إن التصعيد الأخير في الحرب على غزة له آثار عميقة؛ ليس فقط على الأطراف المباشرة المعنية، ولكن أيضًا على جماعات الإسلام السياسي في جميع أنحاء العالم؛ حيث كانت هذه الجماعات تتأرجح بين النهج العنيف المؤمن بأنه لا سبيل للتغيير سوى بالعنف والهيمنة، أو التي تؤمن بالنهج السلمي في الاعتراف بالعملية السياسية والانضواء فيها ضمن عناصر حزبية متعددة، مثلما يحدث في مصر بانضواء حزب النور، وهو فرع السلفية العلمية في المشهد السياسي الحزبي المصري كمثال.
لكن المشهد الجيوسياسي الحالي يفرض تحديات وفرصًا كبيرة من شأنها أن تشكل مسارات تلك الجماعات المستقبلية، وهو مشهد يلزمه فهم سياق الحرب والصراع أولاً للتنبؤ بمستقبل تلك الجماعات ومصيرها؛ حيث إن الصراع الدائر بين إسرائيل والفلسطينيين له جذور تاريخية عميقة، تتسم بالنزاع على جوانب متعددة؛ مثل الأرض والهوية الوطنية والسيادة السياسية والدينية.. وغيرها، ويمكن إرجاع تجدد العنف إلى المظالم القديمة والضاربة في عمق التاريخ؛ حيث يستدعي الاثنان مظالم وصراعات الماضي في انتكاسة إنسانية، صعد على إثرها اليمين الديني المتطرف في العالم كله وليس فقط بالشرق الأوسط، مما أدى إلى كوارث إنسانية مثل تهجير الفلسطينيين، وحصار غزة، وتوقف عملية السلام مع اعتداءات وجرائم حرب لا تتوقف منذ عقود.
لقد اكتسبت جماعات الإسلام السياسي زخمًا كبيرًا منذ أواخر القرن العشرين، وتُعَد حركات بارزة مثل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، و”حماس” في فلسطين مثالًا واضحًا على تأثير الإسلام السياسي في المجتمعات العربية، ليس لبروزهم فحسب كجماعات لها ثقل شعبي واجتماعي، أدى لصعود كل منهما لحكم بلادهم، ولكن لأن هذه الحركات حصلت على دعم قوى إقليمية كبيرة لتعزيز هيمنة تلك القوى من جانب، ولإصباغ مشروع ديني أيديولوجي من جانب مختلف، وتاريخيًا سعت هذه الجماعات إلى ترسيخ الحكم الإسلامي داخل الأطر الوطنية؛ في كثير من الأحيان كرد فعل على التدخلات الأجنبية أو الظلم المتصور، وقد ناقشنا على مواطن بعضًا من هذه الرؤى في عدة مقالات؛ منها ما يناقش مستقبل تلك الجماعات في مصر، وبالمقارنة مع الفلسفة العملية البراجماتية، وعن موقف تلك الجماعات من الصحافة.
إنما مؤخرًا ومنذ 12 عامًا وهذه الجماعات تعاني؛ حيث سقط الإخوان المسلمون في حكم مصر وتونس والمغرب، وتعاني “حماس” استقطابًا هائلاً مع حركة فتح أدى لانشقاق فلسطيني/ فلسطيني حول مشروع وطني ضد الاحتلال، مع حفظ الفارق بذكر “حماس” منفصلة عن الإخوان، برغم التبعية الواحدة من المصدر؛ حيث تأسست “حماس” في أعقاب الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 باعتبارها فرعًا للإخوان المسلمين في فلسطين، مع التركيز على المقاومة المسلحة ضد إسرائيل في ظل دمج برامج الرعاية الاجتماعية والاقتصادية المختلفة لحشد الدعم الشعبي، وتعمل الجماعة ضمن طيف الإسلام السياسي ككل، ولكنها تضمنت أيضًا عناصر أكثر وطنية وأكثر محلية؛ حيث لم تعترف “حماس” بامتلاكها مشروعًا قُطريًا أو إقليميًا أو دوليًا، إنما في استلهام نموذج الإخوان كباعث فقط على المقاومة الإسلامية في ظل التزام حرفي بمناهج التعليم التربوية الداخلية من جانب، والتزام حرفي بالوطنية الفلسطينية وعدم التدخل في شؤون الغير من جانب مختلف.
