تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال العشرينيات من القرن الماضي. وعملت على وجود أذرع لها في معظم الدول العربية، وليست عمان باستثناء عنها. وعلى الرغم من التكتم الشديد الذي أحاط تفكيك مجموعة تنتمي لجماعة الإخوان في التسعينيات، هناك أحاديث مبطنة عنها، من دون ذكر اسم الجماعة صراحةً؛ فالمتابع لوسائل التواصل يجد تلميحات للخلية الإخوانية التي تم ضبطها في التسعينيات، على هيئة مقاطع من خطاب السلطان؛ خاصة الذي كان يقصد فيه هذه الخلايا المتطرفة، والذي كان في مهرجان نزوى.
الإخوان لا دولة لهم، وكل البلاد لهم؛ فهي جماعة لا تتخذ من بلد معين موطنًا لها، ولكنها ترى بأحقيتها في استيطان كل الدول العربية والإسلامية؛ بل وحتى الأجنبية لنشر دعوتهم حتى يحققوا ما يصبون إليه.
فلم تعتد عمان على وجود أحزاب سياسية معارضة؛ ما يجعل الحديث عن تكوين جماعة تتبنى أفكارًا مستوردة من خارج البيئة العمانية هو بمثابة الخيانة، غير أن السكوت عن تاريخ هذه الجماعة، وعدم تناول تلك الفترة وتحليلها وتفنيدها طيلة هذه السنوات، هيأ المناخ لهذه الجماعة أن تتبنى طرقًا أخرى للتغلغل في المجتمع العماني. وعلى الرغم من عفو السلطان الراحل قابوس بن سعيد عن أعضاء الجماعة في 1995، إلا أن هذا العفو لم يؤثر في ارتباط البعض بتنظيم الإخوان؛ بل كانوا أكثر حذرًا وسريةً بسبب الخوف من القبضة الأمنية؛ فنجد أنها زادت في التخفى تحت مسميات و أنماط مختلفة.
أعتقد أن المجتمع العماني يعيش حالة من إنكار وجود الجماعة في عمان، غير أن هذا الإنكار الشديد لا يستند على أدلة، فهو نابع من مقاومة داخلية ترى بأن عمان بيئة الوسطية والانسجام؛ خاصة فيما يتعلق بالجانب الديني. ورأينا مؤخرًا هذا الإنكار يظهر بحدة حين أنكر قطاع من الشعب العماني بأن منفذي حادثة الوادي الكبير غير عمانيين، ليتضح لاحقًا أنهم عمانيون مألوفون جدًا لا تبدو عليهم علامات التزمت، وهم أفراد لم يثيروا ريبة حتى لأقرب الناس منهم! وهذا هو الحال فيما يتعلق بجماعة الإخوان، التي وبحسب الموسوعة التاريخية للإخوان تأسست في عمان في نهاية السبعينيات، وفي التسعينيات تم القبض على خلية للجماعة في السلطنة، غير أنها وكما يبدو لم تلفظ أنفاسها حتى اليوم. وعلى الرغم من وضوح المؤشرات لتواجدهم، لم يلتفت أحد إلى تتبع أماكن وجودهم، وكيف ينشرون أفكارهم بيننا؟
الإخوان؛ من هم؟
الإخوان لا دولة لهم، وكل البلاد لهم؛ فهي جماعة لا تتخذ من بلد معين موطنًا لها، ولكنها ترى بأحقيتها في استيطان كل الدول العربية والإسلامية؛ بل وحتى الأجنبية لنشر دعوتهم حتى يحققوا ما يصبون إليه، وهم لا يكتفون بتبني قضايا الدولة التي ينتمون إليها، بل يتبنون الإصلاح على طريقتهم في كل البلدان المسلمة، وإن تعارض ذلك مع سياسة وطنهم الأم.
وعكست أحداث غزة هذا الأمر؛ فعلا صوت الإخوان مرة أخرى ليهاجموا الدول العربية التي لا تتبنى نهجهم تجاه القضية الفلسطينية، وهذا لم يكن ليحدث لو كانت حركة حماس في غزة تتبنى الفكر اليساري على سبيل المثال! وها هي مواقع التواصل الاجتماعي تعج بتكفير وصهينة ولعن وسب كل من يخالف طريقتهم في التعامل مع أحداث غزة؛ فحتى مقاطعة المنتجات الأمريكية لم تعد وجهة نظر؛ بل أصبحت واجبة في نظرهم رغم اختلاف العلماء من الدول العربية وليس في عمان؛ فلم يتحدث أي رجل دين حول عدم جدوى المقاطعة الفعلي، وباتوا يشهّرون بغير المقاطعين ويتعدّون على حياتهم الشخصية، ويلعنونهم ويصهينونهم على العلن، دون النظر إلى أن عواقب هذا الأمر خطيرة، وأنهم بذلك يقسمون الناس إلى أحزاب تحارب بعضها.
