غابت حكومة حماس بغزة، وحضر الفراغ الأمني منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد محاولة السلطات الإسرائيلية الإطاحة بحكم الحركة من خلال تكثيف عمليات قصف وتدمير المؤسسات والوزارات الحكومية، إلى جانب الاستهداف المباشر لشخصيات حكومية في غزة. باتت الفوضى جزءًا من الحياة الاجتماعية في القطاع، وأصبحت قوات أمن وزارة الداخلية الفلسطينية في غزة عاجزة عن فرض سيطرتها على تلك الفوضى في الشارع؛ ما أدى إلى انتشار سريع لعمليات السطو والسرقة والقتل.
وتطال عمليات النهب والسطو والسرقة كل شيء، ولا تقتصر على سرقة المساعدات الإنسانية وحسب؛ بل تمتد إلى السطو على بيوت الفلسطينيين القائمة أو المدمرة، وكذلك الاعتداء على مخازن المنظمات الدولية، إضافة إلى سرقة المستشفيات وحتى المقار الحكومية والمؤسسات والمحال التجارية وإيواء النازحين. وبخلاف أي حرب سابقة، يواجه الغزيون حاليًا في مناطق واسعة من القطاع، تصاعدًا في انتشار الجريمة التي شملت عمليات قتل وسطو وسرقة ونهب وفوضى، وصلت إلى حد أخذ الثارات القديمة المعلقة، والكثير من عمليات البلطجة ضد المواطنين.
الكاتب والمحلل السياسي شريف السيد: "أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى خلق فراغ أمني بالقطاع، من خلال استهداف ممنهج للمراكز الأمنية والحكومية، لنشر الفوضى والفلتان وضرب السلم المجتمعي".
غياب الأمن
يقول لمواطن، سيف عبد العال (45 عامًا) من بلدة دير البلح وسط قطاع غزة: “لا أمان في غزة الآن؛ فقد تعرض منزلي للسرقة مرتين خلال شهر واحد، وفقدت خلال إحدى السرقات مبلغًا ماليًا كبيرًا، لكنني لم أعرف إلى أين أتوجه للتبليغ عن حادثتي السرقة، لعدم وجود مراكز شرطية عاملة”.
ويضيف: “غياب الأمن أدى لقيام مسلحين خارجين عن القانون “قطاع الطرق” بتنظيم هجمات على المارة بالشوارع لسرقة أموالهم ومقتنياتهم، بالإضافة لسرقة منازل السكان بغزة، وبيع تلك المسروقات بالأسواق بشكل علني”.
كما أكد: “لا نستطيع الخروج بعد ساعات قليلة من غروب الشمس، خوفًا من التعرض للسرقة أو الخطف أو الاعتداء في ظل غياب الأمن، حتى بات واقع الحياة بغزة مريرًا وصعبًا، وباتت الفوضى تكتنف كافة مناحي الحياة، وأصبح المواطن غير قادر على شراء الطعام، بسبب استغلال التجار والتحكم بأسعار المنتجات، والتي ارتفعت بشكل جنوني في ظل غياب الرقابة والأمن”. وختم حدثيه مطالبًا بضرورة عودة الأجهزة الأمنية لعملها، أو تشكيل لجان مجتمعية لضبط الأمن ومحاربة اللصوص وقطاع الطرق وتجار الدم، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة بشكل كامل.
السطو في وضح النهار
أما رشدي السقا (49 عامًا)، من بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة؛ فقد فوجئ بسطو ثلاثة مسلحين على منزله في وضح النهار، وسرقة مبلغ مالي ونهب بعض المقتنيات من المنزل. ويحكي: “في تمام الساعة الـ 12 ظهرًا، اقتحم مسلحون منزلى وقاموا بالطلب من جميع أفراد عائلتي بالصمت وعدم الصراخ، وإلا قاموا بقتلهم جميعًا”.
ويشير: “طلب أحد المسلحين منى بإحضار الأموال والمصاغ الذهبي الذي أملكه، وهو يوجه مسدسًا باتجاه رأسي وتهديدي بالقتل إذا لم أقم بتنفيذ طلبه، وكذلك سرقة بعض المقتنيات الأخرى كالأواني وبعض الأجهزة الكهربائية قبل مغادرتهم”.
ويكمل: “لم أستطع تقديم أي شكوى أو بلاغ عن حادثة السطو، للفراغ الأمني الموجود حاليًا، وغياب القانون الذي يتوجب عليه حماية المظلومين ومحاسبة المجرمين، لم نعهد مثل تلك العمليات الإجرامية وحالة الفوضى والفلتان التي نشهدها حاليًا قبل اندلاع الحرب، ولكن غياب الأمن وعدم محاسبة المجرمين، دفع اللصوص وقطاع الطرق لتنفيذ أفعالهم بحرية دون رادع قانوني”.