عملت "حماس" على تصدير نفسها كحركة وطنية سياسية، وفصيل ثوري مقاوم ضد الاحتلال، وجماعة دينية دعوية هدفها إحياء القيم الإسلامية المفقودة، في ظل شيوع هجمات التغريب
من تلك الزاوية عملت “حماس” على تصدير نفسها كحركة وطنية سياسية، وفصيل ثوري مقاوم ضد الاحتلال، وجماعة دينية دعوية هدفها إحياء القيم الإسلامية المفقودة، في ظل شيوع هجمات التغريب، وهذه الاستراتيجية ل”حماس” هي التي أعطتها ثقلاً شعبيًا فلسطينيًا في الداخل، وثقلاً عربيًا وإسلاميًا في الخارج، ومؤخرًا ثقلاً دوليًا؛ حيث تعاطف معها العديد من الثوار والمتظاهرين في أوروبا والأمريكتين ضد الحرب على غزة، باعتبارها حركة نضال شعبي ضد الإمبريالية الدولية، وهذه التركيبة ل”حماس” يمكنها أن تُحدِثَ الفارق في صنع هوية مختلفة ل”حماس” غير التي اشتهرت بها.
ولتوضيح ذلك فقد أصدرت “حماس” عام 2017 وثيقة تعلن فيها انفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين، وجاء في مقدمة الوثيقة إعادة تعريف الحركة لنفسها على أنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية بمرجعية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، بشكل اختلف عن ميثاق “حماس” الصادر عام 1988، عندما تم الإعلان عن انطلاق الحركة على أنها أحد أجنحة جماعة الإخوان، ومن جانب آخر فمظاهرات دعم غزة حول العالم أعطت انطباعًا إنسانيًا للقضية، ونزع العامل الديني منها بشكل كبير؛ فصار لزامًا على “حماس” التخلي عن المرجعية الدينية في النضال وأنسنة القضية بمرور الوقت، ومعها تذوب الفوارق بين الأديان والمذاهب والجنسيات واللغات بمجرد إعلان “حماس” كحركة تحرر وطني فلسطيني أوسع من سجن قضية التحرر في إطار المذهب أو الدين.
وانعكاس ذلك على جماعات الإسلام السياسي؛ حيث تختفي الفوارق بين الهويات وتذوب الصراعات العقائدية تحت ظلال وحدة الهدف بالتخلص من الاحتلال، وقصة انتقال “حماس” والإسلام السياسي لهذه المرحلة قد تعقب حرب غزة بالتدريج؛ حيث يُخيّر قادتهم بين العصبية للمذهب والدين، وبالتالي الصمت عمن خذلهم من إخوانهم في العقيدة، أو أنسنة القضية وغياب التعصب الديني في ظل “حماس” العديد من شعوب العالم للقضية، ومساعدة الشعب الفلسطيني ضد إسرائيل مثلما تفعل العديد من الدول، أشهرها جنوب أفريقيا وبلجيكا وأيرلندا ومعظم دول أمريكا اللاتينية.