الإخوان في عمان
أثناء إعدادي لهذا المقال، حاولت قدر الإمكان أن أتابع ما قاله وكتبه أهم الكتاب المختصين في التنظيمات الإسلامية، ولعل أشهرهم الكاتب المصري ماهر فرغلي الذي نشر عدة كتب أهمها: الإخوان من السلطة إلى الانقسام، الخروج من بوابات الجحيم، أمراء الدم، وغيرها من الكتب المهمة حول التنظيمات الإسلامية. وفي لقاء متلفز للأستاذ ماهر فرغلي ذكر بشكل خاطف شيئًا عن كتاب له لم ينشر بعد، يتضمن الإخوان في الخليج العربي، وذكر اسم عمان في كلامه. كان هذا كافيًا لأبحث عن طريقة للتواصل مع الكاتب. وقد تمكنت من ذلك وذكرت له أمر هذا المقال وشحّ المعلومات حول الإخوان في عمان، وبعث إليّ مشكورًا بمعلومات من كتابه المرتقب. تتمثل أهمية ما سيرد في هذا الكتاب أن كتابته جاءت بوصية من القيادي الإخواني محمد المأمون –مؤسس تنظيم الإخوان في الخليج– وهو يتضمن أيضًا أوراقًا للإخواني أحمد حسين صديق محمد المأمون، وكلها تتعلق بالحركة في الخليج. وكان المأمون قد بعث بهذه الوثائق قبل عام 2011، وهي تدوين لمسيرته في الإخوان، وقد طلب من الباحث ماهر فرغلي وضعها في كتاب. والمأمون حي يرزق ولكنه متقدم في العمر ويعاني من مرض الزهايمر.
أهم ما جاء عن عمان في أوراق محمد المأمون:
في عام 1968، بدأ تشكيل التنظيم الموحد لإخوان الخليج في الكويت، والتي كانت تُعتبر المركز الرئيس للتنظيم في دول الخليج. خلال هذه الفترة، قام المأمون بزيارة إلى الكويت؛ حيث بدأت خطوات تنظيمية هامة تتعلق بفرع عمان، الذي أُطلق عليه “الصف الأول الذي يدير العمل في عمان – المناطق الشمالية”.
تُشير الأوراق إلى أن المسؤولين عن الوحدات التنظيمية في عمان حضروا عدة دورات تربوية خاصة مع زملائهم من دول الخليج، وكان آخرها في عام 1984. ورغم ذلك؛ فإن الوضع التنظيمي في عمان كان مختلفًا عن سائر دول الخليج؛ حيث كان عدد الأعضاء قليلًا، والبنية التنظيمية صغيرة، نظرًا لبطء حركة التنظيم في البلاد.
كما تذكر محاولة حل مشكلة بطء التنظيم في عمان؛ فجاء مقترح أن ينقل ما يجري في عمان دون وسيط عن طريق مندوب الكنانة. والعمل مع أحد أعضاء مجلس الإدارة في عمان يدعى (خالدًا). أما اللقاء بين مكتب إرشاد الجماعة وبين المسؤول في عمان فيتم تحديد موعد له في دولة الكويت لسهولة التردد عليها.
لمواجهة هذا البطء، قدم اقتراحًا بنقل التقارير المتعلقة بعمان دون وسيط، من خلال المندوب المصري، والعمل مع أحد أعضاء مجلس الإدارة في عمان (خالد). كما تم اقتراح تحديد لقاء بين مكتب إرشاد الجماعة والمسؤولين في عمان في دولة الكويت، نظرًا لسهولة الوصول إليها.
