في منتصف ليلة السبت، الرابع عشر من أبريل الماضي، عاش العالم لحظات من التوتر الشديد، خشية اندلاع حرب عالمية ثالثة، بعد أن أطلقت إسرائيل صفارات الإنذار محذرة من هجوم إيراني مباشر لأول مرة في تصعيد خطير. كان الشارع العربي يتوقع أن تشتعل تل أبيب بالصواريخ الإيرانية، وتُدمَر القواعد العسكرية لدولة الاحتلال الإسرائيلي، انتقامًا للفلسطينيين وما يتعرضون له من إبادة في غزة. أما الشعب الإسرائيلي؛ فقد أمضى ليلته في الملاجئ، مرعوبًا من الرد الإيراني بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق بداية الشهر ذاته، والذي أودى بحياة 16 شخصًا بينهم جنرالان في الحرس الثوري الإيراني.
وعلى الرغم من كثافة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، إلا أنه لم تُسجل إسرائيل خسائر كبيرة، حيث تمكنت من اعتراض 99% من المقذوفات، وفقًا للتصريحات الرسمية الإسرائيلية. إلا أن إيران ادعت أن نصف صواريخها أصابت أهدافها بنجاح، ما أثار سخرية واسعة، واعتبر الكثيرون المشهد أشبه بمسرحية هزلية، بعيدة كل البعد عن التهديدات الإعلامية الإيرانية المتكررة بالانتقام من إسرائيل، خاصة في ظل أحداث غزة. وصف كون كوغلين، محرر شؤون الدفاع والشؤون الخارجية بصحيفة “تلغراف” البريطانية، الهجوم بأنه كشف عن “ضعف قادة طهران المخادعين”. وقد أثار الرد الإيراني وقتها موجة من السخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفت بـ”حروب الميمز”.
ارتباك داخلي
لم تمضِ سوى بضعة أشهر حتى عادت إسرائيل لتنفيذ عمليات نوعية ضد رجال إيران وحلفائها. ومع تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله، المعروف بولائه لإيران، هددت الأخيرة بحرب مدمرة إذا تعرض لبنان لهجوم إسرائيلي. ورغم ذلك، لم تكتفِ إسرائيل بضرباتها على الجنوب اللبناني واغتيال مدنيين بالإضافة إلى قيادات عسكرية تابعة للحزب؛ بل تمكنت من تنفيذ عملية اغتيال لرئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة حماس، إسماعيل هنية، أثناء وجوده في قلب العاصمة الإيرانية. بدا هذا وكأنه تحدٍ صريح لإيران، مشيرةً إلى قدرتها على استهداف حلفائها؛ ليس فقط خارج حدودها؛ بل أيضًا داخل أراضيها، في اختراق خطير للأمن الإيراني.
عاد العالم ليستعد لتوتر كبير وتصعيد أكبر من الجانب الإيراني، بعد أن هددت إيران برد صارم وشديد على عملية اغتيال إسماعيل هنية، التي تسببت في إحراج سياسي كبير أمام حلفائها من المقاومة الفلسطينية. ورغم أهمية المبررات التي قدمتها إيران لتأخر ردها، مثل إطالة أمد الحرب النفسية ضد إسرائيل واستخدام ذلك كورقة ضغط لوقف الحرب في غزة، وإتاحة الفرصة للمفاوضات الدبلوماسية، إلا أن هذا الموقف يعكس حالة من الانقسام الداخلي في إيران؛ فبينما يرغب خامنئي والحرس الثوري في توجيه ضربة لإسرائيل، تعارض عناصر أخرى في إيران هذا التوجه خشية التعرض لهجوم كاسح والدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
على صعيد آخر، أدى هذا الموقف إلى حدوث فتور في العلاقات بين إيران وحلفائها الإقليميين؛ خاصة الميليشيات التابعة لها مثل حزب الله وجماعة الحوثيين، الذين يتوقون إلى رد انتقامي سريع ومدمر، بينما تصر إيران على ضبط النفس. والنتيجة هي حالة من الارتباك في الموقف الإيراني.