ففي النهاية أظهر الصراع الدائر في فلسطين استراتيجية “حماس” المزدوجة؛ فهي تدافع عن الشعب الفلسطيني وعن نفسها عسكريًا، بينما تعتمد في الوقت نفسه على الدعم واسع النطاق من جانب الشعب الفلسطيني المحبط بسبب الاحتلال والافتقار إلى السلام، وقد يخدم هذا السيناريو في تعزيز شرعيتها كحركة مقاومة شعبية ضمن الإطار الأوسع للإسلام السياسي، لذلك فهي حالة مختلفة بشكل ما عن الإخوان المسلمين الذين يقدمون أنفسهم بشكل دولي وإقليمي وقُطري، لا يعرف جنسيات أو قضايا سياسية مركزية أكثر من قضية إحياء الخلافة الإسلامية ودولة الشريعة المفتقدة منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924، وهذا التقديم الإخواني لأنفسهم في ظل حرب غزة وتحمس الشعوب المسيحية لنصرة فلسطين، قد يعزل “حماس” كليًا عن تلك الجماعات، وتتطور إنسانيًا وفكريًا لتصبح حركة نضال وطني إنساني.
هل يمكن للجماعات الإسلامية أن تتطور؟
ولفهم كيفية حدوث ذلك، سأعرض بعض الجوانب التي تُسهم في ذلك التطور وتُسرع في إنجازه أحيانا:
أولا: الشرعية المتجددة: حيث ترى “حماس” أن الصراع الدائر يمثل فرصة لتعزيز دورها كمدافعة عن حقوق الفلسطينيين، وتؤكد الحرب على موقف “حماس” كحركة مقاومة مشروعة، وتحظى بدعم؛ ليس فقط من الفلسطينيين، ولكن أيضًا من الشعوب العربية والإسلامية الأوسع بمختلف مذاهبها، وعلى معظم شعوب العالم بمختلف أديانهم، وهو ما يفرض التزامًا على “حماس” والإسلام السياسي المؤيد لها أن يتعامل بشكل جديد مع المختلف الديني والعقائدي والسياسي لضمان وبقاء هذه الحاضنة الشعبية المتنوعة دينيًا وعقائديًا للغاية.
أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين؛ فيمكن أن تكون مواجهة “حماس” لإسرائيل بمثابة نقطة تجمع وإعادة إحياء بعد الضربات القاضية التي وقعت تحتها بالسنوات الأخيرة، ويعني ذلك أن الإسلام السياسي في العالم العربي غالبًا ما يجد شرعيته في حركات المقاومة، وعلى هذا النحو فإن تصوير “حماس” كرمز للمقاومة يمكن أن يعزز روايات هذه الجماعات، مما قد يؤدي إلى زيادة دعمها وانتعاشها، ومن أجل هذه النقطة رفض العديد من نخبة العلمانيين دعم المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل بدعوى أن ذلك سوف يكون مُدخلاً لعودة الإخوان من بوابة المقاومة للحضور الشعبي مرة أخرى.
ثانيا: الانشقاق والتفتت: حيث أدى الصراع على السلطة في مصر وتونس وغيرهما من البلدان إلى انقسامات بين مختلف فصائل الإسلام السياسي؛ ففي مصر مثلاً تواجه جماعة الإخوان المسلمين عدم اعتراف من النظام الحالي في أعقاب ثورة يونيو 2013، في ظل انحياز من فصائل أخرى للإسلام السياسي كحزب النور السلفي إلى السلطة المصرية ضد الإخوان، ونتيجة لهذا فقد تسعى بعض الجماعات المنشقة إلى تبني مواقف أكثر تشددًا مثلما ظهرت داعش وجبهة النصرة، في هذا السياق الذي صدم عقائد وضمائر هذه الجماعات، ووضعها في خيارات صعبة بين تفسيرهم المتشدد والضيق للدين، وبين مصالحهم العليا والخاصة.
وقد تطفو هذه الانقسامات الداخلية الإسلامية على السطح في ضوء الحرب على غزة؛ على سبيل المثال قد تؤدي الاختلافات الكبيرة بين “حماس” وفصائل أخرى مثل الجهاد الإسلامي إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات والتحالفات الدولية والإقليمية، وتبحث أعمال خالد أبو الفضل في “السرقة الكبرى: انتزاع الإسلام من المتطرفين”، في الكيفية التي يمكن بها لهذه الانقسامات الداخلية أن تضعف الحركة الإسلامية الأوسع، وتقدم لنا أعمالاً مثل كتاب “”حماس”.. تاريخ من الداخل” لعزام التميمي، سياقًا لتطور “حماس” كمنظمة سياسية وأسسها الإيديولوجية المتجذرة في مزيج من المقاومة والحكم، والذي يقول فيه إن تغيير القيادات في “حماس” لا يؤثر عليها، نظرًا للطبيعة الأيديولوجية للحركة التي تختلف بشكل كبير عن معظم الحركات الدينية والقومية في الشرق الأوسط.