قدم المأمون اقتراحًا آخر بتحديد لقاء إضافي في باريس، على أن يُترك تحديد الموعد للإخوة وفقًا لما يناسبهم. في عام 1968، زار المأمون عمان، بينما زار قائد الجماعة في عمان، المدعو بدرًا، الكويت في عام 1969. وذكر المأمون أن هؤلاء القادة تلقوا تربيتهم في الكويت حتى نهاية المرحلة الثانوية، ثم انتقل البعض منهم إلى جامعة القاهرة، وآخرون إلى جدة، وقلة منهم إلى أمريكا، مع الحفاظ على صلتهم بالتنظيم من خلال المشاركة في المخيمات والدورات التربوية والرحلات الجهادية. كما كان هناك مجموعة عمانية أخرى مقيمة في بغداد، وبعد تجميد النشاط هناك، تولى المأمون الإشراف عليهم تربويًا. وبعد تخرجهم واستقرارهم في عمان، استمرت الصلة معهم.
كما أشار المأمون إلى أن جميع أسرار العمل والهيكل التنظيمي في عمان كانت متاحة لدى التنظيم، وأن هناك اتصالًا دائمًا لتقديم المشورة. وقد زار المسؤول العام في عمان التنظيم مؤخرًا؛ حيث عقد اجتماعًا مع أبي مصطفى، وتمت مناقشة ملاحظات متعلقة بالإمارات. وتم اقتراح تكليف فرع التنظيم في البحرين بالإشراف على التنظيم في عمان، نظرًا لصغر حجم التنظيم وبطء تقدمه.
الإخوان في عمان
وتمثل الدور الأبرز في عقد المحاضرات واستضافة رموز معروفة بانتمائها لجماعة الإخوان، ومنهم على سبيل الذكر وليس الحصر، نافع علي نافع، الذي استضافته السلطة بعد حرب السودان. وفقًا لموقع الجزيرة، يُعد نافع من الشخصيات المثيرة للجدل بسبب مواقفه المتشددة تجاه المعارضة، وقد اتُهم بأنه كان وراء إنشاء “بيوت الأشباح” لتعذيب المعارضين السياسيين عندما كان مديرًا للأمن العام. كما صدر أمر بالقبض عليه مع آخرين بتهم تتعلق بالتعذيب وجرائم ضد الإنسانية.
كما أن جماعة الإخوان اليوم تعاني من صراعات داخلية بين قياداتها، لا سيما بين أولئك الموجودين في تركيا وبريطانيا. ومع سحب الدعم الدولي من تحت أرجلهم، لا سيما بعد قدوم إخوان السودان إلى تركيا، بدأ العمل على تصديرهم إلى دول أخرى. وعُمان أصبحت بيئة أكثر ميلاً لأفكارهم، حيث تتوافق هذه الأفكار مع ما يتلقونه في الخطاب الديني الداخلي. بعد اندلاع الحرب، شهدت عمان زيادة كبيرة في أعداد الجالية السودانية، مما يعكس زيادة التأثير الإخواني في الأوساط الشعبية.
بالإضافة إلى ما ذُكر، استضافت السلطنة في 9 سبتمبر 2017 رجل الدين الهندي -المتشدد- سلمان ندوي، المعروف بارتباطه بجماعة الإخوان وعلاقته الوثيقة بالشيخ يوسف القرضاوي. كما استضافت السلطنة ذاكر نايك، الداعية المتهم بالتحريض على الهجمات في دكا في بنغلاديش عام 2016 وبتهم غسيل الأموال، والذي تُطالب دول عدة، منها كندا وأمريكا والمملكة المتحدة، بالقبض عليه عبر الإنتربول.
كذلك، استضافت السلطنة اليوتيوبر يوسف حسين، المعروف بميوله الإخوانية، وصاحب برنامج “جو شو”، الذي يحظى بشعبية بين الشباب. بالإضافة إلى ذلك، تم استضافة طارق سويدان، الإخواني المعروف، الذي ساهم في تأسيس “مدرسة الرواد العالمية” ثم باع حصته فيها، ولكنه لا يزال يزور عمان بشكل دوري لإقامة ورش العمل، آخرها قبل أقل من ثلاثة أشهر من كتابة هذا المقال. كما يوجد أيضًا أساتذة يحملون الفكر الإخواني في المعاهد والكليات، مثل محمد عبد الرحيم الزيني، الذي عمل في كلية العلوم الشرعية من 2001 حتى 2020، وكان يمجد سيد قطب والإخوان، خاصة في كتابه “شهداء الفكر“.