هذا الارتباك أصبح ملموسًا لدى الشعوب؛ خاصة مع استمرار مرور الوقت دون رد من إيران على اغتيال إسماعيل هنية، رغم التهديدات المتكررة التي أطلقتها. وقد أثار هذا الوضع تهكمًا وسخرية واسعة؛ خاصة في الأوساط العربية، لا سيما بين اللبنانيين الذين قالوا ساخرين: “كنا ننتظر الرد من فوق فجاء من تحت”، في إشارة إلى الزلزال الذي وقع بعد اغتيال هنية. الزلزال، الذي بلغت قوته 4.8 على مقياس ريختر، شعر به سكان لبنان وسوريا والأردن وتركيا، وأحدث هزات ظن البعض أنها نتيجة ضربات قوية من إيران وحزب الله على تل أبيب، ردًا على موجة الاغتيالات التي استهدفت قيادات حزب الله وحماس.
لا يمكن فصل هذه الحوادث عن واقعة أخرى أشد خطورة، وهي سقوط طائرة تحمل كبار المسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم رئيس الدولة ووزير خارجيته. هذه الحادثة، التي ما زالت غامضة وتثير الكثير من الجدل والخلاف الداخلي، رغم تأكيد التحقيقات على استبعاد شبهة العمل التخريبي، لم تضع حدًا لتساؤلات الشارع الإيراني. ويبدو أن هذا التساؤل حول استخدام المروحية في تلك الظروف المناخية القاسية لحضور مراسم تدشين سد أثار جدلاً واسعًا؛ خاصة أن الباحث بوريا آستركي أضاف بعدًا سياسيًا بتسليط الضوء على علاقات أذربيجان مع إسرائيل.
يبدو أن الوضع في إيران لا يزال متأزمًا، رغم محاولات التخفيف من تداعيات حادثة سقوط طائرة الرئيس السابق رئيسي ورفاقه، والتسريع في إجراء الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن فوز بزشكيان. وقد برزت ملامح هذا التوتر في جلسة برلمانية صاخبة، أظهرت غضبًا شعبيًا واسعًا وعدم رضا عن أداء الحكومة الجديدة. خلال الجلسة، أعرب غلام رضا تاجكردون، رئيس لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان، عن امتعاضه قائلاً: “لا ننسى أن نصف الشعب الإيراني لم يشارك في الانتخابات، ولم يقبلنا. لا تسمحوا لهم بالسخرية منا والقول بأننا لا نحسن سوى الشجار والصراعات فيما بيننا”. وتعكس هذه الكلمات عمق الأزمة السياسية والانقسام المتزايد في المجتمع الإيراني.
نمر من ورق
من النقاط الهامة التي لا يمكن التغاضي عنها في المشهد الإيراني، هي أن العداء المعلن تجاه إسرائيل يخفي خلفه محطات عديدة من التعاون السري والعمل المشترك خلف الكواليس. هذا الواقع يضع مصداقية النظام الإيراني في دعمه للقضية الفلسطينية وتهديداته المتكررة بتدمير إسرائيل محل تساؤل. فالشعارات التي يرفعها قد تكن أساسًا للاستهلاك الإقليمي، بهدف إثارة العواطف العربية وكسب التأييد. في الوقت ذاته، تُظهر إيران عداءً كبيرًا للأنظمة وتعتبرهم خصومًا في صراع مستمر بدلاً من جيران يمكن أن تجمعهم علاقة تعاون بنّاء.
قبل نحو عشر سنوات، كانت إيران تحتل المرتبة 149 في مؤشر مدركات الفساد العالمي. وفي أحدث تقرير لمنظمة الشفافية الدولية الصادر مطلع عام 2023، جاءت إيران في المرتبة 147 من بين 180 دولة.