أظهر الصراع الدائر في فلسطين استراتيجية "حماس" المزدوجة؛ فهي تدافع عن الشعب الفلسطيني وعن نفسها عسكريًا، بينما تعتمد في الوقت نفسه على الدعم واسع النطاق من جانب الشعب الفلسطيني المحبط بسبب الاحتلال والافتقار إلى السلام
ثالثا: الميل نحو التطرف: حيث يؤدي استمرار العنف إلى تحفيز العناصر المتطرفة داخل هذه الحركات الإسلامية، مما يشجع على التحول نحو أيديولوجيات أكثر تطرفًا وعنفًا، علمًا بأن دورة العنف والقمع واسعة للغاية، وتعمل وفق نطاق دائري مفتوح يضم إليه راغبين وعناصر جديدة لها موقف فكري وإنساني وديني من هذا الوضع العربي البائس، وهي المشاعر التي حركت ودفعت جماعات الإسلام السياسي قديمًا إلى النشاط، والحصول على الدعم بأشكال مختلفة.
رابعا: التحالفات الأيديولوجية: وتعني أن الحرب الأخيرة في غزة تحمل في طياتها إمكانية تشكيل تحالفات جديدة بين الجماعات الإسلامية في مختلف أنحاء المنطقة، على سبيل المثال يمثل التضامن الذي عبر عنه حزب الله والحوثيون والحشد الشعبي وإيران تجاه “حماس”، خطوة نحو مزيد من التعاون بين الجماعات التي تتقاسم الأهداف الإيديولوجية والتكتيكية بين السنة والشيعة، مما يعني تغير خريطة التحالفات الإسلامية، وعدم قيامها على أساس مذهبي، ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه التحالفات إلى ترسيخ الانقسامات الطائفية وتعقيد الديناميكيات الإقليمية بردة فعل عنيفة وقاسية من أطراف ترفض هذه التحالفات وتراها مخالفة لصحيح الدين، مما يعني احتمالية صدام ديني بين المسلمين، أو بين الجماعات الإسلامية بسبب هذه التفسيرات التي أدت إليها الحرب في المستقبل.
وقد تسعى بعض هذه الجماعات إلى إعادة ضبط استراتيجياتها استجابة للمشاعر العامة التي تشكلت نتيجة للحرب وأعمال الإبادة، وقد يؤدي هذا إلى نشوء تحالفات جديدة أو سرديات أكثر بساطة للمقاومة تتوافق بشكل أوثق مع الرأي العام الدولي والإقليمي بالعموم، والعربي والإسلامي بالخصوص، وهو ما سيؤدي في النهاية لإحداث هزة كبيرة في ضمير وفكر تلك الجماعات وعناصرها، واكتسابها أشكالاً وألوانًا مختلفة عن التي عُرفَت بها في الماضي.
مستقبل الإسلاميين
أما عن مستقبل الجماعات الإسلامية السياسية؛ فهو ملف مختلف نوعًا ما عن العوامل المُنجِزة للتطور، وهو ملف يعتمد على عدة عوامل سياسية في الغالب بعيدة عن التطور الفكري؛ مثل الجغرافيا السياسية الإقليمية؛ حيث يوجد حضور مؤثر للقوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الخليج، وقد تؤدي التحولات في السياسة الخارجية الأميركية أو التغيرات في نهج المملكة العربية السعودية تجاه الإسلام السياسي إلى تحالفات جديدة، أو مزيد من العزلة لهذه المجموعات، وفي تقديري أن مستقبل هذه الجماعات لا يقوم فقط على الموقف المصري؛ بل يلزمه موقف سعودي قوي يستدعي معه حشدًا إقليميًا وعربيًا وإسلاميًا واسعًا.
