“إعدام بدم بارد”.. مسعف فلسطيني يروي قصة اعتقاله وقتل زميله المصاب
يخاطر رجال الإسعاف بحياتهم لإنجاز مهامهم الإنسانية منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويبذلون كل ما في وسعهم لإنقاذ الجرحى وانتشال القتلى من أسفل ركام المنازل المدمرة، على الرغم من التهديدات والاستهدافات الإسرائيلية المباشرة لهم داخل مركبات الإسعاف وخارجها، والتي أودت بحياة العديد منهم، وخلال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، بات المسعفون محط أنظار وسائل الإعلام المختلفة، باعتبارهم مصادر خبرية لما يحدث في أماكن الاستهداف، وكذلك كضحايا عند استهدافهم من قبل الجيش الإسرائيلي.
احداث مؤلمة
ومنذ اندلاع الحرب على غزة قبل تسعة أشهر، لم يترك المسعف سامي نشوان (39 عامًا) عمله، ويقول لمواطن: “أحداث مؤلمة شهدتها خلال الحرب المستمرة، لن تمحى من ذاكرتي، من هول ما تعرضت له وشاهدته من صور مروعة لأشلاء القتلى المتناثرة بالطرقات وبين ركام المنازل المدمرة”.
من بين تلك الأحداث يروي اللحظات الأولى لما جرى خلال مجزرة مخيم الشابورة جنوبي قطاع غزة في أيار/مايو الماضي: “كان القتلى في كل مكان، رأيت أطفالاً ونساءً ورجالاً عبارة عن أشلاء ممزقة؛ حيث قصفت المنازل على رؤوس ساكنيها، وسط غبار القذائف الذي كان يغطي المكان المستهدف”.
هذا المشهد دفعه وزملاءه إلى ترك القتلى الذين كانوا بالمئات على الأرض وتحت ركام المنازل، والتركيز على انتشال الجرحى الذين أصيبوا بجروح خطرة فقط، وترك آخرين ممن أصيبوا بجروح خفيفة على الأرض، وذلك لمحدودية أعداد المسعفين مقارنة بأعداد المصابين بالمكان.
ويستطرد: “ضخامة أعداد المصابين خلال المجزرة جعلت رجال الإسعاف ينقلون بداخل مركبة الإسعاف الواحدة أكثر من عشر إصابات؛ حيث لا تستوعب سيارة الإسعاف في الأيام الطبيعية سوى حالة مرضية واحدة فقط”.
يقول المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة مدحت عباس، لمواطن: "هناك صعوبة كبيرة في إحصاء أعداد القتلى؛ حيث ما زالت الجثث محتجزة تحت الأنقاض؛ فيما تم دفن جثث في مقابر جماعية، وما زال هناك العديد من المفقودين الذين لا يعلم مصيرهم حتى اللحظة".
تجربة مريرة
ولم يسلم نشوان كغيره من رجال الإسعاف من الاعتداءات الإسرائيلية؛ حيث تعرض للاعتقال لمدة 21 يومًا أثناء قيامه بعمله لإنقاذ مصابين بالحي. ويروي أنه في 11 من أيار/مايو الماضي، وفي تمام الساعة الخامسة صباحًا، وردت إشارة من غرفة العمليات والتحكم بالتحرك إلى منطقة الشابورة شرقي رفح، لوجود قتلى وجرحى بعد الاجتياح الإسرائيلي لتلك المنطقة، ويضيف: “تحركت برفقة السائق للمكان؛ حيث بدت الأحياء المجاورة أشبه بمدن الأشباح، خالية من السكان، سوى من أصوات القصف الإسرائيلي”.
يكمل حديثه: “عندما اقتربت من المكان المستهدف، تم إطلاق النار على مركبة الإسعاف بشكل مباشر؛ حيث اخترق العيار الناري الزجاج الأمامي لمركبة الإسعاف، وأدى لإصابة زميلي الذي يقود المركبة في صدره”.
