“كنت دائمًا أخاف أن أصبح مثل أمي، بصراحة أنا معجبة بجوانب كثيرة في شخصيتها، معجبة بتمردها العقلاني على التربية المحافظة التي تلقتها في مراهقتها، التمرد الذي انعكس إيجابًا عليّ أنا وشقيقاتي الثلاث، من خلال الحرية الكبيرة التي منحتها لنا، يساعدها في ذلك مجتمع عائلة أبي المختلف، كذلك قابلية والدي للانفتاح”. هكذا بدأت حديثها، جماليا (40 عامًا) صحفية وأم لطفلة.
وأكملت: “ومع ذلك كان هناك جوانب كثيرة أكرهها بها، في بداية أمومتي كنت أخشى أن أتحول إلى نموذج أمي، القاسي غير القابل للحوار، وحدثت مواقف كثيرة مع طفلتي جعلتني أستدرك في اللحظة الأخيرة قبل أن أرد بطريقة أمي ذاتها، التي غالبًا ما تكون على لساني فأنتبه قبل أن أنطق الجملة ذاتها”.
وتختم جماليا: ” كان لدي مخاوف كثيرة من أن أصبح أمي، أحيانًا أنجح وأتجرد منها، وأحيانًا أجد نفسي مثلها تمامًا”. ويبدو أنّ حالة جماليا تتقاطع مع تعريف الكاتبة لين سوكينيك للميتروفوبيا؛ ليست الخوف من الأم أو الأمومة؛ بل خوف المرأة من أنها إذا أرخت حذرها فسوف تتماهى مع أمها بشكل كامل. وطور المصطلح فيما بعد من قبل منظّرة الأمومة النسوية أدريان ريتش في عملها عام 1986 بعنوان “حول المرأة المولودة: الأمومة كتجربة ومؤسسة”.
تقول أسماء: "لا أفهم كيف صرت أشبهها لهذه الدرجة، رغم أني كنت أقطع وعودًا كثيرة على نفسي، بأني عندما أصير أمّا، سأكون أبعد ما يكون عنها".
وشكلت تجارب أدريان ريتش الشخصية بشكل كبير وجهات نظرها حول الأمومة والماتروفوبيا في كتابها؛ خصوصًا أنها أنجبت ثلاثة أبناء قبل أن تترك زوجها لتحتضن هويتها كمثلية، وقد واجهت ريتش تعقيدات وتناقضات الأمومة بشكل مباشر. ومزجت بين السرد الشخصي والنقد الأكاديمي؛ حيث أشارت إلى أن الأمومة مؤسسة مبنية اجتماعيًا وليست دورًا طبيعيًا، وبالتالي تحدت المعايير الأبوية. وسمحت لها تأملاتها حول مشاعرها المتضاربة باستكشاف موضوعات نسوية أوسع، مؤكدة على الحاجة إلى وضع التجارب الشخصية في سياقات سياسية واجتماعية.
قررتُ أن أمسح أمي، فأصبحتُ مثلها
أما لينا (42 عامًا) وحيدة بين 4 أشقاء ذكور، فكانت تكره كل ما يتعلق بوالدتها صاحبة الشخصية النرجسية، تتحدث لمواطن: “كانت أمي تحرص رغم الفقر على الاهتمام بمظهرها، تضع العطر الذي تخفيه عن ابنتها المراهقة (أنا)، تعتني بشعرها وتقوم بتصفيفه بعد كل استحمام، حتى لو اضطرت للذهاب إلى الكوافيرة التي تمنع عنها ابنتها بحجة الظروف المادية السيئة”.
حتى إن لينا كانت تكره طريقة الطبخ عند والدتها، ودائمًا تطلب منها تغيير الطريقة، لكن الأم لم تكن تستجيب، “وقد قررتُ أن أمسح أمي نهائيًا من حياتي بعد أن أتزوج، ولن أشبهها بأي شيء على الإطلاق”.
وعلى عكس القرار النهائي الذي اتخذَته، تحولت لينا بعد الزواج إلى نموذج والدتها بالكامل، تطبخ بالطريقة نفسها، وتأكل على مضض لأنها لا تحب تلك الطريقة، وتكمل قصتها لمواطن: “حين أقصد منزل صديقتي وأتناول من الطبخة ذاتها، تعجبني جدًا، فتسألني صديقتي: إذن، لماذا لا تطبخينها بالطريقة ذاتها في منزلك؟ فأجيبها: “صراحةً لا أدري، أشعر أني قد تعودتُ ولا أستطيع الخروج من أمي”.
