذلك لتقدير النيابة العامة”. ويعتقد أن هذا الأمر يفتح الباب لتفسيرات واسعة قد تضيق على الحريات؛ خاصة حرية التعبير، من بينها مصطلح “التحريض على الفسق والفجور”، وهو فضفاض للغاية، وقد يُستخدم لتجريم أي محتوى ساخر أو نقدي”.
ويرى أن ذلك يُهدد حرية التعبير والإبداع الفني، ويُمكن استغلاله لقمع الرأي المخالف أو إسكات الأصوات المنتقدة”. ويؤكد على ضرورة إعادة صياغة القوانين الكويتية لضمان وضوحها وتحديدها للجرائم بشكل دقيق، وأن يحاسب الأفراد على أفعالهم الضارة بشكل مباشر، دون قمع حرية التعبير”.
من جهته يدافع المحامي الكويتي محمد دشتي، عن تطبيق القانون في حالات الفسق والفجور، ويعتقد أن الغرض منها هو حماية المجتمع وضبط منظومة القيم، ويسترسل: “إن موضوع إرسال الصور بين شخصين قد يعتبره البعض أمرًا شخصيًا، ولا يعاقب عليه القانون إذا كان هناك تراضٍ بينهما، لكن ما حدث في القضية الأخيرة، هو لجوء أحد الطرفين للقضاء باعتباره متضررًا، لذلك أصبح هناك اتهام جنائي”. كما نوه إلى أن القانون في مثل هذه الحالات ترك مساحة للتصالح، وقد أوجد آلية للصلح وحلاً للنزاع بالتراضي في هذا النوع من القضايا، لكن في حال عدم حدوث صلح يكون القاضي ملزمًا باتخاذ الإجراء القانوني بتطبيق أحكام القانون.
المرأة الكويتية.. هل تواجه اضطهادًا ممنهجًا؟
وعلى الرغم من أن الدستور الكويتي ينص على حق المساواة بين الرجال والنساء، إلا أن المرأة ما زالت تواجه أنماطًا مختلفة من الاضطهاد والتمييز المدعوم بالقانون في الكثير من الحالات؛ فضلًا عن ممارسات السلطة الأبوية القمعية تجاه النساء، والتي تمنعهن من الحصول على حقوقهن السياسية والاجتماعية، بفضل نظام الولاية المعمول به في القانون الكويتي.
ويواجه القانون الكويتي انتقادات فيما يتعلق بالمرأة؛ على سبيل المثال تسمح المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي 16 لعام 1960 للرجل بقتل أي من قريباته النسوة اللواتي يضبطن في موقف جنسي فاضح دون أن يدفع إلا غرامة صغيرة.
ويرى مراقبون بأن الاتهام يستخدم كعصا اجتماعية وقضائية ضد المرأة داخل المجتمع المحافظ؛ حيث يعتبرها القانون مذنبة؛ بينما يعتبر الرجل في مثل هذه الوقائع مُبلغًا، ويواجه عقوبات قانونية أقل، ذلك فضلًا عن الوصم الاجتماعي الذي يلاحق النساء بسبب الاتهام طوال حياتهن. كما تتعرض النساء في الكويت لصنوف من الاضطهاد القائم على القانون؛ فمثلًا يُخضع قانون الأحوال الشخصية الكويتي النساء لقوانين تمييزية تحد من حقوقهن في الزواج والطلاق والوصاية والميراث.
على سبيل المثال؛ لا تستطيع المرأة الكويتية الزواج دون موافقة ولي أمرها الذكر، بينما يمكن للرجل الزواج دون موافقة أحد، كما أن المرأة تفقد حضانة أطفالها الذكور بعد بلوغهم سن 13 عامًا، بينما يحتفظ الرجل بها حتى بلوغهم سن الرشد، ولا تمنح المرأة الكويتية جنسيتها لأطفالها بشكل تلقائي، بينما يمنحها الرجل بشكل تلقائي لأطفاله من زوجة كويتية.