وهو ما أكده لمواطن، د. محمود خيري، الباحث في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، “العرب لم يهددوا إيران أبدًا، بل إنها هي التي تشكل تهديدًا لهم من خلال أطماعها الاستعمارية ومخططاتها التوسعية على حساب جيرانها العرب”. وأضاف خيري أن “إيران تستعرض قوتها أمام جيرانها العرب، بينما تبدو وكأنها “نمر من ورق” في تعاملاتها مع إسرائيل، نظرًا لافتقارها القدرة على المواجهة الشاملة معها”. وأشار إلى أن إيران تدرك تمامًا الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، وهو ما تجلى بوضوح عندما وقفت هذه الدول إلى جانب إسرائيل واستنفرت قواها العسكرية لإسقاط الصواريخ الإيرانية التي كانت موجهة إليها.
وأوضح أن الهجوم الإيراني على إسرائيل في شهر أبريل الماضي كان محسوبًا بدقة، ومتوقعًا حتى لحظة وصوله إلى الأراضي المحتلة. وأما شعار “الموت لإسرائيل” الذي ترفعه إيران وإعلانها الانتقام والحرب عليها؛ فهو للاستهلاك الدعائي فقط، وتديره إيران بحذر لتجنب حرب إقليمية لا تستطيع تحمل تبعاتها داخليًا أو خارجيًا. وأضاف أن الولايات المتحدة تستفيد من هذا “الإزعاج” الإيراني للعرب، وتستخدمه كذريعة لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، تحت ستار حماية العرب من الخطر الإيراني.
واعتادت إيران الاعتماد على الحرب بالوكالة وعدم الدخول في مواجهات مباشرة مع الخصوم؛ فهي تدعم ما يقرب من عشرين جماعة مسلحة تديرها قوات الحرس الثوري في الشرق الأوسط، بحسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز. وعندما دخلت حربًا مباشرة مع العراق في فترة الثمانينيات من القرن العشرين استعانت بالدعم الإسرائيلي وتكبدت خسائر مادية كبيرة تجاوزت ضعف الخسائر العراقية.
التوتر بين إيران وجيرانها العرب هو أمر لا يخفى على أحد؛ خاصة مع تعمد إيران تصدير فكرة العداء مع دول الخليج العربي، وإصرارها على الهيمنة على المنطقة وتسميتها بـ”الخليج الفارسي”. وفي الوقت ذاته، أعلنت إيران رفضها القاطع لامتلاك أي دولة أخرى في المنطقة، باستثناء إسرائيل، أسلحة نووية، خوفًا من تصاعد النفوذ السعودي. يرتبط هذا الرفض بشكل خاص بالتقارير المتداولة حول إمكانية إبرام صفقة تطبيع بين السعودية وإسرائيل، والتي قد تتضمن دعمًا أمريكيًا للسعودية في سعيها لامتلاك السلاح النووي.
تدرك إيران أن أي تطور في اتجاه دعم القدرات النووية لجيرانها العرب قد يعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة، مما يزيد من قلقها بشأن النفوذ السعودي المتزايد. هذا القلق يعكس رغبة إيران في الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي، وهو ما يدفعها لتبني موقف عدائي تجاه أي محاولات لدعم القدرات النووية لدى الدول العربية، بينما تتجاهل الترسانة النووية الإسرائيلية التي استقرت منذ عقود.
على الرغم من التوترات الحالية، يرى الكاتب والباحث السعودي محمد المحفوظ أن من مصلحة العرب بناء علاقات إيجابية مع إيران. وأشار المحفوظ إلى أن الاصطفاف مع الغرب أو مع إسرائيل قد يكلف العرب كثيرًا في مجال الأمن القومي. وأكد أن تأخير إصلاح العلاقات مع إيران حتى تصل الأخيرة إلى قدرة نووية ليس في مصلحة العرب. وأعرب عن اعتقاده بوجود حسن نية لدى الطرفين، مؤكدًا أن إيران جادة في بناء علاقات جوار ودية مع العالم العربي. من وجهة نظره، يمكن تحقيق فوائد مشتركة إذا تمكن العرب وإيران من تجاوز الخلافات وتطوير علاقات قائمة على التعاون بدلاً من الصراع، مما يسهم في استقرار المنطقة ويعزز الأمن القومي العربي.