إضافة إلى ذلك، يلاحظ رواج قناة الجزيرة في الأوساط الشعبية بشكل ملحوظ، خاصة في ظل أحداث رابعة وسقوط الإخوان في مصر، حيث استخدم شعار “رابعة” بشكل كبير في الأوساط العمانية. كان هناك أيضًا رفض لوجود الرئيس السيسي باعتباره عسكريًا ودكتاتوريًا أطاح بالشرعية، على الرغم من خروج معظم الشعب المصري للمطالبة بسقوط الإخوان، وتدخل الجيش في اللحظة الأخيرة لحقن الدماء وحماية مصر من حرب أهلية محتملة.
بخلاف وجود شريحة من العمانيين ترى في (سيد قطب) رمزًا وشهيد أمة تم اضطهاده، رغم أن الكثير منهم لم يقرأ له حرفًا ولا يعرف عنه سوى عنوان كتابه الأشهر (في ظلال القرآن). ونجد أن هناك عاطفة كبيرة محركها الأساسي شعار المظلومية والاضطهاد ضد الدين ورموزه، والتي ساعدت الظروف في انتشارها بعد موت جمال عبد الناصر، وعودة التيار الديني بشكل قوي وبدعم الكثير من الحكومات.
ليس من سبيل المبالغة محاولة ربط داعش بالإخوان؛ فأهم قيادات الجماعات المتطرفة بدأوا من الإخوان، ذكر أسامة بن لادن في لقاء مصور أن بدايته كانت مع الإخوان المسلمين. كما صرح أيمن الظواهري بأنه كان عضوًا في الإخوان المسلمين.
من وجهة نظري، تلعب سياسة السلطنة الخارجية تجاه إيران دورًا في تعزيز الميل لأفكار الإخوان المسلمين. فالسلطنة تتعامل مع إيران كجار وتحتفظ بعلاقات تاريخية متينة معها، دون اتخاذ مواقف متشنجة. هذه العلاقة تعززت بشكل خاص بعد أن ساهمت إيران في إخماد ثورة ظفار وقدمت العون للسلطنة، في وقت دعمت فيه دول أخرى، بما فيها مصر، الثورة ضد السلطنة. ومع اشتداد الاستقطاب في المواقف العربية تجاه دعم غزة وتحفظ العديد من الدول العربية على دعم حماس، أصبح المجال في عمان مهيئًا لدعم حماس بشكل علني، والإشادة بإيران وحتى الحوثيين في اليمن.
علاقة الإخوان بإيران ليست وليدة اللحظة، بل هي قديمة ومتجذرة، حيث يحظى النظام الإيراني بتأييد الجماعة. ما زالت الجماعة في أدبياتها تشيد بالثورة الخمينية وتستشهد بها، بينما تميل إيران بدورها للإخوان، ليس فقط عبر التقارب الأيديولوجي، ولكن أيضًا من خلال تكريس رموزهم في الفضاء العام، مثل تسمية بعض الشوارع بأسماء شخصيات مثل سيد قطب. التعاون العسكري والسياسي بين الطرفين، خصوصًا في دعم حركة حماس الإخوانية، ساهم في زيادة شعبية هذه العلاقة وتعزيزها على المستويات الشعبية والسياسية.
حول تغلغل الفكر الإخواني في السلطنة
أوردت صحيفة الراكوبة السودانية في مقال نشر لها بتاريخ 6 من ديسمبر 2022 خبرًا مفاده: “أن السلطات العمانية بصدد تسليم الدكتور عبد المنعم همت للحكومة السودانية، غير أن الكثير من الجهات ومحبي الدكتور “همت” يحاولون ثني السلطات عن ذلك؛ حيث إن تسليمه قد يهدد حياته”.
يُذكر أن د. همت كتب عدة مقالات ينبه فيها من الاخوان وخطر أفكارهم وأسلوب عملهم، مثل مقال: استراتيجية الإخوان المسلمين في العمل في أوساط المراهقين.. كوستي نموذجًا. والجدير بالذكر أنه رحل مؤخرًا من عمان، وهو يقيم حاليًا في دولة الإمارات، وبدأ هذا العام 2024 بكتابة المقالات في موقع (عرب)؛ حيث حمل أول مقال له في الموقع عنوان: التوترات الطائفية في عمان وتداعياتها على السياسة الخليجية، ومقال آخر بعنوان: التحولات السياسية في عُمان ودورها في تعزيز النفوذ الإيراني.