وتكمل لينا قصتها “كذلك تخبرني صديقتي أنني أصبحتُ أشبه أمي في الكثير من التفاصيل المشابهة، وهي محقةٌ في ذلك، حتى فيما يخص الملابس، أصبحتُ أرتدي مثل والدتي، وأتصرف مع بناتي كما كانت والدتي تتصرف معي”.
ثم توضح قائلة: “أدرك أن في الأمر سرًا كبيرًا، وغالبًا فإنّ صديقتي ضعيفة للدرجة التي فضلت فيها أن تشبه والدتها عوضًا عن تجربة شيء جديد كانت تحبه وما زالت، إلا أنها لا تفعله”.
تتشابك حالة لينا مع ما ما قاله أوسكار وايلد: “تصبح كل النساء مثل أمهاتهن، وهذه هي مأساتهن، ولا يحدث هذا مع أي رجل، وهذه هي مأساته”، وكأنه قدر محتوم أن تأخذ الفتاة طباع أمها -حتى تلك التي لا تحبها- أو تبقى خائفة من حدوث ذلك.
وحسب تحليل د. ليزا فيراري، وهي طبيبة نفسية: “عندما تبدأ النساء في رؤية جوانب مزعجة في شخصياتهن -تلك التي يدركن أنها سمات شخصية سلبية لأمهاتهن- سيخاطبن أنفسهنّ: “هذا شيء لا أحبه في والدتي، ولا أريد أن أفعل مثلها”. لذا تقاوم النساء أن يصبحن مثل أمهاتهن، بغض النظر عن مدى حب أمهاتهن ورعايتهن لهن”.
وعن أسباب العلاقة المتوترة بين الأمهات والبنات، تشرح فيراري: “أعتقد أننا كمجتمع نميل إلى تصفية الإيجابيات عقلاً، والتركيز على السلبيات بشكل مبالغ فيه، لذا لا يهم حقًا مدى حب والدتك ورعايتها لك؛ فالأشياء التي نميل إلى تذكرها عن أحد الوالدين، من المرجح أن تكون الجوانب الأكثر إزعاجًا”.
وتضيف: “القيام بعكس ما فعلته الأم، هو محاولة للرغبة في أن تكوني فريدةً ومعروفةً بشيء آخر غير ما فعلته والدتك، أنت تسعين جاهدةً للحصول على مكانة مميزة في الأسرة والمجتمع”.
أنظف مثلها وأتفوه بعباراتها القاسية، فأخاف
من جهةٍ أخرى تقول علا (31 عامًا) لمواطن: “أحبّ أمي ولكن تأتيني لحظاتٌ أشعر فيها بالكره تجاهها، كانت تريدني أن أكون مثلها تمامًا، ابتعدتُ عنها وسكنتُ مع صديقاتي في المدينة، وبقيتُ أزورها مرةً في الأسبوع، لكنّ ذلك لم يعجبها، واستمرت بالامتعاض بطريقةٍ غير مباشرة، فيما كانت تحب أختي لأنها مشت على طريقتها، حفرت أمي في داخلي الكثير من العقد التي سجلتها في دماغي لأتجنب أن أفعل مثلها في المستقبل، وانتهى بي المطاف في عيادات الأطباء النفسيين”.
وتستدرك: “لكنّ ذلك نمّا خوفًا في داخلي أن أصبح مثلها، وكلما شابهتها -بدون قصد- في تصرف بسيط مثل طريقة التنظيف، شعرتُ بالخوف أكثر من أن أصبح نسخةً منها، وأن أكرر فعل ما كنتُ أكرهه في شخصيتها وسلوكها من دون قصد”.
وقد تخاف المرأة أن تتحول إلى نسخة من أمها؛ ليس لأنها تكرهها أو لا تحبها، وإنما لأنّ الابنة ترى أمها ضحية للنظام الأبوي الذي يقدس الأمومة، ولكنه يهاجم الأم في الوقت نفسه.
هذا ويشكل الصراع بين الرعاية والاستقلالية في العلاقات بين الأم وابنتها موضوعًا مهمًا في التحليل النفسي النسوي. وتقول المحللة النفسية الأمريكية جين فلاكس: “إن الاستقلالية غالبًا ما تبدو وكأنها رفض للدعم الأمومي، مما يعقد العلاقة بين الأم وابنتها. ويتجذر هذا الصراع في الهياكل الأبوية؛ حيث تكون الأم هي المربية الأساسية، مما يؤدي إلى توتر بين الرغبة في الاستقلال والحاجة إلى موافقة ورضا الأم”. كما أكدت أن التمايز عن الأم أمر بالغ الأهمية لتطور هوية المرأة، إلا أنه يفرض تحديات بخصوص الانسجام بين الأم وابنتها.
