قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عُمان.. بين سهولة البدايات وصعوبة الاستمرار
منذ تسعينيات القرن الماضي وهناك اهتمام من الدولة والمجتمع بدعم رواد الأعمال العُمانيين، وتنمية مشروعاتهم وخاصة الصغيرة والمتوسطة، وهو القطاع الذي هدفت الدولة إلى أن يحتل مكانة مميزة في خارطة التنمية، وأن يكون له تأثير إيجابي واضح على زيادة الدخل القومي، والمساهمة بقوة في توظيف الخريجين والباحثين عن عمل بوجه عام.
على الجانب الآخر، هناك الآلاف من الشباب أصحاب المشاريع يواصلون العمل وسط ظروف صعبة؛ حيث المنافسة غير المتكافئة والسوق الذي يعج بالوافدين من مختلف الجنسيات، ويفتح أبوابه على مصاريعها أمام الاستيراد، وكذلك بعض القوانين التي تلزم المؤسسات الصغيرة بشروط قد تجد صعوبة في تحقيقها.
يواجه الكثير منهم ويحاول ابتكار حلول وحيل ليستمر والبعض يتعثر، وفي الطريق المزيد من الشباب الحالمين بفرصة وبمشروع ناجح، تحركه أحلام الثروة والرفاهية وهو يرى نفسه مديرًا يشار له بالبنان.
حسب بيانات هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ فقد بلغ إجمالي عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحاصلة على بطاقة ريادة الأعمال حتى نهاية العام الماضي 29.809 آلاف مؤسسة، بنسبة 22% من إجمالي عدد المؤسسات المسجلة في قاعدة بيانات الهيئة البالغ عددها 135 ألفًا و64 مؤسسة بنهاية 2023. وأوضحت إحصائيات الهيئة أن عدد المؤسسات الصغيرة الحاصلة على بطاقة ريادة الأعمال بلغت 21.499 ألف مؤسسة، و7.803 آلاف مؤسسة صغيرة حاصلة على البطاقة، في حين بلغ عدد المؤسسات المتوسطة الحاصلة على البطاقة 507 مؤسسات.
وتتمركز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحاصلة على بطاقة ريادة الأعمال في تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 18.5%، تلتها المؤسسات العاملة في قطاع التشييد بنسبة 15.4%، ثم الصناعة التحويلية بنسبة 14%. فيما بلغت نسبة المؤسسات في أنشطة الخدمات الإدارية وخدمات الدعم 10.7%، و10.1% نسبة المؤسسات التي تعمل في أنشطة الخدمات الأخرى.
ويعتمد تصنيف المؤسسات المتوسطة والصغيرة والصغرى في سلطنة عمان على عدد العاملين بها وحجم إيراداتها السنوية؛ فالمؤسسات الصغرى هي التي يتراوح عدد العاملين بها ما بين 1-10 عمال، وإيراداتها السنوية تكون أقل من 150 ألف ريال عماني، والصغيرة يتراوح عدد العاملين بها ما بين 11-50 عاملًا، وإيراداتها تتراوح ما بين 150 ألف ريال عماني إلى 1.250 مليون ريال عماني، بينما المؤسسات المتوسطة يتراوح عدد العاملين بها ما بين 51-150 عاملًا، وإيراداتها ما بين 1.250 مليون ريال عماني وحتى أقل من 5 ملايين ريال عماني.
كل أشكال الدعم
فهل نجحت هذه الجهود وهذا الدعم والتشجيع في خلق قطاع متماسك يمكن التعويل عليه في استيعاب الباحثين عن عمل، والمنافسة في الأسواق وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؟
يرى الخبير الاقتصادي العماني خلفان الطوقي: أن الدولة تقدم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة كل أنواع الدعم الممكنة؛ سواء أكان ماليًا من خلال القروض منخفضة الفوائد إلى أبعد الحدود، مع طرق دفع ميسرة على فترات طويلة، أو التدريب والتشجيع على الاستفادة من الاستشارات المجانية بشكل مستمر، وإعطاءه فرصة للمنافسة في المناقصات الحكومية، والأولوية في الكثير من المشروعات الحكومية، وذلك لأن هذا القطاع الهام مجال خصب لتوظيف العمانيين وتنويع مصادر الدخل والتنمية بوجه عام.
شهدت العلاقة بين السلطة الحاكمة في البحرين وقوى المعارضة السياسية، بما فيها رجال الدين الشيعة محطات عديدة من الصدام والتهدئة
ويضيف “الطوقي” أنه رغم الجهود الحكومية إلا أن هناك منافسة شرسة في السوق المحلي تحتاج إلى تدخل رسمي، بإجراءات تحد من الاستيراد للكثير من المنتجات التي لها بديل محلي، ورفع رسوم المعارض الحدودية؛ خاصة للمنتجات المنافسة، وكذلك الحد من منافسة المؤسسات الكبيرة التي لديها ملاءة مالية.