عبد المنعم همت محاضر بشؤون البلاط السلطاني بصلالة. وهو يحمل تخصصًا في الأدب الإنكليزي والفلسفة، بالإضافة إلى التفسير وعلوم القرآن، نشر عددًا من الكتب والأبحاث المهمة، وهو مستقر في عمان منذ أكثر من 9 سنوات، يتبنى الفكر اليساري الاشتراكي، كما يحظى باحترام وشعبية واسعة، وخاصة في ظفار حيث يعمل، وله كتاب بعنوان: المنهج الفلسفي عند السلطان قابوس، وقد تم الاحتفاء بالكتاب على مستوى عالٍ، وعقدت له أكثر من محاضرة. وقد تم إصدار الكتاب في 2017.
تقول المصادر السودانية إن عبد المنعم همت تعرض في أكثر من محاضرة للنقد بسبب ميوله الاشتراكية، على الرغم من أن هذا الفكر تم تجاوزه وله تاريخ أسود في مسيرة الدولة العمانية، وفقًا لما أورده موقع “Fast News”. يجدر بالذكر أن هذا الموقع غير موثوق، يميل لفكر الإخوان، ويحظى بالمتابعة بين العمانيين، مع عدم معرفة مكان إدارته أو هوية القائمين عليه. التقرير الذي نشرته القناة يتهم همت بمجاملة النظام السلطاني الذي يوصف بعدم الميل للديمقراطية، ويستهجن الموقع كتابات الدكتور همت بحجة أن معظمها تحذر من خطر الإسلام السياسي. من وجهة نظر الموقع، من يخالف فكر الإخوان يُعتبر بالضرورة اشتراكيًا يساريًا. كما يستخدم الموقع في تقريره حول همت مصطلحات مثيرة للتساؤل، مثل مطالبته بالكف عن الحديث عن هذه الأفكار واحترام القوانين العمانية. إضافة إلى ذلك، يكشف الموقع عن ميوله الإخوانية من خلال استيائه من انتقاد همت لحسن الترابي، الإخواني السوداني المعروف. يبدو أن هذا الموقع ليس عُمانيًا، بل مجهول المصدر ولا يُعرف من أين يُدار أو ما هي أغراضه. كما أن المعلومات التي ينشرها غير معروفة لنا كعُمانيين، ولم نسمع بها من قبل.
وبحسب مصادر سودانية، قد يعود قرار السلطنة بترحيل الدكتور عبدالمنعم همت إلى تغلغل الفكر الإخواني في بعض مؤسسات الدولة الحساسة. وأورد موقع “الراكوبة” السوداني أن الإخوان استفادوا من العمل السري لزرع كوادرهم داخل الأجهزة الأمنية، وأظهرت قدراتهم التنظيمية بشكل واضح خلال فترة مرض السلطان قابوس. في تلك الفترة، نشطت كوادرهم بين التحالفات القبلية للفوز بمقاعد في الانتخابات البلدية والنيابية، مما يعكس تأثيرهم المتزايد في الساحة السياسية العمانية. وأضاف الموقع أن من أبرز الشخصيات الإخوانية العمانية: خميس الكيومي، ومسلم قطن، وعبد الله الغيلاني، وسالم الغزالي، وعبد الله باعمر، بالإضافة إلى ضباط في الجيش ودبلوماسيين. وأشار أيضًا إلى أن نشاط الجماعة في السلطنة ازداد من خلال تأسيس مدارس خاصة في عمان؛ حيث يضم معظم كادرها التدريسي مصريين ينتمون لتنظيم الإخوان.
أخونة الثقافة
عندما تولى الإخوان الحكم في مصر، شرعوا فورًا فيما يُعرف بـ”أخونة الثقافة”، حيث عيّنوا وزيرًا من صفوفهم للإشراف على هذه المهمة. ومن أبرز قرارات هذا الوزير إقالة رئيسة دار الأوبرا المصرية، إيناس عبد الدايم، ما أثار غضبًا واسعًا في أوساط المثقفين. وفي عام 2011، كانت هناك فئة مترددة تجاه الثورة المصرية، تمامًا كما كان الإخوان مترددين. ولكن عندما لاحظوا تزايد أعداد المشاركين، انضموا متأخرين وبأسلوب تخريبي. فقد شنوا هجمات على كل من يعارض أو ينتقد الخطاب الديني في عُمان، سواء بالكلام أو باستخدام العنف، ووصل بهم الأمر إلى قطع الكهرباء عن مسرح حصن الفليج. ولم يقتصر هذا التخريب على عُمان فقط؛ بل تكرر في مصر، حيث كانوا من آخر المنضمين للثوار، وجاءوا متأخرين ليحاولوا الصعود على أكتاف من سبقهم.
