عشرون ألف ريال هو متوسط تكاليف الزواج في سلطنة عمان، وهو ما يوازي 50 ألف دولار أمريكي، يجب على الشاب العماني أن يوفرها كي يتمم إجراءات زواجه بفتاة عمانية، وتشمل المهر والذهب والهدايا وما ينفق على العرس، وهي تكاليف قابلة للزيادة في مناطق مثل الظاهرة وظفار، وهو ما أدى إلى تراجع الكثير من الشباب عن الإقدام على هذه الخطوة، أو على الأقل تأجيلها إلى حين، أو دفع بالكثيرين إلى اللجوء للاقتراض والوقوع في فخ الديون، ليبدأ حياته الزوجية بسلسلة من الالتزامات التي تتزايد بمرور الوقت.
ربما كان ذلك هو أحد الأسباب التي دفعت السلطان هيثم بن طارق لإصدار مرسوم سلطاني يسمح بزواج المواطنين والمواطنات من أجانب بدون تصريح، وكان المرسوم السابق يشترط على المواطن الذي يرغب في الزواج من أجنبية ألا يقل عمره عن 45 سنة، ويجب أن يتقدم بطلب أولاً عبر أقرب مكتب للوالي، وبعد ذلك يتم التسجيل لدى وزارة الداخلية، واشترط القرار الوزاري على الراغب بالزواج من شخص أجنبي أن يتقدم بطلبه لدى وزارة الداخلية، وذلك للحصول على التصريح الذي يجيز له الزواج من أجنبية؛ شريطة أن تتوافر فيه الشروط؛ منها أن تكون هناك أسباب اجتماعية أو صحية تدعو إلى الزواج”.
إضافة إلى شروط أخرى؛ منها أن يكون طالب الزواج من غير عمانية قادرًا ماليًا على تكاليف الزواج، وتوفير المسكن المناسب وإعالة الأسرة، وألا يكون متزوجًا بعمانية ما لم تكن غير قادرة على القيام بواجباتها الزوجية. أما الشروط الصحية فهي التي تتعلق بصحة المتقدم للزواج وسلامته، والذي في بعض الأحيان لا يجد من يقبل العيش معه، مما يضطره إلى الزواج من أجنبية. كما يجوز للمطلق الزواج من أجنبية طبقًا للشرط الثالث، وكذلك من لديه زوجة عمانية عاجزة عن القيام بالواجبات الزوجية”.
سقف للمهور
حتى إن اقتراحًا لأحد الدعاة المشهورين في السلطنة بتحديد سقف لمهور الزواج، أثار جدلا واسعًا وردود أفعال ما بين مؤيد ومتحمس ومطالب بتطبيق الاقتراح، وبين رافض مستهجن لمحاولة هدم الثوابت؛ فقد اقترح الداعية إبراهيم الصوافي أن يوضع سقف أعلى للمهور يراعى فيه متوسط دخل الأفراد في البلاد، ووضْع حد يتراوح ما بين 2000 إلى 3000 ريال، أي نحو (5000 إلى 8000 دولار).
لا أود القول بأن الزواج أصبح عبئًا، ولكن في كثير من الحالات تتدخل العائلة لتمارس ضغوطًا على العريس والعروس لإتمام الزواج وفق مستوى معين لا تقبل بالتنازل عنه؛ سواء أكان من حيث المهر أو الذهب أو العرس وحتى السكن..
John Doe Tweet
نال الاقتراح شهرة أكبر بعد الإشارة إليه من قبل “الصوافي”، خلال لقاء مع إحدى وسائل الإعلام المحلية، ثم تابعت المنصات الإخبارية المختلفة ردود الأفعال والجدل الذي دار حوله، ووجد الداعية العماني نفسه في المنتصف بين قوم يمدحون اقتراحه ويرونه حلاً جيدًا لمشكلة ارتفاع تكاليف الزواج، وآخرين يرون أن الصوافي يهدم ثوابت وتقاليد عريقة؛ خاصة ما تضمنه من وضع حد أقصى للمهر، مؤكدين أن تقليل نفقات الزواج اقتراح فاشل مع الغلاء وارتفاع الأسعار، ومع حرص العائلات على الافتخار بما تم إنفاقه على الذهب والمهر وسائر التفاصيل.
وتُشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى تراجع تدريجي لحالات الزواج المسجلة في السلطنة، بدءًا من العام 2012 الذي شهد تسجيل 31 ألف وثيقة زواج تقريبًا، وحتى عام 2019 ليعاود الارتفاع مجددًا، مسجلًا نسبة تراجع بين 2012 و 2021 قرابة الثلث.