إعدام بدم بارد
خرجت دبابة إسرائيلية ووجهت مدفع قذائفها باتجاه مركبة الإسعاف، وطلب أحد الجنود -والذي أطل برأسه من فوهة المدرعة- من المسعفين عبر مكبر صوت، عدم التحرك وإخلاء مركبة الإسعاف”. يكمل نشوان: “نزلت من المركبة، فيما لم يستطع زميلي السائق مغادرتها لإصابته الخطيرة، وفي غضون ثوان معدودة قام أحد الجنود للمرة الثانية بإطلاق عيار ناري آخر، أصاب زميلي برأسه بشكل مباشر، ومن ثم أدركت حينها أنه قد فارق الحياة”.
يحكي المسعف الفلسطيني سامي نشوان: "خلال التحقيق معي تم ضربي بقوة وصعقى بالكهرباء، عندما أنكرت التهم التي وجهت لي بمساعدة مقاتلين في التنقل من منطقة إلى أخرى بواسطة مركبة الإسعاف، والتواجد في منطقة عمليات عسكرية؛ حيث تسبب الضرب بإحداث جرح غائر في رأسي، ورضوض في كافة أنحاء جسدي".
ويضيف: “بعد أن تم إعدام زميلي بدم بارد، طلب منى الجندي الإسرائيلي بالتقدم على مقربة من المدرعة الإسرائيلية؛ فتقدمت وكنت لا أبعد عنها سوى خمسة أمتار؛ فطلب مني خلع كامل ملابسي باستثناء اللباس الداخلي، ووضع يدى خلف رأسي، والجلوس أرضًا، بقيت على هذا الوضع قرابة الساعتين، إلى أن حضر جنديان إسرائيليان، قام أحدهما بإشهار قطعة السلاح التي يحملها بوجهي؛ فيما قام الجندي الآخر بتقييد يديّ بأصفاد بلاستيكية، وتغمية عينيّ بقطعة من القماش”.
ضرب مبرح
يكمل: “اصطحبني الجنود إلى مدرعة إسرائيلية، ولم أعلم إن كانت دبابة أم ناقلة جنود، وخلال وجودي بداخلها، قام جميع الجنود بضربي بشكل مبرح على جميع أنحاء جسدي، بالأيدي والأسلحة، حتى كدت أفقد الوعي من ضراوة الضرب” . ثم احتجز بداخل شقة سكنية تمركز بداخلها الجنود الإسرائيليون، وبعد خمس ساعات من الاحتجاز، قام أحد الجنود بالتحقيق معه، عن سبب وجوده في هذه المنطقة العسكرية؛ فأخبره بأنه في مهمة عمل رسمية من قبل الإسعاف والطوارئ.
يقول: “خلال التحقيق معي تم ضربي بقوة وصعقى بالكهرباء، عندما أنكرت التهم التي وجهت لي بمساعدة مقاتلين في التنقل من منطقة إلى أخرى بواسطة مركبة الإسعاف، والتواجد في منطقة عمليات عسكرية؛ حيث تسبب الضرب بإحداث جرح غائر في رأسي، ورضوض في كافة أنحاء جسدي”، وبعد قرابة ٢٠ ساعة من الاحتجاز بداخل الشقة، تم نقله مقيد اليدين ومعصوب العينين إلى مدرعة إسرائيلية، والتي توقفت بعد ساعة من السير، ومن ثم نقل إلى جيب عسكري، وهو ما عرفه من سماعه جنديًا إسرائيليًا يتكلم العربية بشكل جيد، وهو يتحدث لأحد الجنود بأن يقوم بإدخاله إلى الجيب.
سارت الجيب لمسافة طويلة “كنت أقدرها بما يزيد عن ثلاث ساعات، وتوقعت أن تكون متوجهة إلى داخل فلسطين المحتلة، بسبب حالة الهدوء التي كانت تسود المكان، مقارنة بالمكان الذي كنت أُحتجز به سابقًا، والذي كان عبارة عن ساحة حرب حقيقية من القصف والاشتباكات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي والمقاتلين الفلسطينيين”.
معاناة الاعتقال
بعد توقف الجيب، “قام الجنود بإنزالي من المركبة، وعند سيرى معهم كانت اللكمات تنهال على وجهى من جميع الاتجاهات، وكذلك البصق علي، ومن ثم قام أحد الجنود بإزالة العصابة عن عينيّ، مع الإبقاء على الأصفاد بيدي، وكان المكان عبارة عن معتقل جرى تشييده من الألواح المعدنية المعروفة محليًا بمسمى”الزينكو”، لم أعلم موقعه أو اسمه، ولكنه كان يضم مجموعة من الغرف بلا نوافذ أو تهوية، وهو شديد الحرارة في النهار، وبارد خلال الليل”.