صمود هذه الجماعات ضد حملات القمع: ففي تونس والمغرب مثلاً، شاركت جماعات الإسلام السياسي في العملية الديمقراطية، لكنها حاليًا تعاني في تونس بالخصوص من جراء فشل نظرائهم في مصر، وصعود تيار قومي وطني ضد هذه الجماعات من باب ملء الفراغ الذي أحدثه غياب إخوان مصر، والتنظيم الدولي للجماعة بالعموم، وسوف يحدد مدى قدرة هذه الجماعات على التعامل مع التحديات السياسية المحلية، في حين يواجه القمع مدى قدرتها على الصمود والتكيف، بمعنى أنه سوف يكون مستقبل إخوان تونس والإسلام السياسي هناك مرهونًا بنتائج حرب غزة باعتبارها أبرز تحد سياسي معاصر يمثل فرصة لعودة الجماعة الأم، والذي سيعلن ذلك هي التركيبة المستقبلية لحركة “حماس”، ومدى إيمانها بالمتغيرات الدولية الكبيرة التي شهدت بالتعاطف الدولي غير مسبوق مع القضية، وما يرتبط به من ضرورة مراجعة النخبة الحمساوية والإسلام السياسي المرتبط بها مواقفهم الدينية من الشيعة والمسيحيين بالخصوص، ومن الآخر الديني بالعموم.
يتوقف مستقبل الإسلام السياسي في مصر هنا على التوازن بين القمع الحكومي والمشاعر العامة؛ حيث قد تنشأ جيوب من الدعم لجماعة الإخوان المسلمين إذا ما انحازت إلى قضايا قومية أوسع نطاقًا
كذلك فيحدد مستقبل الجماعات قدرتها على إشراك الشباب والتكنولوجيا في نشاطاتها المختلفة؛ فمع تزايد مشاركة الأجيال الشابة في الحركات الاجتماعية والسياسية؛ فإن دور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية سيكون بالغ الأهمية، ومن المرجح أن تحافظ الحركات القادرة على إشراك الشباب بشكل فعال، والاستفادة من التكنولوجيا في الدعوة والتعبئة في رسم مستقبل هذه الحركات، وقدرتها على إعادة إحياء نفسها من جديد، وفي تقديري أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر تعمل ضمن هذا الإطار؛ حيث تشهد حاليًا تصعيد قيادات شابة، ووفقًا للباحث “ماهر فرغلي” المختص في شؤون الجماعات الإسلامية؛ فالإخوان المسلمون حاليًا يُصعدون قيادات شابة لها صلاحيات تنفيذية لأول مرة من قطاع الطَلَبة، وأن التنظيم القديم للإخوان انهار بالفعل، لكنه يُستبدل حاليًا بتنظيم لامركزي يجمع بين “حماس” الشباب، وبين رؤية الطلبة في إمكانية إعادة الإحياء.
كذلك فالتحولات الأيدلوجية ملحوظة: حيث عَلَت أصوات إخوانية على السوشيال ميديا تُبشّر وتُنذر بقرب حدوث هذا التحول، ومن العديد من نخبتهم والمتضامنين معهم بضرورة النقد الذاتي، على سبيل المثال قد يتحول جزء من الخطاب الإسلامي نحو نهج أكثر براجماتية، يُعطي الأولوية للعدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية على الأطر الأيديولوجية والمذهبية والفقهية الجامدة، وهو الملحوظ حاليًا على نخبة الجماعة في السوشيال ميديا؛ حيث نشهد اختفاءً كليًا لمصطلحات دولة الشريعة والخلافة الإسلامية من أدبيات الجماعة، ويجري استبدالها بمصطلحات سياسية واجتماعية تعيد فيها إحياء شعارات ومبادئ الثورات كالحرية والعدالة الاجتماعية، وهي شعارات ومبادئ أوسع وأرحب بكثير من الرؤية الضيقة لتلك الجماعات في حكم الدولة على أساس عقائدي يفسر ضرورة تحقيق تلك المبادئ للمسلم فقط، ونزعها من غيره بدعوى الكفر والبدعة.