كما يشير الطوقي إلى أن مسيرة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة شهدت تطورًا كبيرًا، تمثل في إنشاء صندوق عمان المستقبل، وتخصيص أكثر من 5 مليار دولار للمشاريع منها 10% للمؤسسات الصغيرة، أي مايقارب نصف مليار دولار أمريكي، والصندوق تديره عدة جهات حكومية وشبه حكومية، وهذه الجهات هي التي تقوم بتقييم أية فكرة أو شركة ناشئة، ويتم دعمها، وتدخل الحكومة معها كشريك، بهدف الخروج بها من المحلية إلى العالمية، وخاصة الشركات الناشئة المهتمة بإنتاج تقنية المعلومات.
ويؤكد خلفان الطوقي أنه متفائل بمستقبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة رغم التحديات، ويقول: “عشرات الآلاف من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سجلت في بطاقة ريادة، وهذا مؤشر جيد، وكلها تتمتع بدعم ومتابعة الحكومة، وطابقت معايير ريادة، وهو ما يسهل المهمة على الحكومة والجهات الداعمة”.
بينما يرى الدكتور ابراهيم السيابي الخبير الاقتصادي، أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الطريق الصحيح، لافتًا إلى الاهتمام الرسمي والمجتمعي بهذا القطاع، والمتمثل في تقديم حزم الإقراض والاحتضان والدورات التدريبية، ومنح المنافذ التسويقية وتخصيص نسبة في المناقصات الحكومية.
وحول تقييم أداء المؤسسات الصغيرة بوجه عام مع توافر كافة الفرص التي يحتاج إليها قال السيابي: “من الصعب الحكم على هذه المؤسسات بشكل مطلق، لكن من ناحية تحقيق الأهداف، نعم هناك العديد من هذه المؤسسات حققت أهدافها وهذا القطاع أصبح قطاع يساهم في الناتج المحلي وسوف يكون له الأثر الجيد في المستقبل، لأنه أحد أركان الاقتصاد والتنمية المستدامة”.
ويرى الدكتور إبراهيم أن السوق هو أكبر وأهم عقبة تواجه صغار رواد الأعمال، ويقول إنه متى كانت مقومات السوق من منافسه وعرض وطلب جيدة، انعكس هذا الأمر بالإيجاب على رواد الأعمال؛ خاصة تلك المشاريع الناشئة في سوق تنافسي قوي، مع نقص الخبرة والتجربة. ويقترح السيابي أن تقوم الدولة بسن تشريعات جديدة لمساندة هذا القطاع، وكذلك تقديم الحزم التمويلية وفرص التدريب والتأهيل، وتقوم باحتضان هذه المؤسسات وتساعد لإيجاد فرص تسويقية.
أسباب التعثر
يعتقد حمود الطوقي رئيس تحرير الواحة الاقتصادية ومجلة سوق المال أن دعم الدولة لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بدأ من الثمانينات من القرن الماضي، عندما عقدت جلسات تحت رعاية السلطان قابوس في جولاته السامية، واستمرت الجهود حتى ندوة “سيح الشامخات” وإطلاق هيئة مستقلة معنية بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ويكمل بقوله: “قدمت الحكومة بالفعل الكثير من البرامج لدعم تلك المشاريع، ولكن حسب تقديري لم تحقق هذه البرامج -رغم الدعم السخي- الأهداف التي تطلعت إليها الحكومة، والسبب أن الكثير من رواد الأعمال أنشأوا مشاريع دون دراسات عميقة، أو لعدم الادارة الحكيمة لهذه المشاريع”.
كما يرى الطوقي أن أهم التحديات تتعلق بالمنافسة غير الشريفة من قبل الوافدين الذين يسيطرون على عدد كبير من هذه المشاريع، رغم قيام الحكومة بدعم رواد الأعمال بالتمويل ودرسات الجدوى والتدريب والتسويق وخلق الفرص، وكلها جهود وطموحات كانت جديرة بأن تقود مشهد ريادة الأعمال في عمان، وأن تحقق أهم أهدافها بالمساهمة الملموسة في الناتج القومي، ولكن ماحدث بالفعل أن هناك تراجعًا رغم كثرة الدعم، حتى إن بنك الإسكان الذي كان متخصصًا في القروض السكنية، خصص دعمًا ماليًا كبيرًا تمثل في تقديم القروض لبعض المشاريع ، كما قام بنك التنمية العماني برفع سقف الدعم المالي إلى مليون ريال للمشروع.
وهو ما يستدعي التفكير بشكل جاد في القضاء على العقبات التي تحد من نجاح المشاريع الجديدة والصغيرة، وأهمها سيطرة الوافدين على القطاع الخاص، ويتطلب ذلك تقييم الوضع الراهن، والبحث عن أطر وبدائل أخرى لتفعيل دور المؤسسات الصغيرة.