الفساد في إيران
في رسالة من محبسه، أشار المعارض الإيراني تاج زاده إلى أن “الأزمات الحالية متجذرة في البنية السياسية والقانونية المعيبة للنظام الإيراني، وسياسات المرشد الفاسدة والمعرقلة”. فالبراجماتية هي المحرك الأساسي للإدارة الإيرانية، بغض النظر عن الاعتبارات الإنسانية أو المبادئ الأخلاقية أو حتى العقدية. والدليل على ذلك هو التعاون السري الذي جرى بين إيران وإسرائيل.
وفقًا للمحلل السياسي والناشط الإيراني علي أفشاري؛ فإن الفساد متأصل بعمق في نسيج النظام السياسي الإيراني. ويشير أفشاري إلى أن الخصخصة التي بدأت منذ عام 2005 هي عملية زائفة تُستخدم كأداة استراتيجية للحكم في دولة ريعية، تمامًا، كما يخدم الفساد المنهجي الشامل الاستبداد في إيران. ورغم ذلك، يبقى مستقبل النظام غير واضح وقد يواجه تحديات جديدة.
د. محمد خيري، الباحث في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية: "النظام الإيراني يعاني من أزمات كشفت عن شيخوخته المبكرة، على الرغم من عمره الذي لا يتجاوز 40 عامًا منذ قيام الثورة الإسلامية".
لاشك أن هذا الفساد المتجذر قد أساء لسمعة النظام الإيراني كما يتسبب في تهديده، سيما مع استمراره وعدم مواجهته. لقد كشفت تقارير حديثه تعود لنهاية العام الماضي أن هناك 94 مليار دولار إجمالي الفساد المالي في إيران خلال 12 عامًا بين عامي 2010 و2021 بسبب تراجع مكانة السلطات الثلاث في النظام السياسي في طهران.
ألحق هذا الفساد ضررًا بسمعة النظام الإيراني، ويشكل تهديدًا خطيرًا له؛ خاصة مع استمرار الفساد وعدم مواجهته. كشفت تقارير حديثة تعود لنهاية العام الماضي، أن إجمالي الفساد المالي في إيران بلغ 94 مليار دولار خلال فترة 12 عامًا بين عامي 2010 و2021، وذلك نتيجة لتراجع مكانة السلطات الثلاث في النظام السياسي في طهران. وكشفت تحقيقات هيئة التفتيش في إيران أن إحدى الشركات الخاصة المسماة “دِبْش”، تلقت خلال الفترة من 2019 إلى 2022 عملات أجنبية من الحكومة بغرض استيراد شاي وآلات، بقيمة 3 مليارات و370 مليون دولار.
في دراسة للباحث رشيد يلوح من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يشير إلى أن جذور الفساد في إيران تعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية. وعلى الرغم من شعارات الجمهورية الإسلامية بشأن محاسبة الفاسدين والقضاء على الفساد، إلا أن الواقع يتناقض مع هذه الادعاءات. تُظهر الدراسة وجود فئة اجتماعية واسعة في أجهزة الدولة تستفيد من الفساد وثقافته؛ حيث أصبحت الرشوة والاختلاس جزءًا من الثقافة اليومية في المجتمع الإيراني.
كما كشفت الدراسة عن العديد من قضايا الفساد الكبرى التي أثارت الرأي العام الإيراني عبر العهود الرئاسية، مثل قضية رجل الأعمال شهرام جزائري الذي حقق ثروة ضخمة بفضل نفوذه وعلاقاته بالسياسيين وتأثيره على لجنة السياسات الاقتصادية بالبرلمان الإيراني. ومن الأمثلة الأخرى قضية الاختلاس الكبير التي هزت فترة حكم أحمدي نجاد.