تدخلات العائلة
تقول (ق س) ناشطة اجتماعية: “لا أود القول بأن الزواج أصبح عبئًا، ولكن في كثير من الحالات تتدخل العائلة لتمارس ضغوطًا على العريس والعروس لإتمام الزواج وفق مستوى معين لا تقبل بالتنازل عنه؛ سواء أكان من حيث المهر أو الذهب أو العرس وحتى السكن، في كل هذه المحطات الأساسية لعملية الزواج، تجد المقارنات معقودة دائمًا بين الأسر والزيجات، ولا تقبل الأسر بأقل من المستوى الذي يُرضي طموحها لكيلا تقلّ عن مثيلاتها من الأسر، ووسط هذا الزحام من التفاصيل والأعباء، قد لا يجد العريس والعروس فرصة أو وقتًا للتعارف والتأكد من أنهما يناسبان بعضهما بعضًا”.
كما ترى (ق س) أنه في السنوات الأخيرة ومع جهود الدولة في التوعية وانفتاح الإنسان على ثقافات متعددة، أصبحت هناك مرونة ما لدى الكثير من الأسر التي صارت تهتم بجدية العلاقة بين الطرفين وضمانات نجاحها واستمرارها، أكثر من الاهتمام بالمبالغ المادية الخاصة بالمهر وغيره، لكن يا للأسف هذا الانفتاح وهذه المرونة يمكن أن نجدهما في العاصمة وبعض المدن الرئيسية، لكن في سائر الولايات والقرى ما زالت الأمور كما هي.
وتضيف خلال حديثها مع “مواطن”: “تقول جدتي دائمًا إن الزواج الناجح المبني على حب واحترام هو أهم من أموال الدنيا، ولهذا كانت تفضّل أن يكون المهر عبارة عن مبلغ رمزي، لكن في المقابل يجب أن يثبت الزوج رغبته في الاقتران بزوجته، وأن يعمل بجد واجتهاد من أجل ذلك، ولم تكن توافق على إقراض شباب العائلة لإتمام الزواج، ودائمًا تنصحهم بالاعتماد على البساطة وعدم المغالاة أو تقليد الآخرين، وخاصة في الحفلات الكبيرة المكلفة؛ فالهدف هو إسعاد العروسين وأهليهم وأحبابهم فقط وليس التباهي بحجم ما أنفق ومكان الحفل وتكاليف الطعام والشراب.
حلول مؤقتة
يعتقد راشد البلوشي، (مُعلَم) ومن أبناء محافظ الظاهرة، التي تحتل المرتبة الأولى من حيث ارتفاع المهور وتكاليف الزواج: “قرار الزواج من أصعب القرارات؛ فهو يعني حدوث تحول كبير في حياة الإنسان، والانتقال من حياة العزوبية إلى حياة الزوجية بمسؤولياتها وأعبائها وهمومها، ولكن هناك الكثير من الأسباب التي تدفع اعدادًا كبيرة من الشباب للعزوف عن الأمر وتأجيل قرار الإرتباط إلى أجل غير مسمى، ومن أهم تلك الأسباب، البطالة التي يعاني منها الكثير من الشباب بالتزامن مع ارتفاع المهور وتكلفة الزواج، هناك أسباب أخرى بالطبع؛ مثل الهروب من المسؤولية، وتغيير المفاهيم التقليدية المتعلقة بالزواج عند الأجيال الجديدة، وكذلك عدم وجود إلحاح من العائلات على أولادهم مقارنة بالسابق”.
كما أضاف خلال حديثه لـ”مواطن”: “إن الحلول التي ابتكرها أفراد أو جهات لمساعدة الشباب على الزواج، أغلبها حلول مؤقتة ولا ترضي الكثيرين، مثل الزواج الجماعي مثلاً، والذي تتبناه جمعيات خيرية أو مؤسسات المجتمع المدني وجهات مختلفة في المجتمع، والسبب أن جزءًا كبيرًا من طقس الزواج مرتبط بالمباهاة بالنسب والمال والقدرة على الإنفاق، وهناك الكثير من العائلات من المستحيل أن تقبل بأقل من مثيلاتها في القرية أو الولاية”.
ما يزيد من عمق المشكلة هو زيادة أعداد الباحثين عن عمل، وتراجع فرص الحصول على وظيفة براتب مناسب، مما يؤدي إلى عزوف الشباب عن التفكير في الأمر وتأجيله إلى أجل غير مسمى
John Doe Tweet
بينما يرى الخبير التربوي سعيد بن عامر العيسري أن الزواج أصبح عبئًا في المجتمع العماني الآن بسبب التكاليف المادية الكبيرة، ويقول لـ”مواطن”: “الحياة الآن اختلفت عما كانت قبل عدة سنوات، بسبب التقدم التكنولوجي وزيادة المتطلبات للفرد والأسرة، وكذلك مستوى الرفاهية؛ فكلما تقدمنا زادت تكاليف الحياة عمومًا، وهو ما يزيد من عبء الزواج شيئًا فشيئًا، وهو ما يعني أن الحياة بعد الزواج تحتاج إلى تكاليف أكبر، وهذه الأعباء هي أهم أسباب تأخر الزواج في وقتنا الحاضر”.