أما خالد الهنائي، أحد رواد الأعمال الشباب؛ فيعتقد أن أهم أسباب تعثر المشاريع، هو دراسات الجدوى التي يتم إهمالها، أو التي لا تعد بشكل علمي صحيح؛ فالحماس لدى بعض الشباب يجعلهم يغضون النظر عن أهمية دراسة الجدوى الاقتصادية وهذا أكبر خطأ؛ حيث لا يتوافر لديهم الفهم أو دراسة المشروع بشكل كافٍ، وعدم معرفة متطلبات السوق المحلي، والكثير من الشباب قد يحركهم الشغف بفكرة ما دون التعمق في جدواها إمكانية تنفيذها، أو تقليد أفكار الآخرين أو عدم الدراية الكافية بما سيقدمه المنتج من إضافة للزبائن.
شهدت العلاقة بين السلطة الحاكمة في البحرين وقوى المعارضة السياسية، بما فيها رجال الدين الشيعة محطات عديدة من الصدام والتهدئة
ويرى الهنائي أن هذه العقبات يمكن التغلب عليها من خلال التركيز على إعداد دراسة جدوى تلم بمختلف جوانب العمل، وتتيح لرواد الأعمال فرصة معرفة السوق ودراسته بشكل أوسع.
بينما ترى سمر الغيلانية، رائدة أعمال، أن أسباب التعثر تتمثل في التسويق العشوائي وغير المدروس، وتكرار المشروعات في المنطقة الواحدة، وضعف القوة الشرائية، إضافة إلى سوء التخطيط، وتقول إن المشروع الناجح لابد أن تسبقه خطوات مدروسة، وعليه أن يحسب لكل خطوة يخطوها، ويتعرف على السوق ويدرسه بعمق وتوسع؛ فالتحديات كثيرة وتستمر باستمرار المشروع.
صعوبة التعمين
جدير بالذكر أن اهتمام عمان بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومبادرات الشباب وتحقيق هدف التعمين، ظهر جليًا في “الرؤية المستقبلية عمان 2040″، وهي المرجع الوطني للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي بالسلطنة؛ حيث نصت الأوامر السامية للسلطان قابوس على أن يتم إعداد وبلورة وصياغة الرؤية المستقبلية عمان 2040 بمشاركة فئات المجتمع المختلفة، بحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، ومستشرفة للمستقبل بموضوعية، ليتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين.
وأصدر السلطان الراحل قرارًا بأن يتولى الإشراف على الرؤية المستقبلية هيثم بن طارق وزير التراث والثقافة، الذي تولى مقاليد الحكم في السلطنة خلفًا للسلطان الراحل ليواصل السير على النهج؛ حيث أصدر هيثم بن طارق في أغسطس 2020 مرسومًا سلطانيًا بإنشاء وحدة متابعة تنفيذ رؤية عمان 2040، وتحديد اختصاصاتها واعتماد هيكلها التنظيمي.
ووضعت الرؤية أربعة أهداف رئيسة لها من أجل بناء اقتصاد منتج ومتنوع، يقوم على الابتكار وتكامل الأدوار وتكافؤ الفرص، وتمثلت في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية، وتنمية القطاع الخاص، والرفاهية الاجتماعية، وأخيرًا تعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال لدفع النمو الاقتصادي والتنويع.
لكن، ثمة صعوبات حقيقية تعاني منها المؤسسات الصغيرة، وتحاول بشتى الطرق مواجهتها، وعلى رأسها القوى العاملة، وفي هذا الصدد يقول محمد البلوشي، رائد أعمال في مجال مواد الغذائية: إن هناك قوانين تلزم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بضوابط تلزمها بتعيين عدد من العمانيين لاستيفاء نسبة التعمين، تماما مثل الشركات الكبيرة، وهو ما لا يتناسب مع حجم وطبيعة عمل هذه المؤسسات، التي يكون لديها عدد من المهن التي يمكن أن يعمل بها وافد، إلا أنها مجبرة على توظيف مواطن عماني، وهو ما يشكل صعوبة مع أيام وأوقات العمل الطويلة، ومستوى الراتب الشهري، وهو ما لايقبل عليه العمانيون في أغلب الأحوال، لهذا نجد صعوبة في الوفاء بالتزام التعمين على عكس الشركات الكبيرة التي يقبل عليها الخريجون، لوجود مزايا تقدمها أهمها الراتب. يضيف البلوشي تحديًا آخر يتمثل في الحصول على منافذ تسويقية لهم بالمراكز التجارية الكبيرة لبيع وعرض منتجاتهم، إضافة إلى ارتفاع الإيجارات.