ثم ختم قائلًا: “السكان بغزة يعانون نكبة جديدة على غرار الحرب المستمرة، وهي انتشار ظاهرة السرقة والفوضى، والاعتداء على المواطنين بشكل همجي”.
يوضح شنينو (31 عامًا)، خلال حديثه، لـمواطن: "أثناء عودتي من عملي في بيع الخضار والفواكه، أوقفني أربعة مسلحين ملثمين كانوا يستقلون سيارة، وقاموا بالاعتداء عليّ بالضرب بالعصي والقضبان الحديدية، وسرقة محفظتي والمبلغ المالي الذي كان بها".
تفشي الفوضى والانفلات الأمني
أما يونس حجازي (34 عامًا)، من مخيم النصيرات وسط غزة؛ فقد نجا من موت محقق بعد نشوب شجار عائلي بالأسلحة الرشاشة أثناء ذهابه إلى عمله؛ حيث أصيب بعيار ناري في قدمه. وتابع: “لم أستطع تقديم أي بلاغ أو شكوى بحق العائلتين المتشاجرتين لغياب الأمن وانتشار الفوضى، حتى باتت عائلات بغزة تقوم بتشكيل جماعات مسلحة للنهب والسرقة والاتجار بالمخدرات وافتعال الفوضى، بعد تأكدهم من غياب القانون لمحاسبتهم”.
يوضح: “هناك أرواح أزهقت بسبب تلك المشاجرات وإطلاق النار العشوائي، وفقد المجنى عليهم حقوقهم في محاسبة القتلة لغياب الأمن، وهو الأمر الذي شجع على تفشي الفوضى والفلتان الأمنى بصورة كبيرة بالقطاع”.
كما يبين أن: “السكان بغزة باتوا عاجزين أيضًا عن شراء الخضروات والسلع الغذائية، بسبب الارتفاع الهائل بالأسعار، مع غياب دور وزارة الاقتصاد والشرطة في ضبط الأسعار ومتابعة الأسواق”.
يشير “حجازي” إلى أن: “العائلات الكبيرة هى التي تحكم سيطرتها بغزة، لنشر الفوضى وضرب السلم المجتمعي، حتى بات الأمر أقرب إلى حالة حرب أهلية، وانتشار الصراعات والشجارات داخل المجتمع”.
فوضى منتشرة
واستيقظت الفلسطينية لبنى كريزم (47 عامًا)، من بلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، قبل عدة أيام على قيام لصوص بسرقة مبلغ مالي ومصاغ ذهبي، وبعض المقتنيات المنزلية من داخل خيمتها. وتقول: “فوجئت بعدما استيقظت من النوم بوجود فتحة كبيرة في جدار الخيمة القماشية، وعلى ما يبدو أنه جرى إحداث تلك الثغرة بواسطة مشرط أو آلة حادة، وسرقة حقيبة كانت تضم نقودًا ومصاغًا ذهبيًا، وبعض الأواني والمقتنيات المنزلية”.
وأوضحت: “بعد يومين من البحث والسؤال عن مركز أمنى أو شرطي للتبليغ عن حادثة السرقة، عثرت أخيرًا على نقطة شرطية صغيرة تبعد حوالي كيلو مترين عن المنطقة التي أقطن بها، ولا يتواجد بها سوى عدد قليل من عناصر الشرطة، مقابل مجموعة كبيرة من المدنيين الذين قدموا للتبليغ عن حوادث مشابهة”.
كما أكدت أن: “بعد أسبوعين من تقديم البلاغ، وعند مراجعتي لعناصر الأمن، تم إفادتي بأن القضية نسبت ضد مجهول، ولم يتم العثور على السارق، مشيرة إلى أن: “حالات الفوضى والسرقة في انتشار وتزايد مستمر لغياب القانون والنظام والأمن”.
واعتبرت أن “هذه الحادثة تظهر حالة الفوضى والفلتان الخطيرة التي يعيشها السكان؛ فالذي يقتحم خيمة بآلة حادة في وسط الظلام، ليس غريبًا عليه أن يقوم بقتل آخرين بتلك الآلة في حال تم اعتراضه أو ثنيه عن السرقة”.
وختمت: “لا أحد من السكان بغزة يرغب أن تطول هذه الحالة، وأن تستمر الفوضى والسرقة، والجميع يتمنى أن يعود الأمن وأن تتمكن الشرطة بغزة من فرض الأمن والنظام”.
بعد غياب أجهزة الأمن "أحرس نفسي"
ونجا الشاب الفلسطيني سامي شنينو من بلدة خزاعة شرق خانيونس جنوب قطاع غزة من موت محقق، بعد أن اعتدى عليه مجموعة من المسلحين أثناء عودته من عمله إلى منزله خلال وضح النهار.