ويشير العيسري إلى أن العنوسة بالنسبة للبنات والشباب أكبر الآثار السلبية بسبب ارتفاع تكاليف الزواج، وإذا كانت هناك اقتراحات لمواجهة هذه الأزمة؛ فأولها هو العمل على تسهيل أمور الزواج وتقليل تكلفته، ويجب على كل ولي أمر وكل أسرة تخفيف الشروط الصعبة التي يكبلون بها الساعين للزواج.
وتُشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى تسجيل محافظة مسندم لأعلى نسبة تراجع في عدد الزيجات بين عامي 2012 و2021 بقرابة الـ 60%، بينما أقل نسبة بـ 12%.
الزواج الجماعي
بينما يقول “أحمد” إعلامي: “هناك الكثير من الحلول لمواجهة تلك الصعوبات؛ فنظرًا لارتفاع المهور وتكاليف حفل الزواج، فإن الزواج الجماعي قلل بعض الشيء من مصاريف الزواج المتمثل في المهر والشبكة وعقد القران والزفاف ووليمة الزواج؛ مبينًا أن من ثمرة الزواج ترسيخ مبدأ التكافل من أجل الدعم لهذه الأعراس، وتشجيع الشباب على الزواج وترغيبهم فيه، وتوعية الشباب وغرس المفاهيم الإسلامية والتربوية فيهم، من خلال الدورات التدريبية والنشرات التوعوية، والتي تسهم بدورها في تكوين أسرة صالحة تكون نواة لمجتمع سليم”.
ويقترح احمد أن تعمل الجهات المعنية على توحيد ودمج جهودها في هذا الملف الهام وعلى رأسها وزارتا الأوقاف والتنمية، والتربية والتعليم والإعلام، وكذلك الجمعيات الخيرية، والعمل على زيادة وعي المجتمع بأهمية التكافل وتخفيف متطلبات الزواج حتى لا يصبح العرس بداية لأزمة طويلة المدى يكبل فيها الشاب بالديون والالتزامات، وهو ما يهدد مستقبل الزواج.
وتقول “ناجية”، ناشطة اجتماعية: “إن المشكلة معقدة وتحتاج إلى جهود مضنية عبر سنوات طويلة من أجل حلها، وهي موجودة في أغلب الدول العربية؛ خاصة في القرى والأقاليم التي ما زالت محافظة على نمط من العادات والتقاليد وتصر على التمسك به جيلاً بعد جيل، ولهذا تجد في عمان فتاة خريجة جامعة ومثقفة وربما تشغل وظيفة ممتازة، ولكنها عندما تصل لمرحلة الخطوبة واستعدادات الزواج تتساوى مع غيرها من بنات العائلة أو القرية أو الولاية، وتراها مشاركة في إلقاء المزيد من الأعباء على كاهل العريس، ووضع شروط قاسية تلزمه بشراء ذهب بآلاف الريالات، ودفع مهر كبير وإقامة عرس احتفالي ضخم ينفق فيه المزيد من الآلاف، وهو ما يؤدي في النهاية إلى ما نراه الآن من ارتفاع سن الزواج، وفتيات وشباب تجاوزوا الثلاثين وما زالوا بدون زواج، بعد أن أصبح هذا المشروع الاجتماعي اللازم لبناء أسرة ومجتمع، مهمة ثقيلة لا يقوى عليها إلا الأغنياء فقط”.
وتضيف “ناجية”: “ما يزيد من عمق المشكلة هو زيادة أعداد الباحثين عن عمل، وتراجع فرص الحصول على وظيفة براتب مناسب، مما يؤدي إلى عزوف الشباب عن التفكير في الأمر وتأجيله إلى أجل غير مسمى، انتظارًا لتحسن الظروف، كي يبدأ في البحث عن زوجة وفتح مسكن وتحمل مسؤولية أسرة”.
وتختتم بالإشارة إلى وجود حلول كثيرة لمواجهة المشكلة، لكن تتوقف على مدى وعي الأسر والمجتمع عمومًا، ومدى الاستعداد للتخلي عن تقاليد قديمة، وعن حب التباهي بالمهور والذهب والحفلات الكبيرة؛ فالأهم هو أن يكون الزوج والزوجة هما فقط صحابي القرار فيما يتعلق بتفاصيل زواجهما وحياتهما بوجه عام، بعيدًا عن قيود التقاليد والأعراف الاجتماعية التي لم يعد لها أهمية، وتؤدي إلى نتائج سلبية نلمسها الآن.
وتقول: “إن أهم وأجرأ تلك الحلول، هو إلغاء بنود كاملة من تفاصيل الزواج، والعمل على مساعدة العريسين على بناء أسرة بالامكانات المتاحة؛ حيث يمكن الاستغناء عن الذهب على سبيل المثال، والاكتفاء بهدية رمزية بسيطة تعبر عن حب العريس لعروسه، وكذلك تقليل الانفاق على طقوس وأشياء لا تفيد أصحاب الأمر في شيء.
فماذا سيستفيد العريس والعروس من ولائم الطعام الضخمة التي تقام للمدعوين؟