وقد يخضع المشهد الإيديولوجي للإسلام السياسي أيضًا لتحولات ما؛ فقد تصبح الثنائية بين النهج الإسلامي المتشدد (العنيف) والنهج الإسلامي المعتدل (السلمي) أكثر وضوحًا؛ حيث تتسع الفوارق بينهم لرؤيتها بوضوح من طرف النخبة والعامة والدولة، وقد تكتسب الجماعات التي تدعو إلى نهج مدني عملي سلمي قوة دفع بسبب حرب غزة، كما يتضح من التحولات في الرأي العام الإسلامي الذي شعر بالخطر على هويته الدينية، من فرط تناول الصهيونية في جرائمها بغزة للقضية من منظور ديني معادٍ للإسلام؛ حيث اختفت الفوارق بين المقاومتين السنية والشيعية، مما يؤثر على صورة دولة الشريعة لدى جماعات الإخوان و”حماس” بالخصوص، والإسلام السياسي سنة وشيعة بالعموم، وعلى العكس من ذلك فقد تستغل الفصائل المتشددة الصراع لتعزيز سردياتها، مما يؤدي إلى تصاعد العنف والتطرف.
وهذا في رأيي سيعقب صراعًا داخليًا بين الإسلاميين أنفسهم، لتحديد أي رؤية ستنتصر، وأي رؤية ستتمكن بعد الحرب.
إمكانية العودة
في مصر، كان النظام السياسي ينظر تاريخيًا إلى جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تهديدًا كبيرًا منذ أول حظر للجماعة بعد اغتيال محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري عام 1948، وربما تؤدي الحرب في غزة إلى إثارة المشاعر القومية بين عامة الناس في مصر؛ خصوصًا نوعها الإسلامي الذي يشير بضرورة الحرب بين المسلمين واليهود، وهي المشاعر التي أعطت ثقلاً شعبيًا للإخوان في الماضي، وما زالت أدبيات الجماعة في خطابها العام ترفع هذه الحرب باعتبارها علامة للتفريق بين الحق والباطل، وبين الإسلام وغيره، ولكن الحكومة تظل حازمة في حملتها القمعية ضد الإخوان متسلحة فيها بفشل الجماعة في الحكم، وظهور ازدواجياتها المختلفة في التعامل مع إسرائيل، وأن تلك المشاعر التي رفعتها الجماعة في الماضي ضد اليهود والصهيونية ما كانت إلا ستارًا يخفي أطماع الجماعة في السلطة.
ويتوقف مستقبل الإسلام السياسي في مصر هنا على التوازن بين القمع الحكومي والمشاعر العامة؛ حيث قد تنشأ جيوب من الدعم لجماعة الإخوان المسلمين إذا ما انحازت إلى قضايا قومية أوسع نطاقًا، وهو ما يتطلب مراجعة فكرية جذرية للجماعة، تختلف عن عقائدها الشهيرة في ضرورة إحياء الخلافة وإقامة دولة الشريعة؛ حيث إن القضايا القومية الأوسع تتطلب معها تعاونًا مع أحزاب وفصائل شيعية، ومع متضامنين وحلفاء مسيحيين ويهود ضد الصهيونية، مما يستدعي منهم إعادة النظر للآخر الديني بالعموم.