يضيف: “في المعتقل تم تسليمي بيجامة رمادية وفرشة رقيقة وبطانية، أما الطعام فكان عبارة عن وجبة طعام واحدة خلال اليوم، وهي لا تكفي شخصًا واحدًا، نتناولها ونحن مقيدو الأيدي؛ فيما يسمح للمعتقل بدخول الحمام مرة واحدة فقط باليوم، والاستحمام كذلك مرة واحدة أسبوعيًا”.
ويحكي خلال فترة اعتقاله أنه تم التحقيق معه أربع مرات، وكانت الأسئلة متكررة كل مرة، وتتمحور حول اتهامه بنقل مسلحين ومساعدتهم، والتي أنكرها بشكل مطلق، إلى أن تم الإفراج عنه، بعد قضائه 21 يومًا: “تم نقلي وقرابة ٣٠ أسيرًا في حافلة إلى معبر كرم أبو سالم في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ومن ثم طلب الجنود من الجميع بالركض بالاتجاه الغربي من المعبر، للوصول إلى الجانب الفلسطيني منه؛ حيث كانت سيارات تابعة للصليب الأحمر في انتظارنا، والتي قامت بنقلنا إلى أماكن سكننا”.
مواضيع ذات صلة
ومنذ إطلاق سراحه لم يترك سامي نشوان عمله، ولم ير عائلته وأطفاله منذ عدة أسابيع، وذلك لهول المهام الملقاة على عاتقه هو وزملاؤه لإنقاذ الجرحى وانتشال المصابين، حتى بات الهاتف الوسيلة الوحيدة فقط للاتصال بعائلته والاطمئنان عليهم. ويختم حديثه قائلًا: “ما يحدث في غزة أشبه ما يكون بالمحرقة، مجازر كبيرة ارتكبت، وعائلات كاملة تم مسحها من السجل المدني، كما اختفت معالم المدن، وبقيت كومة من الركام، كأن زلزالاً أصابها”.
تدمير مستشفيات بغزة
يقول المتحدث باسم وزارة الصحة بغزة مدحت عباس، لمواطن: “إن الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، تركت آثارًا خطيرة على المنشآت الصحية والكوادر الطبية؛ حيث تم تدمير وتوقف غالبية المستشفيات في القطاع، وكذلك اعتقال العديد من الأطباء أثناء عملهم”.
ويؤكد: “تم قتل واعتقال المئات من الكوادر الطبية بغزة؛ بينما ما زال العشرات منهم في عداد المفقودين، كما تم تدمير أكثر من 100 سيارة إسعاف”. ويضيف: “من أصل 36 مستشفى هناك 4 مستشفيات تابعة لوزارة الصحة تعمل في قطاع غزة، هي مستشفى كمال عدوان شمالي قطاع غزة، والمستشفى المعمداني في غزة، ومستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، و المستشفى الأوروبي بخانيونس جنوبي قطاع غزة، والمستشفى الإماراتي والمخصص للولادة برفح جنوبي القطاع”.
ويتابع :”هناك مستشفيات ميدانية عاملة، غالبيتها بوسط وجنوبي قطاع غزة، وتتبع غالبيتها لمؤسسات دولية، تقوم بتقديم الخدمات الصحية للسكان بعد انهيار المنظومة الصحية بالقطاع المحاصر”. ثم يوضح: “هناك صعوبة كبيرة في إحصاء أعداد القتلى؛ حيث ما زالت الجثث محتجزة تحت الأنقاض؛ فيما تم دفن جثث في مقابر جماعية، وما زال هناك العديد من المفقودين الذين لا يعلم مصيرهم حتى اللحظة؛ في حين يشكل النساء والأطفال ثلثي أعداد القتلى”. وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية بغزة؛ فقد بلغت حصيلة العدوان الإسرائيلي 37396 قتيلاً، و 85523 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي.(حصيلة غير نهائية).