يوضح شنينو (31 عامًا)، خلال حديثه، لـمواطن: “أثناء عودتي من عملي في بيع الخضار والفواكه، أوقفني أربعة مسلحين ملثمين كانوا يستقلون سيارة، وقاموا بالاعتداء عليّ بالضرب بالعصي والقضبان الحديدية، وسرقة محفظتي والمبلغ المالي الذي كان بها”.
ويضيف: “لم أقو على النهوض من شدة الضرب والاعتداء، بعد أن كسرت يدي اليمنى وعدد من أضلع صدري، بالإضافة إلى الرضوض المتنوعة التي أصابت كافة أنحاء جسدي”.
كما أكد أن: “مصادفة، وأثناء سيرهما في الطريق، عثر عليّ شخصان وأنا ملقى أرضًا لمدة نصف ساعة تقريبًا، وقاما باصطحابي إلى المستشفى لتلقي العلاج”.
وأكمل: “بعد ساعة من وجودي داخل المستشفى حضر محقق، وقام بسؤالي عما جرى والأشخاص الذين قاموا بالاعتداء؛ فأفدته أنهم أشخاص مجهولون، ولا أعرف أحدًا منهم، نتيجة إخفاء وجوههم”.
ثم تابع: “بعد تلك الحادثة وما تعرضت له من اعتداء، ونظرًا لحالة الفلتان التي يشهدها القطاع، أصبحت أقوم على حراسة نفسي وأسرتي بشكل شخصي، بعد غياب أجهزة الأمن، والتي أثر غيابها على حياة السكان، وأمنهم وأعمالهم وحركتهم”.
خلق فراغ أمني
يقول الكاتب والمحلل السياسي شريف السيد، لمواطن: “أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى خلق فراغ أمني بالقطاع، من خلال استهداف ممنهج للمراكز الأمنية والحكومية، لنشر الفوضى والفلتان وضرب السلم المجتمعي”.
ويضيف: “تحاول سلطات الاحتلال إيجاد وخلق واقع جديد على الأرض، لمحاربة أي من مظاهر الأمن والاستقرار، والإبقاء على الفوضى، واستهداف الشرطة لإضعافها وتقويض مهامّها، كما أن الاحتلال يريد خلق وقائع جديدة يستطيع من خلالها التحكم بشكل ومستقبل قطاع غزة، ولذلك يحارب كل مظاهر الأمن والاستقرار بكل السبل”.
ويشير: “حاول الاحتلال الإسرائيلي التواصل مع العشائر وبعض العائلات الكبيرة بغزة كبديل عن حكم حركة حماس، لمحاولة التحكم بزمام الحكم بغزة”. كما أكد أن تلك العائلات رفضت المخطط الإسرائيلي، الذي يهدف لنشر الفوضى وخلق الفتنة وزعزعة الأمن والاستقرار.
ضرب النسيج المجتمعي
وتدير حركة حماس الحكومة في قطاع غزة منذ فوزها بالانتخابات التشريعية عام 2006، وتدرجت مستويات هذه الإدارة وفق المباحثات الفلسطينية الداخلية لإنهاء الانقسام الحكومي، بين غزة والضفة الغربية، وصولاً إلى تشكيل لجنة إدارية عام 2017، لإدارة الوزارات والمؤسسات الحكومية في القطاع.
وأدانت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) في بيان لها جرائم القتل وكافة مظاهر الفوضى والفلتان الأمني، و الاحتكار وارتفاع الأسعار وزيادة جرائم الثأر والسرقة، والاستقواء على المواطنين من أي أطراف داخلية كانت، وتُدين وبشدة استخدام العنف والأسلحة النارية في حل النزاعات والمشكلات؛ خاصة في ظل حرب الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر الثاني عشر على التوالي.
والذي تعمدت خلاله قوات الاحتلال الإسرائيلي، كوجه من أوجه الإبادة الجماعية إطالة أمد الحرب، واستخدام سلاح التجويع والعقوبات الجماعية وتدمير مقرات الشرطة والأجهزة الأمنية والمحاكم والنيابة العامة، عدا استهداف قوات الشرطة وإضعافها، واستهداف قوات الشرطة التي كانت تشرف على تأمين المساعدات الإنسانية وعمليات توزيعها، بما يؤكد هدف الاحتلال الإسرائيلي في كي وعي الفلسطينيين، ودفع القطاع وسكانه إلى سيناريو الفلتان الأمني والفوضى والحرب الأهلية، كأحد الأهداف الإسرائيلية لضرب النسيج الاجتماعي، وجعل القطاع منطقة منكوبة وغير صالحة للحياة، وتنعدم فيها عوامل الأمن الإنساني.
very informative articles or reviews at this time.
Fantastic site A lot of helpful info here Im sending it to some buddies ans additionally sharing in delicious And naturally thanks on your sweat