يلاحظ الباحث أن فتح ملفات الفساد وتوقيت طرحها على القضاء، غالبًا ما يرتبط بتصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين، مما يعني استمرار الفساد بشكل خطير. وينعكس هذا سلبًا على الشعور بالانتماء وقيم العدالة والمساواة، مما يؤدي إلى خلخلة في البنية الاجتماعية وفقدان الثقة في شعارات الثورة الدينية التي رفعت منذ عقود. وقد تجلى ذلك في زيادة رغبة الشباب الإيرانيين في مغادرة البلاد والبحث عن فرص أفضل في مكان آخر. تسهم الأزمات الاقتصادية والمعيشية المزمنة في تسهيل اختراق المجتمع، حيث يتحمل أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة العبء الأكبر، مع ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 50%، وزيادة أسعار المرافق والغذاء والمساكن، إضافة إلى انخفاض حاد في قيمة العملة.
ويؤكد المحفوظ لمواطن، أن إيران تواجه تحديات كبرى على الصعيد الداخلي والخارجي، وأن النخبة هناك مشغولة بكيفية المواجهة بنجاح، مشيرًا إلى أن المعضلة في الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يضغط سلبًا على مستوى الاستقرار السياسي والاجتماعي هناك. ويعترف بوجود سخط شعبي داخلي، وأن إيران بحاجة إلى خطوات لتصحيح الوضع وتقليل هذا السخط، وكذلك إصلاح الاقتصاد لتعزيز شعبية النظام.
كشفت الاحتجاجات التي اجتاحت إيران خلال العامين الماضيين عن حجم المعاناة والألم الذي يعيشه الإيرانيون في ظل ظروف اقتصادية صعبة تزداد تعقيدًا بسبب التضييق السياسي والاجتماعي. وقد تناولت صحف إيرانية، مثل صحيفة “كار وكاركر” العمالية، تقرير البنك الدولي الذي يشير إلى أن 68% من الإيرانيين يعيشون في فقر أو مهددون بالفقر، مع تأكيد أن العقد الأخير كان الأسوأ من حيث تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
تتفاقم هذه المعاناة بسبب الفساد، الذي يجعل تمرير العديد من الاستثمارات والمشروعات الكبرى مرتبطًا بموافقة أو مشاركة الحرس الثوري وأذرعه الاستثمارية العاملة في قطاعات حيوية مثل النفط والغاز والبتروكيماويات والسيارات والمقاولات والتجارة الخارجية والتعدين. هذه السيطرة تعيق بشكل كبير عملية التطوير وتحسين أحوال الشعب الإيراني.
حكومة استبدادية
يقول لمواطن، سينا آزودي، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن: “إن الحكومة الإيرانية تمارس الاستبداد منذ زمن طويل، لكن الوضع تفاقم بشكل ملحوظ مع تصاعد العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران منذ عام 2012. وقد اعتبرت إيران هذه العقوبات تهديدًا لأمنها، مما دفعها إلى أن تصبح أكثر عدوانية وقمعًا. كما تعرض المجتمع الإيراني لظروف اقتصادية صعبة بسبب هذه العقوبات، التي أدت إلى تآكل الطبقة المتوسطة بمعدل 11% سنويًا”.
في الوقت نفسه، يسيطر الحرس الثوري الإيراني على موانئ البلاد ويبيع النفط من خلال شركاته، مستخدمًا العوائد والموارد لتحقيق مزيد من الثراء لنفسه ولرجال النخبة والمقربين من النظام. وأشار آزودي إلى أن إيران، تحت ضغط كبير، أصبحت أكثر عدوانية في الشرق الأوسط؛ حيث تسعى للحفاظ على نفوذها في مواجهة المملكة العربية السعودية بدعم الحوثيين.