المرأة الكويتية واحدة من بين أكثر النساء في العالم من اللاتي لا يحصلن على حقوق متكافئة مع الرجل؛ خاصة على مستوى الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وغيرها من الحقوق في مجالات قانونية واقتصادية.. بحسب مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث. وحلّت الكويت في المراتب السبع عالميًا في تقرير البنك الدولي بعنوان “تتبع التقدم المحرز في الحقوق القانونية للمرأة لعام 2024”. وحققت مراكز متأخرة جدًا في مجالات الحقوق الاقتصادية والقانونية مقارنة بالرجل؛ ما يعني تكريس اللامساواة في المجتمع وزيادة الفجوة بين الجنسين.
واعتبارًا من عام 2022، احتلت الكويت المرتبة 130 من أصل 146 دولة في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين من حيث حقوق المرأة؛ ما يجعلها واحدة من أكثر البلدان غير المتكافئة في العالم على أساس المساواة بين الجنسين. وتستند معظم معايير البلاد لحقوق المرأة ودورها في المجتمع، إلى مرجعيات دينية ومدارس فقهية وقانونية، وهي أساس تنظيم الأحوال الشخصية وقضايا حساسة كالزواج وحضانة الأطفال والطلاق.
وعلى الرغم من أن الكويت ما زالت لديها عوائق أمام التغلب على الكثير من العقبات لتحقيق المساواة بين الجنسين؛ إلا أن العديد من المنظمات تعمل على تعزيز حقوق المرأة في الكويت، ولم تحصل على اعتراف قانوني بحمايتها من العنف الأسري إلا في 2020. ويواجه القانون الكويتي انتقادات فيما يتعلق بالمرأة؛ على سبيل المثال تسمح المادة 153 من قانون الجزاء الكويتي 16 لعام 1960 للرجل بقتل أي من قريباته النسوة اللواتي يضبطن في موقف جنسي فاضح دون أن يدفع إلا غرامة صغيرة.
وبالرغم من كونها من أغنى دول العالم؛ فالكويت تختلف عن سائر الدول العربية في مجال تمكين المرأة من المشاركة في الحياة العامة؛ ففي استطلاع رأي أجرته شبكة البارومتر العربي للبحوث لصالح بي بي سي العربية، شمل أكثر من 26 ألف شخص في 11 دولة عربية، وأظهرت النتائج أن الكويت هي الدولة العربية الوحيدة التي لا يتجاوز فيها قبول فكرة تولي امرأة لمنصب رئاسة الدولة أو رئاسة الحكومة 50%.
وترى هيفاء الموسى، عضو الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية ورئيسة مشروع “ورقتي”، أن هناك الكثير من القوانين التي تظلم المرأة في الكويت وبالأخص قانون الأحوال الشخصية في القانون المدني والجعفري على حد سواء؛ فمثلاً يمنع القانون المرأة من حق تزويج نفسها إلا بموافقة ولي الأمر حتى لو بلغ عمرها 50 سنة على سبيل المثال ولديها أخ عمره 21 سنة؛ فعليها أخذ موافقته قبل الزواج أو رفع قضية ليقوم القاضي بتزويجها بشروط.
وتقول لمواطن: “في المذهب الجعفري؛ فإن على المرأة انتظار زوجها المفقود بشكل لا عقلاني؛ حيث يشترط القانون أنه إذا كان الزوج مفقودًا ومنقطعًا خبره عن أهله ولا تعلم زوجته حياته ولا موته، يجب على الزوجة الصبر والانتظار، وليس لها المطالبة بالطلاق مادام ينفق عليها من مال زوجها أو من مال وليه وإن طالت المدة. بينما يسمح القانون بنفس الوقت أن يتزوج الزوج على زوجته في حياتها وهي بقربه متى شاء؟ هنا نتساءل هل للرجل مشاعر يجب احترامها! بينما المرأة تعامل كبيت الوقف بدون مشاعر”.