أما أسماء (31 عامًا) كاتبة وأم لثلاثة أطفال: “في مرات كثيرة أجد نفسي أتفوه بنفس العبارات التي كانت أمي تقولها، عبارات قاسية من ذلك النوع الذي يترك حفرًا حقيقية داخل الرأس، فأحاول جاهدة أن أتدارك ما قلته، أعدله، أو أصطنع المزاح، وأحيانًا كثيرة أعتذر. والحقيقة أني لا أفهم كيف صرت أشبهها لهذه الدرجة، رغم أني كنت أقطع وعودًا كثيرة على نفسي، بأني عندما أصير أمّا، سأكون أبعد ما يكون عنها”.
مواضيع ذات صلة
وأضافت: “القسوة وتوجيه اللوم دائمًا، وحتى الإذلال والتحقير أشياء كرهتها، لكنها للأسف صنعت جزءًا كبيرًا مني، جزءًا ما زلت أتصارع معه حتى الآن لأخفيه، والعلاقة مع الأم علاقة معقدة وصعبة جدًا وغير مفهومة، لأنك تستمر بحبها رغم كل شيء، وفي المقابل تكره نفسك، لذلك يبقى النضج هو الحكم في هذه العلاقة، في مرحلة ما من عمري تمكنت من فهمها، وهذه كانت البداية للتخلص من رواسبها داخلي”.
وحول دراسة العلاقة مع الأم يقول د. رفيف المهنا، طبيب نفسي يعمل في فرنسا، في حديثه لمواطن: “من الجيد أننا بدأنا ندخل في عالم الأمومة أكثر، ونخرج من تقديسها، ونتناول الأم كإنسانة عادية، قد نحبها وقد نكرهها ونتعامل معها ككائن طبيعي، ومجرد فكرة الكتابة عن الأم والمناطق الحارة في علاقة الأم مع ابنتها هو شيء ممتاز”.
وعن علاقة الأم مع ابنتها يؤكد المهنا: “هي علاقة دائمًا متشابكة، ونادرًا ما تكون مسالمة، في العيادة نادرًا ما نرى أن البنت تعيش في سلام مع الأم، وقد تغار من ابنتها، وقد تعيش علاقة تنافسية مع الابنة والعكس صحيح، لذلك فهي منطقة التهابية قد تفرز الكثير من المشكلات”.
وعن خوف الفتيات من أن يصبحن مثل أمهاتهنّ، يبسّط الدكتور رفيف المهنا بكلمات مهدِّئة: “فكرة التشابه مع الأهل موجودة عند الذكور والإناث في طريقة اللبس والكلام والتعامل، لذلك غالبًا ما أقول للشباب لا تستعجلوا في الحكم على أهلكم لأنكم تخبئون جزءاً من آبائكم وأمهاتكم، وهي تكرار أجيال وفيها من الوراثة؛ حيث تنتقل طريقة اللفظ والحياة والكرم”.
في الختام، تبقى علاقة الأم مع ابنتها إشكالية في أغلب الحالات، قد تسبب الأم رضًا نفسيًا لابنتها يساهم فيما بعد في تكوين شخصيتها، وليس مستبعدًا أن يكون إيجابيًا في بعض الأوجه. وقد تخاف المرأة أن تتحول إلى نسخة من أمها؛ ليس لأنها تكرهها أو لا تحبها، وإنما لأنّ الابنة ترى أمها ضحية للنظام الأبوي الذي يقدس الأمومة، ولكنه يهاجم الأم في الوقت نفسه، إنّ الابنة لا تريد إعادة حالة التضحية ونفي الذات التي جسدتها أمها، ما قد يخلق معارضة من طرف الأم، التي قد ترى في ابنتها حريتها الضائعة وحياتها المسروقة وخصوصيتها الذائبة في الزواج والحمل والولادة والتربية وغيرها.
obviously like your website but you need to test the spelling on quite a few of your posts Several of them are rife with spelling problems and I to find it very troublesome to inform the reality on the other hand Ill certainly come back again
Somebody essentially help to make significantly articles Id state This is the first time I frequented your web page and up to now I surprised with the research you made to make this actual post incredible Fantastic job
Fantastic site A lot of helpful info here Im sending it to some buddies ans additionally sharing in delicious And naturally thanks on your sweat
Wow amazing blog layout How long have you been blogging for you made blogging look easy The overall look of your web site is magnificent as well as the content
real estate shop I truly appreciate your technique of writing a blog. I added it to my bookmark site list and will