في عُمان، ظهر زي مدرسي موحّد – ديني متزمت- لم يكن موجودًا منذ بداية النهضة في السبعينيات وحتى بداية الألفية؛ يتميز بطوله المفرط مع سروال تحته. هذا التغير يُشبه ما حدث في مصر إلى حد ما، من انتشار الأزياء المحافظة بين النساء. وأنا، كاتبة هذا المقال، أذكر جيدًا أنه في التسعينيات وحتى بداية الألفية، كنتُ أنا وزميلاتي نرتدي زيًا قصيرًا يصل فوق الركبة مع سروال أبيض تحته، ولم يكن طول الزي يتجاوز الركبة!
وبتتبع مسيرة هذه الجماعة، نرى أنها تعتمد على استقطاب أعضائها بعدة طرق لم تتغير كثيرًا منذ نشأتها:
- المساجد: لا يقتصر الأمر على الخطباء فقط؛ بل يشمل أيضًا أفراد الجماعة الذين يترددون على المساجد؛ حيث يستهدفون الشباب الملتزمين بأداء الصلاة من خلال التقرب إليهم وتكوين صداقات معهم.
- الجامعات: تُعد الجامعات من أبرز الأماكن التي يعمل فيها الإخوان لجذب الشباب والشابات للانضمام إلى الجماعة. وهذا لا يقتصر على الجامعات المحلية فحسب؛ بل يشمل أيضًا أعدادًا كبيرة من المبتعثين في الخارج.
- المحاضرات والورش: خاصةً تلك التي تحمل طابعًا تربويًا أو تتعلق بصناعة القادة وما شابه؛ حيث تُستخدم كوسيلة لاستقطاب المزيد من الأعضاء.
- العمل الخيري: يُعد العمل الخيري من أهم أساليب الإخوان المعروفة؛ حيث يقدمون مساعدات وأعمالًا خيرية تجعل الناس يظنون فيهم خيرًا؛ فيصبحون ضحايا سهلة للاستغلال، ويستخدمونهم لنشر أفكارهم ولدعمهم سياسيًا.
بين داعش والإخوان
ليس من سبيل المبالغة محاولة ربط داعش بالإخوان؛ فأهم قيادات الجماعات المتطرفة بدأوا من الإخوان، ذكر أسامة بن لادن (مؤسس تنظيم القاعدة) في لقاء مصور أن بدايته كانت مع الإخوان المسلمين. كما صرح أيمن الظواهري (القيادي في تنظيم القاعدة) بأنه كان عضوًا في الإخوان المسلمين. أما مؤسس حركة التكفير والهجرة، شكري مصطفى؛ فقد كان مسجونًا مع الإخوان في سجن طرة؛ حيث تأثر بكتابات سيد قطب، خاصةً حول جاهلية المجتمع التي تناولها في كتابه “معالم في الطريق”. يُذكر أن شكري مصطفى كان متزوجًا من أخت الإخواني المعروف محمد صبحي مصطفى. وهذه الحركات هي التي نتج عنها فيما بعد حركة داعش.
كما يتضح، فإن كل من يشير إلى خطر جماعة الإخوان مصيره الإقصاء، حتى لو خدم السلطنة لسنوات طويلة، وقدم إسهامات بارزة في تحليل الفكر الوسطي للسلطان قابوس، رحمه الله، مثل الدكتور عبدالمنعم همت. وعلى النقيض، يُستقبل كل من يناصر الإخوان بحفاوة كضيف كريم. وتجدر الإشارة إلى أن تأثير الفكر الإخواني يظهر بوضوح في مختلف مؤسسات الدولة، خاصة في المجالات الإعلامية والتعليمية. ومع ذلك، ما زلنا في حالة من “الإنكار”. ويمكن أن نقيس على ذلك الأفكار المتطرفة الأخرى؛ إذ جاءت حادثة الوادي الكبير لتكشف لنا أن رياح التطرف، التي كانت تعمل في الخفاء، بدأت في الظهور إلى العلن.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.