وأضاف آزودي أن إيران لن تغير نظرتها العدائية تجاه جيرانها العرب وخاصة السعودية، التي تعتبرها تهديدًا محتملاً. يرى أن إيران تتبنى نفس النظرة التي كان يتبناها الشاه تجاه العراق في سبعينيات القرن الماضي؛ حيث كان يعتقد أن صدام حسين سيشكل تهديدًا وجوديًا لإيران إذا أتيحت الفرصة.
وتابع آزودي بأن الحكومة الإيرانية أصبحت أكثر انفصالاً عن الشعب؛ حيث ترى استياءه تهديدًا لأمنها، مما دفعها إلى اتخاذ مواقف أكثر قمعًا على المستوى المحلي وأشد عدوانية على المستوى الإقليمي. وبخصوص تأخر الرد الإيراني على اغتيال هنية في طهران، يعتقد آزودي أن الإيرانيين يبحثون عن مخرج لتجنب الرد على إسرائيل، حيث قد يؤدي الرد المحتمل من إيران إلى رد إسرائيلي آخر. وبالتالي، يتساءل آزودي: هل تريد إيران حربًا شاملة مع إسرائيل؟ ويجيب على هذا السؤال بالنفي.
فشل استخباراتي
أصبح الحديث عن الفشل الاستخباراتي في إيران شائعًا بعد اغتيال هنية، وفقًا لمهران كامرافا، رئيس وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وأشار كامرافا إلى أن مقتل هنية يكشف عن فشل استخباراتي كبير، لكنه لا يعني ضعفًا عسكريًا لإيران؛ فهو يرى أن إيران تمتلك طائرة بدون طيار استخدمتها روسيا ضد أوكرانيا، وقد أثبتت فاعليتها على جبهة القتال، رغم ما يروج له الخصوم.
ويضيف لمواطن، أن إيران تتبع سياسة الرد المتناسب كما فعلت في أبريل الماضي. ويعتقد أن الانتظار لفترة أطول قبل توجيه الضربة لإسرائيل يزيد الضغط على الخصم بفعل الحرب النفسية، مما يمنح إيران اليد العليا، حتى وإن بدا التأخير طويلاً، إلا أنه يعتبر صبرًا استراتيجيًا يؤتي ثماره. ويشير إلى أن إيران وإسرائيل منخرطتان في عمليات تجسس واستخبارات ضد بعضهما البعض، ولكل منهما نجاحات وإخفاقات في هذا المجال، وقد حققت إيران بعض النجاحات الاستخباراتية الملحوظة في عمق المؤسسة السياسية الإسرائيلية، والتي لا يُعلن عنها الإسرائيليون.
من جانبه، أكد د. محمد خيري، الباحث في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، أن عمليات القتل والاغتيالات التي تعرضت لها شخصيات مهمة تابعة لإيران والحرس الثوري تدل على وجود انكشاف أمني كبير. وأشار إلى أن اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران خلال مناسبة تنصيب الرئيس، وهي مناسبة يفترض أن تكون مؤمنة بشكل تام، كشف عن عجز إيران وعدم قدرتها على تأمين نفسها، مما يعكس انكشافًا داخليًا وضعفًا استراتيجيًا.
وأضاف لمواطن، أن النظام الإيراني يعاني من أزمات كشفت عن شيخوخته المبكرة، على الرغم من عمره الذي لا يتجاوز 40 عامًا منذ قيام الثورة الإسلامية. وأوضح أن الصراعات المبكرة مثل العقوبات الأمريكية الناتجة عن احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية، ثم الحرب مع العراق، وصولاً إلى العقوبات الأمريكية التي استمرت حتى توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، والذي خرج منه الرئيس ترامب قبل أن تحقق إيران أي استفادة منه، قد ساهمت في هذا الوضع.