أما في تونس؛ فقد سلك الإسلام السياسي فيها مسارًا معقدًا في أعقاب الثورة، وواجه حزب النهضة الذي ارتبط في البداية بالإسلام السياسي تحديات في محاولته الحفاظ على موقف معتدل يجمع فيه بين الوطنية المحلية التونسية، وبين القوميتين العربية والإسلامية، ومن الممكن أن يعمل الصراع بين إسرائيل و”حماس” على تنشيط الجماعات الإسلامية السياسية في تونس، في سياق ديني مشحون بجرائم الحرب في غزة، ولكن هذا يتطلب إيجاد توازن دقيق بين معالجة المصلحة التونسية المحلية، والتوافق مع المشاعر القومية العربية الأوسع نطاقًا، نظرًا لطبيعة الشعب التونسي التي تميل في عمومها لرؤية اليسار والقومية العربية والتمرد على الوضع الإمبريالي الدولي.
وقد تؤدي الحرب إلى تحفيز الجهود الشعبية خاصة بين الشباب، لصناعة تنظيمات جديدة تصبح بديلة عن القديمة، مما يؤدي إلى إنشاء منصات وحركات جديدة تتحدى المنظمات الإسلامية السياسية القائمة، وهي إجراء تاريخي يعتبر رد فعل طبيعي على الفشل تم تفسيره بنظرية “التحدي والاستجابة”، للمؤرخ والفيلسوف البريطاني “أرنولد توينبي”، وتعني أن التطور البشري مرهون بتصفية الحساب مع الماضي؛ سواء أكان بمراجعات جذرية أو صراعات وحروب تحدث في الغالب بين المتناقضات لحسم أيهما أكثر قوة وذكاء وقابلية للاستمرار، ومن ناحية أخرى فقد تم تفسير هذه الحوادث التاريخية على أنها جزء من التطور الاجتماعي للبشر، يحدث كل فترة زمنية لعلاج الأخطاء ومحاسبة المقصرين، والتخلص من الفشلة والعاجزين.
من المثير للاهتمام أيضًا، أن هناك محاولات للحوار والتفاوض من جانب جماعات الإسلام السياسي، مدفوعة بالخسارة والرغبة في التوصل إلى حل عملي للصراعات، وفي إشارة ليوسف ندا عام 2021 باستعداد الإخوان للتفاوض مع السلطات المصرية، وفي رسائل متداولة في نفس العام من بعض قيادات الإخوان برغبتهم في المصالحة مع السلطات المصرية بوساطة الأزهر الشريف، وهي إشارات تترجمها مواقف وتصريحات وتغريدات أعضاء وقيادات وعناصر الجماعة على السوشيال ميديا، باختفاء تام لمصطلحات دولتي الشريعة والخلافة التي جرى الإعلان عن قرب قيامهما بعد فوز الرئيس مرسي بانتخابات رئاسة الجمهورية عام 2012، وكانت محفزًا للعنف الذي حدث بعد فض اعتصام رابعة العدوية في أغسطس 2013.
وهو تطور مثير يطرح بعض علامات الاستفهام حول رغبة الجماعة بإحداث مراجعات فكرية حقيقية، أو رغبة الدولة المصرية في الاستجابة لذلك أو الثقة فيها؛ خصوصًا وأن الدولة المصرية عانت في الماضي من عدم جدية تلك المراجعات؛ سواء أكانت بتحالف السادات والإسلاميين الشهير في السبعينيات، والذي جرى فيه الاتفاق على إعادتهم للحياة، مقابل الاعتراف بالدولة المدنية وقهر الشيوعيين، أو الذي حدث في التسعينيات بمراجعات هامشية وغير جدية لقيادات الجماعات الجهادية في السجون، لم تسفر سوى عن مراجعة جزئية لقضية تكفير الحاكم، لكن بقيت دولتا الشريعة والخلافة على رأس أولويات وبرامج الإسلاميين، مما استدعي منهم إحياء التكفير بطرق أخرى، وبأهداف أخرى لم تُوجَد في الماضي.