وتطالب بتعديل القانون الذي يسمح بتزويج القاصرات في الكويت؛ حيث يسمح قانون الأحوال الشخصية بتزويج الفتاة في سن الخامسة عشرة، والفتى في سن السابعة عشرة وقت التوثيق. وذلك يعنى بأنه يمكن الزواج حتى قبل ذلك، ولكن يوثق في سن 15. بينما وبنفس الوقت يعرف القانون الكويتي الطفل بأنه كل من لم يتجاوز عمره 18 عامًا. وفي هذا تناقض للقوانين بالسماح لزواج الأطفال والقاصرات. وهناك الكثير من المآخذ على هذا القانون؛ أولها أنه ليس هناك عقوبة في حالة عدم الالتزام بالقانون؛ بمعنى أنه إذا قام الأب بتزويج ابنته دون 15 فلا توجد عقوبة لذلك.
وتختم حديثها قائلة: “إن القانون يتعارض مع الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها دولة الكويت لحماية الطفل، والتي تعرف الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة. وتُلزم الدول الأطراف، استنادًا إلى القانون الدولي، بأن تكفل لجميع الأطفال (دون تمييز) الاستفادة من جميع التدابير والإجراءات الخاصة بالحماية، وتمكينهم من الحصول على التعليم والرعاية الصحية، وتوسيع الفرص المتاحة لهم لبلوغ الحد الأقصى لتطوير قدراتهم”.
رجل نزيه وامرأة مدانة
ترى المحامية الكويتية شيخة الشمري أن وضع القوانين ضرورة لضبط المجتمع وحفظ أمنه واستقراره. وتقول “موضوع الفسق والفجور من وجهة نظري الشخصية، ومن واقع عملي كمحامية، قد يظلم منه الطرفان على حد السواء؛ خصوصًا في حالة الجهل ببعض القوانين، وهناك أيضًا فئة أخرى من الناس قد تستغل هذه القوانين وبعض النصوص أو الثغرات القانونية وتقوم بتوظيفها لصالحها، وبالتأكيد في هذه الجرائم يعرض الشخص نفسه لعقوبات كبيرة وجسيمة ويكون في موضع الخطر”.
وتضيف: “لذلك لا عذر بالجهل بالقانون، وعليهم أن يكونوا حذرين في تعاملاتهم وعلاقاتهم مع الآخرين، وعلى اطلاع دائم ومستمر على القوانين، وأخذ النصح والإرشاد والمشورة القانونية من قبل المختصين القانونيين، حتى يتم وقف ومنع وقوع هذا النوع من الجرائم التي تضر بالشخص وتمس كرامته وسمعته، فضلًا عن العقوبة المشددة في هذه الجرائم والتي قد تصل للحبس والغرامات الجسيمة”.
وتعتقد أن وضع المرأة مختلف نوعًا ما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عن الرجل لعدة أسباب، منها أسباب ثقافية فكرية ومجتمعية، كالعادات والتقاليد وغيرها من الأعراف التي تجعل المرأة مقيدة وخائفة من تقديم الشكوى ومباشرة الدعوى القضائية، خوفًا من نظرة المجتمع لها؛ فتظلم في أخذ حقها ورد اعتبارها من الجاني بسبب الخوف من ردة فعل الأهل أو المجتمع؛ فتكتفي بالصمت والخوف والقهر وتمتنع عن أخذ حقها المباح لها”.
وتنوه إلى أنه في حال حركت المرأة شكوى أو دعوى قضائية ضد المتهم وكانت معها كافة الأدلة والمستندات التي تثبت وتدعم قضيتها؛ فبالتأكيد سينصفها القانون، وسينصف أيضًا كل شخص مظلوم، ولكن في كل الأحوال على كل طرف إثبات ما وقع عليه من ظلم أو اعتداء من قبل الغير بكافة وسائل وطرق الإثبات، وهنا ستنظر هيئة المحكمة في الموضوع وتصدر حكمها فيما بعد على ما يقدم لها من دفاع ودفوع ومستندات وإثباتات، بغض النظر عما إذا كان مرتكب الجريمة رجلاً أو امرأة.
ختامًا، إنّ الجدل حول عقوبة التحريض على الفسق والفجور في القانون الكويتي، يُسلّط الضوء على الحاجة إلى إصلاحٍ تشريعيٍّ يراعي احترام الحريات الشخصية، ويجب أن يتمّ هذا الإصلاح من خلال حوارٍ مجتمعيٍّ شاملٍ يُشارك فيه جميع أطراف المجتمع.