وبالتأكيد؛ فتصرف كهذا يفقد الثقة بين الدولة والجماعات، مما يُضعف الأمل في عودة الإسلاميين للحياة بشكل طبيعي؛ خصوصًا في الدول التي شهدت عنفًا دينيًا وسياسيًا جراء حكم الجماعات الإسلامية مثل مصر وتونس، أو التي عانت من جراء الثورة التي رفعتها تلك الجماعات بخلفيات طائفية ومذهبية، مثل ثورات العراق وسوريا وليبيا.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.
Your blog is a breath of fresh air in the crowded online space. I appreciate the unique perspective you bring to every topic you cover. Keep up the fantastic work!
I do agree with all the ideas you have introduced on your post They are very convincing and will definitely work Still the posts are very short for newbies May just you please prolong them a little from subsequent time Thank you for the post
What i do not realize is in fact how you are no longer actually much more wellfavored than you might be right now Youre very intelligent You recognize thus considerably in relation to this topic made me in my view believe it from numerous numerous angles Its like men and women are not fascinated until it is one thing to do with Lady gaga Your own stuffs excellent All the time handle it up
Your writing is not only informative but also incredibly inspiring. You have a knack for sparking curiosity and encouraging critical thinking. Thank you for being such a positive influence!
Usually I do not read article on blogs however I would like to say that this writeup very compelled me to take a look at and do so Your writing taste has been amazed me Thanks quite nice post
Your blog is a beacon of light in the often murky waters of online content. Your thoughtful analysis and insightful commentary never fail to leave a lasting impression. Keep up the amazing work!
Its like you read my mind You appear to know so much about this like you wrote the book in it or something I think that you can do with a few pics to drive the message home a little bit but other than that this is fantastic blog A great read Ill certainly be back
allegheny county real estate Very well presented. Every quote was awesome and thanks for sharing the content. Keep sharing and keep motivating others.
Somebody essentially help to make significantly articles Id state This is the first time I frequented your web page and up to now I surprised with the research you made to make this actual post incredible Fantastic job
Its like you read my mind You appear to know so much about this like you wrote the book in it or something I think that you can do with a few pics to drive the message home a little bit but instead of that this is excellent blog A fantastic read Ill certainly be back
Thank you for the auspicious writeup It in fact was a amusement account it Look advanced to more added agreeable from you By the way how could we communicate
I loved as much as youll receive carried out right here The sketch is attractive your authored material stylish nonetheless you command get bought an nervousness over that you wish be delivering the following unwell unquestionably come more formerly again as exactly the same nearly a lot often inside case you shield this hike
Tech to Force I do not even understand how I ended up here, but I assumed this publish used to be great
My brother recommended I might like this web site He was totally right This post actually made my day You cannt imagine just how much time I had spent for this information Thanks
you are truly a just right webmaster The site loading speed is incredible It kind of feels that youre doing any distinctive trick In addition The contents are masterwork you have done a great activity in this matter
Simply Sseven Very well presented. Every quote was awesome and thanks for sharing the content. Keep sharing and keep motivating others.
Thank you for the good writeup It in fact was a amusement account it Look advanced to far added agreeable from you However how could we communicate
What i do not understood is in truth how you are not actually a lot more smartlyliked than you may be now You are very intelligent You realize therefore significantly in the case of this topic produced me individually imagine it from numerous numerous angles Its like men and women dont seem to be fascinated until it is one thing to do with Woman gaga Your own stuffs nice All the time care for it up
I loved as much as youll receive carried out right here The sketch is tasteful your authored material stylish nonetheless you command get bought an nervousness over that you wish be delivering the following unwell unquestionably come more formerly again since exactly the same nearly a lot often inside case you shield this hike
Its like you read my mind You appear to know so much about this like you wrote the book in it or something I think that you can do with a few pics to drive the message home a little bit but other than that this is fantastic blog A great read Ill certainly be back
Its like you read my mind You appear to know so much about this like you wrote the book in it or something I think that you can do with a few pics to drive the message home a little bit but other than that this is fantastic blog A great read Ill certainly be back
Thank you I have just been searching for information approximately this topic for a while and yours is the best I have found out so far However what in regards to the bottom line Are you certain concerning the supply